الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اسْتِقْلَالاً، كَمَا لَا يَصِحُّ تَبَعًا كَأَنْ يَقُول: وَقَفْتُ عَلَى وَلَدِي وَحَمْل زَوْجَتِي. لَكِنَّهُ يَدْخُل فِي الْوَقْفِ عَلَى الذُّرِّيَّةِ وَالنَّسْل وَالْعَقِبِ، وَلَا يَدْخُل فِيمَا لَوْ قَال وَقَفْتُ عَلَى الأَْوْلَادِ، لأَِنَّهُ لَا يُسَمَّى وَلَدًا قَبْل انْفِصَالِهِ. (1)
وَقَال الْحَنَابِلَةُ: لَا يَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى حَمْلٍ أَصَالَةً، كَوَقَفْتُ دَارِي عَلَى مَا فِي بَطْنِ هَذِهِ الْمَرْأَةِ، لأَِنَّهُ تَمْلِيكٌ إِذَنْ، وَالْحَمْل لَا يَصِحُّ تَمْلِيكُهُ بِغَيْرِ الإِْرْثِ وَالْوَصِيَّةِ.
وَيَصِحُّ الْوَقْفُ عَلَى الْحَمْل تَبَعًا، كَأَنْ يَقُول: وَقَفْتُ عَلَى أَوْلَادِي وَأَوْلَادِ فُلَانٍ وَفِيهِمْ حَمْلٌ، فَيَشْمَل الْحَمْل. (2) (ر: وَقْفٌ) .
هـ -
الإِْقْرَارُ لِلْحَمْل وَالْهِبَةُ لَهُ:
15 -
يَصِحُّ الإِْقْرَارُ لِلْحَمْل إِنْ بَيَّنَ الْمُقِرُّ سَبَبًا صَالِحًا يُتَصَوَّرُ لِلْحَمْل، كَالإِْرْثِ وَالْوَصِيَّةِ، كَأَنْ يَقُول: عَلَيَّ كَذَا أَوْ عِنْدِي كَذَا لِهَذَا الْحَمْل بِإِرْثٍ وَوَصِيَّةٍ.
وَهَذَا بِاتِّفَاقِ الْفُقَهَاءِ إِذَا كَانَ الْحَمْل مُحْتَمَل الْوُجُودِ وَقْتَ الإِْقْرَارِ، بِأَنْ لَا يُولَدَ لأَِكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ أَوْ أَرْبَعَ سِنِينَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ. (3)
(1) حاشية القليوبي 3 / 99.
(2)
كشاف القناع 4 / 249، 250.
(3)
حاشية ابن عابدين 4 / 405، وجواهر الإكليل 2 / 133، 185، والحطاب مع المواق 5 / 228، وحاشية القليوبي 3 / 4، وكشاف القناع 6 / 464.
وَفِي صِحَّةِ الإِْقْرَارِ لِلْحَمْل فِي حَالَةِ الإِْطْلَاقِ وَعَدَمِ بَيَانِ السَّبَبِ تَفْصِيلٌ وَخِلَافٌ يُنْظَرُ فِي مُصْطَلَحِ: (إِقْرَارٌ) .
هَذَا. وَلَا تَصِحُّ الْهِبَةُ لِلْحَمْل، لأَِنَّهَا تَمْلِيكٌ يَحْتَاجُ إِلَى الْقَبْضِ، وَالْحَمْل لَيْسَ مِنْ أَهْل الْقَبْضِ وَتَفْصِيلُهُ فِي مُصْطَلَحِ (هِبَةٌ) .
أَثَرُ نُقْصَانِ أَهْلِيَّةِ الْحَمْل:
16 -
تَقَدَّمَ الْقَوْل بِأَنَّ الْحَمْل لَهُ أَهْلِيَّةُ وُجُوبٍ نَاقِصَةٌ، لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْحُقُوقِ الْمَالِيَّةِ، وَقَدْ صَرَّحَ الْفُقَهَاءُ بِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي مَال الْحَمْل نَفَقَةُ الأَْقَارِبِ، وَلَا يَجِبُ ثَمَنُ الْمَبِيعِ الَّذِي اشْتَرَى لَهُ وَلِيُّهُ، وَنَحْوُهُمَا مِنَ الْوَاجِبَاتِ الْمَالِيَّةِ. (1) (ر: جَنِينٌ) .
نَفْيُ الْحَمْل:
17 -
لَوْ قَال الرَّجُل لاِمْرَأَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ لَيْسَ هَذَا الْحَمْل - الْجَنِينُ - مِنِّي لَمْ يَجِبِ اللِّعَانُ فِي قَوْل أَبِي حَنِيفَةَ، لأَِنَّ الْحَمْل غَيْرُ مُتَيَقَّنِ الْوُجُودِ فَقَدْ يَكُونُ انْتِفَاخًا.
وَقَال الصَّاحِبَانِ: إِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لأَِقَل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ - الَّتِي هِيَ أَقَل مُدَّةِ الْحَمْل - مِنْ وَقْتِ الْقَذْفِ وَجَبَ اللِّعَانُ لِلتَّأَكُّدِ مِنْ وُجُودِ الْحَمْل
(1) كشف الأسرار لأصول البزدوي 4 / 139، 140، والتوضيح مع التلويح 2 / 163، والتقرير والتحبير2 / 165.
فَكَانَ مُحْتَمِلاً لِلنَّفْيِ إِذِ الْحَمْل تَتَعَلَّقُ بِهِ الأَْحْكَامُ.
