الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زكرويه وأولاده ودعاته فى الشام، وكانت قد أصبحت منذ انتصار محمد بن سليمان على صاحب الشامة تابعة لبغداد، ترسل إليها ولاة مختلفين.
(هـ) الإخشيديون-الحمدانيون (سيف الدولة)
1 - الإخشيديون
(1)
الإخشيد هو محمد بن طغج ولى مصر فأسس بها الدولة الإخشيدية سنة 323 وما تقبل سنة 328 للهجرة حتى تحدّث محمد بن رائق صاحب دمشق نفسه بالاستيلاء على مصر، ويلتقى به الإخشيد فى الفرما، ويتم بينهما الصلح. وسرعان ما ينقضه ابن رائق ويتهيأ الإخشيد لقتاله، ويلتقيان ثانية فى العريش وتحدث بينهما وقعة عظيمة. ويصطلحان على أن تكون للإخشيد الرملة وجنوبيها فى فلسطين، أما شماليها من بلاد الشام جميعا فتكون لابن رائق. وحدث فى سنة 330 أن قتل الحمدانيون محمد بن رائق وانتهز الفرصة الإخشيد وجهز الجيوش إلى الشام واستولى عليها، ودخل دمشق وأصلح أمورها وأقام بها مدة، ثم عاد منها إلى الفسطاط فى السنة التالية. ووقعت بينه وبين سيف الدولة الحمدانى أمير حلب وحشة امتدت من سنة ثلاث وثلاثين إلى أول سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، واصطلحا على أن تكون لسيف الدولة حلب وحمص وأنطاكية وتظل بقية بلاد الشام للإخشيد. وسرعان ما توفى بدمشق سنة 334 مستخلفا بعده على مصر والشام ابنه أنوجور وعاهدا إلى مولاه كافور الإخشيدى بتدبير أمور مملكته. وفى أوائل إمارة أنوجور لسنة 335 استولى سيف الدولة الحمدانى على دمشق، فحشد له أنوجور عسكرا ضخما ولقيه فى مدينة الرملة، ونشبت بينهما وقعة طاحنة انكسر فيها جند سيف الدولة وسار المصريون وراءهم إلى حلب. واستقر الأمر على الصلح وأن يظل لسيف الدولة ما بيده من حلب وحمص وأنطاكية، أما دمشق وبقية الشام فتظل لأنوجور. وينزل المتنبى مصر فى أيامه سنة 346 ويتوفى أنوجور سنة 349 قبل مبارحة المتنبى لها ويخلفه أخوه على ويظل كافور قائما بتدبير الدولة وتصريف شئونها. وفى سنة 352 قدم قرامطة البحرين إلى الشام وعاثوا فيها فسادا ولم يستطع جند مصر دفعهم عنها لاضطراب أعمال الديار المصرية بسبب عظم الغلاء وكثرة الفتن، وفسد فى أثناء ذلك ما بين على
(1) انظر فى الإخشيديين كتب التاريخ المذكورة فى أول الفصل وخاصة النجوم الزاهرة فى ملوك مصر والقاهرة لابن تغرى بردى، وانظر ترجمة الإخشيد وكافور فى ابن خلكان وخطط المقريزى 1/ 617 ومصر فى عصر الإخشيديين للدكتورة سيدة كاشف.
ابن الإخشيد وكافور ولم يلبث على أن توفى سنة 355 وتولى أمر الدولة فى مصر والشام بعده كافور الحبشى باتفاق من أعيان مصر وجندها. وكان الإخشيد اشتراه من بعض رؤساء مصر وأعتقه ورقّاه حتى جعله من كبار قواده لما رأى فيه من الحزم وحسن التدبير، وكان شجاعا مقداما.
وظلت ولايته على مصر والشام إلى وفاته فى جمادى الأولى سنة 357 وتولّى بعده على بن أحمد بن الإخشيد، وكان صبيا، واضطربت أحوال الشام فى عهده اضطرابا شديدا بسبب غارات القرامطة المتكررة وما كان يصحبها من الفوضى والنهب والسلب. وسرعان ما سقطت مصر فى يد الفاطميين لسنة 358 وبذلك انقرضت دولة الإخشيديين.
2 -
الحمدانيون (1)(سيف الدولة)
منذ أواخر القرن الثالث الهجرى أخذ يتألق اسم أسرة تغلبية عربية هى الأسرة الحمدانية، وقد استطاع مؤسسها حمدان فى سنة 277 أن يستولى على قلعة ماردين فى الموصل، وأخذت أسماء أبنائه وأحفاده تلمع فى أحداث الخلافة المضطربة، ولمع من بنيه مبكرا اسم أبى الهيجاء لاستيلائه على مدينة الموصل سنة 293 وظلت فى يده ويد ابنه ناصر الدولة وحفيده أبى تغلب المتوفى سنة 369. وقد استطاع ابنه على الملقب بسيف الدولة أن يستولى من الدولة الإخشيدية على حلب وحمص واللاذقية وأنطاكية وأسس فيها جميعا إمارة مستقلة منذ سنة 333 للهجرة متخذا حلب عاصمة له. وحاول الاستيلاء على دمشق من الإخشيد-كما مربنا-غير أن المصريين ردوه على أعقابه فاكتفى بإمارته. وندب نفسه لمهمة عظمى طالما هيأ نفسه لها منذ شبابه، وهى النهوض بعبء الحرب ضد الروم البيزنطيين. وكان أول لقاء له معهم فى سنة 336 إذ أغاروا على أطراف الشام ونهبوا وسبوا فلحق بهم وأذاقهم نكالا شديدا، وردّ منهم كل ما سلبوه من أهل الشام.
