المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ولاية المستعلى بالله على مصر - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ٥

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌[تتمة ما وقع من الحوادث سنة 427]

- ‌ذكر ولاية المستنصر بالله على مصر

- ‌ذكر سبب قتل ابن حمدان المذكور

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 428]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 429]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 430]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 431]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 432]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 433]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 434]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 435]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 436]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 437]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 438]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 439]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 440]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 441]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 442]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 443]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 444]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 445]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 446]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 447]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 448]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 449]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 450]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 451]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 452]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 453]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 454]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 455]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 456]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 457]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 458]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 459]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 460]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 461]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 462]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 463]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 464]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 465]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 466]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 467]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 468]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 469]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 470]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 471]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 472]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 473]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 474]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 475]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 476]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 477]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 478]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 479]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 480]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 481]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 482]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 483]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 484]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 485]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 486]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 487]

- ‌ذكر ولاية المستعلى بالله على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 488]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 489]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 490]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 491]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 492]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 493]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 494]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 495]

- ‌ذكر ولاية الآمر بأحكام الله على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 496]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 497]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 498]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 499]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 500]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 501]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 502]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 503]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 504]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 505]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 506]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 507]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 508]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 509]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 510]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 511]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 512]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 513]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 514]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 515]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 516]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 517]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 518]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 519]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 520]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 521]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 522]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 523]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 524]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 525]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 526]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 527]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 528]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 529]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 530]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 531]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 522]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 523]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 534]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 535]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 536]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 537]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 538]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 539]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 540]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 541]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 542]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 543]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 544]

- ‌ذكر ولاية الظافر على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 545]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 546]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 547]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 548]

- ‌ذكر ولاية الفائز بنصر الله على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 549]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 550]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 551]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 552]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 553]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 554]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 555]

- ‌ذكر ولاية العاضد بالله على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 556]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 557]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 558]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 559]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 560]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 561]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 562]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 563]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 564]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 565]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 566]

- ‌ذكر ولاية أسد الدين شيركوه على مصر

الفصل: ‌ذكر ولاية المستعلى بالله على مصر

‌ذكر ولاية المستعلى بالله على مصر

المستعلى بالله خليفة مصر اسمه أحمد وكنيته أبو القاسم بن المستنصر بالله معدّ ابن الظاهر بالله علىّ بن الحاكم بأمر الله منصور بن العزيز بالله نزار بن المعزّ لدين الله معدّ بن المنصور إسماعيل بن القائم محمد بن المهدىّ عبيد الله، السادس من خلفاء مصر الفاطميّين بنى عبيد، والتاسع ممّن ولى من أجداده الخلافة بالمغرب. بويع بالخلافة بعد موت أبيه المستنصر معدّ فى يوم عيد الغدير، يوم ثامن عشر ذى الحجة سنة سبع وثمانين. ومولده بالقاهرة فى المحرّم سنة سبع وستين وأربعمائة.

ولمّا ولى الخلافة كانت سنه يوم ذاك نيّفت على عشرين سنة. وقال ابن خلّكان:

مولده لعشر ليال بقين من المحرّم، وذكر السنة. وكان القائم بأمره الأفضل شاهنشاه بن بدر الجمالىّ؛ فإنّ المستنصر كان قد أجلس بعده ابنه أبا منصور نزارا أكبر أولاده، وجعل إليه ولاية العهد بالخلافة. فلمّا مرض المستنصر أراد أخذ البيعة له فتقاعد الأفضل شاهنشاه ودافع المستنصر من يوم إلى يوم حتّى مات المستنصر؛ وكان ذلك كراهة من الأفضل فى نزار ولد المستنصر. وسببه أن نزارا خرج ذات يوم فى حياة أبيه المستنصر فإذا الأفضل راكب وقد دخل من أحد أبواب القصر، فصاح به نزار المذكور: انزل يا أرمنىّ يا نجس!. فحقدها عليه الأفضل وصار كلّ منهما يكره الآخر. فاجتمع الأفضل بعد موت المستنصر بالأمراء والخواصّ وخوّفهم من نزار وأشار عليهم بولاية أخيه الصغير أبى القاسم أحمد، فرضوا بذلك ما خلا محمود بن مصال اللّكّىّ «1» فإنّ نزارا كان وعده بالوزارة والتّقدمة على الجيوش مكان الأفضل. فلمّا علم ابن مصال الحال أعلم نزارا بذلك،

