الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن طفيل
أبو بكر محمد بن عبد الملك بن طفيل القيسي، من أهل بَرشانة من عمل المريّة. وكان طبيباً أديباً كتب لوالي غرناطة وقتاً، وتوفي بمراكش سنة إحدى وثمانين وخمسمائة وحضر السلطان جنازته؛ وشعره في غاية الجودة وهو القائل:
أتذكرُ إذ مسحتَ بفيكَ عيني
…
وقد حلَّ البكا فيها عقودَه
ذكرتُ بأنَّ ريقك ماء وردٍ
…
فقابلتُ الحرارة بالبرودَه
وقال:
يقولون لي ظمياءُ أضحتْ عليلةً
…
فقلت فما بالي بقيت إذن حيّا
أتصبح شمسُ الأرضِ كاسفةَ السَّنا
…
ولا يعتري جسمي لعلَّتها فيّا
إذا ما طوى عنِّي السقامُ وصالَها
…
طوى الميتُ روحي في ملاءتِهِ طيّا
وقال:
ألمَّتْ وقد نام الرقيبُ وهوَّما
…
وأسرت إلى وادي العقيق من الحمى
وراحتْ إلى نجدٍ فراح مُنَجَّداً
…
ومرَّت بنعمانٍ فأضحى منعما
وجرَّتْ على تُرْبِ المحصّب ذيلَها
…
فما زال ذاك التربُ نهباً مقسما
تناقلُهُ أيدي الرِّجالِ لطيبه
…
ويحمله الداريُّ أيَّانَ يمما
ولما رأتْ أن لا ظلامَ يُجِنُّها
…
وأن سُراها فيه لن يتكتما
سَرَتْ عذبات الريط عن حُرِّ وجهها
…
فأبدت شعاعاً يرجع الصُّبح معلما
فكان تجلِّيها حجابَ جمالها
…
كشمس الضُّحى يعشَى بها الطَّرف كلَّما
ولما رأتْ زُهرَ الكواكبِ أنَّها
…
هي النيِّرُ الأسمى وإن كنَّ بالسَّما
بكتْ أسفاً أن لم تَفُزْ بجوارها
…
وأسعدَها صوبُ الغمامِ فأسْجَما
تجلَّت يمُجُّ القطرَ ريَّانُ بُرْدها
…
فتنفضُهُ كالدُّرّ فذاً وتوأما
يضم عليها الماء فضل ثيابها
…
كما بلَّ سِقْطُ الطّلِّ نَوْراً مُكمَّما
ويَفتَقُ نَضْحُ الغيثِ طيّبَ عَرفها
…
نسيم الصّبا بين العَرار تنسّما
جلَتْ عن ثناياها وأومَضَ برقُها
…
فلم أدر من شَقَّ الدُّجُنَّةَ منهما
وساعدني جَفْنُ الغمام على البكا
…
فلم أدر وَجْداً أيَّنا كانَ أسجَمَا
ونظَّمَ سِمْطَيْ ثغرها ووشاحها
…
فأبصرتُ دُرَّ الثغر أحلَى وأنْظما
تقول وقد ألْمَمْتُ أطرافَ كمِّها
…
يديَّ وقد أنْعَلْتُ أخمصَها الفما
نشدتُك لا يذْهَبْ بك الشوق مذْهباً
…
يُسهِّلُ صعباً أو يُرخِّصُ مَأْثَما
فأقصرتُ لا مُستغنياً عن نوالها
…
ولكن رأيت الصَّبر أوفى وأكرما
وهو القائل من قصيدة في فتح قَفْصة سنة ست وأربعين وأُنْفِذت إلى البلاد:
ولما انقضى الفتحُ الَّذي كانَ يُرتجى
…
وأصبحَ حزبُ اللهِ أغلبَ غالبِ
وأنجزَنا وعدٌ من اللهِ صادقٌ
…
كفيلٌ بإبطال الظنون الكواذب
وساعدنا التَّوفيقُ حتَّى تبيَّنت
…
مقاصدنا مشروحةً بالعواقب
وأذعن من عُليا هلال بن عامر
…
أبيٌّ ولبَّى الأمرَ كلُّ مجانبِ
وهبُّوا إذا هبَّ النسيم كما سرى
…
ولم يتركوا بالشَّرقِ عُلْقة آيب
يَغَصُّ بهم عُرضُ الفَلَا وهو واسع
…
وقد زحموا الآفاقَ من كلِّ جانب
كأنَّ بسيطَ الأرضِ حَلْقَةُ خاتمٍ
…
بهم وخِضَمُّ البحرِ بعضُ المذانب
ومدَّ على حكمِ الصَّغارِ لسلمنا
…
يَدَيهِ عظيمُ الرُّومِ في حال راغب
يُصرِّحُ بالرؤيا وبين ضلوعه
…
تنفُّسُ مذعورٍ وزفرةُ راهب
وَعَى من لسانِ الحالِ أفصحَ خُطْبة
…
وما ضمنت عنه فِصاح القَواضب
وأبصَرَ مَتْن الأرضِ كِفَّةَ حابلٍ
…
عليه وما ضرَّاه في كفِّ حالب
أشَرْنا بأعناقِ الجياد إليكم
…
وعُجْنا عليكم من صدور الرّكائب
إلى بُقعةٍ قد بيَّنَ اللهُ فضلها
…
بمن حلَّ فيها من وليٍّ وصاحب
على الصَّفوة الأدْنَين منَّا تحيَّةٌ
…
توافيهمُ بين الصَّبا والجَنائب
وقال:
سألتُ من المليحةِ بُرءَ دائي
…
برَشْفِ بَرُودِها العذبِ المزاج
فما زالتْ تُقبِّلُ في جفوني
…
وتَبْهرني بأصناف الحِجاج
وقالت إن طَرْفك كانَ أصلاً
…
لدائك فلْيقَدَّم في العلاج