الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كَنَوْتُ الشَّيْءَ وَكَنَّيْتُهُ أَيْ سَتَرْتُهُ، وَفِي الاِصْطِلَاحِ: كَلَامٌ اسْتَتَرَ الْمُرَادُ مِنْهُ بِالاِسْتِعْمَال، وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ ظَاهِرًا فِي اللُّغَةِ، سَوَاءٌ أَكَانَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْحَقِيقَةَ أَمِ الْمَجَازَ. فَيَكُونُ تَرَدُّدٌ فِيمَا أُرِيدَ بِهِ، فَلَا بُدَّ مِنَ النِّيَّةِ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ دَلَالَةِ الْحَال، كَحَال مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ مَثَلاً فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ لِيَزُول التَّرَدُّدُ وَيَتَعَيَّنَ مَا أُرِيدَ مِنْهُ. (1) فَبَيْنَ الْمَجَازِ وَالْحَقِيقَةِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ وَجْهِيٌّ.
أَقْسَامُ الْحَقِيقَةِ:
5 -
الْحَقِيقَةُ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ وَضْعٍ: وَالْوَضْعُ يَأْتِي مِنَ الْوَاضِعِ، فَمَتَى تَعَيَّنَ نُسِبَتْ إِلَيْهِ الْحَقِيقَةُ، فَتَكُونُ لُغَوِيَّةً إِذَا كَانَ وَاضِعَهَا أَهْل اللُّغَةِ كَلَفْظِ الإِْنْسَانِ الْمُسْتَعْمَل فِي الْحَيَوَانِ النَّاطِقِ. وَتَكُونُ شَرْعِيَّةً إِذَا كَانَ وَاضِعَهَا الشَّارِعُ كَالصَّلَاةِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ، وَتَكُونُ عُرْفِيَّةً إِذَا كَانَ وَاضِعَهَا الْعُرْفُ سَوَاءً أَكَانَ عُرْفًا عَامًّا كَالدَّابَّةِ لِذَوَاتِ الأَْرْبَعِ وَهِيَ فِي أَصْل اللُّغَةِ لِكُل مَا يَدِبُّ عَلَى الأَْرْضِ مِنْ إِنْسَانٍ أَوْ حَيَوَانٍ، أَمْ خَاصًّا. كَمَا لِكُل طَائِفَةٍ اصْطِلَاحَاتٌ تَخُصُّهُمْ.
وَيَظْهَرُ مِنْ هَذَا أَنَّ اسْتِعْمَال اللَّفْظِ فِي مَعْنًى قَدْ يَكُونُ حَقِيقَةً بِاعْتِبَارٍ، وَمَجَازًا بِاعْتِبَارٍ آخَرَ. فَلَفْظُ (الصَّلَاةِ) إِذَا اسْتَعْمَلَهُ أَهْل الشَّرْعِ فِي
(1) التعريفات للجرجاني، وكشف الأسرار عن أصول البزدوي 1 / 65، 66.
الْعِبَادَةِ الْمَخْصُوصَةِ فَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهَا، وَهُوَ مَجَازٌ فِي الدُّعَاءِ، وَإِذَا اسْتَعْمَلَهُ أَهْل اللُّغَةِ فَهِيَ حَقِيقَةٌ فِي الدُّعَاءِ، وَمَجَازٌ فِي الأَْرْكَانِ الْمَخْصُوصَةِ. (1)
الْحُكْمُ الإِْجْمَالِيُّ:
6 -
أَوَّلاً: مِنَ الْقَوَاعِدِ الْعَامَّةِ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ أَنَّ الأَْصْل فِي الْكَلَامِ الْحَقِيقَةُ، وَلَمَّا كَانَتِ الْحَقِيقَةُ هِيَ الأَْصْل، وَالْمَجَازُ خَلَفٌ عَنْهَا فَلَا يُصْرَفُ اللَّفْظُ عَنْ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ إِلَى الْمَجَازِيِّ إِلَاّ عِنْدَ عَدَمِ إِمْكَانِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ بِأَنْ كَانَ مُتَعَذِّرًا أَوْ مُتَعَسِّرًا أَوْ مَهْجُورًا عَادَةً. (2) وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فُرُوعٌ مِنْهَا:
أ - إِذَا وَقَفَ عَلَى أَوْلَادِهِ لَا يَدْخُل فِيهِ وَلَدُ وَلَدِهِ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، وَهُوَ الأَْصَحُّ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَرِوَايَةٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ لِصُلْبِهِ اسْتَحَقَّ وَلَدُ الاِبْنِ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ، لأَِنَّ اسْمَ الْوَلَدِ حَقِيقَةٌ فِي وَلَدِ الصُّلْبِ، فَإِذَا أَمْكَنَ حَمْلُهُ عَلَى الْحَقِيقَةِ فَبِهَا وَإِلَاّ يُصَارُ إِلَى الْمَجَازِ (3) .
