المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر ولاية الفائز بنصر الله على مصر - النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة - جـ ٥

[ابن تغري بردي]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الخامس

- ‌[تتمة ما وقع من الحوادث سنة 427]

- ‌ذكر ولاية المستنصر بالله على مصر

- ‌ذكر سبب قتل ابن حمدان المذكور

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 428]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 429]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 430]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 431]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 432]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 433]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 434]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 435]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 436]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 437]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 438]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 439]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 440]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 441]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 442]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 443]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 444]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 445]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 446]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 447]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 448]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 449]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 450]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 451]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 452]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 453]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 454]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 455]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 456]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 457]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 458]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 459]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 460]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 461]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 462]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 463]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 464]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 465]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 466]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 467]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 468]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 469]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 470]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 471]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 472]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 473]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 474]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 475]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 476]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 477]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 478]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 479]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 480]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 481]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 482]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 483]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 484]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 485]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 486]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 487]

- ‌ذكر ولاية المستعلى بالله على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 488]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 489]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 490]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 491]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 492]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 493]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 494]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 495]

- ‌ذكر ولاية الآمر بأحكام الله على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 496]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 497]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 498]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 499]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 500]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 501]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 502]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 503]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 504]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 505]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 506]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 507]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 508]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 509]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 510]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 511]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 512]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 513]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 514]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 515]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 516]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 517]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 518]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 519]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 520]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 521]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 522]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 523]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 524]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 525]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 526]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 527]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 528]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 529]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 530]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 531]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 522]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 523]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 534]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 535]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 536]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 537]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 538]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 539]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 540]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 541]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 542]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 543]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 544]

- ‌ذكر ولاية الظافر على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 545]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 546]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 547]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 548]

- ‌ذكر ولاية الفائز بنصر الله على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 549]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 550]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 551]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 552]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 553]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 554]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 555]

- ‌ذكر ولاية العاضد بالله على مصر

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 556]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 557]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 558]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 559]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 560]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 561]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 562]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 563]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 564]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 565]

- ‌[ما وقع من الحوادث سنة 566]

- ‌ذكر ولاية أسد الدين شيركوه على مصر

الفصل: ‌ذكر ولاية الفائز بنصر الله على مصر

‌ذكر ولاية الفائز بنصر الله على مصر

هو أبو القاسم عيسى ابن الخليفة الظافر بأمر الله أبى منصور إسماعيل ابن الخليفة الحافظ أبى الميمون عبد المجيد بن محمد- ومحمد هذا ليس بخليفة- ابن الخليفة المستنصر بالله معدّ ابن الخليفة الظاهر «1» لإعزاز دين الله على ابن الخليفة الحاكم بأمر الله منصور ابن الخليفة العزيز بالله نزار ابن الخليفة المعزّ لدين الله معدّ أول خلفاء مصر ابن الخليفة المنصور إسماعيل ابن الخليفة القائم بأمر الله محمد ابن الخليفة المهدىّ عبيد الله، العبيدىّ الفاطمىّ المغربىّ الأصل المصرىّ العاشر من خلفاء مصر من بنى عبيد والثالث عشر من أصلهم المهدىّ أحد خلفاء بنى عبيد بالمغرب.

وأمّ الفائز هذا أمّ ولد يقال لها زين الكمال.

قال أبو المظفّر بن قزأوغلى فى تاريخه مرآة الزمان: «مولده فى المحرّم سنة أربع وأربعين وخمسمائة، وتوفّى وهو ابن إحدى عشرة سنة وشهور» . وزاد ابن خلّكان بأن قال: لتسع بقين من المحرّم «2» . قال: وكانت أيّامه ستّ سنين وستة أشهر وسبعة عشر يوما. وبين وفاته ووفاة المقتفى (يعنى خليفة بغداد العبّاسىّ) أربعة أشهر وأيّام. قلت: وقوله «وبين وفاته ووفاة المقتفى أربعة أشهر وأيام» لا يعرف بذلك من السابق منهما بالوفاة. وأنا أقول: أمّا السابق فهو الخليفة المقتفى الآتى ذكره، إن شاء الله؛ فإنّ وفاة المقتفى فى شهر ربيع الأوّل، ووفاة الفائز هذا صاحب الترجمة فى شهر رجب.

