الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمُسْقِطُ مَالِكًا لِلرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ، أَمْ كَانَ مَالِكًا لِلْمَنْفَعَةِ فَقَطْ بِمُقْتَضَى عَقْدٍ، كَالإِْجَارَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَالْوَصِيَّةِ بِالْمَنْفَعَةِ، أَمْ بِغَيْرِ عَقْدٍ كَتَحْجِيرِ الْمَوَاتِ لإِِحْيَائِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ الاِخْتِصَاصُ بِمَقَاعِدِ الأَْسْوَاقِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ، فَالْمَنَافِعُ تَقْبَل الإِْسْقَاطَ بِإِسْقَاطِ مُسْتَحِقِّ الْمَنْفَعَةِ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ. (1)
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَوْصَى لِرَجُلٍ بِسُكْنَى دَارِهِ فَمَاتَ الْمُوصِي وَبَاعَ الْوَارِثُ الدَّارَ وَرَضِيَ الْمُوصَى لَهُ جَازَ الْبَيْعُ وَبَطَلَتْ سُكْنَاهُ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَبِعِ الْوَارِثُ الدَّارَ وَلَكِنْ قَال الْمُوصَى لَهُ بِالْمَنْفَعَةِ: أَسْقَطْتُ حَقِّي سَقَطَ حَقُّهُ بِالإِْسْقَاطِ. (2)
وَأَمَاكِنُ الْجُلُوسِ فِي الْمَسَاجِدِ وَالأَْسْوَاقِ يَجُوزُ لِلْمُنْتَفِعِ بِهَا إِسْقَاطُ الْحَقِّ فِيهَا (3) . هَذَا بِالنِّسْبَةِ لإِِسْقَاطِهَا بِدُونِ عِوَضٍ، أَمَّا بِالنِّسْبَةِ لإِِسْقَاطِهَا بِعِوَضٍ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إِلَى قَاعِدَةِ التَّفْرِيقِ بَيْنَ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ وَمِلْكِ الاِنْتِفَاعِ، فَمَنْ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ مَلَكَ الْمُعَاوَضَةَ عَلَيْهَا، وَمَنْ مَلَكَ الاِنْتِفَاعَ فَقَطْ فَإِنَّهُ يَمْلِكُ الإِْسْقَاطَ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهِ، وَهَذَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ (4) - الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ
(1) البدائع 7 / 227 والمنثور في القواعد 3 / 393 وشرح منتهى الإرادات 2 / 260.
(2)
أشباه ابن نجم / 316، وقليوبي 2 / 312 والمنثور 3 / 230.
(3)
المنثور 3 / 394 والدسوقي 3 / 434 والقواعد لابن رجب / 199 ومنتهى الإرادات2 / 464 - 465.
(4)
منح الجليل 3 / 448، 771، ونهاية المحتاج 5 / 117 - 118، والمغني 4 / 546 - 547 ومنتهى شرح الإرادات 2 / 351، 391.
وَالْحَنَابِلَةِ - أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ فَلَهُمْ بَعْضُ الْقُيُودِ فَإِنَّ الاِعْتِيَاضَ عَنِ الْمَنَافِعِ عِنْدَهُمْ لَا يَجُوزُ إِلَاّ لِمَالِكِ الرَّقَبَةِ وَالْمَنْفَعَةِ، أَوْ لِمَالِكِ الْمَنْفَعَةِ بِعِوَضٍ، أَمَّا مَالِكُ الْمَنْفَعَةِ بِدُونِ عِوَضٍ فَلَا يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهَا. وَالْمَنَافِعُ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ بِأَمْوَالٍ. كَمَا لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ إِفْرَادُ حُقُوقِ الاِرْتِفَاقِ بِعَقْدِ مُعَاوَضَةٍ عَلَى الأَْصَحِّ وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَبَعًا. (1)
وَمِنْ أَمْثِلَةِ الْمُعَاوَضَةِ عَلَى الْمَنْفَعَةِ مَا لَوْ أَوْصَى شَخْصٌ لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِ الدَّارِ وَالثَّانِي بِسُكْنَاهَا، وَصَالَحَ الأَْوَّل الثَّانِيَ لأَِنَّ الْمُوصَى لَهُ بِعَيْنِ الدَّارِ صَالَحَ الْمُوصَى لَهُ بِسُكْنَاهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ بِمَنْفَعَةِ عَيْنٍ أُخْرَى لِتَسْلَمَ الدَّارُ لَهُ جَازَ. (2)
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي (إِجَارَةٌ - إِعَارَةٌ - وَصِيَّةٌ - وَقْفٌ - ارْتِفَاقٌ) .
د -
الْحَقُّ الْمُطْلَقُ:
26 -
الْمُرَادُ بِحَقِّ الْعَبْدِ الْمُطْلَقِ هُنَا مَا لَيْسَ بِعَيْنٍ وَلَا دَيْنٍ وَلَا مَنْفَعَةٍ كَمَا سَبَقَ، وَذَلِكَ كَحَقِّ الشُّفْعَةِ، وَحَقِّ الْخِيَارِ، وَحَقِّ الزَّوْجَةِ فِي الْقَسْمِ، وَحَقِّ الْقِصَاصِ، وَحَقِّ الأَْجَل، وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ
(1) الهداية 4 / 253 والبدائع 6 / 189 - 220 وأشباه ابن نجيم / 353 وابن عابدين 5 / 443 - 444.
(2)
ابن عابدين 4 / 15 وتكملة فتح القدير 7 / 385 وشرح منتهى الإرادات 2 / 263.