وَعِنْدَ الْمَالِكِيَّةِ - وَهُوَ قَوْلٌ عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ - يَدْخُل فِيهِ ابْنُ الاِبْنِ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ يَدْخُل وَلَدُ الْوَلَدِ
(1) كشف الأسرار 1 / 61 وجمع الجوامع 1 / 301 ومختصر المعاني 1 / 144.
(2)
شرح مجلة الأحكام للأتاسي 1 / 34، 35، 93، 157.
(3)
الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 70 والأشباه للسيوطي ص 69، 70، وشرح مجلة الأحكام للأتاسي 1 / 135، 157، والمغني لابن قدامة 5 / 609.
مُطْلَقًا حَمْلاً عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ. (1)
ب - لَوْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ، أَوْ لَا يَشْتَرِي، أَوْ لَا يُؤَجِّرُ أَوْ لَا يَضْرِبُ وَلَدَهُ يَحْنَثُ بِالْمُبَاشَرَةِ اتِّفَاقًا، وَإِذَا وَكَّل غَيْرَهُ بِهَذِهِ الأَْعْمَال فَبَاشَرَهَا الْوَكِيل لَا يَحْنَثُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ (الْحَنَفِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ) حَمْلاً لِلَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ، إِلَاّ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ لَا يُبَاشِرُ ذَلِكَ الْفِعْل، كَالسُّلْطَانِ وَالْقَاضِي مَثَلاً، فَيَحْنَثُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالتَّوْكِيل كِلَيْهِمَا.
وَعِنْدَ الْحَنَابِلَةِ يَحْنَثُ وَلَوْ فَعَلَهُ بِالتَّوْكِيل إِلَاّ أَنْ يَنْوِيَ مُبَاشَرَتَهُ بِنَفْسِهِ لأَِنَّ الْفِعْل يُنْسَبُ إِلَى الْمُوَكِّل فِيهِ وَالآْمِرِ بِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَتَوَلَاّهُ بِنَفْسِهِ. (2)
ج - لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُل مِنْ هَذِهِ الشَّاةِ حَنِثَ بِالأَْكْل مِنْ لَحْمِهَا، لأَِنَّهُ الْحَقِيقَةُ دُونَ لَبَنِهَا وَنِتَاجِهَا لأَِنَّهُ مَجَازٌ، وَهَذَا عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ.
وَقَال الْمَالِكِيَّةُ: يَحْنَثُ بِكُل فَرْعٍ نَشَأَ عَنِ الأَْصْل إِذَا حَلَفَ بِالاِمْتِنَاعِ عَنِ الأَْكْل مِنْهُ، سَوَاءٌ تَقَدَّمَ فَرْعُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَنِ الْيَمِينِ أَوْ تَأَخَّرَ عَنْهَا. (3) (ر: أَيْمَانٌ) .
(1) جواهر الإكليل 2 / 210، والأشباه للسيوطي ص 70، والمغني 5 / 609.
(2)
شرح المجلة للأتاسي 1 / 35، والأشباه لابن نجيم ص 70، والأشباه للسيوطي ص70 وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2 / 138، ونهاية المحتاج 8 / 204، والقوانين الفقهية لابن جزي ص 61.
(3)
حاشية الدسوقي 2 / 144.
7 -
ثَانِيًا: تَكْمِيلاً لِلْقَاعِدَةِ السَّابِقَةِ تُوجَدُ قَاعِدَتَانِ أُخْرَيَانِ:
الأُْولَى: إِذَا تَعَذَّرَتِ الْحَقِيقَةُ يُصَارُ إِلَى الْمَجَازِ.
وَلِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَيْضًا فُرُوعٌ مِنْهَا:
أ - لَوْ أَقَرَّ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ لِمَنْ لَيْسَ مِنْ نَسَبِهِ وَأَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا بِأَنَّهُ ابْنُهُ وَوَارِثُهُ ثُمَّ تُوُفِّيَ الْمُقِرُّ فَبِمَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ حَمْل كَلَامِهِ هَذَا عَلَى مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ فَيُصَارُ إِلَى الْمَجَازِ، وَهُوَ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ، وَيَأْخُذُ الْمُقَرُّ لَهُ جَمِيعَ التَّرِكَةِ. (1)
ب - إِذَا حَلَفَ لَا يَأْكُل مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ، وَكَانَتْ مِمَّا لَا يُؤْكَل عَيْنُهَا حَنِثَ بِأَكْل ثَمَرِهَا إِذَا كَانَ لَهَا ثَمَرٌ، وَإِلَاّ فَبِالأَْكْل مِنْ ثَمَنِهَا (أَوْ أَيِّ عِوَضٍ عَنْهَا) ، وَذَلِكَ لِتَعَذُّرِ الْحَقِيقَةِ، كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْفُقَهَاءُ. (2)
الثَّانِيَةُ: الْحَقِيقَةُ تُتْرَكُ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ، وَمِنْ فُرُوعِهَا:
أ - لَوْ حَلَفَ لَا يَدْخُل قَدَمُهُ فِي دَارِ فُلَانٍ فَإِنَّهُ صَارَ مَجَازًا عَنِ الدُّخُول مُطْلَقًا حَافِيًا أَوْ مُنْتَعِلاً، أَوْ رَاكِبًا، حَتَّى لَوْ وَضَعَ قَدَمَهُ فِي الدَّارِ وَهُوَ خَارِجَ الْبَيْتِ وَلَمْ يَدْخُل لَا يَحْنَثُ، وَلَوْ دَخَل رَاكِبًا وَلَمْ
(1) مجلة الأحكام العدلية م (61) .
