الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصّفدى
(1)
هو صلاح الدين خليل بن أيبك الصّفدى، ولد بصفد فى فلسطين سنة 696 وعنى فى أول حياته بصناعة الرسم، ثم اتجه إلى علوم الشريعة والعربية، وتنقل بين دمشق والقاهرة يأخذهما عن كبار العلماء، وأولع بالأدب. وكان أول ما ولى من الأعمال كتابة الدّرج بموطنه صفد، يكتب ما يوقّع به كبار الكتاب فى دواوينها لجودة خطه، ثم انتقل إلى القاهرة وشغل نفس العمل بدواوينها، ومضى يختلف إلى حلقات العلماء والأدباء بها، وتركها إلى دمشق، وكان رئيس الديوان بها حينئذ الشهاب محمود إذ نقل إليها من القاهرة منذ سنة 717 وأعجب بالشاب الصفدى، وعيّنه فى كتابة الدّست، حتى يعاونه فى عمله وما يتصل به من إنشاء بعض الرسائل، وانعقدت صلة وثيقة بينه وبين ابن نباتة، وتخرج على يديه شاعرا، كما تخرج على يدى الشهاب محمود كاتبا مجيدا. وتوفى الشهاب محمود سنة 725 على نحو ما مرّ بنا فى ترجمته، وظل الصفدى يعمل فى دواوين الشام، وعيّن رئيسا لديوان الإنشاء بحلب وقتا، وعاد إلى دمشق وإلى وظيفته بها فى كتابة الدّست مساعدا لرئيس ديوان الإنشاء بها وخاصة فى كتابة التواقيع والمراسيم الخاصة بتعيين القضاة وكبار الموظفين. وأضيفت إليه حينئذ وكالة بيت المال، واستمر فى الوظيفتين إلى أن توفى بدمشق سنة 764 وكان قد تصدى قبيل وفاته فى الجامع الأموى للتدريس، وكان يحضر حلقة دروسه أحيانا بعض شيوخه مثل الذهبى وابن كثير.
ويقول صاحب النجوم الزاهرة: كان إماما بارعا كاتبا ناظما ناثرا شاعرا، وديوان شعره مشهور بأيدى الناس وهو من المكثرين. ويقف الحموى فى خزانته مرارا ليذكر أن ابن نباتة لا حظ كثرة سرقاته لمعانى شعره وأنه ألف كتابا فى سرقاته منه سماه «خبز الشعير» يشير بذلك إلى أن عمله مذموم نفس مذمة خبز الشعير وأكله. وشعره فى جملته متوسط وهو يكثر فيه من التورية، ومن طريف ماله قوله:
بسهم ألحاظه رمانى
…
فذبت من هجره وبينه
(1) انظر فى الصفدى وترجمته النجوم الزاهرة 11/ 19 والدرر الكامنة لابن حجر 2/ 176 والبداية والنهاية لابن كثير 14/ 303 وطبقات الشافعية للسبكى 10/ 5 وما بعدها وشذرات الذهب لابن العماد 6/ 200 والبدر الطالع 1/ 243 وخزانة الأدب ص 17 وفى مواضع متفرقة من صبح الأعشى وخاصة 12/ 86، 351.
