الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُبَاحُ فَصَاحِبُهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَتَرَقَّى بِهِ وَيُحَوِّلَهُ إِلَى حَقٍّ مُؤَكَّدٍ، أَوْ حَقِّ مِلْكٍ، بِقَبُولِهِ وَعِبَارَتِهِ وَحْدَهُ.
4 -
أَنَّ الْحَقَّ الثَّابِتَ يَنْتَقِل إِلَى الْوَرَثَةِ عِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ، كَمَا فِي خِيَارِ الْقَبُول، أَمَّا الْحَقُّ الْمُبَاحُ فَلَا يَنْتَقِل إِلَى الْوَرَثَةِ.
الْحَقُّ الْمُؤَكَّدُ:
49 -
الْحَقُّ الْمُؤَكَّدُ حَقٌّ اسْتَقَرَّ فِي عَيْنٍ مُعَيَّنَةٍ لَمْ تُمْلَكْ بَعْدُ، وَإِنْ كَانَتْ لِصَاحِبِهِ نَوْعَ مِلْكٍ فِي الْجُمْلَةِ، وَلَهُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ بِالْقِسْمَةِ.
وَيُسَمَّى: الْحَقَّ الْمُسْتَمِرَّ، لأَِنَّ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لَا يَقْدِرُ عَلَى إِبْطَال الْحَقِّ الْمُؤَكَّدِ مِنْ جَانِبِهِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِالْحَقِّ الْمُؤَكَّدِ لِصَاحِبِهِ، وَإِذَا امْتَنَعَ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى ذَلِكَ.
مِثَالُهُ فِي الْغَنِيمَةِ: الْحَقُّ الْمُؤَكَّدُ فِيهَا يَكُونُ بَعْدَ إِحْرَازِ الْمُسْلِمِينَ لِلْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الإِْسْلَامِ، لأَِنَّ الْحَقَّ فِيهَا قَدْ تَأَكَّدَ وَاسْتَقَرَّ بَعْدَ هَذَا الإِْحْرَازِ، لأَِنَّ الْغَنِيمَةَ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ وَالْمَعَارِكِ قَبْل الإِْحْرَازِ كَانَتْ مُجَرَّدَ حَقٍّ لَمْ يَتَأَكَّدْ بَعْدُ، حَيْثُ كَانَ هَذَا الْحَقُّ مُهَدَّدًا بِاسْتِرْدَادِ الأَْعْدَاءِ لأَِمْوَالِهِمْ، وَبَعْدَ الإِْحْرَازِ لِلْغَنَائِمِ فِي بِلَادِ الإِْسْلَامِ زَال الْخَطَرُ، وَتَأَكَّدَ الْحَقُّ، وَلَمْ يَبْقَ مُجَرَّدَ حَقٍّ، أَوْ حَقًّا مُجَرَّدًا.
قَال فِي الدُّرِّ الْمُنْتَقَى: (وَالَّذِي قَرَّرَهُ فِي الْمِنَحِ كَغَيْرِهِ: أَنَّهُ لَا مِلْكَ بَعْدَ الإِْحْرَازِ بِدَارِنَا أَيْضًا إِلَاّ
بِالْقِسْمَةِ، فَلَا يَثْبُتُ بِالإِْحْرَازِ مِلْكٌ لأَِحَدٍ، بَل يَتَأَكَّدُ الْحَقُّ، وَلِهَذَا لَوْ أَعْتَقَ وَاحِدٌ مِنَ الْغَانِمِينَ عَبْدًا بَعْدَ الإِْحْرَازِ لَا يَعْتِقُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ مِلْكٌ وَلَوْ بِشَرِكَةٍ لِعِتْقٍ.
نَعَمَ لَوْ قُسِّمَتِ الْغَنِيمَةُ عَلَى الرَّايَاتِ فَوَقَعَ عَبْدٌ بَيْنَ أَهْل رَايَةٍ صَحَّ عِتْقُ أَحَدِهِمْ لِلشَّرِكَةِ الْخَاصَّةِ، حَيْثُ كَانُوا قَلِيلاً كَمِائَةٍ فَأَقَل، وَقِيل: أَرْبَعِينَ.
وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِ الْغَانِمِينَ شَيْئًا مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْل الْقِسْمَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَمْ بَعْدَ الإِْحْرَازِ فِي دَارِنَا، لأَِنَّهَا لَا تُمْلَكُ قَبْل الْقِسْمَةِ كَمَا عَلِمْتَ، قَال فِي الْفَتْحِ: وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي بَيْعِ الْغُزَاةِ، وَأَمَّا بَيْعُ الإِْمَامِ لَهَا فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ: أَنَّهُ يَصِحُّ، لأَِنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ، يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الإِْمَامُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ) . (1)
حُكْمُ الْحَقِّ الْمُؤَكَّدِ:
50 -
أ - يُضْمَنُ عِنْدَ الإِْتْلَافِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ: (إِذَا فَوَّتَ حَقًّا مُؤَكَّدًا فَإِنَّهُ يَلْحَقُ بِتَفْوِيتِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ كَحَقِّ الْمُرْتَهِنِ، وَلِذَا لَا يَضْمَنُ بِإِتْلَافِ شَيْءٍ مِنَ الْغَنِيمَةِ قَبْل الإِْحْرَازِ، لأَِنَّ الْفَائِتَ مُجَرَّدُ الْحَقِّ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ، وَبَعْدَ الإِْحْرَازِ بِدَارِ الإِْسْلَامِ - وَلَوْ قَبْل الْقِسْمَةِ - يَضْمَنُ، لِتَفْوِيتِ حَقِيقَةِ
(1) حاشية ابن عابدين 4 / 141 مطلب في قسمة الغنيمة.
