الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[5 - ] شعراء الزهد والتصوف والمدائح النبوية
الشام من قديم دار عبادة ونسك وتقشف، وبها كان مهبط ديانتين: الديانة اليهودية والمسيحية، ومر بنا فى الفصل الأول استعراض لنسّاكها الأولين ورفضهم للمتاع الدنيوى وإقبالهم على ما عند الله من ثواب الآخره. وحين قام نظام الرهبنة فى المسيحية شاعت فيها الأديرة وشاع فيها النسك. وتعمها أضواء الإسلام، وتشيع فيها تعاليمه الزاهدة وينزلها كثيرون من زهاد الصحابة وأتقيائهم النساك وتشيع فيها التقوى، وتصبح ساحة كبرى من ساحات العبادة، كما تصبح مباءة لكثيرين من صلحاء الأمة، وتتطاير على ألسنتهم كلمات زاهدة تقية كثيرة، عرضنا لأطراف منها فى غير هذا الموضع، وطبيعى أن يجد ذلك صداه فى الشعر والشعراء الشاميين. ويلقانا فى ديوان أبى تمام باب للزهد، ويظل الشعراء بعده ينظمون فيه كقول أبى فراس (1):
أما يردع الموت أهل النّهى
…
ويمنع عن غيّه من غوى
فيا لاهيا آمنا والحمام
…
إليه سريع قريب المدى
إذا ما مررت بأهل القبور
…
تيقّنت أنك منهم غدا
فلا أمل غير عفو الإله
…
ولا عمل غير ما قد مضى
وأبو فراس يقول: الموت خير واعظ للإنسان وإنه لجدير أن يردع الغوىّ عن غيّه ويرده إلى رشده، ويعجب من لاه آمن على نفسه ولا يفكر فى هول ما ينتظره من موت يوشك أن ينزل به، وغدا يطير إلى رمسه، ولا أمل له سوى عفو ربه فحرىّ به أن يكفّ عن كل موبقة ويأخذ من يوم حياته ليوم مماته، وإنه لقريب. ويتعمق أبو العلاء التفكير فى الحياة والموت نهاية كل حى وينشد (2):
هى النّفس تهوى الرّحب فى كل موطن
…
فكيف بها إن ضاق فى الأرض قبرها
وهل يرتجى خضر الملابس ظاعن
…
وقد مزّقت فى باطن التّرب غبرها
نوائب ألقت فى النفوس جرائحا
…
عصى كلّ آس فى البريّة سبرها
لى القوت فليغمر سرنديب حظّها
…
من الدّرّ أو يكثر بغانة تبرها
(1) الديوان 2/ 6
(2)
اللزوميات (طبع مطبعة المحروسة) 1/ 312
وأبو العلاء يضع أمام الإنسان مصيره وأنه لا بد مفارق للدنيا الرحبة الواسعة إلى القبر الضيق المظلم. وربما كان يكنى عن كل متاع الحياة بخضر الثياب يلبسها ظاعن راحل عن دنياه إلى قبر موحش تغبّر فيه هذه الثياب وتمزّق تمزيقا. ويقول تلك نوائب تصيب النفوس فى الصميم وتحدث فيها جراحا عميقة يستعصى سبرها ومعرفة غورها على كل طبيب، ويذكر أنه لا يفكر فى طيبات الحياة ولا تمر بخاطره، إذ هو قانع بقوته وما يسدّ رمقه، ولتمتلئ سرنديب-أو كما تسمى الآن سيلان-بمغاوص لآلئها من الدرر وليكثر بغانة فى غربىّ إفريقيا التبر كما يقولون، فحسبى قوتى.
ومرّ بنا أنه كان زاهدا فى الدنيا ونعيمها، مكتفيا بالعدس والتين. ومر بنا أيضا أن ديوانه اللزوميات فى مجلدين، وقد بناه على تمجيد الله والتحذير من الدنيا ومتاعها الزائل كما قال فى مقدمته. ويقول ابن سنان الخفاجى (1):
استغفر الله القديم وعذ به
…
من شرّ غاو فى الحطام منافس
وافعل جميلا لا يضيع صنيعه
…
واسمح بقوتك للضعيف البائس
واقنع ففى عيش القناعة نعمة
…
لا تتقى كفّ الزمان الخالس
لا تفخرنّ وإن فعلت فبالتّقى
…
ناضل وفى بذل المكارم نافس
وهو يستغفر الله من شر كل غاو منافس فى حطام الدنيا ومتاعها الزائل، ويوصى بفعل الجميل ومدّ اليد بالقوت للبائس الفقير. ويوصى أيضا بالقناعة ويقول إنها نعمة لأن الإنسان معها لا يخاف على شئ يختلسه منه الزمن، ويوصيه أن لا يفتخر إلا بالتقى ولا ينافس إلا فى المكارم والمحامد.
