الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن إدريس
أبو بحر صفوان بن إدريس التُّجيبي، من أهل مرسية وفي نبيهات البيوتات بها. وهو ممن جمع تجويد الشعر إلى تحبير النثر، مع سداد المقصد وسلامة المعتقد. ومن تصانيفه كتاب " بداهة المُتحفز وعجالة المستوفز " يشتمل على رسائله وأشعاره، وما خوطب به وراجع عنه، و " زاد المسافر " - وهو الَّذي عارضته بهذا المجموع - وتأليف في أدباء الأندلس لم يُكمله، ومن أصحابنا من عثر على بعضه فحدَّث بكثرة ما حُشر فيه من الفوائد.
وتوفي مُعتبطاً لم يبلغ الأربعين سنة، وثكله أبوه الخطيب أبو يحيى، وهو تولَّى الصلاة عليه عند وفاته في شوال سنة ثمان وتسعين وخمسمائة.
أنشدني الأديب أبو محمد عبد الله بن علي الغافقي المرسي، قال: أنشدني أبو البحر لنفسه:
أَحمى الهوَى قلبه وأوْقَدْ
…
فَهْو على أنْ يموت أو قَدْ
وقال عنه العذولُ سالٍ
…
قلَّده اللهُ ما تقلَّد
وباللِّوى شادنٌ عليه
…
جيدُ غزالٍ ووجهُ فَرْقد
علّله ريقُه بخَمر
…
حين انتشى طرفُه فَعَرْبد
لا تَعجبوا لانهزام صَبري
…
فَجيش أَجفانه مُؤيَّد
أنا له كالَّذي تمنَّى
…
عبدٌ نعم عبدُه وأَزيد
له عليَّ امتثالُ أمرٍ
…
ولي عليه الجفاءُ والصَّدّْ
إن بَسْملت عينُه لقَتْلي
…
صلَّى فُؤادي على محمَّدْ
وأنشدنا الحافظ أبو الربيع ابن سالم قال: أنشدنا صاحبنا الأديب الكاتب أبو بحر لنفسه يتغزَّل ويصف ليلة أنس:
يا حُسنه والحسنُ بعضُ صفاتِهِ
…
والسِّحر مقصورٌ على حركاتِهِ
بدراً لوَ انَّ البدرَ قيل له اقترحْ
…
أملاً لقال أكونُ مِن هالاتهِ
يُعطي ارتياحَ الحسن غصنٌ أملد
…
حَمَل الصَّباح فكان من زَهَراتهِ
والخالُ ينقُط في صَحيفة خدِّه
…
ما خطَّ مسك الصُّدغ من نُوناتهِ
وإذا هلالُ الأُفق قابلَ وجهه
…
أبصرتَه كالشَّخص في مرآتهِ
عَبثت بقلبِ عَمِيده لحظاتُهُ
…
يا ربِّ لا تَعْتب على لَحظاته
رَكب المآثم في انتهاب نُفوسنا
…
فالله يَجعلهنَّ من حَسناتهِ
ما زلتُ أخطُب للزمانِ وِصالَه
…
حتَّى دنا والبعدُ من عاداتهِ
فغفرتُ ذنبَ الدَّهر فيه لليلةٍ
…
سَترت على ما كانَ من زَلَاّتهِ
غَفل الزَّمان فنِلْت منه نظرةً
…
يا ليته لو دام في غَفَلاتهِ
ضاجعتُه واللَّيلُ يُذكي تحته
…
نارَيْن من نفسي ومن وَجناتهِ
بِتنا نُشعشع والعفافُ نديمُنا
…
خمرَيْن من غَزَلي ومن كلماتهِ
فضممتُه ضمَّ البَخيل لمالِهِ
…
أحنُو عليه من جَميع جهاتهِ
أوثقتُه في ساعديَّ لأنه
…
ظبيٌ خَشيتُ عليه من فَلتاتهِ
والقلبُ يدعو أن يُصيَّر ساعداً
…
ليفوز بالآمال في ضمَّاتهِ
حتَّى إذا هامَ الكرَى بجفونِهِ
…
وامتدَّ في عَضُديَّ طَوْعَ سِناته
عَزم الغرامُ عليَّ في تَقبيله
…
فنفضتُ أيدي الطَّوْعِ من عَزماته
وأبى عفافي أن أقبِّلَ ثَغره
…
والقلبُ مَطويٌّ على جَمَراتهِ
فاعجبْ لمُلْتَهِب الجوانح غُلَّةً
…