ص: 142

وبادر الأفضل بإخراج أبى القاسم أحمد هذا وبايعه ونعته بالمستعلى بالله، وذلك بكرة يوم الخميس لاثنتى عشرة ليلة بقيت من ذى الحجة، وأجلسه على سرير الخلافة، وجلس الأفضل شاهنشاه على دكّة الوزارة، وحضر قاضى القضاة المؤيّد بنصر الأنام علىّ بن نافع بن الكحّال والشهود معه، وأخذوا البيعة على مقدّمى الدولة ورؤسائها وأعيانها. ثم مضى الأفضل إلى إسماعيل وعبد الله ابنى المستنصر وهما بالمسجد بالقصر والموكّلون عليهما، فقال لهما: إنّ البيعة تمّت لمولانا المستعلى بالله، وهو يقرئكما السلام ويقول لكما: تبايعان أم لا؟ فقالا: السمع والطاعة؛ إنّ الله اختاره علينا؛ وقاما وبايعاه. فكتب الأفضل بذلك سجلّا قرأه الشريف سناء الملك محمد بن محمد الحسينىّ الكاتب بديوان الإنشاء على الأمراء. وأمّا أمر نزار فإنّه بادر وخرج من وقته وأخذ معه أخاه عبد الله الذي بايع وابن مصال اللّكّىّ وتوجّهوا إلى الإسكندريّة، وكان الوالى بها ناصر الدولة أفتكين التركىّ أحد مماليك أمير الجيوش بدر الجمالىّ (أعنى والد الأفضل هذا) ، فعرّفوه الحال ووعده نزار بالوزارة، فطمع أفتكين فى ذلك، وبايع نزارا المذكور، وبايع أيضا جميع أهل الإسكندرية، ولقّب المصطفى لدين الله. ثم وقع لنزار هذا أمور وحروب مع الأفضل نذكر منها نبذة من أقوال جماعة من المؤرخين.

قال العلّامة شمس الدين يوسف بن قزأوغلى فى تاريخه مرآة الزمان- بعد ما ساق نسبه بنحو ما ذكرناه وأقلّ- قال: وكان المتصرّف فى دولته الأفضل ابن أمير الجيوش (يعنى عن المستعلى) . قال: وكان هرب أخوه نزار بن المستنصر إلى الإسكندريّة وبها أفتكين مولى أبيه. قلت: وهذا بخلاف ما ذكره غيره من أنّ أفتكين كان مولى لبدر الجمالىّ والد الأفضل شاهنشاه. قال: وزعم نزار أنّ أباه عهد إليه، فقام له بالأمر أفتكين ولقّبه ناصر الدولة. وأخذ له البيعة على

ص: 143

أهل البلد، وساعده ابن عمّار «1» قاضى الإسكندرية. فتوجّه الأفضل إلى الإسكندرية وضايقها؛ فخرج إليه أفتكين فهزمه وعاد الأفضل إلى القاهرة (يعنى مهزوما) فحشد وعاد إليها ونازلها وافتتحها عنوة وقتل أعيان أهلها، واعتقل أفتكين وابن عمّار. فكتب ابن عمّار إلى الأفضل ورقة من الحبس يقول فيها:

[البسيط]