ويقول الحسن بن طارق الحلبى من شعراء الخريدة (2):
عمرت دار فناء لا بقاء لها
…
ظنّا بأنك عنها غير منتقل
أتعبت نفسك لا الدنيا ظفرت بها
…
وأنت لا شكّ فى الأخرى على وجل
دار الإقامة أولى بالعمارة من
…
دار نعيمك فيها غير متصل
فاعمل لنفسك ما ترجو النجاة به
…
فليس ينجيك إلا صالح العمل
وهو يزهّد فى الدنيا والعمل على تحقيق المآرب فيها مع نسيان الآخرة دار الإقامة الحقيقية التى ينبغى أن يعمل لها الإنسان، وهى حقا الأجدر بأن يقدم لها كل ما يستطيع من تقوى وعمل صالح حتى يفوز برضوان ربه.
(1) الديوان ص 57
(2)
الخريدة (قسم الشام) 2/ 158
ويقول الإمام النووى الفقيه الشافعى المتوفى سنة 676 للهجرة (1).
وجدت القناعة أصل الغنى
…
فصرت بأذيالها ممتسك
فلاذا يرانى على بابه
…
ولاذا يرانى به منهمك
وعشت غنيّا بلا درهم
…
أمرّ على الناس شبه الملك
وكان محيى الدين النووى إماما ورعا زاهدا مثابرا على التقوى والقناعة، فلا أحد من الحكام-كما يقول-يراه على بابه طالبا حاجة، ولا أحد يراه مشغولا به منهمكا، فانهماكه إنما هو فى العبادة والتهجد والنسك وفتوى الناس فى أمور دينهم وتدريس الفقه والحديث النبوى آخذا نفسه فى حياته بالتقشف الشديد. ويقول مصطفى البابى الذى مرت ترجمته: إن الأرض مقبرة كبرى تطؤها أقدامنا غير واعين، بل إنه يبعد فى خياله قائلا.
قد غنينا عن الدروس بما تم
…
لى علينا صحائف الأيام
من عظات تتلى بغير لسان
…
وسطور خطّت بلا أقلام
ولو أنّ العيون زال غشاها
…
لرأت كلّ أخمص فوق هام (2)
بل وفى كل وردة ألف خدّ
…
وقضيب يميس ألف قوام
فالحياة قصيرة والمصير للجميع الموت، وحرى بالإنسان أن يفكر فى هذا المصير المقدم عليه، وكم ملايين بل مئات الملايين ماتوا وواراهم أهلهم التراب، حتى لكأن أى مكان لا يخلو منهم، وحتى لكأننا نطؤهم بأقدامنا، فهم منبثون فى كل بقعة وفى كل مكان. ويقول البابى لوزالت الغشاوة عن أعيننا لرأينا-ويالهول ما نرى-أقداما تطأ رءوسا، ولها لنا أن الورد النابت من الأرض يستمد حمرته من ألف خد، وبالمثل قضيب الأغصان الأهيف المائس المختال يستمد اختياله من ألف قدّ. ويلاحظ المحبى أن المشهور فى هذا المعنى قول أبى العلاء.
خفّف الوطء ما أظنّ أديم ال
…
أرض إلا من هذه الأجساد
(1) الكشكول (طبعة عيسى الحلبى) 1/ 301
(2)
الأخمص: باطن القدم: الهام: الرأس.
وقول مهيار:
رويدا بأخفاف المطىّ فإنما
…
تداس جباه فى الثّرى وخدود
وكأن البابى نظر إلى معنى البيتين جميعا، ويضيف المحبى أن منزع هذا كله قول المتنبى:
ويدفن بعضنا بعضا ويمشى
…
أواخرنا على هام الأوالى
والأوالى: الأوائل. ولا يكتفى المحبى بذلك، بل يقول أن معنى بيتى البابى دقيق، وفى رباعيات عمر الخيام بالفارسية من نوعه أشياء كثيرة، وبذكر أنه ترجم له رباعية تحمل هذا المعنى على هذه الصورة:
فى الاعتبار بمن مضى من قبلنا
…
عبر وتلك هداية المسترشد
فلكم طوت ترباؤنا أمما وهل
…
ميت بغير ثرائها لم يلحد
حتى كأن شقيقها دم أسرة
…
سفكت دماءهم عيون الخرّد
وبنفسج الروض الندىّ كأنه
…
خيلان وجنات الخدود الورّد
فالشقيق الأحمر القانى يستمد مما سفكته عيون الجميلات من دماء العشاق، والبنفسج الأحمر القاتم يستمد من خيلان وجناتهن. وكل ذلك بعد فى التصور والخيال.
وكان يرافق الزهد منذ القرن الثالث الهجرى نساك-كما مر بنا فى الفصل الأول-أقرب إلى المتصوفة منهم إلى الزهاد فى مقدمتهم ابن الجلاّء، وكانت الشام ساحة كبرى للنساك يؤمونها.
طوال هذا القرن والقرون التالية من العراق وإيران ومصر. واشتهرت جبال لبنان وأنطاكية بكثرة من كانوا يقيمون بها للنسك والعبادة، وامتد ذلك إلى دمشق وجبالها وغيرها من بلاد الشام.
وذكرنا فى الفصل الأول نزول الغزالى بها سنة 488 وأنه أخذ يستضئ بقوة بما كتبه أبو نصر السراج والقشيرى فى الوصل بين أهل الشريعة من الفقهاء وأهل الحقيقة من المتصوفة، فلا شريعة بدون عمل القلب وصدق السريرة ولا تصوف بدون أداء الفرائض والنوافل. وبذلك سدّ الثلمة التى كانت تفصل بين الجماعتين وأحكم الروابط الدينية بينهما. وزادها دعما نزول حملة الصليب بديار الشام مما جعل حكام دمشق التابعين للدولة السلجوقية يكثرون من بناء الخانقاهات والرباطات للمتصوفة. وتبعهم فى ذلك نور الدين حين أصبحت الشام فى قبضته، بل لقد اتسع فى العناية بهم ورصد النفقات عليهم. وظلت هذه العناية متصلة فى عهد صلاح الدين وخلفائه
الأيوبيين والمماليك مما أتاح للتصوف ازدهارا عظيما.
وكان قد أخذ يظهر فى التصوف تياران كبيران: تيار سنى كانت تتبعه جماهير الشعب، وفيه تأسست طرق صوفية متعددة، من أهمها الطريقتان القادرية والرفاعية على نحو ما صورنا ذلك فى غير هذا الموضع. وكان بجانب هذا التيار تيار فلسفى يقوم على أفكار الحلول والاتحاد بالله، ولم تكن له شعبية التيار الأول، وقد مثّله فى القرن السادس الهجرى يحيى السهروردى الذى ترجمنا له فى إيران وأنشدنا بعض أشعاره. ومثّل هذا التيار فى القرن السابع محيى الدين بن عربى الذى نشأ فى الأندلس، ثم رحل إلى البلاد العربية والأناضول وألقى عصاه فى دمشق، وله كتب كثيرة من أهمها الفتوحات المكية. وله أيضا دواوين بديعة، لأبياتها ظاهر وباطن، ظاهر يتفق مع السنة وباطن يتفق مع تصوفه الفلسفى. وشغف كثيرون من أهل الشام بأدبه وشعره منهم من يقف به عند ظاهره ومنهم من يتغلغل فى أعماقه. وأخذت أشعاره وتعاليمه الصوفية الفلسفية، وبالمثل أشعار السهروردى وأيضا أشعار ابن الحلاج الصوفى المتفلسف القديم تؤثر هى وأشعار التيار الصوفى السنى فى كثيرين بحيث أصبح للشام تراث صوفى شعرى. وبدون ريب أكد هذه النزعة الصوفية فى الناس ظهور الطريقة القلندرية التى ظهرت فى القرن السابع الهجرى مع ما داخلها من انحرافات ذكرناها فى الفصل الأول، وأيضا ظهور الطريقتين النقشبندية والبكتاشية لأواخر زمن المماليك.
وسنترجم فيما بعد لثلاثة من شعراء الصوفية الذين تمثلوا التيار الصوفى الفلسفى، وهم ابن سوار وعفيف الدين التلمسانى وعبد الغنى النابلسى، أما ابن عربى فعداده فى الأندلسيين، وقد نزل دمشق بأخرة من عمره.
