الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التاسعة والأربعون:
قال الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه علم بعض الناس الدعاء فقال: قل: اللَّهمّ إني أقسم عليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة
فإن صح فينبغي أن يكون مخصوصا، فإنه سيد ولد آدم، وأن لا يقسم على اللَّه بغيره من الملائكة والأنبياء والأولياء فإنّهم ليسوا في درجته قال المؤلف: هذا الحديث
خرجه الترمذي [ (1) ] من حديث عثمان بن حنيف، ولفظه اللَّهمّ إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة،
الحديث وقال: حديث حسن صحيح غريب وقد تقدم ذكره في المعجزات فتأمله وليس في طرقه كلها أقسم عليك فيها أسألك واللَّه أعلم.
[ (1) ](سنن الترمذي) : 5/ 531، كتاب الدعوات، باب (119) ، حديث رقم (3578)، وتمامه:
إني توجهت بك إلى ربى في حاجتي هذه لتقضى لي، اللَّهمّ فشفعه في.
قال: هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، من حديث أبى جعفر وهو الخطميّ، وعثمان بن حنيف هو أخو سهل بن حنيف، وهو جزء من حديث طويل.
وأخرجه ابن ماجة في (السنن) : 1/ 441/ كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب (189) ما جاء في صلاة الحاجة، حديث رقم (1385)، وفيه قوله:(إن شئت أخرت لك) أي أخرت جزاءه إلى الآخرة. ولفظ أخرت يحتمل الخطاب والتكلم. (فشفعه) أي اقبل شفاعته في حقي.
_________
[ () ] قال الإمام الحافظ أبو العلاء محمد عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفوري في (تحفة الأحوذي) : 10/ 25 وما بعدها، وقال الإمام ابن تيمية في رسالته (التوسل والوسيلة) بعد ذكر حديث عثمان بن حنيف هذا ما لفظه: وهذا الحديث حديث الأعمى قد رواه المصنفون في دلائل النبوة كالبيهقى وغيره ثم أطال الكلام في بيان طرقه وألفاظها (من حديث أبى جعفر وهو غير الخطميّ) قال الإمام ابن تيمية: هكذا وقع في الترمذي وسائر العلماء قالوا هو أبو جعفر وهو الصواب انتهى. قلت أبو جعفر عن عمارة بن خزيمة رجلان أحدهما أبو جعفر الخطميّ بفتح المعجمة وسكون المهملة اسمه عمير بن يزيد بن عمير بن حبيب الأنصاري المدني نزيل البصرة صدوق من السادسة والثاني غير الخطميّ. قال في (التقريب) أبو جعفر عن عمارة ابن خزيمة قال الترمذي ليس هو الخطميّ فلعله الّذي بعده. قلت: والّذي بعده هو أبو جعفر الرازيّ التميمي مولاهم واسمه عيسى بن أبى عيسى عبد اللَّه بن ماهان وأصله من مرو وكان يتجر إلى الري صدوق سيئ الحفظ خصوصا عن مغيرة من كبار السابعة.
تنبيه: قال الشيخ عبد الغنى في (إنجاح الحاجة) : ذكر شيخنا عابد السندي في رسالته والحديث يدل على جواز التوسل والاستشفاع بذاته المكرم في حياته. وأما بعد مماته فقد روى الطبراني في الكبير عن عثمان بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة له فذكر الحديث قال وقد كتب شيخنا المذكور رسالة مستقلة فيها التفصيل من أراد فليرجع إليها انتهى.
وقال الشوكانى في تحفة الذاكرين: وفي الحديث دليل على جواز التوسل برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى اللَّه عز وجل مع اعتقاد أن الفاعل هو اللَّه سبحانه تعالى وأنه المعطى المانع ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن انتهى.
وقال فيها في شرح قول صاحب العمدة: ويتوسل إلى اللَّه بأنبيائه والصالحين ما لفظه ومن التوسل بالأنبياء ما أخرجه الترمذي من حديث عثمان بن حنيف رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث ثم قال: وأما التوسل بالصالحين فمنه ما ثبت في الصحيح أن الصحابة استسقوا بالعباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه عم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقال وقال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه اللَّهمّ إنا نتوسل إليك بعم نبينا إلخ انتهى.
_________
[ () ] وقال في رسالته (الدر النضيد في إخلاص كلمة التوحيد) وأما التوسل إلى اللَّه سبحانه بأحد من خلقه في مطلب يطلبه العبد من ربه فقد قال الشيخ عز الدين عبد السلام: أنه لا يجوز التوسل إلى اللَّه تعالى إلا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم إن صح الحديث فيه. ولعله يشير إلى الحديث الّذي أخرجه النسائي في سننه والترمذي وصححه ابن ماجة وغيرهم أن أعمى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث.
