الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيه يوم الزحمة [ (1) ] ، فأعلمه اللَّه بذلك.
فلما كان العتمة اجتمعوا على باب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يرصدونه حتى ينام فيثبون عليه. فلما رآهم صلى الله عليه وسلم أمر عليا بن أبي طالب رضي الله عنه أن ينام على فراشه ويتشح [ (2) ] ببرده الحضرميّ الأخضر، وأن يؤدي ما عنده من الودائع والأمانات ونحو ذلك.
فقام عليّ مقامه عليه السلام وغطي ببرد أخضر، فكان أول من شرى نفسه [ (3) ] وفيه نزلت: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللَّهِ [ (4) ] وخرج صلى الله عليه وسلم وأخذ حفنة من تراب وجعله على رءوسهم وهو يتلو الآيات من:
يس* وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ [ (5) ] إلى قوله: فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ [ (5) ] . فطمس اللَّه تعالى أبصارهم فلم يروه، وانصرف. وهم ينظرون عليا فيقولون: إن محمدا لنائم، حتى أصبحوا، فقام علي من الفراش [ (6) ]، فعرفوه. وأنزل اللَّه تعالى في ذلك:
وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ [ (7) ] ،
وسأل أولئك الرهط عليا رضي الله عنه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: لا أدري،
أمرتموه بالخروج فخرج، فضربوه وأخرجوه إلى المسجد فحبسوه ساعة ثم (دخلوا عليه)[ (8) ] فأدى أمانة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
هجرة الرسول وأبي بكر
ولما خرج صلى الله عليه وسلم أتى أبا بكر فأعلمه أنه يريد الهجرة. وقد جاء أنه أتى أبا بكر بالهاجرة [ (9) ] وأمره أن يخرج من عنده، وأعلمه أن اللَّه قد أذن له في الخروج،
فقال أبو بكر رضي الله عنه: الصحبة يا رسول اللَّه؟ قال: الصحبة.
فبكى من
[ (1) ] راجع (عيون الأثر) ج 1 ص 177.
[ (2) ] كذا في (خ) والصواب: «يتسجى» أي يتغطى.
[ (3) ] في (خ)«بنفسه» ، وشرى نفسه أي باعها.
[ (4) ] الآية 207/ البقرة.
[ (5) ] الآيات من 1- 9/ يس.
[ (6) ] في (خ) عن الفرس.
[ (7) ] الآية 30/ الأنفال
[ (8) ] كذا في (خ) ولعلها «ثم خلوا عنه» .
[ (9) ] الهاجرة: نصف النهار عند اشتداد الحر (المعجم الوسيط) ج 2 ص 973.
الفرح. فاستأجر عبد اللَّه بن أريقط الليثي من بني الدّئل من بني عبد بن عديّ، ليدلهما على الطريق. وخرجا من خوخة [ (1) ] في بيت أبي بكر، ومضيا إلى غار بجبل ثور، فلم يصعدا الغار حتى قطرت قدما رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دما، لم يتعود الحفية ولا الرعية ولا الشقوة [ (2) ] ، وعادت قدما أبي بكر كأنهما صفوان.
وعمّى اللَّه على قريش خبرها فلم يدروا أين ذهبوا. وكان عامر بن فهيرة مولى أبي بكر يريح [ (3) ] عليهما غنمه، وكانت أسماء ابنة أبي بكر رضي الله عنها تحمل لهما الزاد إلى الغار، وكان عبد اللَّه بن أبي بكر يتسمع لهما ما يقال عنهما بمكة ثم يأتيهما بذلك.
وجاءت قريش في طلبهما إلى ثور وما حوله، ومرّوا على باب الغار وحاذت أقدامهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبا بكر رضي الله عنه، وقد نسج العنكبوت وعششت حمامتان على باب الغار، وذلك تأويل قوله تعالى: إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها [ (4) ] .
وبكى أبو بكر رضي الله عنه وقال: يا رسول اللَّه، لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لرآنا. فقال له: يا أبا بكر ما ظنك باثنين اللَّه ثالثهما؟.
وعمّى اللَّه على قريش، وقد قفا [ (5) ] كرز بن علقمة بن هلال بن جريبة [ (6) ] بن عبد نهم [ (7) ] بن حليل بن حبشيّة أثر النبي صلى الله عليه وسلم حتى انتهى إلى الغار، فرأى عليه نسج العنكبوت، فقال: ها هنا انقطع الأثر، فلم يهتدوا إليهما، ورجعوا فنادوا بأعلى مكة وأسفلها: من قتل محمدا وأبا بكر فله مائة من الإبل.
ويقال: جعلوا لمن جاء بأحدهما أو قتله ديته، فلما مضت ثلاث لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وهما في الغار أتاهما دليلهما، وقد سكن الطلب عنهما ومعهما بعيرهما، فأخذ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أحدهما من أبي بكر رضي الله عنه بالثمن، وقد
[ (1) ] باب صغير كالنافذة.
[ (2) ] الحفية: المشي بغير نعل، والرّعية: أرض فيها حجارة ناتئة (المعجم الوسيط) ج 1 ص 356.
[ (3) ] يريح الإبل والغنم: يردها من العشي إلى مراحلها حيث تأوي ليلا.
[ (4) ] الآية 40/ التوبة.
[ (5) ] قفا الأثر: تتبعه.
[ (6) ] في (خ)«حرينة» .
[ (7) ] في (خ)«فهم» والتصويب من (ط) .