هل أنت منقذ شلوى من يدى زمن

أضحى يقدّ أديمى قدّ منتهس

دعوتك الدّعوة الأولى وبى رمق

وهذه دعوة والدهر مفترسى

فلم تصل إليه الورقة حتّى قتل. فلمّا وقف عليها قال: والله لو وقفت عليها قبل ذلك ما قتلته. وكان ابن عمّار المذكور من حسنات الدهر. وقدم الأفضل بأفتكين ونزار إلى القاهرة، وكان أفتكين يلعن المستعلى والأفضل بن أمير الجيوش على المنابر؛ فقتله المستعلى بيده وبنى على أخيه نزار حائطا فهو تحته إلى الآن. وكان للمستعلى أخ اسمه عبد الله [فظفر «2» به الأفضل] . انتهى كلام صاحب مرآة الزمان بآختصار.

وقال غيره: ولمّا استهلّت سنة ثمان وثمانين خرج الأفضل بعساكر مصر إلى الإسكندريّة، وهناك نزار وأفتكين، فكانت بينهم حرب شديدة بظاهر الإسكندرية، انكسر فيها الأفضل بمن معه، ورجع إلى القاهرة منهزما؛ فخرج نزار ونهب أكثر البلاد بالوجه البحرىّ. وأخذ الأفضل فى التجهّز لقتال نزار، ودسّ إلى جماعة ممّن كان مع نزار من العربان واستمالهم عنه، ثمّ خرج بالعساكر ثانيا إلى نحو الإسكندريّة، فكانت بينهم أيضا وقعة بظاهر الإسكندريّة انكسر فيها نزار بمن معه إلى داخل الإسكندرية؛ فحاصرهم الأفضل حصارا شديدا إلى ذى القعدة.

ص: 144

فلمّا رأى ذلك ابن مصال جمع ماله وفرّ إلى الغرب. وكان سبب فرار ابن مصال أنّه رأى فى منامه أنه راكب فرسا وسار والأفضل ماش فى ركابه؛ فقال له المعبّر:

الماشى على الأرض أملك لها؛ فلمّا سمع ذلك فرّ. ولمّا فرّ ابن مصال صعفت قوى نزار وأفتكين وخافا وطلبا من الأفضل الأمان فأمّنهما ودخل البلد؛ ثم قبض على نزار وأفتكين وبعث بهما إلى مصر، وكان ذلك آخر العهد بنزار. وكان مولد نزار فى يوم الخميس العاشر من شهر ربيع الأول سنة سبع وثلاثين وأربعمائة. وقيل:

إنّ الأفضل بنى لنزار حائطين وجعله بينهما إلى أن مات. وأمّا أفتكين نائب الإسكندريّة فإنّه قتله بعد ذلك. ولم يزل الأفضل يؤمّن ابن مصال حتّى حضر إليه بالقاهرة ولزم داره حتّى رضى عنه الأفضل. انتهى ذكر نزار وكيفيّة قتله.

وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ: وفى أيّامه وهنت دولتهم (يعنى المستعلى صاحب الترجمة) . قال: وانقطعت دعوتهم من أكثر مدن الشام، واستولى عليها الأتراك والفرنج، ونزل الفرنج على أنطاكية وحصروها ثمانية أشهر، وأخذوها فى سادس عشر رجب سنة إحدى وتسعين وأربعمائة، وأخذوا المعرة سنة اثنتين وتسعين، ثم أخذوا القدس فيها أيضا فى شعبان، واستولى الملاعين على كثير من مدن الساحل. ولم يكن المستعلى مع الأفضل بن أمير الجيوش حكم. وفى أيّامه هرب أخوه نزار إلى الإسكندريّة، فأخذ له البيعة على أهل الثغر أفتكين، وساعده قاضى الثغر ابن عمّار، وأقاموا على ذلك سنة. فجاء الأفضل سنة ثمان وثمانين وحاصر الثغر وخرج إليه أفتكين فهزمه، ثم نازلها ثانيا وافتتحها عنوة وقتل جماعة، وأتى القاهرة بنزار وأفتكين، فذبح أفتكين صبرا، وبنى المستعلي على أخيه حائطا، فهو تحته إلى