وكان يقترن بنزعتى التصوف والزهد مديح نبوى كثير، وهو قديم منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومديح حسان بن ثابت وكعب بن زهير وغيرهما من الشعراء له تنويها بخلقه الكريم ورسالته العظمى وجهاده فى سبيل الله وفتوحه. وحين نشطت الحركات الشيعية نشط معها مديحه، إذ انبثّ كثير منه فى مدائحهم لأئمتهم العلويين وفى مراثيهم للحسين على نحو ما نجد عند الصنوبرى الذى ترجمنا له فى كتاب العصر العباسى الثانى. . ولأبى العلاء فى اللزوميات قصيدة فى مديحه، وفيها يشيد به وبرسالته النبوية الخالدة قائلا:
دعاكم إلى خير الأمور محمد
…
وليس العوالى فى القنا كالسوافل
حداكم على تعظيم من خلق الضّحى
…
وشهب الدّجى من طالعات وآفل
فصلّى عليه الله ما ذرّ شارق
…
وما فتّ مسكا ذكره فى المحافل
وعوالى القنا أو الرماح هى الماضية القاطعة، ويذكر أنه دعا إلى توحيد الله الذى خلق الشمس وما تغمر به الكون من الضياء وخلق النجوم التى تبزغ تارة وتأفل تارة ثانية، فهو مدبر الكون وملكوته. ويدعو الله أن يحفّه ببركاته ما طلعت شمس وما عطر ذكره المحافل بمسك لا يضاهيه مسك.
ويحتدم المديح النبوى مع الحروب الصليبية وحروب التتار، إذ أحسّ الشعراء-بحق-أنها حروب موجهة للإسلام ورسوله الكريم، فأخذوا يشيدون به وينوهون بمعجزاته وسيرته الذكية من مثل قول ابن الساعاتى شاعر صلاح الدين فى مدحة نبوية (1):
هو البشير النذير العدل شاهده
…
وللشهادة تجريح وتعديل
لولاه لم تك لا شمس ولا قمر
…
ولا الفرات وجاراه ولا النّيل
مرتّل الوحى يتلوه ويدرسه
…
ولم يكن لكلام الله ترتيل
وسيّد الرّسل حقا لا خفاء به
…
وشافع فى جميع الناس مقبول
بثّت نبوّته الأخبار إذ نطقت
…
فحدّثت عنه توراة وإنجيل
ويقول ابن الساعاتى هو البشير النذير الذى أشاع العدل فى أمته، ويستلهم القائلين بالحقيقة المحمدية وأن الرسول عليه السلام علة الكون ووجوده، فلولاه لم تك شمس ولا قمر ولا حياة فى الأرض ولا أنهار، ويقول إنه أول رسول رتّل الكلام، وإنه لسيد الخلق وشافع أمته يوم القيامة، وبه تحدثت الأخبار فى التوراة والإنجيل مبشرة برسالته العظمى. ويقول فتيان الشاغورى من مدحة نبوية مؤملا شفاعته فى يوم الحشر متمنيا زيارته (2):
أؤمّل من خير الأنام شفاعة
…
بها فى نعيم بالجنان أخلّد
وددت بأنى زرت قبرك راجلا
…
وقبّلت تربا أنت فيها موسّد
ومرّغت خدّى عند قبرك ضارعا
…
بأرض حصاها لؤلؤ وزبرجد
وذاك ضريح يحسد المسك تربه
…
وكلّ شريف القدر لا شك يحسد
وهو يؤمّل فى شفاعة الرسول بالغفران ودخول الجنان، يوم يطول وقوف الناس ف المحشر، ويقول لو استطاع لزار القبر راجلا وقبّله وعفّر خدّه بما حوله من التراب ضارعا متوسلا بأرض
(1) ديوان ابن الساعاتى 1/ 48
(2)
ديوان فتيان ص 109
حصاها لؤلؤ وزبرجد وإن المسك ليحسد ترابه على ما يحمل من طيب لا يماثله طيب. وللسخاوى على بن محمد شيخ القراء بدمشق المتوفى سنة 643 قصائد سبع فى المديح النبوى. وفى مدحة نبوية يقول الشاب الظريف منوها بالبقعة مثوى الرسول الكريم (1):
أرض الأحبّة من سفح ومن كثب
…
سقاك منهمر الأنواء من كثب
يا ساكنى طيبة الفيحاء هل زمن
…
يدنى المحبّ لنيل الحبّ والأرب
أرض مع الله عين الشمس تحرسها
…
فإن تغب حرستها أعين الشّهب
وهو يدعو لأرض الحبيب المصطفى أن تهطل عليها الأمطار سفوحا وكثبانا من كثب أو قرب لتظل تزهر بالشذى العطر، ويتمنى زمنا يحقق أربه وأمنيته من زيارة الجدث الطاهر. ويقول إن عين الشمس تحرسه نهارا وتحرسه أعين النجوم الساطعة ليلا حراسة يرعاها الله جلّ علاه.
