المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌1 - الحركة العلمية - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ٦

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌الفصل الأوّلالسياسة والمجتمع

- ‌(ا) فتح العرب للشام

- ‌(ب) زمن الدولة الأموية

- ‌(ج) زمن الولاة العباسيين

- ‌(د) الطولونيون-القرامطة

- ‌1 - الطولونيون

- ‌2 - القرامطة

- ‌(هـ) الإخشيديون-الحمدانيون (سيف الدولة)

- ‌1 - الإخشيديون

- ‌2 - الفاطميون-بنو مرداس-السلاجقة-الصليبيون-آل زنكى (نور الدين)

- ‌(ا) الفاطميون

- ‌(ج) السلاجقة

- ‌(د) الصليبيون

- ‌3 - الأيوبيون (صلاح الدين) -المماليك-العثمانيون

- ‌(ب) المماليك

- ‌(ج) العثمانيون

- ‌4 - المجتمع

- ‌5 - التشيع: الإسماعلية والإمامية-النصيرية-الدروز-الإسماعيلية النزارية أو الفداوية أوالحشاشين

- ‌(ا) الإسماعلية والإمامية

- ‌(ب) النّصيريّة

- ‌(ج) الدروز

- ‌الفصل الثّانىالثقافة

- ‌1 - الحركة العلمية

- ‌2 - علوم الأوائل-علم الجغرافيا

- ‌(ا) علوم الأوائل

- ‌(ب) علم الجغرافيا

- ‌3 - علوم اللغة والنحو والنقد والبلاغة

- ‌4 - علوم القراءات والتفسير والحديث والفقه والكلام

- ‌5 - التاريخ

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 - تعرب الشام

- ‌2 - كثرة الشعراء

- ‌3 - شعر دورى-رباعيات-موشحات-بديعيات-تعقيدات

- ‌(ا) الشعر الدورى

- ‌(ب) الرباعيات

- ‌(ج) الموشحات

- ‌ أيدمر المحيوى

- ‌(د) البديعيات

- ‌(هـ) التعقيدات

- ‌4 - شعراء المديح

- ‌ابن الخياط

- ‌ ابن القيسرانى

- ‌ ابن الساعاتى

- ‌ الشهاب محمود

- ‌5 - شعراء الفلسفة والحكمة

- ‌أبو العلاء المعرى

- ‌ منصور بن المسلم

- ‌6 - شعراء التشيع

- ‌كشاجم

- ‌ابن حيّوس

- ‌ بهاء الدين العاملى

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الغزل

- ‌ عبد المحسن الصورى

- ‌ ابن منير

- ‌ الشاب الظريف

- ‌ حسن البورينى

- ‌2 - شعراء الفخر والهجاء

- ‌عرقلة

- ‌ ابن عنين

- ‌ ابن النحاس

- ‌3 - شعراء المراثى والشكوى

- ‌ ابن سنان الخفاجى

- ‌الغزّىّ

- ‌ فتيان الشاغورى

- ‌ مصطفى البابى

- ‌4 - شعراء الطبيعة ومجالس اللهو

- ‌الوأواء الدمشقى

- ‌ مجير الدين بن تميم

- ‌ابن النقيب

- ‌[5 - ] شعراء الزهد والتصوف والمدائح النبوية

- ‌ عبد العزيز الأنصارى

- ‌ محمد بن سوّار

- ‌ عبد الغنى النابلسى

- ‌6 - شعراء شعبيون

- ‌الفصل الخامسالنثر وكتابه

- ‌1 - الرسائل الديوانية

- ‌العماد الأصبهانى

- ‌الصّفدى

- ‌ابن حجّة الحموى

- ‌2 - الرسائل الشخصية

- ‌(ا) رسائل أبى العلاء

- ‌(ب) رسائل متنوعة

- ‌3 - المقامات

- ‌ابن الوردى

- ‌4 - المواعظ والابتهالات

- ‌(ج) خطبة القدس بعد فتحه لمحيى الدين بن الزكى

- ‌(د) كشف الأسرار عن حكم الطيور والأزهار

- ‌5 - أعمال أدبية: رسائل وغير رسائل:

- ‌(ج) كتاب الاعتبار

- ‌خاتمة

الفصل: ‌1 - الحركة العلمية

‌الفصل الثّانى

الثقافة

‌1 - الحركة العلمية

ظهرت الشام على مسرح الحضارة العالمية منذ أواخر الألف الرابعة قبل الميلاد، وهيأها لذلك موقعها بين حضارتى وادى النيل ووادى دجلة والفرات، مما جعلها تنتقل سريعا من عالم البداوة والرعى إلى عالم الزراعة والاستقرار، وكان مما أسرع بها إلى هذه الغاية وقوعها فى مفترق طريق العالم على الحافة الشرقية للبحر المتوسط، مما أتاح لها أن تكون دولة بحرية على الأقل فى شواطئها فتشارك فى الملاحة والتجارة على نحو ما هو معروف عن الفينيقيين وإتقانهم لفنى التجارة والملاحة، وقد استطاعوا أن يشتقوا من حلل الحروف الهيروغليفية المصرية أبجدية لهم، هى أم الأبجديتين اليونانية والرومانية اللاتينية. وقد أخذت الشام تعيش عصرا هيلينيا منذ دخلها الإسكندر المقدونى، ومضت تتعمق الثقافة الهيلينية فى زمن خلفائه السلوقيين اليونانيين وزمن الرومان، واستطاع كثيرون من أهلها أن يتقنوا اليونانية وأن يسهموا فى تراث اليونان الفكرى والأدبى، وبخاصة سكان الثغور من غزة جنوبا إلى أنطاكية شمالا. ولمعت أسماء كثيرين من أبناء هذه الثغور فى مجال المشاركة الفلسفية وبخاصة فى صور وصيداء، سماهم وتحدث عن نشاطهم الفكرى فيليب حتى وخاصة فى مجال الفلسفة الرواقية والأفلاطونية الحديثة، إذ ذكر أنه كان فى بيروت مدرسة تعنى بدراسة القانون الرومانى منذ أوائل القرن الثالث الميلادى، ويستظهر أن تكون اللاتينية لغة التعليم بتلك المدرسة، وإن كانت قد عادت مع أوائل القرن الخامس وسيطرة القسطنطينية عليها إلى اللغة اليونانية. وبالمثل شارك أبناء الثغور الشامية فى الأدب اليونانى ولمع فى صيداء اسم غير شاعر كان ينظم باليونانية.

وكل ذلك كان يصل الشام فكريا وفلسفيا وأدبيا ولغويا بالثقافة اليونانية، وإذا كانت قد اشتقت أبجديتها من الأبجدية الفرعونية، فإن مصر أثرت فيها تأثيرا بعيدا فى عصرها المسيحى، إذ

ص: 60

أخذت عنها الرهبنة التى أسسها أحد قساوستها فى أواسط القرن الرابع للميلاد، وكانت أول بلدة شامية استجابت إليها غزّة لقربها من مصر، ومنها انتقلت إلى كل بلدان الشام حتى أنطاكية، وكانت طوال العصر الهيلينى تعدّ ثالثة المدن فى الإمبراطورية البيزنطية بعد القسطنطينية والإسكندرية.

ومما يدل بوضوح على مدى تأثير الهيلينية فى الشام أن نراها تتعمق باديتها أيام الرومان إلى دولة تدمر النبطية حين بلغت الذروة الطامحة إليها فى عهد أذينة. وحين خلفته فى الحكم أرملته زنوبيا اتخذت لونجينوس الذى علمها اليونانية مستشارا لها، ويظن أنه كان حمصى الموطن، وقد أعدمه الرومان بعد قضائهم على زنوبيا سنة 273 م. وهو يوضع فى سلسلة النقاد المتأخرين من اليونان لما خلف من أفكار نقدية وبلاغية كثيرة.

وكل ذلك معناه أن الشام حين فتحها المسلمون كان بها تراث يونانى ومسيحى (1) يعدها للمشاركة سريعا فى نشاطها العلمى والأدبى بمجرد دخول الإسلام فى ربوعها الذى كان يدفع أتباعه دفعا إلى التزود بالعلم والمعرفة. وقد دخل أهل الشام فى دين الله أفواجا، وكان من حولهم الصحابة الفاتحون لديارهم، وعنى كثيرون منهم بإقراء من أسلموا القرآن وعرض أحاديث الرسول عليهم، حتى يفقهوا فقها حسنا تعاليم دينهم الحنيف. وكانوا ما يزالون يفتونهم فى المسائل حتى يتبينوا الحلال فيتبعوه والحرام فينبذوه. وكان من حسن حظ أهل دمشق خاصة أن نزل بين ظهرانيهم أبو الدرداء أحد حفظة القرآن لعهد الرسول صلى الله عليه وسلم، كما مر بنا، وكان أول من تقلد القضاء بدمشق حتى توفى، وحبس وقت فراغه على إقراء الناس القرآن، وقد بلغ من أقرأهم ألفا وستمائة ونيفا، وكان يجعلهم عشرة عشرة وعلى كل عشرة عريف مقرئ، وكان يقف فى محراب الجامع يراقبهم ويرمقهم ببصره. وإذا غلط واحد من أى عشرة رجع إلى عريفه، وإذا شك العريف فى شئ رجع إلى أبى الدرداء، وأيضا يرجع إليه كل قارئ من العشرة إذا أحكم قراءة القرآن واستظهره جيدا (2). وهذا العدد الضخم من حفظة القرآن فى دمشق لأول عهدها بالإسلام يوضح مدى إقبال أهلها على العلم بالإسلام، وكان هناك كثيرون يفسرون لهم آيات منه كما كان هناك كثيرون يفتونهم، ونهض بذلك من نزل ديارهم من الصحابة واتخذوها موطنا، ثم

(1) انظر فى هذا التراث وكل ما ذكرت آنفا كتاب «تاريخ سورية ولبنان وفلسطين» لفيليب حتى-الجزء الأول-الترجمة العربية.