ص: 306

قال صاحب المرآة: «وقام بعده أبو محمد عبد الله بن يوسف بن الحافظ.

ولم يكن أبوه خليفة، وأمّه (يعنى عبد الله) أمّ ولد تدعى ستّ المنى، ولقّب بالعاضد» .

انتهى كلام صاحب المرآة.

وقال صاحب كتاب المقلتين فى أخبار الدولتين: «ولمّا أصبح الوزير عبّاس (يعنى صبيحة قتل الخليفة الظافر بأمر الله) ركب إلى القصر ودخل إلى مقطع الوزارة من غير استدعاء، فأطال جلوسه ولم يجلس الخليفة له، فاستدعى عبّاس زمام القصر، وقال له: إن كان لمولانا ما يشغله عنّا فى هذا اليوم عدنا إليه فى الغد. فمضى الأستاذ وهو حائر فيما يعمل وقد فقد الخليفة. فدخل إلى أخوى الخليفة يوسف وجبريل، وهما رجلان أحدهما مكتهل، فأخبرهما بالقصّة؛ وما كان عندهما من خروج أخيهما البارحة إلى دار نصر بن عبّاس خبر ولا اطّلعا عليه إلّا فى تلك الساعة؛ فما شكّا فى قتل أخيهما الخليفة الظافر، وقالا للزّمام: إن اعتذرت اليوم هل يتمّ لك هذا مع الزمان؟ فقال الزّمام: ما تأمرانى به؟ قالا: تصدقه وتحقّقه. وكان للخليفة ولد عمره خمس سنين اسمه عيسى. فعاد الزّمام إلى عبّاس وقال له: ثمّ سرّ أقوله إليك بحضور الأمراء والأستاذين. فقال عبّاس: ما ثمّ إلّا الجهر. قال: إنّ الخليفة خرج البارحة لزيارة ولدك نصر فلم يعد بغير العادة. فقال عبّاس: تكذب يا عبد السوء! إنّما أنت مبايع أخويه يوسف وجبريل اللذين حسداه على الخلافة فاغتالاه، واتفقتم على هذا القول. فقال الزّمام: معاذ الله! قال عبّاس: فأين هما؟ فخرجا إليه ومعهما ابن أخ لهما اسمه صالح بن حسن الذي قتل والده الخليفة الحافظ بالسمّ.

وقد تقدّم ذكر قتله فى ترجمة أبيه الحافظ عبد المجيد.

قال: فلمّا حضروا قال لهم عبّاس الوزير: أين الخليفة؟ فقالوا: حيث يعلم ابنك ناصر الدين. قال لا. قالوا: بلى! وهذا بهتان منك، لأنّ بيعة أخينا

ص: 307

فى أعناقنا، وهؤلاء الأمراء الحاضرون يعلمون ذلك، وإنّا فى طاعته بوصيّة والدنا، وأقاما الحجّة عليه. فكذّبهما وأمر غلمانه بقتل الثلاثة فى دارهم. ثم قال للزّمام:

أين ابن مولانا؟ قال حاضر. فقال عبّاس: قدّامى إلى مكانه. فدخل الوزير عبّاس بنفسه إليه، وكان عند جدّته لأمّه، فحمله على كتفه وأخرجه للنّاس قبل رفع المقتولين، وبايع له بالخلافة، ولقّبه بالفائز بنصر الله. فرأى الصبىّ القتلى فتفزّع واضطرب ودام مدّة خلافته لا يطيب له عيش من تلك الرجفة. وتم أمر الفائز فى الخلافة، ووزر له عبّاس المذكور، إلى أن وقع له مع طلائع بن رزّيك ما سنذكره من أقوال جماعة من المؤرّخين. وقد ذكرنا منه أيضا نبذة جيّدة فيما مضى، ولكن اختلاف النقول فيها فوائد.