ص: 145

الآن: انتهى كلام الذهبىّ. قلت: ومن حينئذ نذكر كيفيّة أخذ الفرنج للسواحل فى أيام المستعلى هذا، وهو كالشرح لمقالة الذهبىّ وغيره:

كان أوّل حركة الفرنج لأخذ السواحل وخروجهم إليها فى سنة تسعين وأربعمائة، فساروا إليها، فأوّل ما أخذوا نيقية «1» ، وهو أوّل بلد فتحوه وأخذوه من المسلمين.

ثمّ فتحوا حصون الدروب شيئا بعد شىء، ووصلوا إلى البارة «2» وجبل السّمّاق «3» وفامية وكفر طاب «4» ونواحيها. وفى سنة إحدى وتسعين وأربعمائة ساروا إلى أنطاكية ولم ينازلوها، وجاءوا إلى المعرّة فنصبوا عليها السّلا لم فنزلوا إليها فقتلوا من أهلها مائة ألف إنسان، قاله أبو المظفّر سبط ابن الجوزىّ؛ قال: وسبوا مثلها. ثمّ دخلوا كفر طاب وفعلوا مثل ذلك، وعادوا إلى أنطاكية، وكان بها الأمير شعبان «5» . وقيل شقبان، وقيل فى اسمه غير ذلك- وكان على الفرنج صنجيل، فحاصرها مدّة؛ فنافق رجل من أنطاكية يقال له فيروز «6» وفتح لهم فى الليل شبّاكا فدخلوا منه، ووضعوا السيف، وهرب شعبان وترك أهله وأمواله وأولاده بها. فلما بعد عن البلد «7» ندم على ذلك، فنزل عن فرسه فحثى التّراب على رأسه وبكى ولطم، وتفرّق عنه أصحابه وبقى وحده؛ فمرّ به رجل أرمنىّ حطّاب فعرفه فقتله وحمل رأسه إلى صنجيل ملك الفرنج.

ص: 146

وقال أبو يعلى [بن] القلانسىّ: فى جمادى الأولى ورد الخبر بأنّ قوما من أهل أنطاكية عملوا عليها وواطئوا الفرنج على تسليمها إليهم لإساءة تقدّمت من حاكم البلد فى حقّهم ومصادرته لهم، ووجدوا الفرصة فى برج من الأبراج التى للبلد مما يلى الجبل، فباعوهم إيّاه، وأصعدوا منه فى السّحر وصاحوا «1» ، فانهزم ياغى سيان وخرج فى خلق عظيم فلم يسلم منهم شخص؛ فسقط الأمير عن فرسه عند معرّة مصرين، فحمله بعض أصحابه وأركبه فلم يثبت على ظهر الفرس وسقط ثانيا فمات.

وأمّا أنطاكية فقتل منها وسبى من الرجال والنساء والأطفال ما لا يدركه حصر، وهرب إلى القلعة قدر ثلاثة آلاف تحصّنوا بها.

وكان أخذ المعرّة فى ذى الحجّة بعد أخذ أنطاكية. ولمّا وقع ذلك اجتمع ملوك الإسلام بالشام، وهم رضوان صاحب حلب وأخوه دقماق وطغتكين وصاحب «2» الموصل وسكمان «3» بن ارتق صاحب ماردين وأرسلان شاه صاحب سنجار «4» - ولم ينهض الأفضل بإخراج عساكر مصر. وما أدرى ما كان السبب فى عدم إخراجه مع قدرته على المال والرجال- فاجتمع الجميع ونازلوا أنطاكية وضيّقوا على الفرنج حتّى أكلوا ورق الشجر. وكان صنجيل مقدّم الفرنج عنده دهاء ومكر، فرتّب مع راهب حيلة وقال: اذهب فآدفن هذه الحربة فى مكان كذا، ثم قل للفرنج بعد ذلك: رأيت المسيح فى منامى وهو يقول: فى المكان الفلانىّ حربة مدفونة فآطلبوها، فإن

