الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان لفتيان الشاغورى المتوفى سنة 615 ديوان جميع ما فيه دوبيتات، رآه ابن خلكان وأنشد منه فى ترجمته قوله:
الورد بوجنتيك زاه زاهر
…
والسّحر بمقلتيك واف وافر
والعاشق فى هواك ساه ساهر
…
يرجو ويخاف فهو شاك شاكر
ونظل نلتقى بالرباعيات فى دواوين الشعراء أيام المماليك بل أيضا أيام العثمانيين عند حسن البورينى وبهاء الدين العاملى وعبد الغنى النابلسى وغيرهم من الشعراء (1) وحين شاعت التورية بثها الشعراء فى رباعياتهم كقول على بن المظفر الوداعى الحلبى المتوفى سنة 716 متغزلا (2):
لما حجب الكرى عن الآماق
…
وانقاد مع العدا على العشّاق
ناديت وقد تزايدت أشواقى
…
يا غصن رضيت منك بالأوراق
والتورية واضحة فى كلمة الأوراق، إذ لها معنينان قريب وهو أوراق الغصن وبعيد وهو أوراق الرسائل المتبادلة بينه وبين صاحبته، وهو المراد.
(ج) الموشحات
الشائع المعروف أن الموشحات من اختراع الأندلسيين وأنهم سبقوا إليها المشارقة، ومعروف أنها تتألف من شطور تسمى قفلا وشطور تليها تسمى أداورا أو أغصانا، ومن خرجة يسمّى بها القفل الأخير فى الموشحة. ومن ينعم النظر فيها يؤمن بأنها تطورت من أشكال المسمطات، واستقلت بهذه الصورة، ويبالغ المستشرقون الإسبان-خاصة-قائلين إنها فن أندلسى خالص تطور عن أغان رومانسية كانت معروفة فى القرنين الرابع والخامس للهجرة، ولم يقدموا أغنية واحدة تشهد لذلك، بينما يوجد لدينا شكل من أشكال المسمط نظمه ديك الجن الحمصى المتوفى سنة 235 للهجرة نظن ظنا أنه الأب الحقيقى للموشحات الأندلسية إذ يجرى على هذا النمط (3):
قولى لطيفك ينثنى
…
عن مصجعى عند المنام
(1) انظر مثلا ريحانة الألبا للخفاجى 1/ 21، 1/ 104
(2)
خزانة الأدب للحموى (طبع مطبعة بولاق) ص 344
(3)
خزانة الأدب للحموى ص 97
عند الرّقاد عند الهجوع
…
عند الهجود عند الوسن
فعسى أنام فتنطفى
…
نار تأجّج فى العظام
فى الفؤاد فى الضلوع
…
فى الكبود فى البدن
ويستمر المسمط الموشح على هذه الصورة، وواضح أنه نشأ من فكرة بسيطة هى تكرار قافية البيت بروىّ جديد. وكأنما وقع هذا المسمط الغريب أو قل هذا الموشح الفريد لمقدم بن معافى شاعر الأمير الأندلسى عبد الله بن محمد المروانى (275 - 300 هـ) فنظم على صورته بعض منظوماته وكتب لهذه الصورة عنده أن تشيع بعده فى الأندلس باسم الموشحات على نحو ما أوضحنا ذلك مرارا فى كتاباتنا. وحملها إلى المشرق الأندلسيون المهاجرون إلى مصر والشام ووضع لها ابن سناء الملك قوانينها الموسيقية فى كتابه «دار الطراز» وبذلك فتح أبواب تلك الموشحات على مصاريعها للمشارقة كى ينظموا على غرارها منذ زمنه فى أواخر القرن السادس. وأيضا فإنه كان قد نزل الشام بعض الأندلسيين من ناظميها، فكانوا من أسباب إشاعتها مثل عبد المنعم الجليانى الأندلسى الطبيب نزيل دمشق فى زمن صلاح الدين وظل بها إلى وفاته، وله فيه مدحة سميت التحفة الجوهرية، ويقول ابن أبى أصيبعة: له «ديوان غزل وتشبيب وموشحات ودو بيتات» أو رباعيات. ونظل فى زمن الأيوبيين والمماليك نلتقى بوشاحين مختلفين. وللصلاح الصفدى المتوفى سنة 764 كتاب فى الموشحات سماه: توشيع (1) التوشيح ذكر فيه إحدى وستين موشحة من عيون الموشحات الأندلسية والمصرية والعراقية والشامية، وذكر موشحا طريفا لشمس الدين محمد بن على الدهان المتوفى سنة 721، ويقول ابن شاكر إنه كان يحترف صناعة الدهان وينظم الشعر الرقيق وكان على علم بالموسيقى والألحان، فكان ينظم الشعر ويلحنه ويغنى فيه المغنون (2)، ويسوق نفس الموشح الذى ذكره الصفدى، ويستهله بقوله:
بأبى غصن بانة حملا
…
بدر دجى بالكمال قد كملا
أهيف
فريد حسن ماماس أو سفرا
…
إلا أغار القضيب والقمرا
يبدى لنا بابتسامه دررا
(1) حقق هذا الكتاب ألبير مطلق ونشره بدار الثقافة ببيروت.
(2)
راجع ترجمته فى فوات الوفيات 2/ 492 والوافى 4/ 209 وانظر عقود اللآل للنواجى ص 77.
والموشح وافر الموسيقى واللحن والنغم. وذكر الصفدى بجانب هذا الموشح موشحا لجمال الدين يوسف الصوفى المتوفى سنة 750، وهو يفيض بالعذوبة وجمال اللفظ والصور كقوله:
ساحر بالدلال ساخر بالصّبّ
…
فائق فى الكمال لائق بالحبّ
بشذا المسك فاح
…
ثغر هذا الغزال
باسم عن أقاح
…
كفريد اللآل
ردّ نور الصباح
…
كظلام الليال
وأنشد الصفدى لنفسه فى كتابه سبعا وثلاثين موشحة، وكثير منها معارضات لموشحات مشهورة لأندلسيين وغير أندلسيين، وقلما يحلّق إلى أفق الموشحات التى يعارضها، ويغلب التكلف على موشحاته، وفى أحيان قليلة يسلس فى بعض الموشحات وبعض المقاطع كقوله فى معارضة موشحة لابن اللبّانة الأندلسى:
بات بدرى وهو معتنقى
…
أحتسى فاه وأرتشف
وبه أمسيت متّحدا
…
بعد ما قد كنت منفردا
وغدا بدر السما كمدا
وقد أنشد النواجى فى كتابه عقود اللآل تسع موشحات لابن حبيب الحلبى وموشحتين لابن حجة الحموى (1).
ويلقانا وشاحون مختلفون فى زمن العثمانيين على نحو ما يذكر المحبى عن أبى بكر العمرى وأبى بكر العصفورى (2). ولابن النقيب المتوفى سنة 1081 موشح استلهم فيه موشحا مشهورا للسان الدين ابن الخطيب استهله بقوله (3):
يا ليالى السّفح من عهد الصّبا
…
يا سقى مغناك صوب الدّيم
كم تسرّقت بها بين الرّبى
…
خلسا مرّت كطيف الحلم
(1) انظر فهرس عقود اللآل للنواجى
(2)
نفحة الريحانة للمحبى 1/ 22، 254
(3)
ديوان ابن النقيب نشر المجمع العلمى العربى بدمشق ص 263