وقال الحافظ أبو عبد الله الذهبىّ فى تاريخ الإسلام- بعد أن ساق نسب الفائز هذا حتّى قال-: «بويع: بالقاهرة حين قتل والده الظافر وله خمس سنين، وقيل: بل سنتان، فحمله الوزير عبّاس على كتفه ووقف فى صحن الدار به مظهر الحزن والكآبة، وأمر أن يدخل الأمراء فدخلوا؛ فقال لهم: هذا ولد مولاكم، وقد قتل عمّاه مولاكم، وقد قتلتهما كما ترون به، وأشار إلى القتلى، والواجب إخلاص الطاعة لهذا الولد الطفل. فقالوا كلّهم: سمعنا وأطعنا، وضجّوا ضجّة واحدة بذلك. ففزع الطفل (يعنى الفائز) ، ومال على كتف عبّاس من الفزع. وسمّوه الفائز، ثم سيّروه إلى أمّه وقد اختلّ عقله من تلك الضجّة فيما قيل، فصار يتحرّك فى بعض الأوقات ويصرع- قلت: على كلّ قول كان الفائز قد اختلّ عقله-. قال:

«ولم يبق على يد عبّاس الوزير يد ودانت له الممالك. وأمّا أهل القصر فإنّهم اطّلعوا على باطن القصّة فأخذوا فى إعمال الحيلة فى قتل عبّاس وابنه، فكاتبوا طلائع بن

ص: 308

رزّيك الأرمنىّ والى منية «1» بنى خصيب. ثم ساق الذهبىّ قصّة طلائع مع الوزير عبّاس.

وقال ابن الأثير: «اتّفق أنّ أسامة «2» بن منقذ قدم مصر، فاتّصل بعبّاس الوزير وحسّن له قتل زوج أمّه العادل بن سلّار فقتله، وولّاه الظافر الوزارة من بعده؛ فاستبدّ بالأمر وتمّ له ذلك. وعلم الأمراء [والأجناد «3» ] أنّ ذلك من فعل ابن منقذ فعزموا على قتله. فخلا بعبّاس وقال له: كيف تصبر على ما أسمع من قبيح قول الناس إنّ الظافر يفعل بابنك نصر- وكان من أجمل الناس، وكان ملازما للظافر- فانزعج لذلك وقال: كيف الحيلة؟ قال: اقتله فيذهب عنك العار. فاتّفق مع ابنه على قتله.

وقيل: إنّ الظافر أقطع نصر بن عبّاس [قرية «4» ] قليوب «5» كلّها فدخل وقال: أقطعنى مولانا قليوب. فقال ابن منقذ: ما هى فى مهرك بكثير!» .

ص: 309

فجرى ما ذكرناه، وهربوا وقصدوا الشام على ناحية أيلة «1» فى شهر ربيع الأوّل سنة تسع وأربعين. وملك الصالح طلائع بن رزّيك ديار مصر من غير قتال؛ وأتى إلى دار عبّاس المعروفة بدار الوزير المأمون بن البطائحىّ التى هى اليوم المدرسة «2» السّيوفيّة الحنفيّة؛ فاستحضر الخادم الصغير الذي كان مع الظافر لمّا نزل سرّا، وسأله عن الموضع الذي دفن فيه فعرّفه به. فقلع البلاطة التى كانت على الظافر ومن معه من المقتولين، وحملوا وقطّعت عليهم الشعور وناحوا عليهم بمصر، ومشى الأمراء قدّام الجنازة إلى تربة آبائه. فتكفّل الصالح طلائع بن رزّيك بالصغير (يعنى الفائز هذا) ودبّر أحواله.

وأمّا عبّاس ومن معه فإنّ أخت الظافر كاتبت الفرنج الذين بعسقلان الذين استولوا عليها من مديدة يسيرة، وشرطت لهم مالا جزيلا إذا خرجوا عليه وأخذوه، فخرجوا عليه فواقعهم فقتل عباس وأخذت الفرنج أمواله وهرب ابن منقذ فى طائفة إلى الشام؛ وأرسلت الفرنج نصر بن عبّاس إلى مصر فى قفص حديد.

