المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[ما وقع من الحوادث سنة 524] - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ٥

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌[تتمة ما وقع من الحوادث سنة 427]

- ‌ذكر ولاية المستنصر بالله على مصر

- ‌ذكر سبب قتل ابن حمدان المذكور

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 428]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 429]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 430]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 431]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 432]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 433]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 434]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 435]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 436]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 437]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 438]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 439]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 440]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 441]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 442]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 443]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 444]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 445]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 446]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 447]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 448]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 449]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 450]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 451]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 452]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 453]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 454]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 455]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 456]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 457]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 458]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 459]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 460]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 461]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 462]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 463]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 464]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 465]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 466]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 467]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 468]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 469]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 470]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 471]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 472]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 473]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 474]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 475]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 476]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 477]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 478]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 479]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 480]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 481]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 482]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 483]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 484]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 485]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 486]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 487]

- ‌ذكر ولاية المستعلى بالله على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 488]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 489]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 490]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 491]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 492]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 493]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 494]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 495]

- ‌ذكر ولاية الآمر بأحكام الله على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 496]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 497]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 498]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 499]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 500]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 501]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 502]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 503]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 504]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 505]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 506]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 507]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 508]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 509]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 510]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 511]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 512]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 513]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 514]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 515]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 516]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 517]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 518]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 519]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 520]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 521]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 522]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 523]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 524]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 525]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 526]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 527]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 528]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 529]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 530]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 531]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 522]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 523]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 534]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 535]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 536]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 537]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 538]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 539]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 540]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 541]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 542]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 543]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 544]

- ‌ذكر ولاية الظافر على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 545]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 546]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 547]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 548]

- ‌ذكر ولاية الفائز بنصر الله على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 549]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 550]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 551]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 552]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 553]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 554]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 555]

- ‌ذكر ولاية العاضد بالله على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 556]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 557]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 558]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 559]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 560]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 561]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 562]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 563]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 564]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 565]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 566]

- ‌ذكر ولاية أسد الدين شيركوه على مصر

الفصل: ‌[ما وقع من الحوادث سنة 524]

وفيها توفّى طاهر بن سعد الصاحب الوزير أبو علىّ المزدقانىّ «1» . كان شجاعا جوادا، بنى المسجد على الشرف «2» شمالى دمشق، ويسمّى مسجد الوزير، وكان قد عاداه وجيه الدولة «3» بن الصوفىّ، فآنتمى إلى الإسماعيليّة خوفا منه، فقتل هناك.

وفيها توفّى هبة الله بن أحمد بن محمد الحافظ المحدّث أبو محمد الأنصارىّ المعروف يا بن الأكفانىّ. سمع الكثير ولقى الشيوخ، وسمع جدّه لأمّه أبا الحسن ابن صصرى وغيره.

وفيها توفّى الحافظ أبو الفضل جعفر بن عبد الواحد الثقفى الفقيه العالم المشهور؛ مات وله تسع وثمانون سنة.

وفيها توفّى أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن الإمام أبى بكر البيهقىّ ببغداد فى جمادى الأولى، وكان فاضلا فقيها، سمع الحديث.

وفيها توفّى الفقيه المحدّث أبو الحجّاج يوسف بن عبد العزيز الميورقىّ «4» الأصل ثمّ الإسكندرى، وبها توفّى. كان إماما فقيها عالما بارعا مفتنّا فى كثير من العلوم.

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وست وعشرون إصبعا. مبلغ الزيادة ثمانى عشرة ذراعا وخمس أصابع.

*** ‌

[ما وقع من الحوادث سنة 524]

السنة التاسعة والعشرون من ولاية الآمر منصور على مصر وهى سنة أربع وعشرين وخمسمائة، وهى السنة التى قتل فيها الآمر صاحب الترجمة، حسب ما ذكرناه مفصّلا فى ترجمته أوّلا.

ص: 235

وفيها (أعنى سنة أربع وعشرين) استوزر بورى بن طغتكين صاحب دمشق المفرّج بن الصوفىّ.

وفيها وصل زنكى بن آق سنقر إلى حلب من الموصل، وقد أظهر أنّه على عزم الجهاد؛ وراسل بورى يلتمس منه المعونة على محاربة الفرنج. فأرسل إليه بورى من استحلفه الأيمان المغلّظة، واستوثق منه لنفسه ولصاحب حمص وحماة.

