الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن أبي الصلت
أبو الصَّلت أُمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت، من أهل إشبيلية، وسكن المَهديَّة، واتصل بأميرها يحيى بن تميم المُعزّ الصِّنهاجي، ثمَّ بابنه عليّ بن يحيى، وبعده بالحسن بن علي، آخر ملوكِ الصّنهاجيين بها. وتُوفي صدر ولايته سنة عشرين وخمسمائة، أو بعدها بيسير. وقيل توفي مع أبي عبد الله المازري في سنة ست وثلاثين، والأول أصحّ.
ومن خَبره أنَّه خرج من إشبيلية ابن عشرين سنة، ولزم التعلُّم بمصر
عشرين سنة، ثمَّ أوطن المَهديَّة عشرين سنة. حُدثت بهذا عن أبي عبد الله ابن عبد الخالق الخطيب بها، عن بعض مَن أدركه من شيوخها.
وله تواليف مُفيدة في الطبّ، وهو كان الغالب عليه، وفي الأدب والعروض والتاريخ.
ومن مدائحه في يحيى بن تميم يصف فرساً له كان يُسمَّى هلالاً لغُرَّةٍ في جبهته هِلالية الشكل:
شهدتُ لقد فات الجيادَ وبَذَّها
…
جوادُك هذا من وِرادٍ ومن شُقرِ
جوادٌ تبدَّت بين عينيه غُرَّةٌ
…
تُريكَ هلالَ الفطر في غُرة الشهرِ
وما اعتنَّ إلَاّ قلتُ أسأل صاحبي
…
بعَيشكَ من أهدى الهلالَ إلى البدرِ
كأنَّ الصَّباحَ الطَّلْقَ قَبَّلَ وَجْهَهُ
…
وسالتْ على باقيهِ صافيةُ الخمرِ
كأنَّك منهُ إذ جَذَبْتَ عِنانَهُ
…
على منكِبِ الجَوْزاءِ أو مَفْرِق النَّسرِ
كأنَّك إذ أرسلتَه فوق لُجة
…
تُدَفِّعها أيدي الرِّياح إلى العبْرِ
تدفّقتُما بحرَين جُوداً وجَودةً
…
ومن أعجبِ الأشياءِ بحرٌ على بَحْرِ
وله أيضاً فيه ويصف بعضَ مبانِيه:
قُم يا غلامُ ودَعْ مُخالسةَ الكَرى
…
لمُهجِّرٍ يصفُ النّوى ومُغلَّسِ
أو ما رأيت النَّوْرَ يَشرقُ بالنَّدى
…
والفجرَ يَنْصُلُ من خضابِ الحِنْدِسِ
والتُّربُ في خَلل الحديقة مُرْتَوٍ
…
والغصنُ من حُلَلِ الشَّبيهِ مُكْتَسِ
والرَّوضُ يبرُزُ في قلائدِ لُؤلُؤٍ
…
والأرضُ ترفُلُ في غَلائِلِ سُندسِ
لا تَعْدَمُ الألحاظُ كيف تصرَّفَتْ
…
وَجَناتِ وَرْدٍ أو لواحظَ نَرْجسِ
وله كلام في المباني السلطانية يصفُها فمن ذلك قوله:
وضَّاحة حلَّتِ الأنوارُ ساحتَها
…
فأزمعتْ رحلةً عن أُفقها السُّدُفُ
كأنَّ رَأْدَ الضُّحى مما يُغازلها
…
عن الغَزالةِ هيمانٌ بها كَلِفُ
تجمَّعتْ وهي أشتاتٌ محاسنُها
…
هذا الغَدير وهذِي الرَّوضةُ الأُنُفُ
يُضاحكُ النُّور فيها النَّوْرَ من كَثَبٍ