ص: 147

وجدتموها فالظّفر لكم، وهى حربتى، فصوموا ثلاثة أيّام وصلّوا وتصدّقوا ثم قام وهم معه إلى المكان ففتّشوه «1» فظهرت الحربة؛ فصاحوا وصاموا وتصدّقوا وخرجوا إلى المسلمين، وقاتلوهم حتى دفعوهم عن البلد؛ فثبت جماعة من المسلمين فقتلوا عن آخرهم، رحمهم الله تعالى. والعجب أنّ الفرنج لمّا خرجوا إلى المسلمين كانوا فى غاية الضعف من الجوع وعدم القوت حتّى إنهم أكلوا الميتة وكانت عساكر الإسلام فى غاية القوّة والكثرة، فكسروا المسلمين وفرّقوا جموعهم، وانكسر أصحاب الجرد السوابق، ووقع السيف فى المجاهدين والمطّوّعين. فكتب دقماق ورضوان والأمراء إلى الخليفة (أعنى المستظهر العباسىّ) يستنصرونه؛ فأخرج الخليفة أبا نصر ابن الموصلايا إلى السلطان بركياروق ابن السلطان ملكشاه السلجوقىّ يستنجده. كلّ ذلك وعساكر مصر لم تهيّأ للخروج.

وأمّا أخذ بيت المقدس فكان فى يوم الجمعة ثالث عشرين شعبان سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة، وهو أنّ الفرنج ساروا من أنطاكية ومقدّم الفرنج كندهرى فى ألف ألف، منهم خمسمائة ألف مقاتل فارس، والباقون رجّالة وفعلة وأرباب آلات من مجانيق وغيرها، وجعلوا طريقهم على الساحل وكان بالقدس افتخار الدولة من قبل المستعلى خليفة مصر صاحب الترجمة، فأقاموا يقاتلون أربعين يوما، وعملوا برجين مطلّين على السور؛ أحدهما بباب صهيون، والآخر بباب العمود وباب الأسباط، وهو برج الزاوية؛ ومنه فتحها السلطان صلاح الدّين بن أيوب، على ما يأتى ذكره إن شاء الله تعالى. فأحرق المسلمون البرج الذي كان بباب صهيون وقتلوا من فيه. وأمّا الآخر فزحفوا به حتّى ألصقوه بالسور، وحكموا به على البلد، وكشفوا من كان عليه من المسلمين؛ ثم رموا بالمجانيق والسّهام رمية رجل واحد،

ص: 148

فانهزم المسلمون فنزلوا إلى البلد، وهرب الناس إلى الصخرة والأقصى واجتمعوا بها، فهجموا عليهم وقتلوا فى الحرم مائة ألف وسبوا مثلهم، وقتلوا الشيوخ والعجائز وسبوا النساء، وأخذوا من الصخرة والأقصى سبعين قنديلا، منها عشرون ذهبا فى كلّ قنديل ألف مثقال، ومنها خمسون فضّة فى كلّ قنديل ثلاثة آلاف وستمائة درهم بالشامىّ، وأخذوا تنّورا من فضّة زنته أربعون رطلا بالشامىّ، وأخذوا من الأموال ما لا يحصى. وكان بيت المقدس منذ افتتحه عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- فى سنة ستّ عشرة من الهجرة، لم يزل بأيدى المسلمين إلى هذه السنة. هذا كلّه وعسكر مصر لم يحضر، غير أنّ الأفضل شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالىّ صاحب أمر مصر لمّا بلغه أنّ الفرنج ضايقوا بيت المقدس خرج فى عشرين ألفا من عساكر مصر وجدّ فى السير، فوصل إلى القدس يوم ثانى فتحه ولم يعلم بذلك.