فلما وصل سلّم رسولهم المال وذلك فى [شهر] ربيع الأوّل سنة خمسين وخمسمائة، ثم خلعت «3» أخت الظافريد نصر وضرب ضربا مهلكا، وقرض جسمه بالمقاريض، ثم صلب على باب زويلة حيّا ثم مات، وبقى مصلوبا إلى يوم عاشوراء سنة إحدى وخمسين، ثم أنزل وأحرقت عظامه. وقيل: إنّ الصالح طلائع بن رزّيك بعث إلى الفرنج بطلب نصر بن عبّاس وبذل إليهم أموالا. فلمّا وصل سلّمه الملك الصالح

ص: 310

إلى نساء الظافر فأقمن يضربنه بالقباقيب والزّرابيل «1» أياما، وقطّعن لحمه وأطعمنه إيّاه، إلى أن مات ثم صلب.

وتكفّل الصالح طلائع بن رزّيك أمر الصبىّ (أعنى الفائز) وساس الأمور وتلقّب بالملك الصالح، وسار فى الناس أحسن سيرة. وفخم أمره وكان طلائع أديبا كاتبا. ولمّا ولى الوزر وتلقّب بالملك الصالح خلع عليه مثل الأفضل ابن أمير الجيوش بدر الجمالىّ من الطيلسان المقوّر، وأنشئ له السّجلّ؛ فتناهى فيه كتّاب الإنشاء. فمما قيل فيه:

«واختصّك أمير المؤمنين بطيلسان غدا للسيف توءما، ليكون كلّ ما أسند إليك من أمور الدولة معلما. ولم يسمع بذلك إلّا ما أكرم به الإمام المستنصر بالله أمير المؤمنين أمير الجيوش أبا النجم بدرا وولده أبا القاسم شاهنشاه، وأنت أيّها السيد الأجلّ الملك الصالح. وأين سعيهما من سعيك، ورعيهما الذّمام من رعيك؛ لأنّك كشفت الغمّة، وانتصرت للأئمة، وبيّضت غياهب الظلمة، وشفيت قلوب الأمة» .

وأشياء غير ذلك. وعظم أمر الصالح طلائع إلى أن وقع له ما سنذكره. كلّ ذلك والفائز ليس له من الخلافة إلّا مجرّد الاسم فقط، وذلك لصغر سنّه.

ولمّا استفحل أمر الصالح طلائع أخذ فى جمع المال، فإنّه كان شرها حريصا على التحصيل. وكان مائلا إلى مذهب الإماميّة «2» (أعنى أنّه كان متغاليا فى الرّفض) فمال على المستخدمين فى الأموال، وأخذ يعمل على الأمراء المقدّمين فى الدولة، مثل ناصر «3» الدولة ياقوت، وكان صاحب الباب، وناب عن الحافظ فى مرضة مرضها

ص: 311

مدّة ثلاثة أشهر؛ وطلب أن يوزّره فأبى ياقوت المذكور. ومثل الأوحد بن تميم، فإنّه كان من أعيان الأمراء. ولمّا سمع بقصّة عبّاس من قتله الظافر، وكان واليا على دمياط «1» وتنّيس «2» ، تحرّك لطلب دم الظافر وقصد القاهرة، فسبقه طلائع بن رزيك بيوم واحد، فخاب قصده؛ فردّه طلائع بن رزّيك إلى ولايته، وأضاف إليه الدّقهليّة «3» والمرتاحيّة. وبقى تاج الملوك قايماز بالقاهرة، وهو من كبار الأمراء، وابن غالب لاحق به؛ فحمل الأجناد عليهما يطلبونهما، فخرجا فى جماعتهما، فتكاثر عليهما الأجناد فقتلا ونهبت دورهما بأطماع الصالح طلائع بن رزيك فى ذلك.

ص: 312

ثم إنّ طلائع ما اتّسع له قرب الأوحد بن تميم بدمياط، فقلّده أسيوط «1» وإخميم «2» .

وكان ناصر الدولة بقوص من وزارة عباس؛ وكان ابن رزّيك لمّا استدعى لأخذ الثأر وهو بالأشمونين لم يجسر على الحركة إلّا بعد مكاتبة ناصر الدولة بذلك، واستدعاه ابن رزّيك ليكون الأمر له. فكاتبه ناصر الدولة بإزهاده فى ذلك، وأنّه سئل به وتركه فى أيام الحافظ عن قدرة، واعتقد أنّه لا يفلح لأنّه لم يتحقق ما كان من عبّاس.

