الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بهاء الدين (1) العاملى
هو محمد بن حسين بن عبد الصمد العاملى، كان أبوه من فقهاء المذهب الإمامى الشيعى يتنقل فى بلدان الشام ولبنان، ثم رحل إلى إيران فتنقل بين بلدانها وأوغل فيها حتى هراة فى أفغانستان. واستقر به المقام فى «البحرين» حيث توفى بها سنة 984 وقد ولد له ابنه بهاء الدين فى بعلبك سنة 953 وصحبه معه إلى إيران، وحبّبت إليه الرحلة مثل أبيه، فجاب البلاد الإيرانية والعربية. وزار مصر وبها ألف كتابه «الكشكول» المنشور فى مجلدين كبيرين، وهو موسوعة أدبية عرض فيها بهاء الدين معارفه أو قل بعض معارفه فى الحديث النبوى والدراسات الدينية واللغوية والصوفية والاعتزالية والفلسفية والهندسية والفلكية سوى ما فيه من أشعار كثيرة تدل على ذوق جيد. وعلى غراره كتابه «المخلاة» . وبعد ثلاثين سنة من رحلاته فى البلاد الإيرانية والعربية ألقى عصا تسياره فى أصفهان، وقرّبه سلطانها شاه عباس وأكثر من إغداقه عليه، وولاه مشيخة العلماء الإمامية فى أصفهان حتى وفاته سنة 1031 للهجرة. وفى أثناء إقامته بمصر انعقدت صداقة بينه وبين محمد بن الحسن البكرى وبالمثل انعقدت صداقة بينه وبين الحسن البورينى فى دمشق.
وقد هيأته إمامية أبيه ونشأته فى إيران مركز المذهب الإمامى إلى أن يصبح فقيها إماميا كبيرا، وإلى أن يؤلف كتبا فى الحجاج للمذهب بالعربية والفارسية، وله مؤلفات كثيرة فى التفسير وفى الأصول وفى الفقه وفى العربية وفى الفلك، وكان شاعرا مبدعا.
ويقول الشهاب الخفاجى: «شعره باللسانين العربى والفارسى مهذب محرر، وبالفارسية أحسن وأكثر» وأنشد له الحقاجى فى الريحانة وابن معصوم فى سلافة العصر والمحبى فى نفحة الريحانة وخلاصة الأثر أشعارا كثيرة تتناول أغراضا مختلفة: غزلا وخمرا ومديحا ورثاء، وأنشد له مترجموه رباعيات متعددة. وهو فى شعره ليس إماميا فحسب، بل هو إمامى غال. وكان الامامية يعتقدون أن إمامهم الثانى عشر محمدا المهدى المنتظر لم يمت حوالى سنة 268 وإنما اختفى وسيعود، ويسمونه إمام (2) الوقت وقائم الزمان، ويؤمنون أن بعض الصفوة من علمائهم على
(1) انظر فى
بهاء الدين العاملى
وشعره سلافة العصر لابن معصوم ص 289 وريحانة لألبا للخفاجى 1/ 207 ونفحة الريحانة 2/ 291 وكتابه الكشكول (طبعة الحلبى) 1/ 176، 197 وفى مواضع متفرقة وخلاصة الأثر 3/ 440 وروضات الجنات 532 والذريعة 2/ 29، 6/ 240
(2)
راجع فى إمام الوقت عند الإمامية الاثنى عشرية العقيدة والشريعة فى الإسلام لجولد تسيهر (طبع القاهرة) ص 197، 344 وما بعدها
اتصال شخصى به وأنهم يستوضحونه بعض المسائل الشرعية، ويفصح لهم عن رغباته وأوامره، بل إنهم يجعلونه خليفة الله المصرف لشئون الكون والعباد، ولبهاء الدين قصيدة عن هذا الإمام صاحب الزمان أو قائمه يغلو فيها هذا الغلو المفرط أنشدها فى كتابه الكشكول وفيها يقول:
خليفة ربّ العالمين وظلّه
…
على ساكن الغبراء من كل ديّار (1)
هو العروة الوثقى الذى من بذيله
…
تمسّك لا يخشى عظائم أوزار
علوم الورى فى جنب أبحر علمه
…
كغرفة كفّ أو كغمسة منقار
به العالم السفلىّ يسمو ويعتلى
…
على العالم العلوىّ من غير إنكار
همام لو السبع الطّباق تطابقت
…
على نقض ما يقضيه من حكمه الجارى
لنكّس من أبراجها كلّ شامخ
…
وسكّن من أفلاكها كلّ دوّار
أيا حجّة الله الذى ليس جاريا
…
بغير الذى يرضاه سابق أقدار
ويا من مقاليد الزمان بكفّه
…
وناهيك من مجد به خصّه البارى
وبهاء الدين يجعل محمدا المهدى الغائب فى رأى الإمامية خليفة الله فى تنفيذ أحكامه على الناس وظله الذى يستظل به كل مظلوم، ويجعله العروة الوثقى أخذا من الآية الكريمة:{وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اِسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى} ويجعل من يتمسك به تغفر له ذنوبه، ويبالغ فى سعة علمه اللدنّى بالقياس إلى علم الناس الذى لا يعدّ شيئا مذكورا بجانب بحار علومه.