(2)
ابن عابدين 1 / 73، وشرح المجلة للأتاسي 1 / 158، والأشباه والنظائر لابن نجيم ص 71 وجواهر الإكليل 1 / 235، ونهاية المحتاج 8 / 192، والأشباه والنظائر للسيوطي ص70.
يَضَعْ قَدَمَهُ يَحْنَثُ، وَذَلِكَ لأَِنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ مَهْجُورٌ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ (1) .
ب - مَنْ حَلَفَ لَا يَأْكُل هَذِهِ الْقِدْرَ تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ عَلَى مَا يُوجَدُ فِي الْقِدْرِ لَا عَلَى عَيْنِ الْقِدْرِ فَإِنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ أَيْ أَكْل عَيْنِ الْقِدْرِ مُحَالٌ فِي الْعَادَةِ فَتَتْرُكُ الْحَقِيقَةُ وَيُرَادُ الْمَجَازُ بِعَلَاقَةِ ذِكْرِ الْمَحِل وَإِرَادَةِ الْحَال. (2)
هَذَا، وَقَدْ يَتَعَذَّرُ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَالْمَجَازِيُّ مَعًا فَلَا يُمْكِنُ إِعْمَال الْكَلَامِ فَيُهْمَل، كَمَا لَوْ أَقَرَّ لِزَوْجَتِهِ الَّتِي هِيَ مِنْ نَسَبٍ آخَرَ مَعْرُوفٍ وَأَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا بِأَنَّهَا ابْنَتُهُ فَلَا يُمْكِنُ حَمْل كَلَامِهِ هَذَا عَلَى مَعْنًى حَقِيقِيٍّ لأَِنَّهَا مَعْرُوفَةُ النَّسَبِ وَأَكْبَرُ مِنْهُ سِنًّا، وَلَا عَلَى الْمَعْنَى الْمَجَازِيِّ أَيْ مَعْنَى الْوَصِيَّةِ لِكَوْنِهَا وَارِثَةً لَهُ وَلَا وَصِيَّتُهُ لِوَارِثِهَا فَيُهْمَل كَلَامُهُ (3) .
8 -
ثَالِثًا: لَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ فِي الإِْرَادَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الأُْصُولِيِّينَ، كَمَا فِي قَوْلِكَ: رَأَيْتُ أَسَدًا وَتُرِيدُ الْحَيَوَانَ الْمُفْتَرِسَ وَالرَّجُل الشُّجَاعَ مَعًا، وَذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمُتَنَافِيَيْنِ حَيْثُ أُرِيدَ بِاللَّفْظِ كُلٌّ مِنَ الْمَوْضُوعِ لَهُ وَغَيْرُ الْمَوْضُوعِ لَهُ مَعًا. وَلِهَذَا
(1) شرح المجلة للأتاسي 1 / 158، وابن عابدين 3 / 73.
(2)
مسلم الثبوت 1 / 221، وشرح المجلة للأتاسي 1 / 151، 157.
(3)
مجلة الأحكام العدلية م (62) .
صَرَّحُوا بِأَنَّ الْمَجَازَ خَلَفٌ لِلْحَقِيقَةِ. (1)
وَأَجَازَ الشَّافِعِيَّةُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ بِأَنْ يُرَادَ مِنَ اللَّفْظِ فِي إِطْلَاقٍ وَاحِدٍ هَذَا وَذَاكَ، إِلَاّ إِذَا لَمْ يُمْكِنِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا عَقْلاً.
وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ عُمُومِ الْمَجَازِ وَهُوَ إِرَادَةُ مَعْنًى مَجَازِيٍّ شَامِلٍ لِلْحَقِيقِيِّ وَغَيْرِهِ. (2)
وَتَفْصِيلُهُ فِي الْمُلْحَقِ الأُْصُولِيِّ.
هَذَا وَلِهَذِهِ الْقَوَاعِدِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ فِي الْوَصَايَا وَالأَْيْمَانِ وَالنُّذُورِ وَالْوَقْفِ تُنْظَرُ أَحْكَامُهَا فِي مَظَانِّهَا مِنْ كُتُبِ الْفِقْهِ.
(1) مسلم الثبوت 1 / 216، وجمع الجوامع 1 / 298.
(2)
مسلم الثبوت 1 / 216، وجمع الجوامع 1 / 298.