فعند ذلك خلت القاهرة لطلائع بن رزّيك من مماثل. وأظهر مذهب الإماميّة، وباع الولايات للأمراء، وجعل لها أسعارا، ومدّتها ستة أشهر؛ فتضرّر الناس من تردّد الولاة عليهم فى كلّ ستة أشهر. وصايق الفصر طمعا فى صغر سنّ الخليفة، فتعب الناس معه. وجعل له مجلسا فى أكثر الليالى يحضره أهل الأدب، ونظم هو شعرا ودوّنه، وصار الناس يهرعون إلى نقل شعره؛ وربّما أصلحه له شاعر كان يصحبه يقال له ابن الزّبير «3» . وممّا نسب إليه من الشعر.

ص: 313

قوله

[الكامل]

كم ذا يرينا الدهر من أحداثه

عبرا وفينا الصّدّ والإعراض

ننسى الممات وليس نجرى ذكره

فينا فتذكرنا به الأمراض

وله من قصيدة:

[الوافر]

مشيبك قد رمى «1» صبغ الشباب

وحلّ الباز فى وكر الغراب

ومنها:

فكيف بقاء عمرك وهو كنز

وقد أنفقت منه بلا حساب

فلمّا ثقلت وطأته على القصر، وكان الخليفة الفائز فى تدبير عمته، شرعت «2» فى قتل طلائع بن رزّيك المذكور، وفرّقت فى ذلك مالا يقرب من خمسين ألف دينار. فعلم ابن رزّيك بذلك، فأوقع بها وقتلها بالأستاذين والصقالبة سرّا، والخليفة فى واد آخر من الاضطراب. ثم نقل ابن رزّيك كفالة الفائز إلى عمّته الصغرى، وطيّب قلبها وراسلها. فما حماه ذلك منها بل رتّبت قتله. وسعى لها فى ذلك أصحاب أختها المقتولة؛ فرتّبت قوما من السودان الأقوياء فى باب السّرداب فى الدّهليز المظلم الذي يدخل منه إلى القاعة، وقوم أخر فى خزانة هناك وفيهم واحد من الأجناد يقال له ابن الراعى «3» . فدخل يوم خمسة من شهر رمضان سنة ستّ وخمسين وخمسمائة؛ فلمّا انفصل من السلام على الخليفة، وكان صاحب الباب فى ذلك اليوم أميرا يقال له ابن قوّام الدولة، وكان إماميّا، فيقال: إنّه أخلى الدّهليز من الناس حتّى لم يبق فيه أحد، وإنّه استوقفه أستاذ يقال له عنبر الربعىّ بحديث طويل.

وتقدّم طلائع بن رزّيك ومعه ولده رزّيك، فأرادت الجماعة المخبّأة أن تخرج،

ص: 314

فوجدوا الباب مغلقا، وخافوا من خلعه التشغيب «1» ؛ فخرجت عليه الجماعة الأخرى فضربوا رزّيك بن الصالح طلائع ضربة أوقعت عضده الأيمن، وجرح أبوه الصالح طلائع بن رزّيك من ابن الراعى المذكور. وقيل: إنّ طلائع كان متخوما فاستفرغ بالدّم، فأكبّ على وجهه وأخذ «2» منديله من على رأسه؛ فعاد إليه رجل يقال له ابن «3» الزّبد، فألبسه المنديل، وخرج به محمولا على الدّابة لا يفيق. فقيل: إنّه كان يقول إذا أفاق: رحمك الله يا عبّاس (يعنى بذلك عبّاسا الوزير الذي قتل الخليفة الظافر) .

وكان الفائز قد مات، وتولّى الخلافة العاضد، وهو أيضا تحت حجر طلائع المذكور. فمات طلائع سحرا. وكان طلائع قد ولّى شاور «4» قوص «5» وندم على ولايته، فأراد استعادته من الطريق؛ فسبقه شاور حتّى حصل بها، وطلب منه كلّ شهر أربعمائة دينار، وقال: لا بدّ لقوص من وال، وأنا ذلك؛ والله لا أدخل القاهرة، ومتى صرفنى دخلت النّوبة. ولمّا مات الصالح طلائع بن رزّيك وطاب ولده رزّيك، طلبت عمّة الفائز رزّيك، وأحضرت له الذي ضربه فى عضده الأيمن، وأحضرت أيضا سيف الدين حسين ابن أخى طلائع، وحلفت لهما أنّها لم تدر بما جرى على أبيه الصالح، وأنّ فاعل ذلك أصحاب أختها المقتولة؛ وخلعت على رزّيك بالوزارة عوضا عن أبيه طلائع بن رزّيك، وفسحت له فى أخذ من ارتاب به فى قتل أبيه.