وفيها ظهرت بالعراق عقارب طيارة لها أجنحة، وهى ذات شوكتين؛ فقتلت من الأطفال خلقا كثيرا. قاله صاحب مرآة الزمان؛ والعهدة عليه فيما نقلناه عنه.

وفيها توفّى إبراهيم بن عثمان بن محمد أبو إسحاق العرّىّ الكلبىّ الشاعر. مولده بغزّة. كان أحد فضلاء الدهر، رحل إلى البلاد وامتدح جماعة من الرؤساء. ومن شعره وأجاد إلى الغاية:

[الكامل]

قالوا هجرت الشعر قلت ضرورة

باب البواعث والدّواعى مغلق

خلت البلاد فلا كريم يرتجى

منه النوال ولا مليح يعشق

ومن العجائب أنّه لا يشترى

ويخان فيه مع الكساد ويسرق

وفيها توفّى الحسين بن محمد بن عبد الوهّاب الإمام البارع أبو عبد الله النحوى، وهو أخو أبى الكرم «1» بن فاخر النحوىّ لأمّه. قرأ بالروايات، وسمع الحديث الكثير، واشتغل باللغة والأدب، وقال الشعر الرائق.

أمر النيل فى هذه السنة- الماء القديم سبع أذرع وأربع أصابع. مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعا وأربع أصابع.

ص: 236

ذكر ولاية «1» الحافظ لدين الله على مصر

الحافظ لدين الله أبو الميمون عبد المجيد ابن الأمير أبى القاسم محمد ابن الخليفة المستنصر بالله معدّ بن الظاهر بالله علىّ بن الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بالله نزار بن المعزّ لدين الله معدّ بن المنصور إسماعيل بن القائم محمد بن المهدىّ عبيد الله، العبيدىّ الفاطمىّ المصرىّ، الثامن من خلفاء مصر من بنى عبيد، والحادى عشر منهم ممن ولى من آبائه بالمغرب، وهم ثلاثة: المهدىّ والقائم والمنصور. وأوّل من ولى من آبائه بالقاهرة المعزّ لدين الله؛ فلهذا قلنا: هو الثامن من خلفاء مصر، والحادى عشر منهم ممن ولى بالمغرب.

وولى الحافظ الخلافة بمصر بعد قتل ابن عمه الامر أبى علىّ منصور، على ما يأتى بيانه من أقوال كثيرة. ولم يكن من خلفاء مصر من أبوه غير خليفة سواه والعاضد الآتى ذكره. ولقبوه الحافظ لدين الله، ووزر له أبو على أحمد بن الأفضل ولقّب أمير الجيوش، فأحسن إلى الناس وعاملهم بالخير وأعاد لهم مصادراتهم.

وكان قبل ولاية الحافظ هذا اضطرب أمر الديار المصرية؛ لأنّ الآمر قتل ولم يخلف ولدا ذكرا، وترك امرأة حاملا، فماج أهل مصر وقالوا: لا يموت أحد من أهل هذا البيت إلّا ويخلّف ولدا ذكرا منصوصا «2» عليه الإمامة. وكان الآمر قد نص على الحمل قبل موته؛ فوضعت الحامل بنتا، فعدلوا إلى الحافظ هذا، وانقضع

ص: 237

النسل من الآمر وأولاده. وهذا مذهب طائفة من الشّيعة المصريّين؛ فإنّ الإمامة عندهم من المستنصر إلى نزار الذي قتل بعد واقعة الإسكندريّة.

وقال صاحب مرآة الزمان: ولمّا استمر الحافظ فى خلافة مصر، ضعف أمره مع وزيره أبى علىّ أحمد بن الأفضل أمير الجيوش وقوى شوكة الوزير المذكور، وخطب للمنتظر «1» المهدىّ، وأسقط من الأذان «حىّ على خير العمل» ودعا الوزير المذكور لنفسه على المنابر بناصر إمام الحق، هادى العصاة «2» إلى اتباع الحق؛ مولى الأمم؛ ومالك فضيلتى السيف والقلم. فلم يزل كذلك حتى قتل الوزير المذكور، على ما يأتى ذكره.

