الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأوتاره. وكأنه يعيد لنا صورة أو صورا من خمريات أبى نواس المتهتكة الخليعة المارقة.
ولابن قسيم بجانب مجونه وغزلياته أشعار فى وصف الطبيعة وأشجارها وأزهارها وثمارها من ذلك قوله يصف رمّانة:
ومحمرّة من بنات الغصو
…
ن يمنعها ثقلها أن تميدا
منكّسة التاج فى دستها
…
تفوق الخدود وتحكى النّهودا
تفضّ فتفترّ عن مبسم
…
كأن به من عقيق عقودا
كأن المقابل من حبّها
…
ثغور تقبّل فيها خدودا
وتصويره للرمانة بأنها منكّسة التاج فى دستها أو صدرها تصوير بديع لأنها تتهدل وتتدلى فى غصنها وعلى صدرها بقية نوّارها. ويتصور حباتها عقودا من عقيق، وكأنها تحمل بتلك الحبات وما يحيط بها من خيوط بيضاء ثغورا تقبل خدودا. وكان ابن قسيم شاعرا مجيدا، ومرّ بنا أنه كان يتشيع وأنشدنا له أبياتا من شعره الشيعى.
مجير (1) الدين بن تميم
هو مجير الدين محمد بن يعقوب المعروف بابن تميم، ولد بدمشق ونشأبها، وسال الشعر على لسانه وانتقل الى مدينة حماة وعمل فى جيش صاحبها الملك المنصور سيف الدين محمد (642 - 683 هـ) جنديا، إحساسا منه بفتوته وشجاعته، ويصور إقدامه وبسالته فى شعره قائلا:
دعنى أخاطر فى الحروب بمهجتى
…
إما أموت بها وإما أرزق
فسواد عيشى لا أراه أبيضا
…
إلا إذا احمرّ السّنان الأزرق
وقرّبه منه الملك المنصور وأصبح له اختصاص به. ويقول صاحب فوات الوفيات: «هو فى التضمين الذى عاناه فضلاء المتأخرين (من الشعراء) آية، وفى صحة المعانى والذوق اللطيف غاية، لأنه يأخذ المعنى الأول ويحلّ تركيبه وينقله بألفاظه إلى معنى ثان، حتى كأن الناظم
(1) انظر فى
مجير الدين بن تميم
وشعره فوات الوفيات 2/ 538 وخزانة الأدب للحموى ص 319 - 325 والنجوم الزاهرة 8/ 367 وفى مكتبة جامعة القاهرة مصورة لمختارات من ديوانه بخط الصفدى فى 47 ورقة
الأول، إنما اراد به المعنى الثانى وقد أكثر من ذلك حتى قال:
أطالع كل ديوان أراه
…
ولم أزجر عن التضمين طيرى
أضمّن كلّ بيت فيه معنى
…
فشعرى نصفه من شعر غيرى
ويقول أيضا صاحب الفوات فيه «كان جنديا محتشما شجاعا مطبوعا كريم الأخلاق بديع النظم رقيقه لطيف التخيل» ويقول صاحب النجوم الزاهرة: «كان من الشعراء المعدودين» .
ولا نعرف تاريخ مولده، أما وفاته فكانت سنة 684 للهجرة.
ومجير الدين بن تميم من أصحاب المقطّعات الطريفة فى الغزل والطبيعة والخمر، ولا يبارى فى ابتكار الصور والأخيلة وحشد التوريات فى مقطعاته، مع الظرف وخفة الروح والتعليلات الحسنة، ونقتطف بعض أمثلة من أشعاره، من ذلك قوله فى الساقية والطبيعة من حولها:
تأمّل إلى الدولاب والنهر إذ جرى
…
ودمعهما بين الرياض غزير
كأن نسيم الروض قد ضاع منهما
…
فأصبح ذا يبكى وذاك يدور
ولكلمة «ضاع» معنيان: معنى سطوع الرائحة الطيبة التى يحملها النسيم عن الأزهار، ومعنى الفقد والهلاك، وبذلك تمت لابن تميم التورية التى يريدها من استخدامه للكلمة، وقد أراد المعنى الثانى. ويقول مفاخرا بين الأرض والسماء:
يا جاعل الأفق مثل الأرض حجّته
…
بالشمس إذ بزغت والبدر حين وضح
كم من شموس وأقمار إذا سرحت
…
فى الأرض طرت إليها خفّة وفرح
ولا تقل: قزح فى الجوّ زيّنه
…
فى كل غصن ترى فى الأرض قوس قزح
فهو يعارض من يعلى السماء على الأرض بحجة بزوغ الشمس والقمر فيها قائلا إن فى الأرض شموسا وأقمارا من النساء والفتيات أجمل وأكثر حسنا. ويقول لصاحب السماء: لا تحتج بجمال قوس قزح، فأغصان الرياض فى الطبيعة تحمل ما لا يحصى من أقواس قزح نضرة أرجة.
ويقول:
سبقت إليك من الحديقة وردة
…
وافتك قبل أوانها تطفيلا
طمعت بلثمك إذ رأتك فجمّعت
…
فمها إليك كطالب تقبيلا
وهى وردة فى بدء تفتحها وهى لا تزال فى كمّها، مما جعله يعلل تجمعها قبل أن تتفتح هذا التعليل البديع الدالّ على لطف تخيله كما قال صاحب فوات الوفيات. ويقول فى وصف ناعورة أو ساقية:
ناعورة مذ ضاع منها قلبها
…
ناحت عليه بأنّة وبكاء
وتعلّلت بلقائه فلأجل ذا
…
جعلت تدير عيونها فى الماء
فقواديسها لا تهوى فارغة طلبا للماء والصعود به، وإنما تهوى بحثا عن قلبها الذى ضاع منها، وجعل لحونها الحزينة أنينا وبكاء عليه. ويقول:
لم لا أميل إلى الرّياض وزهرها
…
وأقيم منها تحت ظلّ ضافى
والغصن يلقانى بثغر باسم
…
والماء يلقانى بقلب صافى
والثغر الباسم هو الأقحوان المتفتح والشعراء يشبهونه بالثغر كثيرا، وفى البيتين رقة ودقة حس وخفة روح. وقد يخلط الطبيعة بالغزل كما فى قوله:
كيف السبيل لأن أقبّل خدّ من
…
أهوى وقد نامت عيون الحرّس
وأصابع المنثور تومى نحونا
…
حسدا وتغمزها عيون النّرجس
والمنثور زهر ذكى يزهو فى أعلى سيقانه، شبهه ابن تميم بالأصابع، وتشبيه الشعراء للنرجس بالعيون قديم. وقد استغلهما جميعا فى هذا التعليل، إذ لا يستطيع الاقتراب من صاحبته. ويقول فى الخمر مداعبا:
روحى الفداء لمن أدار بلحظه
…
صهباء فى عقلى لها تأثير
فاعجب له أنّى يصون بلحظه
…
مشمولة وإناؤها مكسور
وكلمة «مكسور» إما من كسر الإناء بمعنى تهشمه وتحطمه، وإما كسر ما فيه من الخمر بالماء وهو كسر حميّاها وثورته، وهو المعنى المراد فى البيت. ويقول أيضا فى الخمر:
وليلة بتّ أسقى فى غياهبها
…
راحا تسلّ شبابى من يد الهرم
مازلت أشربها حتى نظرت إلى
…
غزالة الصبح ترعى نرجس الظّلم