الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتكثر الموشحات الصوفية عند عبد الغنى النابلسى كثرة مفرطة. ونقف قليلا عند وشّاحين مهمين هما
أيدمر المحيوى
والمحّار الحلبى.
أيدمر المحيوىّ (1)
لا نعرف شيئا عن نشأة هذا الشاعر ومرباه، وكل ما بأيدينا عنه أنه عتيق محيى الدين محمد بن محمد بن سعيد بن ندى وزير الجزيرة لسلاطينها من الأيوبيين، وقد طبعت له دار الكتب المصرية مختارات من ديوانه، وهو فيها يمدح الملك الكامل سلطان مصر مشيدا بانتصاره على حملة الصليب فى موقعة دمياط سنة 618. وكان يسكن دمشق ويزور مصر كثيرا وله مدائح فى الصالح نجم الدين أيوب حين كان يلى شئونها منذ سنة 636 إلى سنة 647 ويبدو أنه لم يعش بعد هذا التاريخ طويلا، وله غزليات وأشعار طريفة فى الطبيعة، وله-بجانب ذلك-موشحان فى المديح يستهلهما بغزل بديع، وقد عارض فى موشحه الأول ابن زهر فى موشح له مشهور، ومن قوله فيه على نسقه.
هزّ عطف الغصن من قامته
…
مطلعا للشمس من طلعته
ثم نادى البدر فى ليلته
…
أيها البدر تغيّب ويحكا
ما احتياج الناس للبدر معى
وعذوبة موسيقاه واضحة فى هذا الموشح، وكان يضيف إليه فى أحيان كثيرة محسنات البديع من طباق وجناس وتورية، ولا تفارقه هذه العذوبة حتى حين يجنح إلى التكلف على نحو ما نلقاه فى موشحه الثانى وفيه يقول:
بات وسمّاره النجوم ساهر
…
فمن ترى علّمك السّهد ياجفون
صبا إلى مذهب التصابى صابى
…
لا يعدل
فجنبه خافق الجناب نابى
…
مبلبل
والطّرف من دائم انسكاب كابى
…
مخبّل
(1) انظر فى أيدمر فوات الوفيات 1/ 140 والانتصار لواسطة عقد الأمصار لابن دقماق (طبع مطبعة بولاق) 4/ 109 وخطط المقريزى (طبعة دار التحرير) 2/ 7 وديوانه طبعته دار الكتب المصرية.
وواضح أنه بدأ موشحه بالدور أو الغصن لا بالقفل، وتلا القفل بالدور فى ثلاثة أبيات، وكل بيت مكوّن من ثلاثة أجزاء، الجزء الثانى مستخرج من آخر الجزء الأول، فصابى مستخرج من التصابى وبالمثل نابى مستخرج من الجناب، وكابى مستخرج من انسكاب. وهو تكلف واضح ولكنهم كانوا يعدونه فى الموشحات والأشعار آية براعة فائقة.
المحّار (1) الحلبى
هو سراج الدين عمر بن مسعود الحلبى الملقب بالمحار لأنه نشأ يمحر الكتان أى يغسله ويبيضه ثم اشتغل بالأدب والشعر ومهر فيهما، ففارق موطنه حلب إلى حماة ورعاه صاحبها الملك المنصور (587 - 617 هـ) إلى أن توفى بدمشق سنة 711. وربما كان أروع وشاح أنجبته الشام على مر الأزمنة والحقب، ومن موشحاته المشهورة موشحة عارض بها أيدمر المحيوى فى موشحته المذكورة آنفا ويستهلها على هذا النمط:
ما ناحت الورق فى الغصون إلاّ هاجت على
…
تغريدها لوعة الحزين
هل ما مضى لى مع الحبايب آيب
…
بعد الصدود
أوهل لأيامنا الذواهب واهب
…
بأن تعود
بكل مصقولة التّرائب كاعب
…
هيفاء رود
والموشح يموج على هذه الشاكلة بعذوبة الجرس وجمال الإيقاع والنغم رغم محاولة المحار فيه أن يستخرج الجزء الثانى فى الدور من آخر كلمة فى جزئه الأول، فقد كان من القدرة على حسن التلحين لكلماته بحيث لا يقف دونه أى عائق، بل إن العائق نفسه يصبح إكمالا بديعا للتلحين والتنغيم على نحو ما يتضح فى كلمات «آيب-واهب-كاعب» . . ولا يقل عن هذه الموشحة عذوبة ورشاقة وحلاوة فى النغم موشحته التى عارض بها موشحة أحمد بن الحسن الموصلى المار ذكره فى العراق، افتتحها بقوله:
مذشمت سنا البروق من نعمان
…
باتت حدقى
(1) انظر فى المحار فوات الوفيات 2/ 219، 506، 508، 509 والنجوم الزاهرة 9/ 221 والوافى 4/ 280 وانظر توشيع التوشيح للصفدى إذ توارد مع صاحب الفوات على أربعة من الموشحات وانظر عقود اللآل رقم 52، 76