(2)

انظر ترجمته فى كتاب «غاية النهاية فى طبقات القراء» لابن الجزرى (نشرة برجستراسر) 1/ 606.

ص: 61

من حملوا عنهم علمهم من التابعين. وأصبحت دمشق سريعا حاضرة الخلافة الإسلامية منذ وليها معاوية، وطبيعى أن يعنى الأمويون بمن يفقّه الناس فى شئون دينهم، ومن يروى لهم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم من كبار الحفاظ، ومن يفسر لهم بعض آى الذكر الحكيم، ومن يعظهم ويبلغ تأثير وعظه شغاف قلوبهم. وكان هناك القضاة الذين يحكمون بين الناس بالحق، ويفتونهم فيما يجدّ من شئونهم.

ومعروف أمر عمر بن عبد العزيز لواليه على المدينة أبى بكر محمد بن عمرو بن حزم: أن انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو سنته أو نحو هذا فاكتبه لى، فإنى خفت دروس العلم وذهاب العلماء، وكتب بمثل ذلك إلى الآفاق، وتوفى سريعا قبل تمامه. وكان أول من صدر عن هذه الرغبة العظيمة ابن شهاب الزهرى المتوفى سنة 124 للهجرة. وتدوينه للحديث أول تدوين عام له، وأخذ تدوينه بعده يتسع فى الشام وغير الشام.

وسجلت الشام مبكرة سبقا فى قراءة القرآن وإتقانها، فإن عريفا ممن كانوا يقومون على عشرة من حفظة القرآن بين يدى أبى الدرداء هو عبد الله بن عامر المتوفى سنة 118 للهجرة استطاع أن يبلغ من إحكام قراءة الذكر الحكيم أن يكون له قراءة مستقلة، وأن يكون أحد القراء السبعة المشهورين فى الأمصار الإسلامية لزمنه وبعد زمنه. وما نلبث بأخرة من العصر الأموى وأوائل زمن الولاة فى العصر أن نلتقى بفقيه مجتهد، وبلغ من اجتهاده أن أصبح إماما فى الفقه وصاحب مذهب مستقل هو الأوزاعى أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو المتوفى سنة 157 ببيروت مسقط رأسه.

ومعنى ذلك أن الحركة العلمية التى بعثها الأمويون فى الشام وقاموا عليها بما كانوا ينفقون على علماء الدين فى كل بلد شامى من أموال آتت ثمارها، فإذا الشام يصبح لها إمام فقيه يتدارس الفقهاء فقهه وكتبه فى الأجيال التالية، وكذلك يصبح لها قارئ من القراء السبعة يقرأ أهل الشام بقراءته حقبا متعاقبة.

ونشطت الدولة الأموية لترجمة علوم الأوائل اليونانية وبعض الرسائل الأدبية الفارسية، وسنلمّ بذلك فى غير هذا الموضع، إنما نهتم الآن بمتابعة الحركة العلمية الدينية واللغوية، ودائما توجد مع العناية بالقراءات عناية واسعة باللغة والنحو ويقوم عليهما مؤدبون، يعلمون الناس العربية فى المساجد حتى لا يخطئوا فى تلاوة الذكر الحكيم. ولم يقصّر الخلفاء وأمراء البيت الأموى فى تأديب أبنائهم وإحضار المعلمين لهم، وفى كتب الأدب لهم وصايا لمؤدبى أبنائهم وكيف يهذبونهم ويقوّمون ألسنتهم. وكانوا ابتغاء دربتهم على العربية والنطق الفصيح يرسلون أحيانا بهم

ص: 62

إلى البادية، حتى يتزودوا باللغة من ينابيعها الأصلية، وكان الوليد بن عبد الملك يلحن أحيانا، ولا حظ ذلك أبوه فقال:«أضرّ بالوليد حبّنا له فلم نوجّهه إلى البادية» (1).

وظل هذا النشاط فى تعلم اللغة بجانب النشاط فى تعلم الدراسات الدينية، وأخذت تتوالى طبقات فى زمن الولاة العباسيين تجعل همها التعليم فى المدن وأيضا فى القرى، والدولة لا تقصّر، بل دائما تجرى عليهم الرواتب، مما دفع إلى ظهور علماء فى كل فرع من فروع الدراسات الدينية واللغوية.