الْمِلْكِ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ فِي " إِتْلَافِهِ شَيْئًا " مِنَ الْغَنِيمَةِ بَعْدَ الإِْحْرَازِ، وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ: لِتَفْوِيتِ حَقِيقَةِ الْمِلْكِ الْحَقَّ الْمُؤَكَّدَ، إِذْ لَا تَحْصُل حَقِيقَةُ الْمِلْكِ إِلَاّ بَعْدَ الْقِسْمَةِ كَمَا مَرَّ) (1)
ب - لَا يُعْتَبَرُ دَاخِلاً فِي مِلْكِ صَاحِبِ الْحَقِّ وَلَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ، قَال فِي الْجَوْهَرَةِ:(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْغَنَائِمِ قَبْل الْقِسْمَةِ، لأَِنَّهُ لَا مِلْكَ لأَِحَدٍ فِيهَا قَبْل ذَلِكَ)(2)
ج - يُورَثُ الْحَقُّ الْمُؤَكَّدُ إِذَا مَاتَ صَاحِبُهُ بَعْدَ التَّأَكُّدِ وَقَبْل الْمِلْكِ، مِثْل: التَّحْجِيرِ. (3)
وَالْغَنِيمَةُ إِذَا أُحْرِزَتْ فِي دَارِ الإِْسْلَامِ قَبْل الْقِسْمَةِ، قَال ابْنُ عَابِدِينَ:(بَعْدَ الإِْحْرَازِ بِدَارِنَا يُورَثُ نَصِيبُ الْغَازِي إِذَا مَاتَ فِي دَارِنَا قَبْل الْقِسْمَةِ، لِلتَّأَكُّدِ لَا الْمِلْكِ، لأَِنَّهُ لَا مِلْكَ قَبْل الْقِسْمَةِ، وَهَذَا لأَِنَّ الْحَقَّ الْمُتَأَكِّدَ يُورَثُ، كَحَقِّ الرَّهْنِ وَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ، بِخِلَافِ الْحَقِّ الضَّعِيفِ) كَالشُّفْعَةِ وَخِيَارِ الشَّرْطِ.
د - يُعْتَبَرُ الْحَقُّ الْمُؤَكَّدُ مَمْلُوكًا لِصَاحِبِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِنْ لَمْ يَدْخُل فِي مِلْكِهِ بَعْدُ، إِلَاّ أَنَّهُ انْعَقَدَ لَهُ سَبَبٌ يُرَتِّبُ لَهُ حَقًّا فِي الْجُمْلَةِ، وَذَلِكَ لِمَا يَأْتِي.
1 -
أَنَّ هَذَا الْحَقَّ قَدِ اسْتَقَرَّ وَتَحَدَّدَ وَتَعَيَّنَ
(1) حاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين 4 / 518.
(2)
المرجع السابق 4 / 141
(3)
المغني لابن قدامة 6 / 154، وروضة الطالبين 5 / 286، ومغني المحتاج 3 / 103، حاشية ابن عابدين 6 / 433، الكافي لابن قدامة المقدسي 4 / 306.
الْمُسْتَحِقُّونَ لَهُ، وَلَمْ يَبْقَ إِلَاّ نَقْل الْمِلْكِيَّةِ، وَيَتِمُّ ذَلِكَ فِي الْغَنِيمَةِ الْمُحْرَزَةِ بِقِسْمَتِهَا.
2 -
أَنَّهُ يُضْمَنُ بِالإِْتْلَافِ، لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَانِمِينَ بِهِ، وَتَحَقُّقِ خُرُوجِهِ مِنْ مِلْكِ الأَْعْدَاءِ، وَانْتِهَاءِ الإِْبَاحَةِ الَّتِي لَحِقَتْ بِالْغَنِيمَةِ وَقْتَ الْمَعْرَكَةِ إِلَى قُبَيْل الإِْحْرَازِ.
قَال ابْنُ عَابِدِينَ: (وَبَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَا يُنْتَفَعُ بِشَيْءٍ مِمَّا يَجُوزُ لِلْغَانِمِينَ الاِنْتِفَاعُ بِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ، لِزَوَال الْمُبِيحِ، وَلأَِنَّ حَقَّهُمْ قَدْ تَأَكَّدَ حَتَّى يُورَثَ نَصِيبُهُمْ) . (1)
3 -
أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ الْمُؤَكَّدِ فِي الْغَنِيمَةِ لَهُ الْحَقُّ فِي الْمُطَالَبَةِ بِقِسْمَتِهَا وَتَمْلِيكِهَا، حَتَّى يَتَحَقَّقَ دُخُول نَصِيبِهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ فِي مِلْكِهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُ الْحَقِّ الْمُؤَكَّدِ صَاحِبَ اخْتِصَاصٍ أَوْ لَهُ نَوْعُ مِلْكٍ لَمَا كَانَ لَهُ الْحَقُّ فِي الْمُطَالَبَةِ بِالْقِسْمَةِ وَالتَّمْلِيكِ.
قَال الْقَرَافِيُّ: (إِذَا حِيزَتِ الْغَنِيمَةُ فَقَدِ انْعَقَدَ لِلْمُجَاهِدِينَ سَبَبُ الْمُطَالَبَةِ بِالْقِسْمَةِ وَالتَّمْلِيكِ، فَهَل يُعَدُّونَ مَالِكِينَ لِذَلِكَ أَمْ لَا؟ قَوْلَانِ: فَقِيل: يَمْلِكُونَ بِالْحَوْزِ وَالأَْخْذِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، وَقِيل: لَا يَمْلِكُونَ إِلَاّ بِالْقِسْمَةِ، وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ) - وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ - كَمَا قَالَهُ الْخَطِيبُ الشِّرْبِينِيُّ.
(1) حاشية رد المحتار 4 / 141.