الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خبر أم معبد
ولقي أيضا أوس بن حجر الأسلمي، فحمله صلى الله عليه وسلم على جمل وبعث معه غلاما له يقال مسعود (بن هنيدة)[ (1) ] ليؤديه إلى المدينة. ومرّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بخيمتي أم معبد عاتكة بنت خالد بن خليف [ (2) ] بن منقذ بن ربيعة بن أصرم بن ضبيس بن حرام بن حبشية بن كعب بن عمرو وهو أبو خزاعة، فقال [ (3) ] عندها. وأراها اللَّه تعالى من آيات نبوته في الشاة- وحلبها لبنا كثيرا وهي حائل [ (4) ] في سنة مجدبة- ما بهر عقلها. ويقال: إنها ذبحت لهم شاة وطبختها فأكلوا منها، وسفّرتهم منها بما وسعته سفرتهم [ (5) ] وبقي عندها أكثر لحمها.
وقالت أم معبد: لقد بقيت الشاة التي مسح رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ضرعها إلى عام الرمادة- وهي سنة ثماني عشرة من الهجرة- وكنا نحلبها صبوحا [ (6) ] وغبوقا، وما في الأرض قليل ولا كثير [ (7) ] .
[ (1) ] زيادة من (ابن هشام) ج 2 ص 98.
[ (2) ] في (خ)«خفيف» ، وذكر ابن حجر في ترجمة أخيها «حبيش» رقم 1603 ج 2 ص 210 «ابن خالد بن سعد منقذ بن ربيعة» .
[ (3) ] من القيلولة، وهي النوم نصف النهار.
[ (4) ] في (خ)«حافل» وهو خطأ، والحائل التي لم تحمل سنتين فجفّ لبنها.
[ (5) ] السّفرة: طعام يصنع للمسافر وما يحمل فيه هذا الطعام (المعجم الوسيط) ج 1 ص 433.
[ (6) ] الصّبوح: شراب الصباح (المعجم الوسيط) ج 1 ص 505.
والغبوق: ما يشرب بالعشي وما يحلب بالعشي (المرجع السابق) ج 2 ص 643.
[ (7) ] وذكر أبو نعيم في (دلائل النبوّة) ج 2 ص 337، حديث رقم 238:
حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا على بن عبد العزيز، وحدثنا أبي قال: حدثنا محمد بن محمد بن عقبة الشيبانيّ، ومحمد بن موسى الحلواني، وحدثنا أبو حامد بن جبلة، حدثنا محمد بن إسحاق السراج قال:
حدثنا مكرم بن محرز الكعبي الخزاعي، قال: حدثني أبي محرز بن مهدي، عن هشام عن أبيه هشام، عن جده حبيش بن خالد صاحب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين خرج من مكة، خرج منها مهاجرا هو وأبو بكر، ومولى أبي بكر عامر ابن فهيرة، ودليلهم الليثي عبد اللَّه بن أريقط، فمروا على خيمتي أم معبد الخزاعية، وكانت برزة جلدة تحتبي بفناء القبة، ثم تسقي وتطعم، فسألوها لحما وتمرا ليشتروا منها، فلم يصيبوا عندها شيئا من ذلك، وكان القوم مرملين مسنتين،
فنظر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى شاة في كسر الخيمة، فقال: ما هذه الشاة يا أم معبد؟ قالت: شاة خلّفها الجهد عن الغنم، قال: بها من لبن؟ قالت: هي أجهد من ذلك، قال: أفتأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: بأبي أنت وأمي، نعم، إن رأيت بها حلبا فاحلبها.
_________
[ () ] فدعا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فمسح ضرعها بيده، وسمى اللَّه عز وجل، ودعا لها في شاتها، فتفاجّت عليه، ودرّت، واجترّت، فدعا بإناء يريض الرّهط، فحلب فيها ثجا، حتى علاه البهاء، ثم سقاها حتى رويت، وسقي أصحابه حتى رووا، ثم شرب آخرهم صلى الله عليه وسلم ثم أراضوا.
ثم حلب ثانيا بعد بدء، حتى ملأ الإناء، ثم غادره عندها وبايعها، ثم ارتحلوا عنها، فقال: ما لبثت إذ جاء زوجها أبو معبد يسوق أعنزا عجافا يتساوكن هزلا، مخّهنّ قليل، فلما رأى أبو معبد اللبن عجب وقال: من أين لك هذا؟ والشاة عازب حائل، ولا حلوبة في البيت، قالت: لا واللَّه، إلا أنه مرّ بنا رجل مبارك، من حاله كذا وكذا، فقال: صفيه لي يا أمّ معبد، قالت: رأيت رجلا ظاهر الوضاءة، حسن الخلق، لم تعبه ثجلة، ولم تزر به صعلة، وسيم قسيم، في عينيه دعج، وفي أشفاره عطف، وفي صوته صهل، وفي عنقه سطح، وفي لحيته كثافة، أزجّ أقرن، إن صمت فعليه الوقار، وإن تكلم سماه وعلاه البهاء، أجمل الناس وأبهاهم من بعيد، وأحلاه وأحسنه من قريب، حلو المنطق، فصل لا نذر ولا هذر، كأن منطقه خرزات نظم تحدّرن، ربعة، لا بائن من طول، ولا تقتحمه عين من قصر، غصن بين غصنين، هو انظر الثلاثة منظرا، وأحسنهم قدرا، له رفقاء يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر تبادروا إلى أمره، محفود محشود، لا عابس ولا معتد.