قال وللناس في معنى هذا قولان أحدهما أن التوسل هو الّذي ذكره عمر بن الخطاب لما قال كنا إذا أجدبنا نتوسل بنبينا إليك فتسقينا بنبينا إليك فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا وهو في صحيح البخاري وغيره فقد ذكر عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أنهم كانوا يتوسلون بالنبيّ صلى الله عليه وسلم في حياته في الاستسقاء ثم توسل بعمه العباس بعد موته وتوسلهم هو استسقاؤهم بحيث يدعو ويدعون معه فيكون هو وسيلتهم إلى اللَّه تعالى والنبي صلى الله عليه وسلم كان في مثل هذا شافعا وداعيا لهم، والقول الثاني أن التوسل به صلى الله عليه وسلم يكون في حياته وبعد موته وفي حضرته ومغيبه ولا يخافك أنه قد ثبت التوسل به صلى الله عليه وسلم في حياته وثبت التوسل بغيره بعد موته بإجماع الصحابة إجماعا سكوتيا لعدم إنكار أحد منهم على عمر رضى اللَّه عنه في توسله بالعباس رضى اللَّه عنه، وعندي أنه لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم كما زعمه الشيخ عز الدين بن عبد السلام لأمرين الأول ما عرفناك به من إجماع الصحابة رضى اللَّه عنهم والثاني أن التوسل إلى اللَّه بأهل الفضل والعلم هو في التحقيق توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة إذ لا يكون الفاضل فاضلا إلا بأعماله، فإذا قال القائل اللَّهمّ إني أتوسل إليك بالعالم الفلاني فهو باعتبار ما قام به من العلم، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم حكى عن الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة أن كل واحد منهم توسل إلى اللَّه بأعظم عمل عمله فارتفعت الصخرة، فلو كان التوسل بالأعمال غير جائز أو كان شركا كما يزعمه المشددون في هذا الباب كابن عبد السلام ومن قال بقوله من أتباعه لم تحصل الإجابة لهم ولا سكت النبي صلى الله عليه وسلم عن إنكار ما فعلوه بعد حكايته عنهم. وبهذا تعلم أن ما يورده المانعون من التوسل بالأنبياء والصلحاء من قوله تعالى: ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى ونحوه قوله تعالى فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً ونحو قوله تعالى: لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ ليس بوارد بل هو من الاستدلال على محل النزاع بما هو أجنبى عنه، فإن قولهم ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى اللَّه زلفى مصرح بأنهم عبدوهم لذلك والمتوسل بالعالم مثلا لم يعبده بل علم أن له مزية عند اللَّه بحمله العلم فتوسل به لذلك، وكذلك قوله ولا تدعو مع اللَّه أحدا فإنه نهى عن أن التوسل عليه بعمل صالح عمله
_________
[ () ] بعض عباده كما توسل الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة بصالح أعمالهم وكذلك قوله:
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الآية فإن هؤلاء دعوا من لا يستجيب لهم ولم يدعوا ربهم الّذي يستجيب لهم والمتوسل بالعالم مثلا لم يدع إلا اللَّه ولم يدع غيره دونه ولا دعا غيره معه. وإذا عرفت هذا لم يخف عليك دفع ما يورده المانعون للتوسل من الأدلة الخارجة عن محل النزاع خروجا زائدا على ما ذكرناه كاستدلالهم بقوله تعالى: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ* يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ
فإن هذا الآية الشريفة ليس فيها إلا أنه تعالى المنفرد بالأمر في يوم الدين وأنه ليس لغيره من الأمر شيء، والمتوسل بنبي من الأنبياء أو عالم من العلماء هو لا يعتقد أن لمن توسل به مشاركة للَّه جل جلاله في أمر يوم ومن اعتقد هذا العبد من العباد سواء كان نبيا أو غير نبي فهو ضلال مبين، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا فأن هاتين الآيتين مصرحتان بأنه ليس لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من أمر اللَّه شيء وأنه لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا فكيف يملك لغيره. وليس فيهما منع التوسل به أو بغيره من الأنبياء وأولياء والعلماء، وقد جعل اللَّه لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المقام المحمود لمقام الشفاعة العظمى وأرشد الخلق إلى أن يسألوه ذلك ويطلبوه منه وقال له سل تعطه وأشفع تشفع وقيل ذلك في كتابة العزيز بأن الشفاعة لا تكون إلا بأذنه ولا تكون إلا لمن ارتضى، وهكذا الاستدلال على منع التوسل بقوله صلى الله عليه وسلم لما نزل قوله تعالى: وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ يا فلان ابن فلان لا أملك لك من اللَّه شيئا، يا فلانة بنت فلان لا أملك من اللَّه شيئا، فإن هذا ليس فيها إلا التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم لا يستطيع نفع من أراد اللَّه ضره ولا ضر من اللَّه تعالى نفعه وأنه لا يملك لأحد من قرابته فضلا عن غيرهم شيئا من اللَّه، وهذا معلوم لكل مسلم وليس فيه أنه لا يتوسل به إلى اللَّه فإن ذلك هو طلب الأمر ممن له الأمر والنهى وإنما أراد الطالب أن يقدم بين يدي طلبه ما يكون سببا للإجابه ممن هو المنفرد بالعطاء والمنع وهو مالك يوم الدين انتهى كلام الشوكانى.