ويزعم أن العالم السفلى وهو الأرض شرف به وفضل على العالم السماوى، ويزعم أن السموات السبع لو اتفقت على نقض ما يبرمه لانقلبت أبراجها وخرجت من قواعدها وسكن منها كل دائر متحرك من أبراجها. ويصفه بأنه حجة الله على الخلق وأن الأقدار الإلهية طوع أمره لا تعصاه أبدا وأن مفاتيح الزمان وخزائنه بيده. والقصيدة تمتلئ بهذا الغلو المفرط الذى يجعل هذا الإمام لا يزال حيا يصرّف أمور الكون، ويدبر شئون العباد، ويعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء، ومقاليد الدنيا بكفه، وكل شئ يجرى فيها بإرادته، وكأن قائم الزمان فوق جميع الأنبياء والمرسلين. وهو غلو ما يماثله غلو.
وطبيعى وقد بلغ بهاء الدين من الغلو فى عقيدته كل هذا المبلغ أن يدعو إلى سبّ من وقفوا-
(1) ديار: ساكن دار. الغبراء: الأرض.
فى رأى الشيعة-ضد على وحقه فى الخلافة وفى مقدمتهم أبو بكر الصديق وعمر الفاروق على نحو ما نلقاه فى مثل قوله:
يا أيها المدّعى حبّ الوصىّ ولم
…
يسمح بسبّ أبى بكر ولا عمرا
كذبت والله فى دعوى محبّته
…
تبّت يداك ستصلى فى غد سقرا
فإن تكن صادقا فيما نطقت به
…
فابرأ إلى الله ممن خان أو غدرا
وأنكر النصّ فى خمّ وبيعته
…
وقال إن رسول الله قد هجرا
أتيت تبغى قيام العذر فى فدك
…
أتحسب الأمر بالتمويه مستترا
وبهاء الدين يجعل سب أبى بكر وعمر فريضة من لم يؤدها صلى نار الجحيم وعذابها الأليم، ويدعو صاحبه أن يبرأ من الشيخين الجليلين-كبرت كلمات خبيثة تخرج من فمه-ويعلل لما قاله بأنهما أنكرا نصّ غدير خم ووصية الرسول صلى الله عليه وسلم فيه لعلى بالإمامة والخلافة، وهو نص لم يثبت، بل الثابت أن الرسول استخلف أبا بكر عنه فى الحج حتى إذا مرض استخلفه فى الصلاة كما هو معروف. وكل ذلك يؤذن بأن الرسول استخلف أبا بكر الصديق بعده واستخلف أبو بكر عمر، وبهما انتشر الإسلام وفتح العالم القديم له أبوابه. ويتعلل بهاء الدين بأنهما منعا السيدة فاطمة الزهراء رضوان الله عليها من إرث فدك فيئ رسول الله، وإنما منعاها بوصية الرسول-كما ذكرنا مرارا-إذ قال:«نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» . وما من ريب فى أن للشيخين الجليلين قدسية عظيمة فى نفوس المسلمين. ولعل فى كل ما قدمنا ما يصور كيف أن بهاء الدين العاملى كان رافضيا غاليا فى الرفض، سواء فى مهاجمته أبا بكر وعمر أو فى خلعه على الإمام القائم صفات الله وكأنه يشركه فى تدبير الكون وتسخير المقادير، تعالى الله علوا كبيرا عن كل مالجّ فيه من رفع إمامه الخفى عن المستوى البشرى حتى للأنبياء المصطفين الأخيار.