…
مهما بكتْ للغَواني أعينٌ ذُرُفُ
خُضرٌ خمائلها زُرقٌ جداولها
…
فالحُسْنُ مُتلفٌ فيها ومختلفُ
دَوْح وظلٌّ يلذُّ العيشُ بينهما
…
هذا يَرِفُّ كما تهوَى وذا يَرِفُ
يَجري النسيمُ على أرجائها دَنِفاً
…
ومِلؤه أرَجٌ يشفَى به الدَّنِفُ
حاكَ الربيعُ لها من صوبِهِ حِبَراً
…
كأنَّها الحُلَلُ الأفوافُ والصُّحف
غَريرةٌ من بناتِ الرَّوضِ ناعمةٌ
…
يَثني معاطفَها في السُّندس التَّرَف
تَندى أصائلُها صُفراً غلائلُها
…
كأنَّ ماءَ نُضارٍ فوقها يَكِفُ
وله في المَصنع المعروف بأبي فِهر:
نَمت صُعُداً في جِدَّةٍ غُرفاتُه
…
على عَمَدٍ مما استجاد لها الجِدُّ
تَخَيَّلن قاماتٍ وهُنَّ عقائلٌ
…
سوى أنَّها لا ناطقاتٌ ولا مُلْدُ
قُدودٌ كساها ضافيَ الحُسن عُرْيُها
…
وأمعنَ في تَنعيمها النَّحتُ والقَدُّ
تُذكِّرُ جنَّاتِ الخلودِ حدائقٌ
…
زواهرُ لا الزَّهراءُ منها ولا الخُلد
فأسحارُها تُهدي لها الطيبَ مَنْبجٌ
…
وآصالُها تُهدي الصَّبا نحوها نجدُ
أنافَ على شُمِّ القُصورِ فلم تَزَلْ
…
تَنَهَّدُ وجداً للقُصور وتَنهدُّ
رَحيبُ المَغاني لا يضيق بوَفْدِهِ
…
ولو أنَّ أهلَ الأرضِ كلَّهُمُ وَفد
تلاقَى لديه النَّور والنُّور فانجلتْ
…
تفاريقَ عن ساحاتهِ الظُّلَمُ الرُّبد
وسُجن أبو الصلت بمصر، فقال في ذلك:
عَذيريَ من دهرٍ كأنِّي وَترتُه
…
بباهِرِ فَضلي فاستقادَ به منِّي
تَعجَّلني بالشَّيبِ قبلَ أوانهِ
…
فجرَّعني الدُّرديَّ من أوَّلِ الدَّنّ
وما مرَّ بي كالسّجنِ فيه مُلمَّةٌ
…
وشرٌّ من السّجنِ المُصاحَبُ في السّجن
أظُنُّ اللَّيالي مُبْقِياتي لحالةٍ
…
تُبدِّلُ فيها حياتي هذه عنِّي
وإلَاّ فما كانتْ لتَبْقَى حُشاشتي
…
على طولِ ما ألقى من الضَّيمِ والغَبنِ
وقالوا حديثُ السِّنّ يسْمو إلى العُلا
…
كأنَّ العُلا وقفٌ على كِبَرِ السنِّ
وما ضرَّني سنُّ الحَداثة والصِّبا
…
إذا لم يَضْفُ خُلْقي إلى النَّقصِ والأفْنِ
فعلْمٌ بلا دَعوى ورأيٌ بلا هوًى
…
ووعدٌ بلا خُلْفٍ ومنٌّ بلا مَنِّ
متى صَفَتِ الدُّنيا لحُرٍّ فأبتغي
…
بها طيبَ عَيشي أو خُلُوِّي من الحُزْنِ
وهل هي إلَاّ دارُ كُلِّ مُلِمَّةٍ
…
أمضُّ لأحشاءِ اللَّبيبِ من الطَّعنِ
وقال أبو الصَّلت:
تَجري الأُمور على حُكم القَضاء وفي
…
طيِّ الحوادِثِ مَحبوبٌ ومكروهُ
فربَّما سَرَّني ما بِتُّ أحذرُهُ
…
وربَّما ساءني ما بِتُّ أرجوهُ