ويكتب له منذ السنة التالية مجد حربى عظيم ضد الروم، ويسجله له لوحات شعرية ناطقة المتنبى الذى نزل بلاطه حينئذ، ولزمه حتى سنة 346 يسجل ويصور ملاحمه الحربية الساحقة للروم سحقا ذريعا.
(1) انظر فى الأسرة الحمدانية وسيف الدولة كتب التاريخ السالفة والجزء الأول من زبدة الحلب فى تاريخ حلب لابن العديم (طبع المعهد الفرنسى بدمشق-تحقيق الدكتور محمد سامى الدهان) وراجع اليتيمة للثعالبى 1/ 15 وما بعدها ودائرة المعارف الإسلامية وما بها من مراجع فى الحمدانيين وسيف الدولة
ومضى البطل الحمدانى يدير مع الروم معارك باسلة كان ينصبّ عليهم فيها سنويا كإعصار محرق مدمر، وشاعره المتنبى من ورائه يتغنى بانتصاراته وبخوارقه البطولية حين تلم به كارثة، إذ يتخلص منها فى شجاعة نادرة. ومن أعظم بطولاته أنه كان يبنى الحصون فى أثناء نزاله للروم على نحو ما صنع بحصن مرعش فى سنة 341 وهو يكيل لهم ضربات قاصمة. وقد أنزل بهم صواعق الموت التى لا تبقى ولا تذر فى سنة 342 وأسر قسطنطين بن الدمستق وساقه بين يديه فى دخوله حلب مظفرا منصورا. وفى سنة 343 جمع الروم له حشودا هائلة من الترك والروس والبلغار والخزر بقيادة الدمستق، وسرعان ما أخذ يدق أعناقهم دقا، وهرب الدمستق على وجهه لا يلوى، وأسر صهره بينما كان البطارقة يقتلون ويؤسرون، وأخذ سيف الدولة عسكرهم بكل ما فيه. وسيف الدولة فى أثناء هذه المعركة ووطيسها المستعر يبنى حصن الحدث شمالى مرعش والمسلمون يكبّرون ويهلّلون. وفى سنة 345 أنزل بهم ضربات مدمرة. وكان ما بنى يمد يد المساعدة لأخيه ناصر الدولة فى نزاله للروم شمالى الموصل وكثيرا ما نازلهم هناك وفى شمالى الجزيرة. وما تقبل سنة 346 حتى يكفهرّ الجو بين المتنبى وبين البطل العربى. ويرحل عنه وكأنما رحل معه مجده الحربى فقد واقع الروم فى السنوات 347، 349، 351 ولم ينزل بهم ما تعوّد من التنكيل الشديد.
ولم يلبث البطل العظيم أن أصابه فى سنة 352 فالج فى يده ورجله ورغم هذا الفالج النصفى نهض البطل من فراشه وصدّ بقوة هجوما للروم على حصن من حصون حلب. وفى سنة 356 لبّى البطل نداء ربه، وكان قد أوصى بأن يوضع خده فى لحده على لبنة بقدر الكف جمعها مما علق بثيابه ودروعه وسلاحه من غبار غزواته للروم. ونفّذت وصيته. وكان يرعى العلوم والآداب أعظم رعاية. ولمع فى بلاطه أكبر تلامذة أرسطو حتى زمنه: الفارابى المعلم الثانى. ولمع كثير من الشعراء والكتاب يتقدمهم المتنبى، وعقد لهم الثعالبى فى كتابه «يتيمة الدهر» فصولا طويلة فى الجزء الأول منه، وفيه وفى أسرته يقول:«كان بنو حمدان ملوكا وأمراء أوجههم للصباحة، وألسنتهم للفصاحة، وأيديهم للسماحة، وعقولهم للرّجاحة، وسيف الدولة مشهور بسيادتهم، وواسط قلادتهم، وحضرته مقصد الوفود، ومطلع الجود، وقبلة الآمال، ومحط الرّحال، وموسم الأدباء، وحلبة الشعراء» . وخلفه ابنه سعد الدولة، وكان ابن عمه أبو فراس الشاعر المشهور عامل أبيه على حمص قد ظلم وأكثر من الظلم وكثرت الشكوى منه، فقاتله وخرّ أبو فراس فى ميدان الحرب صريعا. وفى نفس السنة علم باستعداد الروم لحربه، فأسل إليهم قرغويه الحاجب وأسر وأفلت منهم وانهزم أصحابه وخرّب نقفور كثيرا من بلدان الشام وأعمل النهب