ويظلّ الشام عهد الطولونيين ثم عهد الإخشيديين وتزيد إدرارات الرواتب على العلماء ويطّرد النشاط العلمى فى الشام. واهتم معاوية أول خليفة أموى بأخبار الأمم القديمة، واستقدم لذلك من اليمن عبيد بن شريّة الجرهمى، وجعلها عبيد موضوعا لسمره وأحاديث معه، وجمع كثيرا من هذه الأحاديث فى كتاب له سماه «كتاب الملوك وأخبار الماضين» ، طبع له فى حيدرآباد مع كتاب التيجان فى ملوك حمير ويلقانا منذ القرن الرابع للهجرة مؤرخون مختلفون فى الشام، على نحو ما سيتضح ذلك فى نهاية الفصل. .

وجدير بنا أن نقف قليلا عند حركة علمية وأدبية باهرة دفع إليها سيف الدولة الحمدانى (333 - 356 هـ) حين أظلّ لواءه حلب وإقليمها ومادان لحكمه من أنطاكية وحماة وغيرهما من بلاد الشام، ومر بنا حديث عن بطولته الخارقة وكيف كان يقف درعا، بل سدّا منيعا للبلاد العربية أمام البيزنطيين وكيف نكّل بهم وبجموعهم مرارا وتكرارا. وبجانب هذه البطولة الخارقة كان راعيا عظيما للعلوم والآداب والفنون فى زمنه، مما جعل حلب عاصمته تصبح كعبة للقصاد من الفلاسفة أمثال الفارابى المعلم الثانى أكبر فلاسفة المسلمين حتى أيامه، ومن اللغويين والنحاة أمثال أبى على الفارسى وابن جنى وابن خالويه. وسنراه عما قليل يرعى علماء الطب وأفذاذه، كما يرعى بعض المنجمين. أما الشعراء فلم يجتمع بباب أحد من الأمراء-بعد الخلفاء-ما اجتمع ببابه كما يقول الثعالبى، وقد أفرد له ولشعرائه فصولا طويلة فى الجزء الأول من كتابه اليتيمة أمثال النامى والببغاء والوأواء الدمشقى والخالديين والسّرىّ الرّفاء وكشاجم وابن نباتة السعدى. ويخيل إلى الإنسان أنه لم يبق شاعر فى الشام والعراق وإيران إلا قدم إليه مدائحه، ويكفى أنه نزل عنده لمدة

(1) البيان والتبيين 2/ 205.

ص: 63

تسع سنوات أعظم كوكب فى سماء الشعر العربى لزمنه: المتنبى الذى ملأ الدنيا بوصفه لبطولته وملاحمه مع الروم.

وتحكم الدولة الفاطمية الشام نحو قرن، وفى أثنائه يتقلص حكمها عن حلب إذ لم تكد تستقر فى يدها لأوائل القرن الخامس الهجرى حتى استولى عليها بنو مرداس كما مر بنا فى الفصل الماضى، ولا يبقى معها فى العقد السابع من هذا القرن سوى صور وجنوبيها على شاطئ البحر المتوسط حتى غزة. ومن يرجع إلى كتب التراجم فى تلك الفترة يجد هناك كثيرا من طبقات العلماء من محدثين وفقهاء وقراء ومفسرين ونحاة. وليس بين أيدينا نصوص توضح مدى الرواتب والأموال التى كان يبذلها الفاطميون ونوابهم وولاتهم لعلماء الشام. ولكن يكفى أن تكون الشام أنتجت فى هذه الحقب أبا العلاء أكبر مفكر متفلسف إسلامى. وأكبر من تحمل مؤلفاته وأشعاره كل فروع الثقافة لزمنه، يكفى ذلك للدلالة على ما كانت تحظى به الحركة العلمية والفلسفية والشعرية من خصب وازدهار رائع. وقد استقل بنو مرداس بحلب، ويصور ابن العديم فى كتابه زبدة الحلب من تاريخ حلب رعايتهم للشعر والشعراء، وكان الشعر فيها لا يزال حيّا ناشطا منذ سيف الدولة، على الأقل من حيث استقبال الشعراء وبذل العطاء لهم. وكان جلال الملك ابن عمار قاضى طرابلس استقل بها لسنة 470 وحاول أن يحدث بها حركة علمية شبيهة بما أحدث الفاطميون من دار العلم لعهد خليفتهم الحاكم، فأنشأ بها دارا سماها بنفس الاسم، وجعلها على غرارها فى تنوع الدراسات بها وفى جلب الكتب الكثيرة إليها (1)، وكان من الممكن أن تحدث هذه الدار نشاطا علميا واسعا فى الشام، غير أن حملة الصليب سرعان ما قدموا واستولوا على طرابلس سنة 502 وأقاموا فيها إحدى إمارتهم، وبذلك وئدت حركتها العلمية وهى لا تزال ناشئة فى المهد.

ويدخل أكثر الشام فى حكم السلاجقة كما مر بنا فى غير هذا الموضع، وكان وزيرهم نظام الملك المتوفى سنة 485 رأى أن ينشئ مجموعة من المدارس فى المدن الكبيرة لدولتهم فى إيران والعراق لمحاربة النحلة الإسماعيلية ونشر المذهب الشافعى والعقيدة الأشعرية الكلامية، وعرفت كل مدرسة من هذه المدارس باسم المدرسة النظامية. وكان السلاجقة كلما دان لهم بلد لم يلبثوا أن أسّسوا فيه مدرسة، وظلت المساجد بجانب مدارسهم ساحات كبيرة للعلم والمعرفة، وهو ما جعل العلم العربى بجميع فروعه شعبيّا، فكل فرد من أفراد الشعب يحق له أن يجلس إلى أى حلقة من

(1) خطط الشام لمحمد كرد على 6/ 67 وما بعدها

ص: 64

حلقات الشيوخ، أما إذا انتظم فى مدرسة فإنه كان يأخذ راتبا معينا يكفل له الحياة. وكان السلاجقة يفسحون فى بناء المدارس لقوادهم ولذوى الثراء. وأول مدرسة بنيت فى دمشق المدرسة الصادرية (1) بناها شجاع الدولة صادر بن عبد الله لدراسة الفقه الحنفى سنة 491. وفى سنة 514 بنى أتابك العساكر الملقب بأمين الدولة أول مدرسة (2) للشافعية، ثم بنيت للأحناف المدرسة الطرخانية سنة 525 وبعدها بقليل بنيت لهم المدرسة البلخية. وبنيت فى هذه الأثناء أول مدرسة بحلب سنة 516 وهى المدرسة الزجاجية بناها حاكمها الأرتقى بدر الدولة أبو الربيع سليمان

ويظلّ الشام لواء الزنكّيين عماد الدين ونور الدين محمود وخليفته صلاح الدين ثم الأيوبيين، وتتنفس الصعداء، فبالرغم من أن هؤلاء الحكام كانوا فى شغل مستمر بحروب حملة الصليب وهدم قلاعهم وحصونهم كانوا يبنون ويؤسسون المدارس لفقهاء المذاهب الأربعة، ومضى على منوالهم المماليك بحيث تزدهر فى الشام نهضة علمية رائعة. وكان يوقف على كل مدرسة أوقاف دارّة تكفل للمدرسين والمعيدين رواتب مجزية. وكان يلحق بالمدرسة مبان للطلاب، يقدّم لهم فيها الغذاء، ويقيمون فيها للراحة والنوم. وكانت تلحق أيضا بالمدرسة خزانة كتب يختلف إليها الطلاب للقراءة والبحث، وكان يقدّم إليهم الورق وأدوات الكتابة. ويذكر ابن جبير فى رحلته لسنة 578 أنه رأى بدمشق عشرين مدرسة وبحلب خمس مدارس يقول:«ومن أحسن مدارس الدنيا منظرا مدرسة نور الدين، وبها قبره نوّره الله، وهى قصر من القصور الأنيقة» بناها سنة 563 لأصحاب الفقة الحنفى. وقد أخذت المدارس تتكاثر كثرة مفرطة فى دمشق وحلب وغيرهما من بلدان الشام. ولم يقف تشييدها عند السلاطين الأيوبيين، فقد اشترك معهم فيها نساؤهم وقوادهم والأمراء من بينهم خاصة حكام البلدان الشامية، كما اشترك بعض ذوى اليسار. وقد عدّ ابن الشحنة منها فى كتابه الدر المنتخب فى مدارس حلب نحو خمسين مدرسة فى بلدة شامية واحدة أسست بين سنتى 516 و 565 وجاء بعده ابن شداد، فعد لدمشق فى سنة 680 وهى سنة تأليفه للأعلاق الخطيرة أربعة وثلاثين مدرسة حنفية وأربعين مدرسة شافعية وثلاثة مالكية وعشرة حنبلية. ويعكس هذا العدد حقيقة كبرى هى مدى شيوع هذه المذاهب فى الشام فأكثرها انتشارا

(1) الأعلاق الخطيرة لابن شداد: تاريخ مدينة دمشق ص 199 والدارس فى تاريخ المدارس للنعيمى 1/ 429.

(2)

سميت الأمينية نسبة إلى مؤسسها، ويقال إنه بنيت قبلها مدرسة سميت الجاروخية وانظر فى حديثنا عن المدارس المصدرين السالفين.

ص: 65

فيه المذهب الشافعى ثم المذهب الحنفى ثم المذهب الحنبلى ثم المذهب المالكى. ولم يبن للمذهبين الأخيرين مدارس إلا فى عهد الأيوبيين منذ صلاح الدين. وكان بيت المقدس يكتظ هو الآخر بمدارس المذاهب الأربعة، وعلى شاكلته كثير من مدن الشام الكبرى، وفى ذلك يقول ابن خلكان عن نور الدين محمود إنه «بنى المدارس بجميع بلاد الشام الكبار مثل دمشق وحلب وحماة وحمص وبعلبك ومنبج» (1). وبجانب مدارس المذاهب الفقهية عنوا بتأسيس مدارس الحديث النبوى، من ذلك دار الحديث النورية التى أسسها نور الدين محمود بدمشق، وولّى مشيختها الحافظ المؤرخ الكبير ابن عساكر. وبنى الأشرف موسى الأيوبى صاحب دمشق دار حديث بها ثانية سنة 630 وألحق بها خزانة كتب ومسكنا لشيخها، ووقف عليها أوقافا كافية، وأسند مشيختها إلى ابن الصلاح الحافظ المحدث المشهور، وفيما بعد أسندت إلى الإمام الشافعى:

النووى.

وبدون ريب بعثت هذه المدارس الكثيرة كثرة مفرطة بالشام نهضة علمية باهرة، فكثر العلماء فى كل علم حتى ليروى العماد الكاتب فى كتابه «الفتح القدسى» أنه وزّع فى إحدى المناسبات على علماء دمشق ستمائة دينار فخصّ كل عالم دينار واحد (2)، أى أنه كان بها حينئذ ستمائة عالم غير من لم يشملهم التوزيع ومن لم يحضروه. وما بالنا إذن بما كان ينفقه نور الدين بل صلاح الدين بعده على العلماء والمدارس، لا بد أنه كان يبلغ مئات الألوف من الدنانير. وساعد على هذه النهضة نور الدين وصلاح الدين وسلاطين أسرته: ويروى ابن خلكان فى ترجمة نور الدين إنه كان لا يزال يحتاج إلى الأموال الكثيرة فى حربه لحملة الصليب فقال له بعض أصحابه إن فى بلادك إدرارات وصدقات وصلات كثيرة على قراء الذكر الحكيم والفقهاء والصوفية، ولو استعنت بها لكانت أصلح، فغضب من ذلك غضبا شديدا وزجر صاحبه زجرا عنيفا. وكان صلاح الدين على شاكلته فى العناية بالفقهاء والقراء والصوفية، وكان يختلس من أوقاته ما يعطيه الفرصة لحضور مجالس العلماء مهما بعدت الشقة كما حدث فى ذهابه إلى الإسكندرية للاختلاف إلى حلقة السّلفى الحافظ المشهور (3) واشتهر المعظم عيسى صاحب دمشق بتعمقه فى الفقه وأنه ألف فيه كتابا وأيضا

(1) ابن خلكان فى ترجمة نور الدين محمود 5/ 185.

(2)

الفتح القدسى ص 481.

(3)

سمع ابنه العزيز صاحب مصر بعده الحديث على السلفى أيضا: انظر النجوم الزاهرة 6/ 127.

ص: 66

فإنه كان يتعمق فى دراسة النحو (1). فسلاطين بنى أيوب كانوا مثقفين (2)، ولذلك حاولوا أن يدفعوا الحركة العلمية إلى الذروة.

ويعدّ صاحب الأعلاق الخطيرة لدمشق نحو ثلاثمائة مسجد غير الزوايا والخانقاهات، وكثير منها كانت تلقى فيه المحاضرات والدروس. وظل هذا الحشد الهائل من الخانقاهات والمساجد والمدارس فى زمن المماليك وأخذوا يضيفون كثيرا من الخانقاهات ومدارس الفقهاء وغيرهم من علماء الدين والعربية. وحقا كانت كثرة المماليك غير مثقفين، وهم من هذه الناحية يختلفون عن سلاطين بنى أيوب، ومع ذلك عنوا عناية واسعة بالثقافة وبناء المدارس والمساجد والخانقاهات والإنفاق عليها عن سعة، على أنه عرف بعض متأخريهم بمدارسة العلم ورعاية العلماء والأدباء مثل السلاطين: برقوق والمؤيد شيخ وقايتباى والغورى.