يشكو الظَّما والماءُ في لَهَواتهِ
وسبقه بهذا أبو بكر يحيى بن أحمد بن بَقي الإشبيلي، في القصيدة المشهورة إذ يقول:
بأَبي غزالٌ غازلتْهُ مُقلتي
…
بين العُذيبِ وبين شَطَّي بارقِ
وله:
أَعِذاره رفْقاً عليه فقد
…
صَدر الصِّبا غضبانَ عنك أسِفْ
كيف انبريتَ لنُون وَجنته
…
فمحوتَها وكتبت لامَ ألِفْ
فكأنَّها نهيٌ لعاشقه
…
لا تلتفتْ بدرٌ جَنى فكُسِفْ
وله في وسيم أثَّرت الشَّمس في وجنته:
ومُعَنْدم الوَجنات تَحسب أنَّه
…
صُبغتْ بُرود الوَرد في وَجناتِهِ
مَثلَ الجمالُ بخدِّه مُتنبِّئاً
…
فشهِدْت أنَّ الخالَ من آياتِهِ
نظرتْ إليه أختُهُ شمسُ الضُّحى
…
وإياتُها في النُّور دون إياتِهِ
فتوقَّدت أحشاؤها من زَفرة
…
فبدا شعاعُ النَّار في مرآتِهِ
وله في وسيم يلعب بسيفٍ ويخوِّف به:
قُلنا وقد شامَ الحُسامَ مُخوِّفاً
…
رشأٌ بعاديةِ الضَّراغم عابثُ
هل سيفُهُ من طَرفه أم طَرفُه
…
من سَيفِهِ أم ذاك طرفٌ ثالثُ
وله في آخر يرمي نارَنْجاً في ماء:
وشادنٍ ذي غَنَجٍ دلُّه
…
يروقنا طوراً وطوراً يَروعْ
يَقذف بالنَّارنج في بِركةٍ
…
كلاطخٍ بالدَّم سَرْدَ الدُّروعْ
كأنَّها أكبادُ عُشَّاقِهِ
…
يُتلفها في لُجّ بحرِ الدُّموعْ
وله في نارنجة:
رُبَّ نارنجةٍ تأمَّلتُ منها
…
منظراً رائعاً ونَشْأً غريبا
نشأتْ في القَضيب وهي رَمادٌ
…
فغذَاها الحيا فعادت لهيبا
وله في باكورة:
حيّتك ضاحكةً بُنيَّةُ أيكةٍ
…
تهفُو تحيتها بعِطْفِ النَّادي
لمَّا درتْ أنْ سوف تَثكل أُمَّها
…
لبست بحُكم الفَقد ثوبَ حدادِ
تنشقُّ عن لُمَع البياضِ كأنَّها
…
قَلبي تبسَّمَ عن ثُغور وِدادي
وله في أَكُول:
وصاحبٍ ليَ لا كانتْ طبائعُهُ
…
كأنَّها سحبٌ بالسَّرْط مُنهمرَهْ
إذا أحسَّ بمأكولٍ تُقدِّمه
…
يكاد يسبقُ فيه حلقُهُ بصرَهْ
كأنَّ فاه عصا مُوسى إذا انقلبتْ
…
وما تُقدّمه إفكٌ من السَّحرَهْ
وله من مفردات الأبيات:
بَيني وبين أبي جَمرةٍ
…
عداوةُ الماء مع النَّارِ
وله:
لو أنَّه كانَ جُزءَ فِقْهٍ
…
لما عدا جامع العُيوب
وله:
حَلَّيتمُ زمناً لولا اعتدالكُمُ
…
في حكمكمْ لم يكنْ في الحكم يعتدلُ
فإنَّما أنتمُ في أنفه شَمَمٌ
…
وإنَّما أنتمُ في طرفِهِ كَحَلُ
ومنها:
يرى اعتناقَ العوالي في الوغى غزلاً
…
لأن خرصانها من فوقها مُقَلُ
وله:
سرُّ النَّوى في ضمير كتماني
…
إن لم تنافقْ عليَّ أجفاني
أبلى لقلبي وليس في بدني
…
ربَّ طليقٍ يشقَى به العاني
وله:
والسرحةُ الغناءُ قد قبضتْ بها
…
كفُّ النسيم على لواءٍ أخضرِ
وكأنَّ شكلَ الغيم مُنْخُلُ فضَّةٍ
…
يرمي على الآفاقِ رَطْبَ الجوهرِ
وله:
وكأنَّما أغصانها أجيادها
…
قد قُلِّدتْ بلآلئِ الأنْوارِ
ما جاءها نَفَسُ الصّبا مستجدياً
…
إلَاّ رَمَتْ بدراهمِ الأزهارِ
وله:
أُولعَ من طرفه بحتفي
…
هل يعجبُ السَّيفُ للقتيلِ
تهيبوا بالحسامِ قتلي
…
فاخترعوا دعوةَ الرحيلِ