فقصده الفرنج وقاتلوه، فلم يثبت لهم ودخل عسقلان بعد أن قتل من أصحابه عدد كثير؛ فأحرق الفرنج ما حول عسقلان وقطعوا أشجارها، ثم عادوا إلى القدس. ثم عاد الأفضل إلى مصر بعد أمور وقعت له مع الفرنج. واستمرّ بيت المقدس مع الفرنج، فلا قوّة إلّا بالله.

وقال ابن القلانسىّ: إنّ أخذ المعرّة كان فى هذه السنة أيضا، وإنّه كان قبل أخذ بيت المقدس. قال: وزحف الفرنج فى محرم هذه السنة إلى سور المعرّة من الناحية الشرقيّة والشمالية، وأسندوا البرج إلى سورها، فكان أعلى منه. ولم يزل الحرب عليها إلى وقت المغرب من اليوم الرابع عشر من المحرّم، وصعدوا السور، وانكشف أهل البلد بعد أن تردّدت إليهم رسل الفرنج، وأعطوهم الأمان على نفوسهم وأموالهم وألّا يدخلوا إليهم، بل يبعثوا إليهم شحنة «1» فمنع من ذلك الخلف

ص: 149

بين أهلها، فملكت الفرنج البلد بعد المغرب بعد أن قتل من الفريقين خلق كثير، ثم أعطوهم الأمان. فلمّا ملكوها غدروا بهم وفعلوا تلك الأفعال القبيحة وأقاموا عليها، إلى أن رحلوا عنها فى آخر شهر رجب إلى القدس. وانجفل الناس بين أيديهم، فجاءوا إلى الرملة فأخذوها عند إدراك الغلّة، ثم انتهوا إلى القدس. وذكر فى أمر القدس نحوا مما قلناه، غير أنّه زاد فقال: ولمّا بلغهم (يعنى الفرنج) خروج الأفضل من مصر جدّوا فى القتال ونزلوا من السور وقتلوا خلقا كثيرا، وجمعوا اليهود فى الكنيسة وأحرقوها عليهم، وهدموا المشاهد وقبر الخليل- عليه السلام وتسلّموا محراب داود بالأمان. ووصل الأفضل بالعساكر وقد فات الأمر، فنزل عسقلان فى يوم رابع عشر شهر رمضان ينتظر الأسطول فى البحر والعرب؛ فنهض إليه مقدّم الفرنج فى خلق عظيم، فانهزم العسكر المصرىّ إلى ناحية عسقلان؛ ودخل الأفضل عسقلان، ولعبت سيوف الفرنج فى العسكر والرجال والمطّوّعة وأهل البلد، وكانوا زهاء عن عشرة آلاف نفس، ومضى الأفضل. وقرّر الفرنج على أهل البلد عشرين ألف دينار تحمل إليهم، وشرعوا فى جبايتها من أهل البلد؛ فاختلف المقدّمون فرحلوا ولم يقبضوا من المال شيئا. ثم قال: وحكى أنّه قتل من أهل عسقلان من شهودها وتجارها وأحداثها سوى أجنادها ألفان وسبعمائة نفس.

ولما تمّت هذه الحادثة خرج المستنفرون من دمشق مع قاضيها زين الدين أبى سعد الهروىّ، فوصلوا بغداد وحضروا فى الديوان وقطّعوا شعورهم واستغاثوا وبكوا، وقام القاضى فى الديوان وأورد كلاما أبكى الحاضرين، وندب من الديوان من يمضى إلى العسكر السلطانىّ ويعرّفهم بهذه المصيبة؛ فوقع التقاعد لأمر يريده

ص: 150

الله. فقال القاضى الهروىّ- وقيل: هى لأبى «1» المظفّر الأبيوردىّ- القصيدة التى أوّلها:

[الطويل]

مزجنا دماء بالدموع السواجم

فلم يبق منا عرضة للمراجم «2»

ومنها:

وكيف تنام العين ملء جفونها

على هفوات «3» أيقظت كلّ ناتم

وإخوانكم بالشام يضحى مقيلهم

ظهور المذاكى «4» أو بطون القشاعم «5»

ومنها:

وكاد لهنّ المستجنّ بطيبة

ينادى بأعلى الصوت يا آل هاشم

أرى أمتى لا يشرعون إلى العدا

رماحهم والدين واهى الدعائم

ومنها:

وليتهم إذ لم يذودوا حميّة

عن الدين ضنّوا غيرة بالمحارم

وإذ زهدوا فى الأجر إذ حمى «6» الوغى

فهلّا أتوه رغبة فى الغنائم

وقال آخر:

[الوافر]

أحلّ الكفر بالإسلام ضيما

يطول عليه للدين النّحيب

فحقّ ضائع وحمّى مباح

وسيف قاطع ودم صبيب

وكم من مسلم أمسى سليبا

ومسلمة لها حرم سليب

ص: 151

وكم من مسجد جعلوه ديرا

على محرابه نصب الصليب

دم الخنزير فيه لهم خلوق

وتحريق المصاحف فيه طيب

أمور لو تأملهنّ طفل

لطفّل «1» فى عوارضه المشيب

أتسبى المسلمات بكلّ ثغر

وعيش المسلمين إذا يطيب

أمّا لله والإسلام حقّ

يدافع عنه شبّان وشيب

فقل لذوى البصائر حيث كانوا

أجيبوا الله ويحكم أجيبوا

وقال الناس فى هذا المعنى عدّة مراث. والمقصود أنّ القاضى ورفقته عادوا من بغداد إلى الشام بغير نجدة. ولا قوة إلّا بالله!. ثم إنّ الأفضل بن أمير الجيوش جهّز من مصر جيشا كثيفا وعليه سعد الدولة القواسىّ فى سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة، فخرج سعد الدولة المذكور من مصر بعسكره فالتقى مع الفرنج بعسقلان؛ ووقف سعد الدولة فى القلب، فقاتل قتالا شديدا، فكبا به فرسه فقتل. وثبت المسلمون بعد قتله وحملوا على الفرنج فهزموهم إلى قيسارية «2» . فيقال: إنّهم قتلوا من الفرنج ثلثمائة ألف، ولم يقتل من المسلمين سوى مقدّم عسكرهم سعد الدولة القواسىّ المذكور ونفر يسير. قاله صاحب مرآة الزمان. وقال الذهبىّ فى تاريخه: هذه مجازفة عظيمة (يعنى كونه قال قتل ثلثمائة ألف من الفرنج) . انتهى. قلت: ومن يومئذ بدأت الفرنج فى أخذ السواحل حتّى استولوا على الساحل الشامى بأجمعه إلى أن استولت الدولة الأيوبيّة والتركيّة واسترجعوها شيئا بعد شىء، حسب ما يأتى ذكره إن شاء الله فى هذا الكتاب.

ص: 152

ومات المستعلى صاحب الترجمة فى يوم الثلاثاء تاسع صفر سنة خمس وتسعين وأربعمائة، وقيل: فى ثالث عشر صفر، والأوّل أشهر. ومات وله سبع وعشرون سنة، وكانت خلافته سبع سنين وشهرين وأياما. وتولّى الخلافة بعده ابنه الآمر بأحكام الله منصور. وكان المتصرّف فى دولته وزيره الأفضل سيف الإسلام شاهنشاه بن أمير الجيوش بدر الجمالىّ. فانتظمت أحوال مصر بتدبيره؛ واشتغل بها عن السواحل الشاميّة حتى استولت الفرنج على غالبها؛ وندم على ذلك حين لا ينفع الندم.