ومعنى ذلك أن الحركة العلمية ظلت مزدهرة طوال أيام المماليك، غير أنه يلاحظ أن نفوذ الفقهاء ازداد فى هذا العصر وازداد معه نفوذ المتصوفة وشاع معه الاعتقاد فى كراماتهم والمبالغة فى ذلك، وبدون ريب كان بينهم كثيرون أجلاء على معرفة وفقه بصير بالشرع، ولكن كان بينهم دخلاء مشعوذون جعلوا العامة يتعلقون بالأولياء، ومنحوهم علم الغيب والقدرة على إنفاذ ما يريده المتوسلون بهم. ويقف المستشرقون عندما نزل بابن (3) تيمية من محن، ويحاولون أن يتخذوا من ذلك دليلا على جمود الفكر الدينى حينئذ غير ملاحظين أن ابن تيمية نفسه كان إماما حنبليا يدين بمذهب ابن حنبل وهو أكثر المذاهب سلفية. ومع ذلك كان من أكثر فقهاء عصره تحررا فكريّا، وقد حارب الصوفية فى منازعهم الفلسفية وكل ما قالوا به فى الحلول ووحدة الوجود، وحارب الشيعة الإسماعيلية وما يزعمون لأئمتهم من العصمة وتمثيل العقل الكلى وما يتصل به من تجسد الإله

(1) مختصر مرآة الزمان 426 وما بعدها

(2)

مما يذكر عن هؤلاء السلاطين أنه كان لهم بعض مؤلفات، فكما كان للمعظم عيسى كتاب فى الفقه الحنفى كان للمنصور محمد الأيوبى صاحب حماة كتاب فى تاريخها ومن زارها أو اتخذها مسكنا من الأعلام (مختصر مرآة الزمان 421) وكان الامجد الأيوبى صاحب بعلبك يحضر دروس الحافظ اليونينى، وكانوا يعدون حضور مجلس العلماء شرفا ما بعده شرف.

(3)

انظر فى ترجمة ابن تيمية فوات الوفيات 1/ 62 والنجوم الزاهرة 9/ 271 والمنهل الصافى 1/ 336 وتذكرة الحفاظ للذهبى 4/ 228 وتاريخ ابن الوردى 2/ 284 والدرر الكامنة 1/ 154 والقول الجلىّ فى ترجمة الشيخ تقى الدين بن تيمية الحنبلى لصفى الدين الحنفى والكواكب الدرية فى مناقب ابن تيمية لمرعى الكرمى وابن تيمية للشيخ محمد أبو زهرة وابن تيمية للدكتور محمد يوسف موسى وأسبوع الفقه الإسلامى ومهرجان ابن تيمية طبع المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب بالقاهرة ودائرة المعارف الإسلامية وما بها من مراجع.

ص: 67

فى الخليفة، وخصهم بكتابه عن الباطنية. وجعله تحرره الفكرى يفتح باب الاجتهاد على مصاريعه ويفتى فتاوى حرة فى كثير من مسائل الشرع. وجلب عليه ذلك سخط فئات كثيرة وخاصة من الفقهاء وعلماء الكلام الأشعرية، إذ شملتهم هجماته. وهى هجمات صريحة جريئة ألبت عليه كثيرين من الخصوم فى بيئات مختلفة، وبدأ ذلك بوضوح منذ سنة 698 إذ جاءه سؤال من حماة عما فى القرآن الكريم من آيات قد تفيد التشبيه على الذات العلية إذا فهمت على ظاهرها مثل:{(الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اِسْتَوى)} و {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} ومذهب المعتزلة والأشعرية تأويل مثل هذه الآيات، وأن المراد فى الآية الاستيلاء على العرش، ومعنى كلمة يد فى الآية الثانية القدرة. ومذهب الحنابلة، وهو ما أجاب به ابن تيمية فى رسالة مستقلة: أن واجبا أن نؤمن بما جاء فى القرآن من هذه الصفات دون كيفية ودون تشبيه بالمخلوقات وأيضا دون تأويلها فوق طاقة الإنسان. وسرعان ما اتهمه الفقهاء الأشاعرة بأنه يرى فى الذات العلية رأى المجسمة أو المشبهة، ورفعوا أمره إلى قاضى القضاة بدمشق فبرّأه من التهمة. ونجاه الله من هذه المحنة.

