الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
للعهد، ولم يردّ على ذلك الموفق إذ كان يميل معه إلى السلام، ولذلك لم يرسل إلى لؤلؤ جيشا لغزو مصر. وعادت الشام إلى ابن طولون سريعا.
وكان عهد ابن طولون فى الشام عهد رخاء وأمن، ويقال إنه أول دخول له فى دمشق وقع بها حريق، فأمر بأن يعطى لكل من احترق له شئ من المال ما يعوّضه، ثم أمر بمال عظيم ففرّق فى فقراء دمشق والغوطة. وتوفى سنة 270 فخلفه ابنه خمارويه، وثار عليه واليه على دمشق وولاة آخرون هناك. وأيدهم الموفق بجيش، فمنى خمارويه بالهزيمة، وتتابعت هزيمته فى سنتى 271 و 272. وأخذ نجمه فى الصعود لسنة 273 إذ كتب إلى الموفق فى الصلح فأجابه، وكتب له بولايته على مصر والشام والثغور لمدة ثلاثين سنة. وسرّ خمارويه سرورا عظيما، وأمر بإعادة الدعاء للموفق فى خطبة الجمعة، وكان يتردد على الشام بجيشه الضخم كثيرا، مما كان يعود على أهلها برواج واسع فى التجارة. وبدمشق قتله خادم له فى قصره سنة 282 ويقال إن هذا الخادم كان أولع بجارية له فتهددها خمارويه بالقتل فاتفقت مع الخادم على قتله. وسرعان ما أخذت شمس الدولة الطولونية فى الغروب، وولى بعده ابنه «أبو العساكر جيش» وعكف على الشرب واللهو فنفر القواد-ونفرت الناس-منه. وخلعه أخوه هرون بعد ولايته بتسعة أشه، وكان لا يزال صبيا ضعيفا، فأخذت الدولة فى التضعضع، وعاث القرامطة فسادا فى الشام، ولم يستطع قواده وجنوده أن يردوهم عن دمشق وغيرها فاستغاث أهل الشام بجيوش الخليفة المكتفى وأغاثتهم.
ووضح أنه لم يعد يوجد أى مسوغ للإبقاء على الأمير الطولونى المستضعف، وخلفه عمه شيبان وكان لا يقل عنه ضعفا، ومنه تسلم مصر محمد بن سليمان سنة 292.
2 - القرامطة
(1)
كان أول ظهور القرامطة فى العراق سنة 277، وهى حركة سياسية دينية خطيرة تحدثنا عنها بالتفصيل فى كتابنا العصر العباسى الثانى، وأوضحنا كيف أنها بدأت بإيحاء من عبد الله بن ميمون
(1) انظر فى القرامطة كتب التاريخ وخاصة الطبرى، وكتب الملل والنحل وخاصة الفرق بين الفرق للبغدادى، ودراسات فى العصور العباسية المتأخرة لعبد العزيز الدورى ص 126 وما بعدها وتاريخ الشعوب الإسلامية لبروكلمان ص 229 وكتابنا العصر العباسى الثانى ص 33 وما بعدها.
القدّاح منظم الدعوة الإسماعيلية الشيعية من مركزه فى «سلمية» بالقرب من اللاذقية. وكيف أنه أرسل دعاته إلى العراق وخاصة الكوفة وسوادها وعلى رأسهم الحسين الأهوازى، وقد التقى فى لسواد بنبطى يلقب بقرمط ووجد فيه أمنيته من التحمس الشديد للدعوة. ولما دنا أجله عهد إليه بها فنظمها. وتبعه كثيرون مكونين فرقة القرامطة نسبة إليه، وسرعان ما تحولت الفرقة إلى فرقة مارقة تحلّ أتباعها من الفرائض الدينية وتفرض عليهم نظاما اشتراكيا فى الأموال. وانضم إلى قرمط قليل من الطبقة الكادحة لا فى السواد والريف فقط بل أيضا فى المدن، ومن أهم أتباعه الحسين بن بهرام الجنابى الفارسى الذى نشر الدعوة فى البحرين والأحساء. ويخلفه فى سنة 289 زكرويه القرمطى وكان أكثر نشاطا من قرمط، فرأى أن يعنى بنشر الدعوة بين البدو فى جنوبى العراق ولم يتبعه إلا القليل، حينئذ أرسل أولاده يحيى والحسين ومحمدا إلى عشائر قبيلة كلب فى بادية الشام وزعموا لها أنهم من سلالة محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، وتبعهم كثيرون وخاصة بنى العليص. وكانوا قد جعلوا زعامتهم لأخيهم يحيى فبايعه البدو وكانت له عضد ناقصة فكشفها لهم وقال إن هذه آيته. وآية له ثانية هى ناقته، وزعم أنهم إذا تبعوها فى لقاء عدو كتب لهم النصر المبين. وساق جموعه فى الشام يعيثون ويفسدون. وحاصر بهم دمشق فقتل على أبوابها، فبايع أتباعه أخاه الحسين ونادوا به خليفة له، وأظهر لهم شامة فى وجهه الملثم وقال إنها آيته، ولذلك لقّب صاحب الشامة. وخافه أهل دمشق فصالحوه على خراج يؤدونه إليه، وتغلب على حمص وخطب على منابرها بأنه المهدى المنتظر، وهاجمت جموعه بعلبك وحماة والمعرة تقتل وتنهب. وكانت الشام حينئذ تتبع الدولة الطولونية كما مر بنا، وكانت تعانى ضعفا شديدا، فلم تستطع أن تنقذ الشام من القرامطة وما أحدثوه بها من الفوضى والدمار، مما جعل أهل الشام يستغيثون منهم بالخليفة المكتفى، ولبى استغاثتهم فأرسل إليهم محمد بن سليمان على رأس جيش كثيف، فواقع القرامطة بالقرب من حماة فى المحرم سنة 291 وأنزل بهم هزيمة ساحقة، وفرّ كثيرون منهم إلى البوادى. أما الحسين بن زكرويه فاتجه إلى الفرات، وأسر هناك وصلب ببغداد مع عشرات من القرامطة. وكان أخوه محمد لا يزال حيا بين بدو الشام، فأخذ فى جمعهم حوله، حتى إذا كانت سنة 293 أغاربهم على دمشق وحارب أهلها ودخلها وأعمل فيها القتل والنهب، ثم صار إلى طبريّة فانتصر على أهلها ودخلها وفتك بكثير من رجالها ونسائها وعاد إلى البادية. وفى نفس السنة أرسل زكرويه داعية له يسمى أبا غانم إلى بادية الشام، وتبعه كثيرون ونهب بهم بصرى وأذرعات، وتعقّبته جنود الخلافة ولم يلبث أحد أتباعه أن قتله. وبذلك تنتهى حركة