المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ابن منير - تاريخ الأدب العربي لشوقي ضيف - جـ ٦

[شوقي ضيف]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌الفصل الأوّلالسياسة والمجتمع

- ‌(ا) فتح العرب للشام

- ‌(ب) زمن الدولة الأموية

- ‌(ج) زمن الولاة العباسيين

- ‌(د) الطولونيون-القرامطة

- ‌1 - الطولونيون

- ‌2 - القرامطة

- ‌(هـ) الإخشيديون-الحمدانيون (سيف الدولة)

- ‌1 - الإخشيديون

- ‌2 - الفاطميون-بنو مرداس-السلاجقة-الصليبيون-آل زنكى (نور الدين)

- ‌(ا) الفاطميون

- ‌(ج) السلاجقة

- ‌(د) الصليبيون

- ‌3 - الأيوبيون (صلاح الدين) -المماليك-العثمانيون

- ‌(ب) المماليك

- ‌(ج) العثمانيون

- ‌4 - المجتمع

- ‌5 - التشيع: الإسماعلية والإمامية-النصيرية-الدروز-الإسماعيلية النزارية أو الفداوية أوالحشاشين

- ‌(ا) الإسماعلية والإمامية

- ‌(ب) النّصيريّة

- ‌(ج) الدروز

- ‌الفصل الثّانىالثقافة

- ‌1 - الحركة العلمية

- ‌2 - علوم الأوائل-علم الجغرافيا

- ‌(ا) علوم الأوائل

- ‌(ب) علم الجغرافيا

- ‌3 - علوم اللغة والنحو والنقد والبلاغة

- ‌4 - علوم القراءات والتفسير والحديث والفقه والكلام

- ‌5 - التاريخ

- ‌الفصل الثالثنشاط الشعر والشعراء

- ‌1 - تعرب الشام

- ‌2 - كثرة الشعراء

- ‌3 - شعر دورى-رباعيات-موشحات-بديعيات-تعقيدات

- ‌(ا) الشعر الدورى

- ‌(ب) الرباعيات

- ‌(ج) الموشحات

- ‌ أيدمر المحيوى

- ‌(د) البديعيات

- ‌(هـ) التعقيدات

- ‌4 - شعراء المديح

- ‌ابن الخياط

- ‌ ابن القيسرانى

- ‌ ابن الساعاتى

- ‌ الشهاب محمود

- ‌5 - شعراء الفلسفة والحكمة

- ‌أبو العلاء المعرى

- ‌ منصور بن المسلم

- ‌6 - شعراء التشيع

- ‌كشاجم

- ‌ابن حيّوس

- ‌ بهاء الدين العاملى

- ‌الفصل الرّابعطوائف من الشعراء

- ‌1 - شعراء الغزل

- ‌ عبد المحسن الصورى

- ‌ ابن منير

- ‌ الشاب الظريف

- ‌ حسن البورينى

- ‌2 - شعراء الفخر والهجاء

- ‌عرقلة

- ‌ ابن عنين

- ‌ ابن النحاس

- ‌3 - شعراء المراثى والشكوى

- ‌ ابن سنان الخفاجى

- ‌الغزّىّ

- ‌ فتيان الشاغورى

- ‌ مصطفى البابى

- ‌4 - شعراء الطبيعة ومجالس اللهو

- ‌الوأواء الدمشقى

- ‌ مجير الدين بن تميم

- ‌ابن النقيب

- ‌[5 - ] شعراء الزهد والتصوف والمدائح النبوية

- ‌ عبد العزيز الأنصارى

- ‌ محمد بن سوّار

- ‌ عبد الغنى النابلسى

- ‌6 - شعراء شعبيون

- ‌الفصل الخامسالنثر وكتابه

- ‌1 - الرسائل الديوانية

- ‌العماد الأصبهانى

- ‌الصّفدى

- ‌ابن حجّة الحموى

- ‌2 - الرسائل الشخصية

- ‌(ا) رسائل أبى العلاء

- ‌(ب) رسائل متنوعة

- ‌3 - المقامات

- ‌ابن الوردى

- ‌4 - المواعظ والابتهالات

- ‌(ج) خطبة القدس بعد فتحه لمحيى الدين بن الزكى

- ‌(د) كشف الأسرار عن حكم الطيور والأزهار

- ‌5 - أعمال أدبية: رسائل وغير رسائل:

- ‌(ج) كتاب الاعتبار

- ‌خاتمة

الفصل: ‌ ابن منير

ينعطف. وكان الشعراء يغارون على صواحبهم، ويذكرون ذلك فى أشعارهم، أما عبد المحسن فيقول:

تعلّقته سكران من خمرة الصّبا

به غفلة عن لوعتى ولهيبى

وشاركنى فى حبّه كلّ أغيد

يشاركنى فى مهجتى بنصيب

فلا تلزمونى غيرة ما عرفتها

فإن حبيبى من أحبّ حبيبى

وهو فى ذلك رقيق منتهى الرقة، فهو لا يغار ممن يحب حبيبه ولا يكرهه أو يمقته، بل أعجب العجب أنه يحبه، وهى مبالغة مفرطة فى الرقة ورهافة الشعور.

ابن (1) منير

هو أحمد بن منير الطرابلسىّ، ولد فى طرابلس سنة 473 لأب كان ينشد الأشعار ويغنى فى أسواقها، وأخذ ابنه فى نشأته بالتعليم فحفظ مثل لداته القرآن الكريم، وتعلم اللغة والأدب وتفتحت موهبته الشعرية مبكرة، وقدم دمشق وسكنها. ويقول العماد الأصبهانى كان شيعيا غاليا، ويقول ابن خلكان:«كان رافضيا» . وكان هجاء خبيث اللسان، وكثر هجاؤه فسجنه بورى بن طغتكين صاحب دمشق (522 - 525 هـ.) وعزم على قطع لسانه، وشفع فيه الحاجب يوسف بن فيروز، فأطلقه بورى على أن يغادر دمشق، ورجع إليها بعد وفاته. غير أن حكامها بعد بورى ظلوا ينفونه مرارا، مما جعله ينزل فى بلدان شامية متعددة وخاصة حماة وشيزر ومدح كثيرين من حكام البلدان الشامية وخاصة أمراء شيزر، وكان فى أثناء مقامه بتلك المدينة يتردد على حلب. وتغنى طويلا بانتصارات عماد الدين زنكى على الصليبيين فى بادين وغيرها من ساحات الحرب فى الشام. وجلجل بصوته حين فتح مدينة الرّها وأزال منها إلى غير رجعة إحدى الممالك التى أسّسها حملة الصليب. وأقام‌

‌ ابن منير

حينئذ بحلب، ونشأت بينه وبين ابن القيسرانى-بسبب المنافسة-معركة هجاء حامية الوطيس. وتوثقت العلاقة بينه وبين نور الدين بعد وفاة أبيه زنكى، وأشاد ببطولته وانتصاراته على حملة الصليب، وكان يصحبه فى غزواته، واتخذه نور الدين سفيرا إلى حاكم دمشق فى بعض المهام، ولم يلبث أن توفى بحلب سنة 548.

(1) انظر فى ابن منير وشعره الخريدة (قسم الشام) 1/ 76 وابن خلكان 1/ 156 وابن القلانسى 322 والنجوم الزاهرة 5/ 299 وشذرات الذهب 4/ 146.

ص: 208

وتناول ابن منير فى شعره أغراضا مختلفة فى مقدمتها المديح، ومرّ بنا-فى غير هذا الموضع حديث عن مديحه لعماد الدين زنكى وابنه نور الدين فى انتصاراتهما الرائعة على حملة الصليب، ويشيد العماد الأصبهانى بشعره وروعته. وكان يكنى أبا الحسن ويلقّب المهذب وقال فى وصف شعره أحد معاصريه: شعره ككنيته حسن ونظمه كلقبه مهذب، أرقّ من الماء الزّلال، وأدق من السحر الحلال، وأطيب من نيل الأمنية، وأعذب من الأمان من المنية. وله هجاء كثير.