وَيَقُول الْكَاسَانِيُّ: (وَلَا يُقْطَعُ نَسَبُ حَمْلٍ قَبْل الْوِلَادَةِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا، أَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَظَاهِرٌ، لأَِنَّهُ لَا يُجِيزُ نَفْيَهُ قَبْل الْوَضْعِ. وَأَمَّا عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ، فَلأَِنَّ الأَْحْكَامَ إِنَّمَا تَثْبُتُ لِلْوَلَدِ لَا لِلْحَمْل وَالْجَنِينِ، إِنَّمَا يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْوَلَدِ بِالْوِلَادَةِ. وَيَقُول: إِنَّ الْقَذْفَ إِذَا لَمْ يَنْعَقِدْ مُوجِبًا لِلِّعَانِ لَا يَنْقَطِعُ نَسَبُ الْوَلَدِ وَيَكُونُ ابْنَهُمَا وَلَا يُصَدَّقَانِ عَلَى نَفْيِهِ، لأَِنَّ النَّسَبَ قَدْ ثَبَتَ، وَالنَّسَبُ الثَّابِتُ بِالنِّكَاحِ لَا يَنْقَطِعُ إِلَاّ بِاللِّعَانِ وَاللِّعَانُ لَمْ يُوجَدْ) .
وَيُصَرِّحُ التُّمُرْتَاشِيُّ وَشَارِحُهُ: إِنْ قَال الرَّجُل لاِمْرَأَتِهِ زَنَيْتِ وَهَذَا الْحَمْل - الْجَنِينُ - مِنَ الزِّنَى تَلَاعَنَا، لِوُجُودِ الْقَذْفِ الصَّرِيحِ وَلَكِنْ لَا يَنْتَفِي الْحَمْل لِعَدَمِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ قَبْل الْوِلَادَةِ. وَيُصَرِّحُ ابْنُ مَوْدُودٍ بِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِي نَسَبُ الْحَمْل قَبْل الْوِلَادَةِ. (1)
وَيُجِيزُ مَالِكٌ فِي قَوْلٍ نَسَبَ إِلَيْهِ اللِّعَانَ أَثْنَاءَ الْحَمْل لِنَفْيِهِ وَالْحُكْمُ بِنَفْيِهِ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ، لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَاعَنَ بَيْنَ هِلَال بْنِ أُمَيَّةَ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَامِلٌ. (2) وَنَفَى النَّسَبَ
(1) البدائع 3 / 240، 246، تنوير الأبصار والدر المختار وحاشية ابن عابدين 2 / 641 الاختيار شرح المختار 2 / 230.
(2)
حديث " أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين هلال بن أمية وبين امرأته " أخرجه البخاري (الفتح 8 / 449 - ط السلفية) من حديث عبد الله بن عباس.
عَنِ الزَّوْجِ: يَقُول ابْنُ رُشْدٍ: وَالْمَشْهُورُ عَنْ مَالِكٍ فِي نَفْيِ الْحَمْل أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ اللِّعَانُ. (1) وَيَقُول الْخَطِيبُ الشَّافِعِيُّ: إِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ يَنْفِيهِ مَا دَامَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ، لأَِنَّ تَرْكَ النَّفْيِ يَتَضَمَّنُ الاِسْتِلْحَاقَ، وَاسْتِلْحَاقُ مَنْ لَيْسَ مِنْهُ حَرَامٌ. وَإِنَّمَا يُعْلَمُ إِذَا لَمْ يَطَأْ أَوْ وَطِئَهَا وَلَكِنْ وَلَدَتْهُ لأَِقَل مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَطْئِهِ، أَوْ لِزِيَادَةٍ عَلَى أَرْبَعِ سِنِينَ - الَّتِي هِيَ أَقْصَى مُدَّةِ الْحَمْل عِنْدَهُمْ - فَلَوْ عَلِمَ زِنَاهَا وَاحْتَمَل كَوْنُ الْوَلَدِ مِنْهُ وَمِنَ الزِّنَى. حَرُمَ النَّفْيُ لِرِعَايَةِ الْفِرَاشِ.
وَفِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ يَنْقُل ابْنُ قُدَامَةَ خِلَافًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَنَقَل عَنِ الْخِرَقِيِّ وَجَمَاعَةٍ أَنَّ الْحَمْل لَا يَنْتَفِي بِنَفْيِهِ قَبْل الْوَضْعِ وَلَا يَنْتَفِي حَتَّى يُلَاعِنَهَا بَعْدَ الْوَضْعِ.
وَقَال أَبُو بَكْرٍ: يَنْتَفِي الْوَلَدُ بِزَوَال الْفِرَاشِ بِاللِّعَانِ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى نَفْيِ الْحَمْل فِي اللِّعَانِ وَقِيل: يَصِحُّ لَعْنُهُ قَبْل وَضْعِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ قُدَامَةَ وَغَيْرُهُ. وَنَقَل ابْنُ قُدَامَةَ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْبَرِّ الْقَوْل بِجَوَازِ نَفْيِ الْحَمْل، وَأَنَّهُ يُنْفَى بِذَلِكَ، وَأَنَّ الآْثَارَ الَّتِي تَدُل عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْل كَثِيرَةٌ. وَلأَِنَّ الْحَمْل مَظْنُونٌ بِأَمَارَاتٍ تَدُل عَلَيْهِ. وَصَحَّحَ ابْنُ قُدَامَةَ هَذَا الْقَوْل. (2)
(1) بداية المجتهد لابن رشد 2 / 97 نهاية المحتاج 7 / 106، 146، شرح الإقناع 4 / 28.
(2)
المغني 7 / 423.