الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِنْ جَاءَ مَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ حَقٌّ لِلْعَبْدِ مُجَرَّدًا فَلَيْسَ كَذَلِكَ بِإِطْلَاقٍ، بَل جَاءَ عَلَى تَغْلِيبِ حَقِّ الْعَبْدِ فِي الأَْحْكَامِ الدُّنْيَوِيَّةِ. كَمَا أَنَّ كُل حُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَفِيهِ حَقٌّ لِلْعِبَادِ، إِمَّا عَاجِلاً وَإِمَّا آجِلاً، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الشَّرِيعَةَ إِنَّمَا وُضِعَتْ لِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، رُوِيَ عَنْ مُعَاذٍ رضي الله عنه قَال: فَقَال رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا مُعَاذُ، هَل تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَال: فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَلَاّ يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا (1) .
ثُمَّ ذَكَرَ الشَّاطِبِيُّ أَنَّ كُل الْحُقُوقِ حَتَّى حَقَّ الْعَبْدِ هُوَ حَقٌّ لِلَّهِ وَحْدَهُ بَادِئَ ذِي بَدْءٍ، فَقَال: كُل تَكْلِيفٍ حَقُّ اللَّهِ، فَإِنَّ مَا هُوَ لِلَّهِ فَهُوَ لِلَّهِ، وَمَا كَانَ لِلْعَبْدِ فَرَاجِعٌ إِلَى اللَّهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أ - مِنْ جِهَةِ حَقِّ اللَّهِ فِيهِ.
ب - وَمِنْ جِهَةِ كَوْنِ حَقِّ الْعَبْدِ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ، إِذْ كَانَ لِلَّهِ أَلَاّ يَجْعَل لِلْعَبْدِ حَقًّا أَصْلاً، إِذِ الأَْشْيَاءُ كُلُّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى وَضْعِهَا الأَْوَّل مُتَسَاوِيَةٌ، لَا قَضَاءَ لِلْعَقْل فِيهَا بِحُسْنٍ وَلَا قُبْحٍ، فَإِذَنْ كَوْنُ الْمَصْلَحَةِ مَصْلَحَةً هُوَ مِنْ قِبَل الشَّارِعِ، بِحَيْثُ يُصَدِّقُهُ الْعَقْل، وَتَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ النَّفْسُ. (2)
(1) حديث: " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا معاذ هل تدري حق الله. . . " تقدم تخريجه ف / 3.
(2)
الموافقات 2 / 317 وما بعدها.
8 -
أَرْكَانُ الْحَقِّ هِيَ:
أ - صَاحِبُ الْحَقِّ، وَهُوَ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ الشَّخْصُ الَّذِي ثَبَتَ لَهُ الْحَقُّ، كَالزَّوْجِ بِاعْتِبَارِهِ صَاحِبَ حَقٍّ عَلَى الزَّوْجَةِ بِالنِّسْبَةِ لِطَاعَتِهِ.
أَمَّا فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ فَإِنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ فِيهَا هُوَ اللَّهُ تَعَالَى وَحْدَهُ وَلَا يُشَارِكُهُ فِي هَذَا الْحَقِّ أَحَدٌ غَيْرَهُ، وَلِذَا لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إِسْقَاطَ حَقِّهِ تَعَالَى.
ب - مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ، وَهُوَ الشَّخْصُ الْمُكَلَّفُ بِالأَْدَاءِ، فَإِذَا كَانَ صَاحِبُ الْحَقِّ هُوَ اللَّهَ تَعَالَى، فَيَكُونُ الْمُكَلَّفُ بِأَدَاءِ الْحَقِّ هُوَ مَنْ عَلَيْهِ هَذَا الْحَقُّ، سَوَاءٌ أَكَانَ فَرْدًا كَمَا فِي فَرْضِ الْعَيْنِ، أَمْ جَمَاعَةً كَمَا فِي فَرْضِ الْكِفَايَةِ مَثَلاً.
ج - مَحِل الْحَقِّ أَيْ الشَّيْءُ الْمُسْتَحَقُّ، كَالْفَرَائِضِ الْخَمْسِ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى. وَالْمَال حَقِيقَةٌ، كَالْقَدْرِ الْمَقْبُوضِ مِنَ الْمَهْرِ، وَهُوَ مُعَجَّل الصَّدَاقِ أَوْ حُكْمًا، كَالْقَدْرِ الْمُؤَخَّرِ مِنَ الْمَهْرِ لأَِقْرَبِ الأَْجَلَيْنِ، وَكَذَا سَائِرُ الدُّيُونِ. وَالاِنْتِفَاعُ، كَحِل الاِسْتِمْتَاعِ بِعَقْدِ الزَّوَاجِ. وَالْعَمَل، مِثْل: مَا تَقُومُ بِهِ الزَّوْجَةُ مِنْ أَعْمَالٍ، وَتَمْكِينِ الزَّوْجِ مِنْ نَفْسِهَا. وَالاِمْتِنَاعُ عَنْ عَمَلٍ، مِثْل: عَدَمِ فِعْل الزَّوْجَةِ مَا يُغْضِبُ اللَّهَ أَوْ يُغْضِبُ الزَّوْجَ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الشَّيْءِ الْمُسْتَحَقِّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَمْنُوعٍ شَرْعًا، لأَِنَّ الأَْصْل فِي الأَْشْيَاءِ الإِْبَاحَةُ شَرْعًا إِلَاّ مَا نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ، فَإِذَا كَانَ الشَّيْءُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ فَلَا يَكُونُ حَقًّا،