وقال ابن خلّكان: «وهذا الحافظ كان كثير المرض بعلة القولنج، فعمل له شيرماه «3» الديلمىّ طبل القولنج الذي كان فى خزائنهم. ولمّا ملك السلطان صلاح الدين يوسف بن أيّوب مصر كسر فى أيّامه، وقصته مشهورة. [و «4» ] أخبرنى حفيد شيرماه المذكور أن جدّه ركّب هذا الطبل من المعادن السبعة، والكواكب السبعة فى أشرافها، وكل واحد منها فى وقته. وكان من خاصّته إذا ضربه أحد خرج الريح من مخرجه. ولهذه الخاصيّة كان ينفع من القولنج» . انتهى كلام ابن خلكان.

قلت: ونذكر سبب كسر هذا الطبل فى ترجمة السلطان صلاح الدين عند استقلاله بمملكة مصر.

ولما عظم أمر الحافظ بعد قتل الوزير المقدّم ذكره، جدد له ألقاب لم يسبق إليها، وخطب له بها على المنابر؛ وكان الخطيب يقول: «أصلح من شيّدت به الدّين

ص: 238

بعد دثوره، وأعززت به الإسلام بأن جعلته سببا لظهوره؛ مولانا وسيّدنا إمام العصر والزمان، أبا الميمون عبد المجيد الحافظ لدين الله صلى الله عليه وسلم وعلى آبائه الطاهرين، حجج الله على العالمين» . ولمّا قتل الوزير أبو علىّ أحمد المذكور- على ما يأتى ذكره- وزر للحافظ جماعة، فأساءوا التدبير، منهم أبو الفتح يانس أمير الجيوش ومات، فوزر له ابنه الحسن، ثم وزر له بهرام، ثم تولّى الحافظ الأمر بنفسه إلى أن مات.

وكان أمره مع الوزير أبى علىّ أحمد بن الأفضل أنّه لمّا قتل الخليفة الآمر كان الحافظ هذا محبوسا، فأخرجوه وأشغلوا الوقت به إلى أن يولد حمل الآمر، فإن كان صبيّا يلى الخلافة ويحلع الحافظ. وتولّى أحمد المذكور الوزارة وجعلوا الأمور إليه، وليس للحافظ إلّا مجرّد الاسم فى الخلافة. وكان الوزير المذكور شهما شجاعا عالى الهمة كابيه الأفضل وجدّه بدر الجمالى السابق ذكرهما، فاستولى على الديار المصريّة. وولدت الحامل بنتا، فاستمرّ الحافظ فى الخلافة تحت الحجر، وصار الأمر كلّه للوزير؛ فضيّق على الحافظ وحجر عليه ومنعه من الظهور وأودعه فى خزانة لا يدخل إليه أحد إلّا بأمر الأكمل (أعنى الوزير المذكور) فإنّه كان لقّب بالأكمل فى أيام وزارته. وطلع الوزير إلى القصر وأخذ جميع ما فيه، وقال: هذا كله مال أبى وجدّى؛ ثم أهمل خلفاء بنى عبيد والدعاء لهم، فإنّه كان سنيّا كأبيه، وأظهر التمسّك بالإمام المنتظر فى آخر الزمان، فجعل الدعاء فى الخطبة له، وغيّر قواعد الرافضة.

فأبغضه الأمراء والدعاة؛ لأنّ غالبهم كان رافضيّا بل الجميع. ثم أمر الوزير الخطباء بأن يدعو له بألقاب اختصّها لنفسه. فلمّا كرهه الشيعة المصريّون صمّموا على قتله.

فخرج فى العشرين من المحرّم إلى لعب الكرة، فكمن له جماعة وحمل عليه مملوك إفرنجى

ص: 239

للحافظ فطعنه وقتله وقطعوا رأسه، وأخرجوا الحافظ وبايعوه ثانيا، ونهبت دار الوزير المذكور.