وكان المستعلى حسن الطريقة فى الرعيّة، جميل السيرة فى كافّة الأجناد، ملازما لقصره كعادة أبيه، مكتفيا بالأفضل فيما يريده، إلا أنّه كان مع تقاعده عن الجهاد وتهاونه فى أخذ البلاد متغاليا فى الرّفض والتشيّع؛ كان يقع منه الأمور الشنيعة فى مأتم عاشوراء، وببالغ فى النّوح والمأتم، ويأمر الناس بلبس المسوح وغلق الحوانيت واللطم والبكاء زيادة عما كان يفعله آباؤه، مع أنّ الجميع رافضة، ولكنّ التفاوت نوع آخر.

وأما الذي كان يفعله آباؤه وأجداده من النّوح فى يوم عاشوراء والحزن وترتيبه، فإذا كان يوم العاشر من المحرّم احتجب الخليفة عن الناس، فإذا علا النهار ركب قاضى القضاة والشهود وقد غيروا زيّهم ولبسوا قماش الحزن، ثم صاروا إلى المشهد الحسينىّ بالقاهرة- وكان قبل ذلك يعمل المأتم بالجامع الأزهر- فإذا جلسوا فيه بمن معهم من الأمراء والأعيان وقرّاء الحضرة والمتصدّرين فى الجوامع، جاء الوزير فجلس صدرا، والقاضى وداعى الدّعاة من جانبيه، والقرّاء يقرءون نوبة بنوبة، ثم ينشد قوم من الشعراء غير شعراء الخليفة أشعارا يرثون بها الحسن والحسين وأهل البيت، وتصيح الناس بالضجيج والبكاء والعويل- فإن كان الوزير رافضيّا على

ص: 153

مذهب القوم تغالوا فى ذلك وأمعنوا، وإن كان الوزير سنّيّا اقتصروا- ولا يزالون كذلك حتّى تمضى ثلاث ساعات، فيستدعون إلى القصر عند الخليفة بنقباء الرسائل؛ فيركب الوزير وهو بمنديل صغير إلى داره، ويدخل قاضى القضاة والداعى ومن معهما إلى باب الذهب (أحد أبواب القصر) فيجدون الدّهاليز قد فرشت مساطبها بالحصر والبسط «1» ، وينصب فى الأماكن الخالية الدكك لتلحق بالمساطب وتفرش؛ ويجدون صاحب الباب جالسا هناك، فيجلس القاضى والداعى إلى جانبه والناس على اختلاف طبقاتهم؛ فيقرأ القرّاء وينشد المنشدون أيضا. ثم يفرش وسط القاعة بالحصر المقلوبة (ليس على وجوهها، وإنما تخالف مفارشها) ؛ ثمّ يفرش عليها سماط الحزن مقدار ألف زبدية من العدس والملوحات والمخلّلات والأجبان والألبان الساذجة والأعسال النّحل والفطير والخبز المغيّر لونه بالقصد لأجل الحزن. فإذا قرب الظهر وقف صاحب الباب وصاحب المائدة (يعنى الحاجب والمشدّ) وأدخل الناس للأكل من السّماط. فيدخل القاضى والداعى ويجلس صاحب الباب ببابه؛ ومن الناس من لا يدخل من شدّة الحزن، فلا يلزم أحد بالدخول. فإذا فرغ القوم انفصلوا إلى مكانهم ركبانا بذلك [الزىّ «2» ] الذي ظهروا فيه من قماش الحزن. وطاف النّوّاح بالقاهرة فى ذلك اليوم، وأغلق البيّاعون حوانيتهم إلى بعد العصر، والنّوح قائم بجميع شوارع القاهرة وأزقّتها. فإذا فات العصر يفتح الناس دكاكينهم ويتصرّفون فى بيعهم وشرائهم؛ فكان [ذلك] دأب الخلفاء الفاطميّين من أولهم المعزّ لدين الله معدّ إلى آخرهم العاضد عبد الله. انتهت ترجمة المستعلى. ويأتى بعض أخباره أيضا فى السنين المتعلّقة به على سبيل الاختصار، كما هو عادة هذا الكتاب.

ص: 154