الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على كبده خشية تفتته داعيا لخبزه أن لا يأتى الدهر عليه كما أتى على لبد. وكان يهاجى رشيد الدين عبد الرحمن النابلسى ويزعم أنه صفع وأنه معتاد الصفع دائما يقول:
تعجّب قوم لصفع الرشيد
…
وذلك ما زال من دابه
رحمت انكسار قلوب النّعال
…
وقد دنّسوها بأثوابه
فو الله ما صفعوه بها
…
ولكنهم صفعوها به
وله أهاج كثيرة فى القاضى الفاضل وكبار رجال الدولة بدمشق وجهابذة قضاتها وشيوخها، وهو فيها أو على الأقل فى بعضها يفحش إفحاشا شديدا، مما دفعنا إلى إخلاء هذا الكتاب منها، لا لفحشها فحسب: بل لأن ما يخلو منها من الفحش أيضا إنما هو افتراء وبهتان.
ابن (1) النحاس
هو فتح الله بن النحاس الحلبى المعروف باسم
ابن النحاس
اشتهر بطوافه فى البلدان الشامية والمصرية والحجازية، كان جميل الصورة فى صباه ومطالع شبابه، ثم أصيب بمرض بدّل محاسنه وزهده فى الحياة. ونراه فى شعره يرثى تلك الأيام أسفا محزونا، ويقال إنه تزيّى بزى الزهاد ورحل عن بلده، ودخل دمشق فاستقبله أدباؤها وشعراؤها استقبالا كريما. وكان لهم مجالس يتطارحون فيها الشعر، وكانوا يجتمعون فى نزه دمشق، ويتحاورون ويتحدثون ويذكرون كثيرا من الدعابات والفكاهات. وانعقدت صلة متينة بينه وبين ابن منجك الذى تحدثنا عنه بين شعراء المديح، وله فيه مدائح كثيرة. ورحل عن دمشق إلى القاهرة فوجد من أدبائها أهلا ومكانا طيبا، وهاجر منها إلى مكة، وألقى عصا تسياره بالمدينة، إلى أن توفى سنة 1052 للهجرة. ويقول فيه المحبى فى كتابه: نفحة الريحانة: «أنا لا أجد عبارة تفى فى حقه بالمدح، فأرسلت اليراع وما يأتى به على الفتح، وناهيك بشاعر لم يطنّ مثل شعره فى آذان الزمان، وساحر إذا أشربت كلماته العقول استغنت عن الكئوس والندمان» .
وابن النحاس شاعر مجيد، بالقياس إلى زمنه أيام العثمانيين، وشعره استنفده فى المديح، ويكثر فى مقدماته من الغزل، وقد يفزع إلى الفخر بمثل قوله:
(1) انظر فى ابن النحاس وشعره سلافة العصر ص 276 وخلاصة الأثر 3/ 257 ونفحة الريحانة 2/ 507 وديوان ابن النحاس مطبوع قديما فى بيروت بالمطبعة الأنسية.
ألا إن لى نفس الوقور وعفّة ال
…
قدير وقلبى فى المهمات قلّب
وما كلّ معسول اللّمى يستفزّنى
…
ولا كلّ مطلوب لدىّ محبّب (1)
وأحتمل المكروه ممن يملّنى
…
ولم ألو جيد الودّ عمن ينكّب
إذا أنا لم أدفع عن النفس ضيمها
…
فلا انجاب عنها من دجا الضّيم غيهب
ولا وطئت خدّ الفيافى ركائبى
…
ولا سال حزن بالمطىّ وسبسب
وهو يقول عن نفسه إنه وقور عفيف قلّب يحتال فى قوة للأمور، ولا يستثيره جمال المرأة ولا يطلب ما يطلبه الناس، بل يطلب الأمانى الكبار، ويحتمل الأذى ممن ينصرف عنه، ولا ينصرف عمن يعرض عنه من الأودّاء الأصدقاء، ويدعو على نفسه إن لم يدفع الضيم الساقط عليه أن لا ينجاب عنه دجاه المظلم، وأن تهن قواه فلا تطأ الفيافى ركائبه ولا يسيل بها حزن من الأرض ولا مفازة. ويقول من قصيدة ثانية:
يا دهر مثلى لا يقل
…
قل عن سنام المجد جنبه
أنا لا أبالى إن رمي
…
ت وسبّ عرضى من أسبّه
العين يدميها الذّبا
…
ب ويعجز الآساد ذبّه
والتّبر يعلوه التّرا
…
ب وفضله باق ولبّه
تكفى فتى العرفان خ
…
لاّنا فضائله وكتبه
وارقب خفوقى إن سكن
…
ت فعاصفى يرجى مهبّه
والبدر يشرق فى المطا
…
لع بعد ما أخفاه غربه
والروض يذبل ثم تك
…
سى النّور والأوراق قضبه
وهو يقول للدهر إن شيئا لا يستطيع أن يزعزعه عن مكانه من سنام المجد، وإنه ليرمى، ولا يهمه ما قد يلقى عليه من أذى السب والشتم، مثله فى ذلك مثل العين يدميها الذباب وحتى الأسد لا تستطيع ذبه ولا دفعه ومثل التبر يعلوه التراب وتظل له قيمته ونفاسته. ويفتخر بفضائله ومعارفه، ويقول لخصمه: ترقّب حركتى، فإنى كعاصف ساكن لا يلبث أن يثور ويندفع، وما مثلى إلا كمثل البدر يخفيه مغربه ولا يلبث أن تعم أضواؤه الآفاق، أو كمثل الروض تذيل
(1) اللمى: سمرة حسنة فى الشفا