وركب الحافظ إلى دار الخلافة واستولى على الخزائن، واستوزر مملوكه أبا الفتح يانس الحافظىّ. ولقّب أمير الجيوش أيضا وهو صاحب حارة اليانسية «1» ، فظهر هو أيضا شيطانا ما كرا بعيد الغور حتى خاف منه أستاذه الحافظ، فتحيّل عليه بكل ممكن وعجز حتى واطأه فرّاشه بأن جعل له فى الطهارة ماء مسموما، فاستنجى به فعمّل عليه سفله ودوّد؛ فكان يعالج بأن يلصق عليه اللحم الطرىّ فيتعلق به الدود إلى أن مات.

وقال صاحب كتاب «المقلتين فى أخبار الدولتين» : «كان الآمر قد اصطفى مملوكين، يقال لأحدهما هزبر الملوك، واسمه جوامزد «2» ؛ والآخر برغش، وينعت بالعادل. وهو صاحب المسجد «3» قبالة الروضة من بر مصر. وكان الآمر يؤثر هذا الأصغر لرشاقته. فلما قتل الآمر، وما ثم من يدبر الأمر، اعتمدا على الأمير أبى الميمون عبد المجيد، وكان أكبر الجماعة سنّا، فتحيّلا بأن قالا: إنّ الخليفة المنتقل (يعنون الآمر) كان قبل وفاته بأسبوع أشار إلى شىء من ذلك، وإنّه كان يقول عن نفسه: المسكين المقتول بالسكين، وإنّه قال: إنّ الجهة الفلانيّة حامل

ص: 240

منه، وإنّه رأى رؤيا تدلّ على أنّها ستلد ولدا ذكرا، وهو الخليفة من بعده؛ وإنّ كفالته للأمير عبد المجيد أبى الميمون. فجلس عبد المجيد المذكور كفيلا، ونعت بالحافظ لدين الله، وأن يكون هزبر الملوك وزيرا، وأن يكون الأمير الأجل السعيد يانس متولّى الباب وإسفهسالار. وكان أصله من غلمان الأفضل بن أمير الجيوش (يعنى من مماليكه) ؛ وكان من أعيان الأمراء بمصر، وقرئ بهذا التقرير سجلّ بالإيوان، والحافظ فى الشبّاك جالس، قرأه قاضى القضاة على منبر نصب له أمام الشبّاك بحضور أرباب الدولة. واستمرّ الحافظ، وانفشّ ورم الحبلى، ووزر له هذا المذكور وأميران بعده، وهما: بهرام الأرمنىّ، ورضوان بن ولخشى.

قلت: ولم يذكر هذا المؤرّخ أمر أحمد الوزير، ولا ما وقع له مع الحافظ، وهو أجدر بأخبار الفاطميّين من غيره. ولعلّه حذف ذلك لكونه كان فى أوّل الأمر. والله أعلم.

قال: استمرّ الحافظ خليفة من سنة أربع وعشرين وخمسمائة إلى جمادى الآخرة سنة أربع وأربعين وخمسمائة. وكان له من الأولاد عدّة: سليمان وهو أكبرهم وأحبّهم إليه، وحسن وكان عاقّا له، ويوسف وجبريل، هؤلاء قبل خلافته.

وولد له فى خلافته أبو منصور إسماعيل، وخلّف بعد موته. ولما ولّى العهد لسليمان أكبر أولاده فى حياته جعله يسدّ مكان الوزير، ويستريح من مقاساة الوزراء الذين يحيفون عليه ويضايقونه فى أمره ونهيه. فمات سليمان بعد ولايته العهد بشهرين، فحزن عليه شهورا. وترشّح حسن ثانيه فى العمر لولاية العهد، فلم يستصلحه أبوه الحافظ لذلك ولا أجابه إليه. فعظم ذلك على حسن المذكور، ودعا لنفسه وكاتب الأمراء وعوّل على اعتقال أبيه ليستبدّ هو بالأمر، وأطمع الناس فيما يواصلهم به إذا تمّ له الأمر؛ فامتدّت إليه الأعناق، وكاتب الأمراء وكاتبوه.

ص: 241

ثم عاودتهم عقولهم بأنّ هذا لا يتمّ مع وجود الخليفة. وكاتبوا أباه بخلاف ذلك.