وكان يجيد الغزل وشعر الحب إلى أبعد حد، وفى رأينا أن مرجع ذلك إلى حزن تنطوى عليه نفوس الشيعة جميعا منذ مقتل الحسين، وهو حزن صفّى مشاعره ورقق أحاسيسه وملأه بوجد متقد لا تخمد ناره، ومن رائع غزله قوله:

من ركّب البدر فى صدر الرّدينىّ

وموّه السحر فى حدّ اليمانىّ

وأنزل النّير الأعلى إلى فلك

مداره فى الكساء الخسروانىّ

طرف رنا أم قراب سلّ صارمه

وأغيد ماس أم أعطاف خطّىّ

أذلّنى بعد عزّ والهوى أبدا

يستعبد الّليث للظّبى الكناسىّ (1)

أما وذائب مسك من ذوائبه

على أعالى القضيب الخيزرانىّ

وما يجنّ عقيقىّ الشّفاه من ال

رّيق الرّحيقىّ والثّغر الجمانىّ

أربى علىّ بشتى من محاسنه

تألّفت بين مسموع ومرئىّ

والصور فى الأبيات طريفة غاية الطرافة، فهو يتعجب من بدر يراه فى صدر رمح ردينى مهيّئ لإصابة المحب فى الصميم، وإنه ليعجب أن يكون سحر العينين مموّها فى حد السيف اليمانى وأن يرى القمر أمام عينيه يدور على الأرض فى كساء فارسى حريرى. ويعجب هل العين طرف يديم النظر أو غمد سلّ سيفه القاطع، وهل هو بإزاء قدّ شائق ناعم يتثنى أو بإزاء أعطاف رمح خطّىّ قاتل، ويقول إن الهوى يستعبد الليث الفاتك للظبى الوداع الذى يعيش فى كناسه أو مأواه الآمن، ويرى ذوائب الشعر على أعالى هذا الغصن الخيزرانى الأملس الناعم تقطر ذوب المسك، أما الشفاه فوراءها الثغر الفضى من الأسنان والريق الرحيقى السائغ. وهى صور تدل على خصب الخيال عند ابن منير وقدرته على عرض الصور الشعرية عرضا طريفا. ويقول:

أترى يثنيه عن قسوته

خدّه الذائب من رقّته

(1) الكناس: مأوى للظبى فى الشجر يستتر به

ص: 209

أفأستنجده وهو الذى

لوّن الدمع على صبغته

ولهذا قوسه موترة

تستمدّ النّبل من مقلته

قمر لا فخر للبدر سوى

أنه صيغ على صورته

صدغه كرمة خمر قسّمت

بين خدّيه إلى نكهته

أتخال الخال يعلو خدّه

نقط مسك ذاب من طرّته

ذاك قلبى سلبت حبّته

واستوت خالا على وجنته

والقطعة تموج بالصور، فخدّ صاحبته يذوب رقة، وقد لون دموعه بلونه الأحمر القانى، وإن قوس حاجبها لمشدود والنبل فى مقلتها يستمده. وقد بلغت من الجمال وسحره مبلغا عظيما حتى ليفخر البدر بأنه صيغ على صورتها، وكأن صدغيها أو خصلتى الشعر المرسلتين على خديها كرمة خمر قسمت بينهما واستحالت رضابا فى ثغرها يرشفه المحب. ويقول: لا تظن الخال على خدّها نقطة مسك سقطت من طرّة شعرها، بل هو حبّة فؤاده سلبتها من قلبه وأتاحتها لوجنتها الفاتنة.

وتكثر مثل هذه الصور البديعة فى شعره وغزله، من ذلك قوله:

وتوقّدت فى الرّوض من وجناته

نار الحياء يشبّها ماء الصّبا (1)

وقوله:

وكم له فى كبدى لسعة

برودها الدّرياق من فيه (2)

وقوله:

سلّمت فازورّ يزوى قوس حاجبه

كأننى كأس خمر وهو مخمور

وقوله:

قمر ما طلعت طلعته

قطّ إلا سجد البدر لها

وغزلياته تتردد بين الجزالة والنصاعة فى الألفاظ وبين الرشاقة والعذوبة، وله قصيدة رائية من مجزوء الكامل فى مملوكه «تتر» أنشدها الحموى فى خزانته تدل على خفة روحه وميله إلى الدعابة، وبحق كان شاعرا بارعا من شعراء زمنه.

(1) يشبها: يوقدها.

(2)

برودها: شرابها، الدّرياق: الترياق الشافى

ص: 210