وللشهاب محمود ديوان فى مديح الرسول صلى الله عليه وسلم سقط من يد الزمن واحتفظ كتاب المدائح النبهانية النبوية لإسماعيل النبهانى بطائفة من مدائحه، وفى إحداها يصور الشهاب محمود ساعة وصول ركبه إلى المدينة المنورة حين بدا لهم العقيق فى غربيها ولم يلبثو أن زاروا القبر الزّكىّ، يقول (2):
وإذا شارفوا العقيق تراءت
…
من رباه سنا القباب الزّهر
وتلقّاهم بشير التلاقى
…
بقبول تسرى قبيل الفجر
وشذا الروضة التى بين أزكى
…
منبر فى الدّنا وأشرف قبر
حبذا ذاك من مقام كريم
…
يشترى يومه بكلّ العمر
وهو يصور فرحة ركبه أو قافلته بقرب لقاء الرسول حين أشرفوا على العقيق ورأوا قباب مسجده قبيل الفجر. والقبول أو ريح الصبا العليل تبشرهم بالتلاقى وعطر الروضة النبوية يفوح، وهو يشير إلى الحديث النبوى:«ما بين قبرى والمنبر روضة من رياض الجنة» ويقول إن فرحة المثول أمام القبر الطاهر يشترى يومها بالعمر كله. ولكمال الدين محمد بن على الزّملكانى المتوفى سنة 727 للهجرة مدحة نبوية رائعة يقول فيها (3):
(1) ديوان الشاب الظريف ص 4
(2)
المجموعة النبهانية 2/ 173
(3)
فوات الوفيات 2/ 497
محمد خير خلق الله كلّهم
…
وفاتح الخير ما حى كلّ إشراك
قد نال مرتبة ما نالها أحد
…
من أنبياء ذوى فضل وأملاك
يا صاحب الجاه عند الله خالقه
…
ما ردّ جاهك إلا كلّ أفّاك
ها قد قصدتك أشكو بعض ما صنعت
…
بى الذنوب وهذا ملجأ الشاكى
عليك من ربّك الله الصلاة كما
…
منا عليك السلام الطّيب الزّاكى
والزملكانى يقرر حقيقة كبرى، فمحمد عليه السلام خير خلق الله وما حى الكفر والإشراك وقد نال مرتبة لم ينلها الأنبياء ولا الأملاك أو الملائكة. ويتوسل إليه أن يستغفر له ربه وأن يحط عنه أوزاره كما يتبين من أبيات تالية، وقد زاره وحط رحاله فى حماه لنوال هذا الأمل المنشود. وتكثر مثل هذه الاستغاثة فى المدائح النبوية كما يكثر معها طلب الشفاعة. ويقول مصطفى البابى من مدحة نبوية بديعة (1):
إليك رسول الله قد جاء ضارعا
…
أخو عثرة يرجو الإقالة مذنب
فبابك باب الله ما عنه مهرب
…
وطالبه من غير بابك يحجب
أغثنى تداركنى أجرنى فإننى
…
لقى إن تراخى عنه لطفك يعطب
وأبعد شئ أن تضيق برحبها
…
شفاعتك العظمى بنا فهى أرحب
وهو يضرع إلى الرسول الكريم أن يستغفر له ربه ليقيله ويخلصه من ذنوبه، ويستغيث به لائذا أن يكون شفيعه يوم القيامة، يوم يطول وقوف الناس فى المحشر، والجميع يضرعون إلى الله أن يخلصهم وينجيهم من النار، وسعيد من يشفع له الرسول فى هذا اليوم، فيفوز برضوان ربه.
وللبابى يتوسل (2):
يا حىّ يا قيّوم قد
…
بهر العقول سنا بهائك
إنى سألتك بالذى
…
جمع القلوب على ولائك
نور الوجود خلاصة ال
…
كونين صفوة أنبيائك
إلا نظرت لمستغي
…
ث عائذ بك من بلائك
فالطف به فيما جرى
…
فى طىّ علمك من قضائك
(1) الديوان ص 4 ونفحة الريحانة 2/ 437
(2)
الديوان ص 5 ونفحة الريحانه 2/ 434