فسيّر أبوه تلك الكتب إليه؛ قال: لا تعتقد أن معك أحدا. فأوقع بعدّة من الأمراء، وأخذ ما فى آدرهم. وقصد أبوه الحافظ إضعافه وصرفه عن جرأته بغير فتك، ففسد أمره وافتقر إلى أبيه. وكان حسن المذكور سيّر بهرام الأرمنى المقدّم ذكره حاشدا له ليصل إليه بالأرمن، وكان هذا (بهرام) أميرهم وكبيرهم.

فلمّا لجأ حسن إلى أبيه الحافظ احتفظ به أبوه وحرص عليه. فلما علم من بقى من الأمراء، وهم على تخوّف منه، اجتمعوا على طلبه من أبيه ليقتلوه ويأمنوا أمره؛ فوقفوا ببين القصرين فى عشرة آلاف. فراسلهم الخليفة الحافظ بلين الكلام وتقبيح مرادهم من قتل ولده، وأنّه قد أزال عنهم أمره، وأنّ ضمانه عليه فى ألّا يتصرّف أبدا؛ ووعدهم بالزيادة فى الأرزاق والإقطاعات. فلم يقبلوا شيئا من ذلك بوجه؛ وقالوا: إمّا نحن وإمّا هو؛ وإن لم نتحقّق الراحة الأبديّة منه وإلّا فلا حاجة لنا بك أيضا ونخلع طاعتك. وأحضروا الأحطاب والنيران لتحريق القصر، وبالغوا فى الإقدام عليه. فلم يجد الخليفة من ينصره عليهم؛ لأنّهم أنصاره وجنده الذين يستطيل بهم على غيرهم. فألجأته الضرورة أنّه استصبرهم ثلاثة أيّام ليتروّى فيما يعمل فى حق ولده؛ فرأى أنّه لا ينفكّ من هذه المنازلة العظيمة التى لم ير مثلها إلّا أن يقتله مستورا ويحسم مادّته ويأمن مباينة عسكره، وأنّه لا يأمن هو على نفسه، وأنّه لا بدّ من التصرف بهم وفيهم، وأنّهم لا ينفكّون من المقام ببين القصرين على هذا الأمر إلّا بعد إنجازه. وكان لخاصته طبيبان يهوديّان يقال لأحدهما أبو منصور، وللآخر ابن قرقة «1» . وكان ابن قرقة خبيرا بالاستعمالات ذكيّا. فحضر إليه أبو منصور قبل ابن قرقة، ففاوضه الخليفة فى عمل السقية القاتلة لولده؛ فتحرّج من ذلك وأنكر معرفته،

ص: 242

وحلف برأس الخليفة وبالتوراة أنّه لا يعرف شيئا من هذا فتركه. ثم حضر ابن قرقة ففاوضه فى السقية فقال: الساعة، ولا يتقطّع الجسد بل تفيض النفس لا غير، فأحضرها فى يومه؛ وألزم الخليفة ولده حسنا على شربها فشر بها ومات، وقيل للقوم سرّا: قد كان ما أردتم، فامضوا إلى دوركم. فلم يثقوا بذلك بل قالوا:

يشاهد منّا من نثق به. فأحضروا أميرا معروفا بالجرأة يقال له المعظّم جلال الدين محمد جلب راغب «1» ؛ فدخل المذكور إلى المكان الذي فيه القتيل، فوجده مسجّى وعليه ملاءة، فكشف عن وجهه وأخرج من وسطه بارشينا «2» ، فغرزه بها فى مواضع خطرة من جسده حتى تحقّق موته، وعاد إلى القوم فأخبرهم فوثقوا منه وتفرّقوا. ولما نسّاهم الحافظ أمر ابنه قبض على ابن قرقة صاحب السقية فرماه فى خزانة البنود، وأمر بارتجاع جميع أملاكه وموجوده إلى الديوان. وكانت داره «3» بالزقاق الذي كان يسكنه فرّوخ شاه بن أيّوب، تطلّ على الخليج قبالة الغزالة «4» وما فيه من الدور والحمّام؛ وهذا الدرب يعرف بدرب ابن قرقة

ص: 243

قريب باب الخوخة. ثم أنعم الخليفة على رفيقه أبى منصور وجعله رئيس اليهود، وحصلت له نعمة ضخمة.

قال: وكان الحافظ فى كلّ ستة أشهر يجرّد عسكرا إلى عسقلان بما يتحقّقه من عزمات الفرنج فى القلّة والكثرة مع من هو فيها مقيم من المركزية»

والكنانيّة وغيرهم؛ فكان القلّة من الفرسان من ثلثمائة إلى أربعمائة (يعنى الذين يسيّرهم فى التجريدة) ، والكثرة من أربعمائة إلى ستمائة؛ ويقدّم على كلّ مائة فارس أميرا، ويسلّم للأمير الخريطة؛ وهذا اسم «2» لحمل أوراق العرض من الديوان ليتّفق مع والى عسقلان على عرضهم. ثم يسلّم إليه مبلغا من المال ينفقه فيمن فاتته النفقة.

وكانت النفقة للأمراء مائة دينار، وللأجناد ثلاثين دينارا. فاتّفق أنّ والى عسقلان أرسل كتابا يعرّف الخليفة أنّ عند الفرنج حركة؛ فجرّد الخليفة فى تلك المرة العدّة الكبيرة، وفيهم جلال الدين جلب راغب «3» الأمير الذي كشف صحة موت حسن ابن الخليفة بسقية السمّ؛ فسيّر إليه الخليفة مائة دينار، وهى علامة التجريد والاهتمام؛ فتجهّز المذكور للسفر فى جملة الناس، وفى نفسه تلك الجناية التى قدّمها عند الخليفة فى ولده حتى قتله. فلمّا كان السفر جلس الخليفة ليخدموه بالوداع ويدعو لهم بالنصر والسلامة؛ فدخلوا إليه ومثلوا بين يديه لذلك وانصرفوا إلّا جلال الدين جلب راغب المذكور. فقال الخليفة: قولوا للأمير: ما وقوفك دون أصحابك! ألك حاجة؟

فقال: يأمرنى مولانا بالكلام. فقال له: قل. قال: يا مولانا ليس على وجه الأرض خليفة ابن بنت رسول الله غيرك. وقد كان الشيطان استزلّنى فأذنبت ذنبا

ص: 244

عظيما، عفو مولانا أوسع منه. فقال له: قل ما تريد غير هذا، فإنّا غير مؤاخذيك به.

فقال: يا مولانا، قد توهّمت بل تحقّقت أنّى ماض فى حالة السخط منك، وقد آليت على نفسى أن أبذلها فى الجهاد، فلعلّى أموت شهيدا فيضيع ذلك سخط مولانا علىّ.

فقال له الخليفة: أنت غنىّ عن هذا الكلام، وقد قلنا لك: إنّا ما آخذناك «1» ، فأىّ شىء تقصد؟ قال: لا يسيّرنى مولانا تبغا لغيرى، فقد سرت مرارا كثيرة مقدّما، وأخشى أن يظنّ هذا التأخير للذنب الذي أنا معترف به. قال: لا، بل مقدّما وصاحب الخريطة. وأمر بنقل الحال عن المقدّم الذي كان تقرّر للتقدّمة والخريطة.

فسّر جلال الدين جلب راغب بذلك. ثم أعطاه الخليفة أيضا مائتى دينار، وقال له: اتّسع بهذه.

قال: وكان الأغلب على أخلاق الحافظ الحلم. ومرض الخليفة مرضته التى توفّى فيها، فحمل إلى اللؤلؤة «2» خارج القصر فأثخن فى المرض فمات بها. وظهر من وصيّته أنّ ولده أبا منصور إسماعيل، وهو أصغر أولاده، هو الخليفة من بعده، مع وجود ولدين كاملين، هما أبو الحجّاج يوسف وهو أبو الخليفة العاضد الآتى ذكره، وأبو الأمانة جبريل. فعقدت عليه الخلافة من بعده، ونعت بالظافر بأمر الله، وأن يستوزر له الأمير نجم «3» الدين بن مصال» . انتهى كلام صاحب المقلتين.

وقال ابن القلانسىّ: «وفى سنة أربع وأربعين وخمسمائة ورد الخبر من مصر بوفاة الحافظ بأمر الله، وولى الوزارة أمير الجيوش أبو الفتح بن مصال المغربىّ؛ فأحسن السيرة وأجمل السياسة، فاستقامت الأحوال. ثم حدث بعد ذلك من

ص: 245