إن متّ مالى سواه خصم
…
فإنه قاتلى بعينه
ويعد من أكبر المصنفين فى التراجم والأدب والبديع والنقد، وعلى رأس مصنفاته فى التراجم كتاب الوافى بالوفيات، وهو فى نحو ثلاثين مجدا، ونشرت طائفة من أجزائه. واستخلص منه مع إضافات جديدة كتابه «أعوان النصر وأعيان العصر» من الأدباء والشعراء وهو فى ستة مجلدات، وفى دار الكتب المصرية منه مجلدات متفرقة. وألف فى مشاهير المكفوفين كتابه: نكت الهميان فى نكت العميان، وهو منشور. وله التذكرة الصفدية وهى مختارات أدبية وكتاب تشنيف السمع فى انسكاب الدمع: دمع المحبين والعشاق، وله فى المحسنات البديعية كتاب فض الختام عن التورية والاستخدام وكتاب جنان الجناس، وله فى النقد نصرة الثائر (وهو ابن أبى الحديد) على المثل السائر لابن الأثير، والغيث المسجم فى شرح لامية العجم، وهو شرح ملئ بالملاحظات النقدية، وبه دفاع بديع عن ابن سناء الملك إزاء ما اتهمه به خصومه من استخدام بعض الألفاظ العامية، وشرح رسالة ابن زيدون الجدية بشرح سماه «تمام المتون» . وله وراء ذلك كتب أخرى سقطت من يد الزمن، كما أن له بعض مقامات، ويقال إنه كتب وصنّف مئين من المجلدات وخلّف كثيرا من الرسائل بينها مجموع باسم ألحان السواجع فى مجلدين سجل فيه الرسائل المتبادلة بينه وبين أدباء عصره.
وكانت رسائل الصفدى الديوانية تشغل مجلدات كثيرة، ولم يحتفظ منها القلقشندى إلا برسائل قليلة، من ذلك توقيع لأمين الملك ومدبر شئون دمشق من أمن وضرائب وأوقاف وغير أوقاف، وله يقول باسم صاحب الأمر:
«لما كانت دمشق فى الدنيا أنموذج الجنّة التى وعد بها المتقون، ومثال النعيم للذين عند ربهم يرزقون، وهى زهرة ملكنا ودرّة سلكنا. . تعيّن أن ننتدب لها من جرّبناه بعدا وقربا، وهززناه مثقّفا (1) وسللناه عضبا (2) وخبأناه فى خزائن فكرنا فكان أشرف ما يدّخر، وأعزّ ما يخبأ، كم نهى فى الأيام وأمر، وكم شد أزرا لما وزر، وكم غنيت به أيامنا عن الشمس وليالينا عن القمر، وكم علا ذرى رتب تعزّ على الكواكب الثابتة فضلا عمن يتنقّل فى المباشرات (3) من البشر، وكم كانت الأموال جمادى (4) فأعادها ربيعا غرّد به طائر الإقبال وصفر. فليتلقّ هذه الولاية بالعزم الذى نعهده، والحزم الذى شاهدناه ونشهده، والتدبير الذى يعترف الصواب له
(1) مثقفا: سيفا مصقولا
(2)
عضبا: قاطعا.
(3)
المباشرات: الأعمال
(4)
جمادى: يريد قليلة
ولا يجحده، حتى يثمّر الأموال فى أوراق الحسّاب، وتزيد نموا وسموا فتفوق الأمواج فى البحار وتفوت القطر من السحاب».
وواضح ما فى السجعة الأولى من اقتباس لبعض ألفاظ القرآن الكريم، ويلتمس الصفدى بعض صور الطباق والجناس ولكن دون إسراف، كما يلتمس بعض الاستعارات، ويبدو فيها غير قليل من التكلف، كما يبدو التكلف أحيانا فى اجتلاب السجعات. ومن توقيعاته توقيع كتب به لكاتب السر بدمشق: ناصر الدين محمد بن يعقوب بالتدريس فى المدرسة الناصرية الجوانية جاء فيه:
وواقع ما فى التوقيع على هذا النحو من التصنع للجناس المقلوب فى مثل «جلاد وجدال» و «كلام وكمال» و «جمال ومجال» و «أمدح وأحمد» و «أسعف وأسعد» كل ذلك ليقع من نفس رئيس ديوان الإنشاء موقعا حسنا. ولم يكن الصفدى يتكلف دائما مثل هذه الكلف فى جناساته، بل هى تأتى عنده نادرة إذ كان حسبه أن يأتى بالجناسات الطبيعية دون هذه المشقة فى التكلف. وكثير من جوانب توقيعاته سلس سائغ. وكان محببا إلى أهل زمنه حسن المعاشرة جميل المودة.
(1) الطارف والتالد: الحادث والقديم.
(2)
تأرّج عليها: عطّرها: