الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(ب) علم الجغرافيا
من أقدم المرويات الجغرافية عن أهل الشام رحلات تنسب إلى بعض الصحابة من أهلها أو من ولاتها، من ذلك رحلة تنسب إلى تميم الدارى الفلسطينى الأصل المتوفى حوالى سنة 40 للهجرة، وهى رحلة بحرية قذفت به فيها عاصفة إلى جزيرة مهجورة فى البحر المتوسط. ومن ذلك أيضا رحلة تنسب إلى عبادة بن الصامت والى حمص المتوفى سنة 34 للهجرة، وهى رحلة برية إلى القسطنطينية. وذهب كراتشكو فسكى إلى أنهما قصتان ملفقتان بل منحولتان (1). وتلقانا مرويات أخرى مشابهة، وجميعها لا تدخل فى الجغرافيا بمعناها العلمى، إذ يتأخر هذا المعنى إلى عصر الترجمة والاطلاع على ما لدى الأمم الأجنبية من مصنفات جغرافية، ونفس الكلمة التى سمّى بها العلم كلمة يونانية، وأعجبهم من التراث اليونانى إلى أقصى حد كتاب المجسطى لبطليموس، وأخذت تنشأ على هديه مدرسة جغرافية عربية منذ أواخر القرن الثالث الهجرى.
وإذا مضينا إلى النصف الثانى من القرن الرابع الهجرى وجدنا القدس ينجب أهم جغرافى حتى زمنه، ونقصد المقدسى (2) محمد بن أحمد بن أبى بكر البناء البشارى، وجدّه أبو بكر البناء هو الذى بنى سورعكا وأبوابها لأحمد بن طولون. وقد طاف بأرجاء العالم الإسلامى فيما عدا الهند وسجستان والأندلس، ودوّن معلوماته فى كتابه «أحسن التقاسيم فى معرفة الأقاليم» سنة 375 وأعاد كتابته فى سنة 378 وعلى النسخة الأخيرة اعتمد ياقوت فى معجمه الجغرافى. ويذكر فى مقدمة كتابه أنه اعتمد على ثلاثة مصادر: المشاهدة أو المعاينة بنفسه، وما سمعه من الثقات، وما وجده فى الكتب المصنفة، واتبع فى وصفه لكل قطر منهجا ثابتا ذا ثلاث شعب: الشعبة الأولى تتناول أقسام القطر ومدنه ومواضعه العامرة، والشعبة الثانية تتناول المناخ والزرع والطوائف والفرق واللغة والتجارة والأوزان والنقود والعادات والمياه والمعادن والأماكن المقدسة وأخلاق السكان والتبعية السياسية للقطر والخراج، والشعبة الثالثة تتناول ذكر المسافات وطرق المواصلات. وهو يقدم معلومات مهمة عن العادات والمعتقدات والتجارة. ويبدأ القسم الأول
(1) تاريخ الأدب الجغرافى العربى لكراتشكوفسكى (الترجمة العربية) ص 53 وما بعدها
(2)
انظر فى المقدسى دائرة المعارف الإسلامية وبروكلمان 4/ 253 وما بهما من مراجع ومقدمة كتابه حتى ص 44 وتاريخ الفلسفة فى الإسلام لدى بور ص 82 والحضارة الإسلامية فى القرن الرابع الهجرى لميتز 2/ 4 وألدومييلى ص 227 وكراتشكوفسكى 1/ 208 - 215
فى الكتاب بجزيرة العرب فالعراق فالجزيرة شماليّه فالشام فمصر فالمغرب فبادية الشام. والقسم الثانى، جعله للمشرق، يبدأ ببلاد الهياطلة فخراسان فالديلم فأرمينيا ومعها أذربيجان فالجبال فخوزستان ففارس فكرمان فالسند فمفازة فارس. وأضاف إلى كتابه خريطة مثّل فيها الأقاليم وحدودها وخططها. ولم تصل إلينا خريطته، ويقول إنه أوضح فيها الطرق المعروفة بالحمرة والرمال الذهبية بالصفرة والبحار المالحة بالخضرة، والأنهار العذبة بالزرقة، والجبال المشهورة بالغبرة. وكان يتحرى الثقات ويسألهم عن بلدانهم كما صنع بالأندلس ومثل سؤاله بساحل عدن لشيخ كان أعلم الناس بالبحر الصينى. والكتاب يعرض البلدان الإسلامية التى زارها بكل مشاهدها حتى لكأنما يبصرها قارؤه بكل سكانها ومعتقداتها وعاداتها، وهو لا يبارى فى عرضه لهذه المشاهد. ويتضح السجع أو النثر المقفى فى مقدمته الطويلة وفى مواضع مختلفة من الكتاب مما يدل على أنه كان يحاول أن يختار لكتابه لغة أدبية مصقولة. وكان يعاصره المطهر (1) بن طاهر المقدسى، وهو مثله لا تعرف سنة وفاته، وله كتاب بدء الخلق والتاريخ كتبه سنة 355 للهجرة وهو جمع غير منسق لمعارف كثيرة تتصل بالأديان والعقائد والتاريخ المتصل بالأنبياء والملوك والخلفاء حتى زمنه، وبه فصل جغرافى كتبه عن صفة الأرض ومبلغ عمرانها وعدد أقاليمها وصفة البحار والأنهار وعجائب الأرض والخلق، ويعرض للمساجد المشهورة. ونلتقى فى النصف الأول من القرن الخامس بأبى الحسن على (2) بن محمد بن شجاع الربعى المالكى المتوفى سنة 435 وله «كتاب الإعلام فى فضائل الشام ودمشق وذكر ما فيهما من الآثار والبقاع الشريفة» .
ويصبح موضوع فضائل بلدان الشام أساسيّا منذ أواخر القرن الخامس الهجرى، حين استولى حملة الصليب على أنطاكية وطرابلس وبيت المقدس، إذهبّ الشاميون-والعرب معهم فى كل مكان-يصرخون فى وجوه حملة الصليب أن غادروا ترابنا الطاهر وأماكننا المقدسة. وأخذ الشعراء والعلماء يلوّحون فى وجوههم، الشعراء بما يستطيعون أن يصوبوه من سهام الشعر، والعلماء بما يكتبون عن فريضة الجهاد لأعداء الإسلام. وانتظم الجغرافيون معهم يكتبون عن فضائل بيت المقدس والشام، وأول من تصدّى لذلك من الجغرافيين المشرّف (3) بن المرجّى المقدسى الذى صنف بأخرة من القرن الخامس بعد استيلاء حملة الصليب على بيت المقدس سنة
(1) انظر فى المطهر بروكلمان 3/ 62 وكراتشكوفسكى 1/ 224.
(2)
راجع فى الربعى بروكلمان 6/ 68 وكراتشكوفسكى 1/ 508.
(3)
انظر فى المشرف بروكلمان 6/ 73 وكراتشكوفسكى 1/ 508 وما بعدها.
492 كتابه: «فضائل البيت المقدّس والشام» ليستثير حماسة الناس من حوله حتى يضربوا حملة الصليب الضربة القاضية ويطهروا أرض الشام الزكية من رجسهم. وفى نفس هذه اللحظة التاريخية ألف أبو بكر (1) بن محمد بن أحمد الواسطى سنة 500 للهجرة كتابا عن «فضائل بيت المقدس» . وأخذ يتوالى هذا النوع من الكتب حافزا لسحق الصليبيين. وألف أبو القاسم على بن الحسن الشافعى المعروف بابن عساكر (2) المتوفى سنة 671 تاريخ مدينة دمشق عرض فيه أسماء الأنبياء والعلماء والصالحين فى ثمانين مجلدا، وممن ذكرهم من الأنبياء سليمان وشعيب. كل ذلك ليحيط مدينته بهالة قدسية كى يدافع عنها أبناؤها والعرب ضد حملة الصليب حتى الذماء الأخير.
ويستولى صلاح الدين على بيت المقدس-كما مر بنا-سنة 583 بعد أن حطم حملة الصليب ودمرهم فى حطّين تدميرا لم يكد يبقى منهم ولا يذر. وتكون لذلك فرحة ما بعدها فرحة فى نفوس المسلمين. ولا يكاد يمضى على ذلك ثلاثة عشر عاما حتى نجد ابن هذا الحافظ المؤرخ الكبير المسمى باسم القاسم (3)، وكان يشتغل بالوعظ فى دمشق، يذهب بنفسه إلى بيت المقدس سنة 596 ليقرأ على الناس هناك كتابه:«الجامع المستقصى فى فضائل المسجد الأقصى» .
ويلقانا على (4) الهروى السائح المتوفى بحلب سنة 611 وكان قد أكثر من التجوال والترحال لزيارة أضرحة الأولياء فى الشام وغير الشام، وكان قد ألقى عصاتسياره بحلب وألف كتابه «الإشارات إلى معرفة الزيارات» وأصبح له نفوذ كبير عند الملك الظاهر بن صلاح الدين صاحب حلب، فشيد له مدرسة بظاهر حلب، وهى صورة من صور رعاية أمراء البيت الأيوبى فى الشام لا لعلماء بلدهم فحسب، بل أيضا بمن ينزل بها من جلّة العلماء، حتى ليبنون لهم المدارس ليحاضروا فيها الطلاب. ونلتقى بعثمان (5) النابلسى المتوفى حوالى سنة 645 وله كتاب «لمع القوانين المضية فى دواوين الديار المصرية» وهو فيه يستمد من كتاب «قوانين الدواوين» لابن مماتى وعّين حاكما لمحافظة الفيوم فكتب عنها كتابا تاريخيا جغرافيا سماه «إظهار صنعة الحى القيوم فى
(1) راجع كراتشكوفسكى 1/ 69
(2)
انظر فى الجغرافى المؤرخ الحافظ ابن عساكر معجم الأدباء 13/ 73 وخريدة القصر (قسم شعراء الشام) 1/ 274 والمنتظم 10/ 261 ومرآة الزمان 8/ 336 وتذكرة الحفاظ 4/ 1328 وعبر الذهبى 4/ 212 ومرآة الجنان 3/ 393 وطبقات الشافعية للسبكى 7/ 215 وابن خلكان 3/ 309 وشذرات الذهب 4/ 239 والنجوم الزاهرة 6/ 77 والبداية والنهاية 12/ 294
(3)
انظر فى القاسم بن عساكر طبقات الشافعية 8/ 352 والنجوم الزاهرة 6/ 186 وتذكرة الحفاظ 4/ 1367 والعبر 314 وشذرات الذهب 4/ 347 وكراتشكوفسكى 2/ 509
(4)
راجع فى الهروى ابن خلكان 3/ 346 والشذرات 5/ 49 وكراتشكوفسكى 1/ 320
(5)
انظر عثمان النابلسى فى كراتشكوفسكى 1/ 349
ترتيب بلاد الفيوم» ويؤلف (1) ابن شداد المتوفى سنة 684 - هو غير بهاء الدين بن شداد صاحب سيرة صلاح الدين-كتابا بديعا سماه الأعلاق الخطيرة فى أمراء الشام والجزيرة نشر منه جزآن عن دمشق وحلب، وهو يعطى بيانات دقيقة عما فى البلدين من المساجد والخانقاهات والمزارات والحمامات، وقد رجعنا إليه مرارا فى حديثنا عن الحركة العلمية.
وتأخذ الكتب الجغرافية المليئة بالعجائب والغرائب فى الظهور. ونقرأ منها كتاب نخبة الدهر فى عجائب البر والبحر لشمس (2) الدين محمد بن أبى طالب الدمشقى المتوفى سنة 727 وكان إماما لمسجد الربوة بدمشق، والكتاب يفيض بمعلومات كثيرة تدخل فى التاريخ الطبيعى وما يتصل به من نباتات البلدان شرقا وغربا وحيواناتها ومعادنها، وللشام أو بعبارة أدق لسوريا وفلسطين نصيب جغرافى كبير، وألحق به بعض الخرائط وفقدت منه.
وكان حملة الصليب قد خرجوا نهائيا من الشام، فكان من الطبيعى أن يعنى إبراهيم (3) بن الفركاح المتوفى سنة 727 بتأليف كتابيه:«الإعلام بفضائل الشام» و «باعث النفوس إلى زيارة القدس المحروس» . ويلقانا أبو الفدا الملك المؤيد (4) إسماعيل الأيوبى صاحب حماة المتوفى سنة 732 ويشتهر بكتابين فى التاريخ والجغرافيا، ويهمنا الثانى وعنوانه «تقويم البلدان» وهو كتاب جغرافى للعالم فى زمنه، وقد ظل أهم كتاب جغرافى عربى حتى العصر الحديث، ودائما يذكر مصادره كأحدث الكتابات الجغرافية. ويؤلف شهاب (5) الدين القدسى المتوفى سنة 765 كتابه «مثير الغرام إلى زيارة القدس والشام» ، ويلقانا عمر (6) بن الوردى المتوفى سنة 850 - وهو غير زين الدين بن الوردى المتوفى قبله بقرن-وله كتاب خريدة العجائب وفريدة الغرائب، وهو مع وصفه الجغرافى للبلاد والأرض والبحار يعنى بالقصص الغريبة، وقد جلبنا منه قصصا طريفة فى كتابنا «عجائب وأساطير» . ويؤلف عبد (7) الرحمن العليمى المتوفى لأوائل زمن العثمانيين سنة
(1) انظر فى عز الدين بن شداد تاريخ ابن الفرات (طبع بيروت) 8/ 33 والبداية والنهاية 13/ 305 وشذرات الذهب 5/ 388 وكراتشكوفسكى 1/ 369
(2)
راجع شمس الدين الدمشقى فى كراتشكوفسكى 1/ 386
(3)
انظر ابن الفركاح فى الدرر 1/ 35 والشذرات 6/ 88 وكراتشكوفسكى 2/ 510
(4)
راجع الملك المؤيد فى فوات الوفيات 1/ 28 والدرر 1/ 396 وطبقات الشافعية 9/ 403 والبداية والنهاية 14/ 158 وتاريخ ابن الوردى 2/ 297 والنجوم الزاهرة 9/ 292 وكراتشكوفسكى 1/ 389
(5)
انظر فى شهاب الدين الدرر 1/ 257 وكراتشكوفسكى 2/ 511
(6)
راجع فى عمر بن الوردى ابن إياس 2/ 60 وكراتشكوفسكى 2/ 500 ودائرة المعارف الإسلامية.
(7)
انظر العليمى فى كراتشكوفسكى 2/ 515