قال أبو معبد: هو واللَّه صاحب قريش الّذي ذكر لنا من أمره ما ذكر بمكة، ولقد هممت أن أصحبه، ولأفعلن إن وجدت إلى ذلك سبيلا. فأصبح صوت بمكة عاليا، يسمعون ولا يدرون من صاحبه:
جزى اللَّه ربّ الناس خير جزائه
…
رفيقين قالا خيمتي أم معبد
هما نزلا بالهدى واهتدت به
…
فقد فاز من أمسى رفيق محمد
فيال قصيّ ما زوى اللَّه عنهم
…
به من فعال لا تجازي وسؤدد
ليهن بني كعب مقام فتاتهم
…
ومقعدها للمؤمنين بمرصد
سلوا أختكم عن شاتها وإنائها
…
فإنكم إن تسألوا الشاة تشهد
دعاها بشاة حائل فتحلّبت
…
عليه صريحا صرة الشاة مزبد
فغادرها رهنا لديها لحالب
…
يردد في مصدر ثم مورد
فلما سمع حسّان بن ثابت الأنصاري الهاتف، شبّ يجاوب الهاتف وهو يقول:
لقد خاب قوم زال عنهم نبيّهم
…
وقدّس من يسري إليه ويغتدي
ترحّل عن قوم فضلّت عقولهم
…
وحلّ على قوم بنور مجدد
هداهم بعد الضلالة ربّهم
…
فأرشدهم، ومن يتبع الحق يرشد
وهل يستوي ضلّال قوم تسفّهوا
…
عمايتهم، هاد به كل مهتدي
وقد نزلت منه على أهل يثرب
…
ركاب هدى حلّت عليهم بأسعد
نبي يرى ما يرى الناس حوله
…
ويتلو كتاب اللَّه في كلّ مسجد
وإن قال في يوم مقالة غائب
…
فتصديقها في اليوم أو في ضحى الغد
ليهن أبا بكر سعادة جدّه
…
بصحبته، من يسعد اللَّه يسعد
ليهن بني كعب مقام فتاتهم
…
ومقعدها للمؤمنين بمرصد
والأبيات باختلاف يسير في (ديوان حسان) ص 376- 377.
_________
[ () ] قال أبو أحمد بن بشر بن محمد: حدثنا عبد بن وهب قال: بلغني أن أم معبد هاجرت وأسلمت ولحقت برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ورواه أبو أمية محمد بن إبراهيم بن بشر بن محمد مثله:
شرح غريب هذا الحديث:
البرزة من النساء: الجلدة، تظهر للناس ويجلس إليها القوم.
مرملين مسنتين: المرمل: الّذي قد نفد زاده، والمسنتين: هم الذين أصابتهم السّنة، وهي المجاعة.
قال أبو عبيد: إذا قال: يال فلان: فذلك في الاستغاثة بالفتح، ويال المسلمين، وإذا أراد التعجب والنداء قال: يال فلان بالكسرة.
كسر الخيمة: هو مؤخرها، وفيه لغتان: كسر وكسر، وقال بعضهم: الكسر هو في مقدمة الخيمة.
فتفاجّت عليه: فرّجت رجليها كما تفعل التي تحلب.
بريض الرهط: أي ينهنههم مما يجتريهم لكثرته إذا شربوه.
فحلب فيها ثجّا: يعني سيلا، وكذلك كل سيل، ومنه
قوله صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن الحج فقال: العجّ والثّجّ، فالعجّ: رفع الصوت بالتلبية، والثجّ سيل دماء الهدي.
أراضوا: أصل هذا في صبّ اللبن على اللبن، والمعنى: شرب لبن صبّ على لبن.
غادره عندها: تركه.
يسوق أعنزا تساوكن هزلا: التّساوك المشي الضعيف.
والشاة عازب: يعني قد عزبن عن البيت فخرجن إلى المرعى:
الحيّل: التي ليست بحوامل، جمع حائل.
ظاهر الوضاءة: يعني الجمال، والوضيء: الجميل.
والمتبلّج الوجه: الّذي فيه إضاءة ونور.
لم تعبه ثجلة: معناه عظم البطن، تقول: فليس هو كذلك.
لم تزر به صعلة: تريد صغر الرأس، يقال: رجل صعل.
وسيم قسيم: كلاهما هو الجمال.
في عينيه دعج: هو سواد الحدقة، يقال: رجل أدعج وامرأة دعجاء.
في أشفاره عطف: وكذلك كل مستطيل مسترسل.
في صوته صهل: وهو شبيه بالبحح، وليس بالشديد منه، ولكنه حسن، وبذلك توصف الظباء.
في عنقه سطع: هو الطول، يقال منه: رجل أسطع وامرأة سطعاء، وهذا مما يمدح به الناس.
والأزجّ: هو المقوس الحاجبين، وأما الأقرن: فهو الّذي التقى حاجباه بين عينيه.
منطقه لا نزر ولا هذر: فالنزر: القليل، والهذر: الكثير، تقول قصد بين ذلك.
لا تقتحمه عين من قصر: تقول: لا تزدريه فتنبذه، ولكن تقبله وتهابه.
محفود محشود: فالمحفود: المخدوم، قال تعالى: بَنِينَ وَحَفَدَةً، ومحشود: هو الّذي قد حشده أصحابه، وحفّوا حوله، وأطافوا به صلى الله عليه وسلم.
وهذا الحديث أخرجه الحاكم في (المستدرك) 3/ 9، من طرق كلها عن حزام بن هشام بسنده وقال:
هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ثم ذكر ما يستدل به على صحته وصدق رواته.