الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العراق حيث الخوارج والشيعة. ولم تكد هذه الفتن تهدأ حتى تحرك العباسيون براياتهم السود من خراسان، وأخذت المدن الإيرانية تسقط فى أيديهم ودخلوا العراق واستولوا على الكوفة ومضوا إلى شمالى العراق وهزموا مروان عند الزاب الأكبر، فأخلى الجزيرة واتجه إلى الشام وتخلى عنه أهلها، فالتجأ إلى مصر، ولقى مصرعه بها فى بوصير. وكان السفاح قد أعلن الخلافة العباسية فى الكوفة وطورد الأمويون فى كل مكان وأبيدوا بوحشية، ونبشت قبور خلفائهم-عدا معاوية وعمر بن عبد العزيز-وأذريت عظامهم ورفاتهم فى الهواء، ونجا من هذا البطش والنكال عبد الرحمن الداخل أحد حفدة هشام بن عبد الملك، إذ فرّ إلى الأندلس وأسس بها دولة أموية جديدة ظلت نحو ثلاثة قرون.
(ج) زمن الولاة العباسيين
فقدت الشام-بسقوط الدولة الأموية-السيادة المطلقة فى الإسلام وفقدها العرب معهم تدريجا. إذ أخذ الاعاجم يشغلون المناصب العليا فى الدولة العباسية، وكان العباسيون يعرفون أن دولتهم إنما قامت على أسنة رماحهم، فقربوهم منهم وفسحوا لهم فى الوزارة وغير الوزارة. وكان لذلك صداه السيئ فى نفوس أهل الشام، مما هيّأ بعد نحو عشرين عاما لثورة القيسية فى قنّسربن بزعامة أموى هو أبو محمد السفيانى، وسرعان ما قضى عليها العباسيون وفرّ السفيانى إلى الحجاز ولقى حتفه هناك، ولم يصدق أتباعه وفاته فظلوا يترقبون عودته ليجدد للشام مجده الغابر.
ونمضى إلى سنة 195 فى عهد الخليفة الأمين فيظهر فى دمشق سفيانى جديد هو على بن عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان، ويطرد عامل الأمين عن دمشق، ويبايعه الدمشقيون بالخلافة. وشغل عنه الأمين بحرب أخيه المأمون مدة. ولم يلبث أن قضى على ثورته أعوان الأمين واختفى بالمزّة بالقرب من دمشق وأقام بها أياما ومات. وفى سنة 227 لعهد المعتصم ثار بفلسطين المبرقع أبو حرب اليمانى وزعم أنه السفيانى المنتظر ودعا أولا إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر إلى أن قويت شوكته فادّعى النبوة، وتبعه قوم من فلاحى القرى وقوى أمره وسار إليه أحد قواد المعتصم فى ألف فارس وأسره وحبسه ومات فى حبسه.
وكان أول من تولى الشام للسفاح عمه عبد الله بن على بعد قضائه على مروان بن محمد فى موقعة الزاب حتى إذا فرّ مروان إلى الشام مضى يتبعه إلى دمشق ففتحها وهدم سورها وقتل من الأمويين ثمانين رجلا فى مذبحة مشهورة ببلدة الرّملة. وولاه السفاح دمشق، ولما ولى الخلافة بعده
أبو جعفر المنصور، خرج عليه عبد الله ودعا لنفسه فهزمه أبو مسلم الخراسانى، وحبسه المنصور ومات فى حبسه. وتولى أمر الشام ودمشق بعد عبد الله كثير من الولاة وكان بعضهم من الأعاجم مؤيدى الدولة. واتبع العباسيون سياسة غير حكيمة أن لا يبقوا واليا لهم فى بلد إلا مدة قصيرة.
وكان هذا سببا فى أن لا يعنى الولاة بالنهوض ببلدانهم من جهة، كما كان سببا فى أن يحاولوا الإثراء سريعا قبل أن يعزلوا من مناصبهم، مما كان يدفعهم فى كثير من الأحيان إلى الزيادة فى الضرائب، كما كان يدفع الناس إلى الثورة عليهم، وسرعان ما كان يقضى على ثوراتهم كما حدث فى حلب سنة 162 وفى حمص سنة 194.
ويبدو أن القبائل القيسية واليمنية لم تتعظ بما أصابها من فقدان موطنها لاستقلاله الذاتى، فقد اندلعت بينهما نار العصبية القديمة وأخذوا يمدونها بحطب جزل طوال العقد الثامن من القرن الثانى، واغتنمت السوقة بدمشق الفرصة فنهبت ما استطاعت أيديها نهبه، وتطاحن الفريقان وسفكت دماء المئات منهما. وأخيرا أرسل اليهما هرون الرشيد وزيره جعفرا البرمكى، فأطفأ نار العصبية المحتدمة بين الطرفين بتجريدهما من السلاح وعاد إلى دمشق الهدوء والسلام. وفى سنة 227 يولى المعتصم موسى بن إبراهيم الرافقى دمشق فتثور عليه القيسية ويقتل منها خمسة عشر نفسا، فتشتد ثورتها وتحاصر دمشق، ويتوفى المعتصم فيرسل الواثق خلفا له أحد قواده فيهزم القيسية ويقتل منها ألفا وخمسمائة، وتهدأ الثورة، ويعود الأمن إلى دمشق.
وكان الخلفاء العباسيون يرحلون إلى الشام أحيانا، لزيارة بيت المقدس أو للحج منه، وأكثر رحلاتهم إنما كانت لحرب البيزنطيين، والسقوط عليهم من ثغوره. ومما يذكر لهم أنهم أقاموا فى حدوده الشمالية كثيرا من الثغور للاندفاع منها إلى آسيا الصغرى. وكانت جيوشهم ماتنى ذاهبة إلى شمالى الشام آيبة منه، مما عاد عليه بكثير من الرخاء وانتعاش التجارة. واشتهر المهدى والرشيد بنضالهما لبيزنطة وما كان من فتح هرقلة وضرب البيزنطيين ضربات قاصمة. وأخذ المأمون منذ سنة 215 يقود حملات عنيفة لمدة ثلاث سنوات متوالية استولى فى أثنائها على لؤلؤة أقوى وأمنع الحصون البيزنطية بالقرب من طرسوس، مما اضطر تيوفيل إمبراطور بيزنطة إلى التماس الصلح.
وفى سنة 223 دق المعتصم وقواده أعناق البيزنطيين دقّا وأوطئوهم ذلاّ وصغارا إذ هدموا أنقرة وحرقوا عمّورية أمنع بلادهم فى آسيا الصغرى. وظل قواده من أمثال محمد بن يوسف الثغرى وابنه يوسف يكيلون لهم ضربات ساحقة. ويظل غزو البيزنطيين صيفا فى أيام الخليفة المتوكل، ويغيرون على بعض الثغور فى شمالى الشام. وينكل بهم على بن يحيى الأرمنى والفارس المغوار عمر