ثم كانت التهمة الثانية لابن تيمية فى سنة 705 بسب حملته على الطريقة الصوفية الرفاعية وما يموّه به أصحابها على الناس من النفوذ من النار وغير ذلك من كرامات يدّعونها، وشكوه إلى نائب السلطنة بدمشق، فأمرهم النائب أن يكفوا عن حيلهم وخداعهم للناس كما مر بنا. وفى نفس السنة طلب إلى القاهرة لمناظرة علمائها واجتمعوا له-وخاصة فقهاء الشافعية الأشاعرة- وأخذوا يناقشونه فى إثبات الصفات على الله حسب ظاهرها القرآنى، فالله استوى-كما يقول- حقيقة على العرش ونحو ذلك. وجادلهم ابن تيمية طويلا موضحا رأيه فى الإيمان بهذه الصفات دون كيفية ودون إثبات تجسيد على الله، غير أنهم حكموا عليه بالسجن وظل فيه عاما وبضعة أشهر. ولبث فى القاهرة يعلّم ويعظ، وسرعان ما أوقع به خصومه بدعوى حملته على أصحاب المنزع الفلسفى فى التصوف القائلين بالحلول ووحدة الوجود. وسجن بالإسكندرية، حتى إذا رقى عرش مصر الناصر بن قلاوون سنة 709 ردّ إليه حريته وأكرمه إكراما عظيما. وفى سنة 712 عاد إلى دمشق وتفرغ للتأليف والإفتاء، حتى إذا كانت سنة 718 وأفتى أن الحلف بالطلاق كالحلف بالله يكفّر عنه وأن الطلاق بالثلاث يعدّ طلقة واحدة. حينئذ ثارت ثائرة الفقهاء، حتى أجبروا السلطان على منعه من الفتوى بذلك، وصدع السلطان لمشيئتهم. غير أنه عاد إلى الإفتاء بما ذكرنا فى سنة 720 وعقد بدمشق مجلس لمحاكمته، وسجن ولبث فى السجن خمسة أشهر وأياما ثم ردّت إليه حريته. حتى إذا كانت سنة 726 أفتى بأن الرحلة إلى قبور الأنبياء والأولياء والصالحين

ص: 68

معصية من أشد المعاصى، فاعتقل بسبب هذه الفتوى وجعل فى قاعة حسنة بقلعة دمشق وأقام بها مشغولا بالتصنيف والتأليف، وبأخرة من أيام سجنه منع من الأوراق والدواة والقلم، ولم يلبث أن توفى سنة 728.

وواضح أن محنة ابن تيمية وسجنه لم يكونا بسبب اجتهاده فى مسائل الشرع وإنما بسبب تعرضه لمسألة عقيدية تتصل بصفات الله وأخرى تتصل بزيارة قبور الأنبياء والأولياء. وكان فى الصفات يأخذ برأى السلف ويترك رأى الأشاعرة والمعتزلة أى أنه لم يكن اجتهادا منه، أما مسألة الاجتهاد فى الشرع فقد تركها العلماء له. ولسنا بصدد إحصاء آرائه الفقهية الجديدة. إنما حسبنا أن نشير إليها وأن نتخذ منها دليلا-كما مر بنا آنفا-على أن باب الاجتهاد ظل مفتوحا على مصاريعه طوال زمن المماليك حتى بين الحنابلة. واشتهر فى كل مذهب فقهى مجتهدون جدد مثل النووى فى المذهب الشافعى. ونفس آراء ابن تيمية ظلت حية عاملة بعده إلى أن استمدت منها الحركة الوهابية بواعثها بعد أربعمائة من السنين. وإذا كان قد تورط بعض فقهاء الشافعية فى محاكمته بدمشق والقاهرة فإن ابن تغرى بردى يذكر أن كبيرهم فى دمشق ابن الزّملكانى ونظيره فى مصر ابن دقيق العيد أثنيا عليه ثناء عطرا وينقل عن ابن الزملكانى قوله عنه:«العلامة الأوحد الحافظ المجتهد الزاهد العابد القدوة إمام الأئمة، وقدوة الأمة، علامة العلماء، وارث الأنبياء، آخر المجتهدين، أوحد علماء الدين. . محيى السنّة ومن عظمت به لله علينا المنّة» .

وعلى هذا النحو كانت الحياة العلمية نشطة مزدهرة فى زمن المماليك، وكانوا يشجعون العلماء والأدباء، وطالما اقترحوا على بعض المؤلفين تأليف هذا الكتاب أو ذاك، وكانت البلاد دارّة وقضاتها على المذاهب الأربعة يحكمون بين الناس بالعدل. فلما أطل لواء العثمانيين الشام أصابها ما أصاب مصر من انتكاس الحركتين العلمية والأدبية، ومع ذلك ظلت جذوة منهما متقدة فى بعض المدارس والجوامع وبخاصة فى الجامع الأموى بدمشق، إذ ظلت فيه حلقات التدريس.

ومرّ بنا أن الحكم العثمانى بالشام أخذ يسوء سوءا شديدا، وأخذت المظالم فيه تزداد والضرائب تتضاعف، وكان لذلك أثره فى تدهور الحركتين العلمية والأدبية. وألغى العثمانيون نظام قضاة المذاهب الأربعة الذى وضعه الظاهر بيبرس وظل قائما طوال أيام المماليك، حتى إذا حكموا البلاد استعاضوا عن هؤلاء القضاة بقاض عام واحد هو قاضى العسكر، وألغوا استخدام العربية فى دواوين الولاية، واستخدموا مكانها التركية، وكان لذلك تأثيره على الكتابة والكتاب، فلم تعد تكتب رسائل ديوانية ولا مناشير وتقاليد بالعربية، غير أن العربية كانت لغة الدين الحنيف، فظلت

ص: 69