الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن (1) الساعاتى
هو بهاء الدين على بن محمد بن رستم الدمشقى خراسانى الأصل، ولد لأبيه بدمشق سنة 553 وكان ماهرا فى صنع الساعات الفلكية، وأنعم عليه نور الدين محمود إنعاما وافرا حين صنع الساعات التى وضعت على باب الجامع الأموى، وأتاح له ذلك ثراء، نعم به ابنه على إذ شغف بالفروسية وببعض ضروب اللهو مثل النرد والشطرنج. ومثل لداته حفظ القرآن صبيّا واختلف إلى دروس العلماء والمؤدبين فى الجامع الأموى، ويبدو أن ابن سعيد خلط بينه وبين أخيه فخر الدين إذ قال إنه حين شبّ أرسل به أبوه إلى البديع الأسطرلابى بآمد ليتقن صناعة الآلات الفلكية، وكأنه لم يلاحظ أن البديع توفى قبل ميلاده بنحو عشرين عاما. وربما أرسله إلى أحد أولاده.
ونراه بعد فتح صلاح الدين لآمد يمثل بين يديه مادحا له بقصيدة لامية سنة 579 يقول له فيها:
لولا مساعى صلاح الدين ما صلحت
…
شمّ الممالك بعد الزّيغ والميل
فليعلم القدس أن الفتح منتظر
…
حلوله وعلى الآفاق فليطل (2)
وتحققت سريعا نبوءته بفتح القدس، ونراه بين من حفّوا بصلاح الدين فى موقعته الماحقة:
موقعة حطّين على حافة طبريّة، وله يهنئه بهذا النصر العظيم وما أنزل بحملة الصليب من ضربة قاصمة لم يفيقوا بعدها أبدا، إذ كبّت الكثرة منهم على وجوهها، ووقع ملوكهم وصناديدهم فى أسر البطل العربى، وله يقول:
جلت عزماتك الفتح المبينا
…
وقد قرّت عيون المؤمنينا
قضيت فريضة الإسلام منه
…
وصدّقت الأمانى والظنونا
فألمم بالسواحل فهى صور
…
إليك وألحق الهام المتونا (3)
وقلب القدس مسرور ولولا
…
سطاك لكان مكتثبا حزينا
أدرت على الفرنج وقد تلاقت
…
جموعهم عليك رحى طحونا
(1) انظر فى
ابن الساعاتى
وشعره وفيات الأعيان لابن خلكان 3/ 395 وعبر الذهبى 5/ 11 ومرآة الزمان: 375 والغصون اليانعة لابن سعيد ص 118 وشذرات الذهب 5/ 13 وابن أبى أصيبعة ص 661 ومقدمة ديوانه بتحقيق أنيس المقدسى (طبع المطبعة الأمريكانية-ببيرت)
(2)
يطول: يفخر تيها
(3)
صور: مائلة وناظرة. الهام: الرءوس
ويذكر انتصارات صلاح الدين المتلاحقة على حملة الصليب فى بيسان وغير بيسان، وتتراءى له مدن الساحل الشامى، وهى تنتظر مخلصها ومنقذها من الظلمة الأشرار، وإن القدس ليكاد يطير فرحا فقد أصبح وشيك الخلاص، وفعلا لم تمض شهور حتى فتحت أبوابه لصلاح الدين وعاد، وعاد معه المسجد الأقصى إلى الإسلام والمسلمين، وإنه ليصيح مبتهجا فرحا:
لقد ساغ فتح القدس فى كلّ منطق
…
وشاع إلى أن أسمع الأسل الصّمّا (1)
فليت فتى الخطّاب شاهد فتحها
…
فيشهد أن السهم من يوسف أصمى
حبا مكة الحسنى وثنّى بيثرب
…
وأطرب ذيّاك الضريح وما ضمّا
وأصبح ثغر الدين جذلان باسما
…
وألسنة الأغماد توسعه لثما
لقد فتح القدس عنوة، وإن قعقعة السلاح لتكاد تسمع الصّمّ، وقد عاد المسجد وعادت فيه الصلاة وتكبيرات المصلين وأذان المؤذنين. ويقرن فتح صلاح الدين للقدس فتحا حربيّا بفتح عمر بن الخطاب لها من قبل سلما. ويصور ابتهاج مواطن الوحى فى مكة ويثرب وابتهاج الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا الفتح المبين، وكيف عمت البهجة والفرحة القدس ثغر الدين، وكأنما ألسنة الأغماد تعانقه وتقبله: تقبل كل ركن فيه. وله وراء هذه القصائد فى صلاح الدين ست عشرة قصيدة. ونراه بعد وفاته يلزم ابنه نور الدين صاحب دمشق فيمدحه بقصائد مختلفة، غير أنه أخذ يتبرم بالشام وبمن حول نور الدين كما يتضح من قوله فى مدحة له:
أبكتنى الأيام مذ ضحكت
…
لى عن نيوب نوائب عصل (2)
أفسدن خلانى فمالى فى ال
…
سّرّاء والضّراء من خلّ
وكان هذا الشعور بأنه لم يعد له صديق وفىّ فى موطنه سببا فى أن يشدّ رحاله إلى القاهرة فينزل بها ويتخذها دار مقام له حتى وفاته سنة 604 وشعر فيها بأنه حياته أصبحت رغدة ناعمة وذكر ذلك مرارا فى شعره، وكان قد وطد علاقاته بكثيرين من كبار رجال الدولة، وفى مقدمتهم القاضى الفاضل وله فيه اثنتا عشرة قصيدة. وبمجرد أن وضع قدمه فى القاهرة أصبح من ندماء العزيز عثمان بن صلاح الدين حتى وفاته سنة 595 وله فيه أكثر من ثلاثين مدحة. وربما كانت أيام العزيز أسعد أيامه بمصر. وهو يصور فى مديحه منادمته له ومجالس أنسه. وله مدائح فى السلطان
(1) الأسل: الرماح والسيوف.
(2)
عصل: معوجة كأنياب الأسد