فأخذ ابن قوّام الدولة فقتله وولده، والأستاذ الذي شغله. وأقام رزّيك المذكور

ص: 315

فى الوزارة سنة وكسرا، فما رأى الناس أحسن من أيامه، وسامح الناس بما عليهم من الأموال البواقى الثابتة فى الدواوين، ولم يسبق إلى ذلك. ودام فى الوزارة حتى قيل: اصرف شاور من قوص يتمّ الأمر لك. فأشار عليه سيف الدين حسين بإبقائه؛ فقال رزّيك: مالى طمع فيما آخذه منه، ولكن أريده يطأ بساطى. فقيل له:

ما يدخل أبدا، فما قبل. وخلع على أمير يقال له ابن الرفعة بولاية قوص عوضا عن شاور؛ فخرج شاور من قوص فى جماعة قليلة إلى الواحات «1» .

وأما رزّيك الوزير فإنّه رأى مناما أخبر به ابن عمّه سيف «2» الدين حسين؛ فقال له حسين: إنّ بمصر رجلا يقال له ابن الإيتاخى حاذقا فى التعبير، فأحضره رزّيك وقال له: رأيت كأنّ القمر قد أحاط به حنش، وكأنّنى روّاس فى حانوت.

فغالطه المعبّر فى التفسير؛ وظهر ذلك لسيف الدين حسين، فأمسك إلى أن خرج المعبّر فقال له: ما أعجبنى كلامك، والله لا بدّ أن تصدقنى ولا بأس عليك. فقال:

يا مولاى، القمر عندنا هو الوزير، كما أنّ الشمس خليفة؛ والحنش المستدير عليه هو جيش مصحف؛ وكونه روّاسا اقلبها تجدها شاور مصحّفا أيضا. فقال له حسين: اكتم هذا عن الناس. واهتمّ حسين فى أمره، ووطّأ له التوجّه إلى مدينة النّبيّ عليه السلام، وكان أحسن إلى المقيمين بها، وحمل إليها مالا وأودعه عند من يثق به. وصار أمر شاور يزداد ويقوى حتى قرب من القاهرة، وصاح

ص: 316

الصائح فى بنى رزيك وكانوا أكثر من ثلاثة آلاف فارس. فأوّل من نجا بنفسه حسين. فلمّا بلغ رزّيك توجّه حسين انقطع قلبه، وأخذ أمواله على البغال وخرج فى خاصّته إلى إطفيح «1» ، فأخذه مقدّم إطفيح بعد أمور وكلّ من معه، وأتى بهم إلى شاور فى الحديد؛ فاعتقله شاور وأخاه جلال الإسلام؛ فطلب رزّيك من بعض غلمان أبيه مبردا فبرد قيده؛ فعلم أخوه جلال الإسلام فأعلم شاور بذلك، فقتل شاور رزّيك وأبقى على أخيه جلال الإسلام لهذه النصيحة. واستمر شاور فى الوزر أشهرا حتى وقع له مع الضّرغام أحد أمراء بنى رزّيك ما وقع، واستنجد عليه بتوجّهه إلى دمشق إلى نور الدين محمود بن زنكى؛ فأرسل معه نور الدين أسد الدين شيركوه بن شادى «2» . وشاور هو صاحب القصّة مع أسد الدين شيركوه وابن أخيه السلطان صلاح الدين. يأتى ذكر ذلك فى ترجمة العاضد مفصّلا، إن شاء الله.

وكانت وفاة الفائز صاحب الترجمة فى شهر رجب سنة خمس وخمسين وهو ابن عشر سنين أو نحوها. وبايعوا العاضد لدين الله أبا محمد عبد الله بن يوسف

ص: 317