الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
***
[ما وقع من الحوادث سنة 560]
السنة الخامسة من ولاية العاضد على مصر وهى سنة ستين وخمسمائة.
فيها فتح الملك العادل نور الدين محمود بن زنكى الشهيد بانياس عنوة، وكان معه أخوه نصرة «1» الدين، فأصابه سهم فأذهب إحدى عينيه؛ فقال له أخوه نور الدين:
لو كشف عما أعدّ لك من الأجر لتمنّيت ذهاب الأخرى، فحمد الله على ذلك.
وفيها فوّض الملك العادل شحنجية «2» دمشق إلى صلاح الدين يوسف بن أيوب، فأظهر صلاح الدين السياسة وهذّب الأمور، وذلك فى حياة والده وعمّه أسد الدين شيركوه.
وفيها توفّى أمير أميران نصرة الدين بن زنكى بن آق سنقر التركىّ أخو الملك العادل نور الدين المقدّم ذكره فى ذهاب عينه فى فتح بانياس. وكان أميرا شجاعا مقداما عزيزا على أخيه نور الدين محمود، وعظم مصابه عليه؛ رحمه الله.
وفيها توفّى حسّان بن تميم بن نصر الشيخ أبو الندى الدمشقىّ المحدّث، سمع الحديث وحجّ ومات فى شهر رجب، ودفن بمقبرة باب الفراديس.
وفيها توفّى الشيخ المعتقد محمد بن إبراهيم الكيزانىّ «3» أبو عبد الله الواعظ المصرىّ.
قيل إنه كان يقول: إنّ أفعال العباد قديمة. ولمّا مات دفن عند قبر الإمام الشافعىّ بالقرافة الصغرى، واستمرّ هناك إلى أن نبشه الشيخ نجم الدين الخبوشانىّ فى أيام السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب وأخرجه، فدفن بمكان آخر فى القرافة.
وقبره معروف يقصد للزيارة. قيل إنّ الخبوشانىّ لمّا أراد نبشه قال: لا يتّفق مجاورة زنديق إلى صدّيق. ثم نبشه قال صاحب المرآة وغيره: كان (يعنى الكيزانىّ) زاهدا عابدا قنوعا من الدنيا باليسير. وله شعر جيّد، وديوانه مشهور. ومن شعره:
[الرمل]
اصرفوا عنّى طبيبى
…
ودعونى وحبيبى
عللّوا قلبى بذكرا
…
هـ فقد زاد لهيبى
طاب هتكى فى هواه
…
بين واش ورقيب
ما أبالى بفوات النّ
…
فس ما دام نصيبى
ليس من لام وإن أط
…
نب فيه بمصيب (1)
جسدى راض بسقمى
…
وجفونى بنحيبى
ومن شعره أيضا قوله من أبيات:
[الكامل]
يا من يتيه على الزمان بحسنه
…
اعطف على الصّبّ المشوق التائه
أضحى يخاف على احتراق فؤاده
…
أسفا لأنّك منه فى سودائه
قلت: وللكيزانىّ كلام فى علم الطريق ولسان حلو فى الوعظ، وكان للناس فيه محبّة ولكلامه تأثير فى القلوب؛ ولا يلتفت لقول الخبوشانىّ فيه؛ لأنّهما أهل عصر واحد، وتهوّر الخبوشانىّ معروف، كما سيأتى ذكره فى وفاته إن شاء الله تعالى.
وفيها توفّى محمد بن عبد الله بن عبّاس الشيخ أبو عبد الله الحرّانىّ. كان شهد عند القاضى أبى الحسن الدامغانىّ الحنفىّ، وعاش حتّى لم يبق من شهوده غيره. وسمع الحديث، وصنّف كتابا سمّاه «روض الأدباء» . قال الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن
ابن الجوزىّ فى تاريخه: زرته يوما وأطلت الجلوس عنده؛ فقلت له: ثقّلت عليك. فأنشدتى- رحمه الله:
[الوافر]
لئن سمّيت «1» إبراما وثقلا
…
زيارات رفعت بهنّ قدرى
فما أبرمت إلّا حبل ودّى
…
ولا ثقّلت إلّا ظهر شكرى
وكانت وفاته فى جمادى الاخرة.
وفيها توفّى يحيى بن محمد بن هبيرة بن سعيد «2» بن حسن الشيبانىّ- قد رفع نسبه صاحب مرآة الزمان إلى عدنان- هو الوزير عون الدين أبو المظفّر بن هبيرة.
ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة بقرية الدّور «3» من أعمال العراق، وقرأ بالروايات وسمع الحديث الكثير، وقرأ النحو واللغة والعروض، وتفقّه على مذهب الإمام أحمد ابن حنبل رضى الله عنه، وصنّف الكتب الحسان. وكان قبل وزارته فقيرا؛ فلما أضرّ الفقر بحاله تعرّض للخدمة، فجعله الخليفة المقتفى مشرفا فى المخزن، ثم صار صاحب الديوان ثم استوزره، فسار فى الوزارة أجمل سيرة. وكان دينّا جوادا كريما. دخل عليه الحيص بيص الشاعر مرّة؛ فقال له ابن هبيرة: قد نظمت بيتين، تقدر أن تعزّزهما بثالث؟ قال: وما هما؟ قال:
[البسيط]
زار الخيال بخيلا مثل مرسله
…
ما شاقنى منه إلّا الضّمّ والقبل
ما زارنى قطّ إلّا كى يوافقنى
…
على الرّقاد فينفيه ويرتحل
فقال الحيص بيص من غير رويّة:
وما درى أنّ نومى حيلة نصبت
…
لوصله حين أعيا اليقظة الحيل