قلت: الحق عندي أن التوسل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم في حياته بمعنى التوسل بدعائه وشفاعته جائز وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح في حياتهم بمعنى التوسل بدعائهم وشفاعتهم أيضا جائز، وأما التوسل به صلى الله عليه وسلم بعد مماته وكذا التوسل بغيره من أهل الخير والصلاح بعد مماتهم فلا يجوز، واختاره الإمام ابن تميمة في رسالته التوسل والوسيلة وقد أشبع الكلام في تحقيقه وأجاد
_________
[ () ] فيه فعليك أن تراجعها، ومن جملة كلامه فيها وإذا كان كذلك فمعلوم أنه ثبت عن عثمان بن حنيف أو غيره أنه جعل من المشروع المستحب أن يتوسل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم بعد موته من غير أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم داعيا له ولا شافعا فيه فقد علمنا أن عمر وأكابر الصحابة لم يروا هذا مشروعا بعد مماته كما كان يشرع في حياته بل كانوا في الاستقساء في حياته يتوسلون به فلما مات لم يتسلوا به بل قال عمر في دعائه الصحيح المشهور الثابت باتفاق أهل العلم بمحضر المهاجرين والأنصار في عام الرمادة المشهور لما اشتد بهم الجدب حتى حلف عمر لا يأكل سمنا حتى يخصب الناس، ثم لما استسقى بالناس قال: اللَّهمّ إنا كنا إذا أجدبنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاستقنا فيسقون، وهذا دعاء أقره عليه جميع الصحابة لم ينكره أحد مع شهرته وهو من أظهر الإجماعات الإقرارية ودعا بمثله معاوية بن أبى سفيان في خلافته لما استسقى بالناس، فلو كان توسلهم بالنبيّ صلى الله عليه وسلم بعد مماته كتوسلهم في حياته لقالوا كيف نتوسل بمثل العباس ويزيد بن الأسود ونحوهما ونعدل عن التوسل بالنبيّ صلى الله عليه وسلم الّذي هو أفضل الخلائق وهو أفضل الوسائل وأعظمها عند اللَّه فلما لم يقل ذلك أحد منهم وقد علم أنهم في حياته إنما توسلوا بدعائه وشفاعته وبعد مماته توسلوا بدعاء غيره وشفاعة غيره علم أن المشروع عندهم التوسل بدعاء المتوسل به لا بذاته، وحديث الأعمى حجة لعمر وعامة الصحابة رضوان اللَّه عليهم أجمعين فأنه إنما أمر الأعمى أن يتوسل إلى اللَّه بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه لا بذاته، وقال له في الدعاء قل اللَّهمّ فشفعه في، وإذا قدر أن بعض الصحابة أمر غيره أن يتوسل بذاته لا بشفاعته ولم يأمر بالدعاء المشروع بل ببعضه وترك سائره المتضمن للتوسل بشفاعته كان ما فعله عمر بن الخطاب هو الموافق لسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. وكان المخالف لعمر محجوجا بسنة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وكان الحديث الّذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم حجة عليه لا له. وقال فيها فأما التوسل بذاته في حضوره أو مغيبه أو بعد موته مثل الأقسام بذاته أو بغيره من الأنبياء أو السؤال بنفس ذواتهم لا بدعائهم فليس هذا مشروعا عند الصحابة والتابعين لهم بإحسان لما أجدبوا استسقوا وتوسلوا أو استشفعوا بمن كان حيا كالعباس ويزيد بن الأسود ولم يتوسلوا ولم يستشفعوا ولم يستسقوا في هذه الحال بالنبيّ صلى الله عليه وسلم لا عند قبره ولا غير قبره بل عدلوا إلى البدل كالعباس وكيزيد بل كانوا يصلون عليه في دعائهم، وقد قال عم اللَّهمّ إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا فتوسل إليك بعم نبينا فاستقنا، فجعلوا هذا بدلا عن ذلك لما تعذر أن يتوسلوا به على الوجه المشروع الّذي كانوا يفعلونه، وقد كان من الممكن أن يأتوا إلى قبر هو يتوسلوا هناك ويقولوا في