فَهَذِهِ الْحُقُوقُ وَمَا شَابَهَهَا يَجُوزُ إِسْقَاطُهَا، لأَِنَّ كُل صَاحِبِ حَقٍّ لَا يُمْنَعُ مِنْ إِسْقَاطِ حَقِّهِ مَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَانِعٌ. (1)
وَمِنَ الْمَوَانِعِ الَّتِي تَمْنَعُ إِسْقَاطَ مِثْل هَذِهِ الْحُقُوقِ مَا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
فَمِمَّا هُوَ مُتَّفَقٌ عَلَى مَنْعِ إِسْقَاطِهِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْغَيْرِ، كَحَقِّ الصَّغِيرِ فِي النَّسَبِ. فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا الْحَقُّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِمَنْ لَحِقَ بِهِ الصَّغِيرُ إِسْقَاطُ النَّسَبِ، فَمَنْ أَقَرَّ بِابْنٍ، أَوْ هُنِّئَ بِهِ فَسَكَتَ فَقَدِ الْتَحَقَ بِهِ، وَلَا يَصِحُّ لَهُ إِسْقَاطُ نَسَبِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. (2)
وَمِنْ ذَلِكَ تَصَرُّفُ الْمُفْلِسِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ لِلْفَلَسِ، فَإِنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ حَقِّ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ تَصَرُّفًا مُسْتَأْنَفًا، كَوَقْفٍ وَعِتْقٍ وَإِبْرَاءٍ وَعَفْوٍ مَجَّانًا، وَذَلِكَ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِمَالِهِ. (3)
وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ صِفَاتُ الْحُقُوقِ كَالأَْجَل وَالْجَوْدَةِ، فَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ: صِفَاتُ الْحُقُوقِ لَا تُفْرَدُ بِالإِْسْقَاطِ فِي الأَْصَحِّ فَلَا يَسْقُطُ الأَْجَل، وَمِثْلُهُ الْجَوْدَةُ بِالإِْسْقَاطِ فِي حِينِ أَنَّهُ يَجُوزُ ذَلِكَ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ. (4)
(1) البدائع 5 / 297 وشرح منتهى الإرادات 2 / 260.
(2)
الكافي لابن عبد البر 2 / 616 ونهاية المحتاج 7 / 116 والمغني 7 / 424.
(3)
الدسوقي 3 / 265 ونهاية المحتاج 4 / 305 - 306 ومنتهى الإرادات 2 / 278.
(4)
أشباه ابن نجيم / 120 والمنثور في القواعد 2 / 315 - 316.
وَغَيْرُ ذَلِكَ كَإِسْقَاطِ الْمَجْهُول، وَإِسْقَاطِ الْحَقِّ قَبْل وُجُوبِهِ، وَبَعْدَ وُجُودِ سَبَبِ الْوُجُوبِ.
وَيُنْظَرُ تَفْصِيل ذَلِكَ فِي: (إِبْرَاءٌ - إِسْقَاطٌ) .
وَأَمَّا الاِعْتِيَاضُ عَنِ الْحُقُوقِ فَالْقَاعِدَةُ عِنْدَ بَعْضِ فُقَهَاءِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّ الْحَقَّ إِذَا كَانَ مُجَرَّدًا عَنِ الْمِلْكِ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ، كَحَقِّ الشُّفْعَةِ، فَلَوْ صَالَحَ عَنْهُ بِمَالٍ بَطَل حَقُّهُ فِي الشُّفْعَةِ وَيَرْجِعُ بِهِ. إِلَخْ.
وَحَقُّ الْقَسْمِ لِلزَّوْجَةِ، وَحَقُّ الْخِيَارِ فِي النِّكَاحِ لِلْمُخَيَّرَةِ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا مُنْفَرِدًا فِي الْمَحَل الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ صَحَّ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ، كَحَقِّ الْقِصَاصِ، وَمِلْكِ النِّكَاحِ، وَحَقِّ الرِّقِّ، وَقَال آخَرُونَ مِنْهُمْ: إِنَّ الْحَقَّ إِذَا كَانَ شُرِعَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَلَا يَجُوزُ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ ثُبُوتُهُ عَلَى وَجْهِ الْبِرِّ وَالصِّلَةِ فَيَكُونُ ثَابِتًا لِصَاحِبِهِ أَصَالَةً فَيَصِحُّ الاِعْتِيَاضُ عَنْهُ. (1)
أَمَّا غَيْرُ الْحَنَفِيَّةِ فَلَمْ يُشِيرُوا إِلَى قَاعِدَةٍ يُمْكِنُ الاِسْتِنَادُ إِلَيْهَا فِي مَعْرِفَةِ ذَلِكَ، لَكِنْ بَعْدَ التَّتَبُّعِ لِبَعْضِ الْمَسَائِل يُمْكِنُ أَنْ يُقَال فِي الْجُمْلَةِ: إِنَّ الشَّافِعِيَّةَ وَالْحَنَابِلَةَ (2) يَعْتَبِرُونَ أَنَّ الْحَقَّ الَّذِي لَا يَئُول إِلَى الْمَال، أَوْ مَا لَيْسَ عَيْنًا وَلَا مَنْفَعَةً
(1) أشباه ابن نجيم / 212 وابن عابدين 4 / 14 - 15 والبدائع 6 / 49، 5 / 21.
(2)
نهاية المحتاج 6 / 382 والمهذب 1 / 291، 387 والمنثور 3 / 394، والقواعد لابن رجب / 199 وشرح منتهى الإرادات 2 / 266 وكشاف القناع 5 / 206 والمغني 4 / 162.