الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في ذكر من قطع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] من حديث ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: إن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا: من يكلم فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: ومن
[ () ] قال الزهري في حديثه: فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا كان النبي صلى الله عليه وسلم منهم.
[ (1) ](فتح الباري) : 12/ 103- 104، كتاب الحدود، باب (12) كراهة الشفاعة في الحد إذا رفع إلى السلطان حديث رقم (6788) ، وفي هذا الحديث من الفوائد منع الشفاعة في الحدود.
وفيه قبول توبة السارق. ومنقبة لأسامة. وفيه ما يدل على أن فاطمة عليها السلام عند أبيها في أعظم المنازل. وفيه ترك المحاباة في إقامة الحد على من وجب عليه ولو كان ولدا أو قريبا أو كبير القدر والتشديد في ذلك والإنكار على من رخص فيه أو تعرض للشفاعة فيمن وجب عليه وفيه جواز ضرب المثل بالكبير القدر بالمبالغة في الزجر عن الفعل ومراتب ذلك مختلفة، ويؤخذ منه جواز الإخبار عن امر مقدر يفيد القطع بأمر محقق. وفيه أن من حلف على أمر لا يتحقق أنه يفعله أو لا يفعله لا يحنث كمن قال لمن خاصم أخاه: واللَّه لو كنت حاضرا لهشمت أنفك. وفيه جواز التوجع لمن أقيم عليه الحد بعد إقامته عليه وقد حكى ابن الكلبي في قصة أم عمرو بن سفيان أن امرأة أسيد بن حضير آوتها بعد أن قطعت وصنعت لها طعاما وأن أسيدا ذكر ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم كالمنكر على امرأته،
فقال صلى الله عليه وسلم: رحمتها رحمها اللَّه.
وفيه الاعتبار بأحوال ما مضى من الأمم، ولا سيما من خالف أمر الشرع، وتمسك به بعض من قال: أن شرع من قبلنا شرع لنا لأن فيه إشارة تحذير من فعل من الشيء الّذي جر الهلاك إلى الذين من قبلنا لئلا يهلك كما هلكوا، وفيه نظر، وإنما يتم إن لو لم يرد قطع السارق في شرعنا، وأما اللفظ العام فلا دلالة فيه على المدعى أصلا.
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 11/ 198- 199، كتاب الحدود، باب (2) قطع السارق الشريف وغيره، والنهى عن الشفاعة في الحدود، حديث رقم (1688) .
[ (3) ](سنن أبى داود) : 4/ 537- 538، كتاب الحدود، باب (4) في الحد يشفع فيه، حديث رقم (4373) .
يجترئ عليه إلا أسامة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه؟ حب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فكلمه أسامة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فقال: رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتشفع في حد من حدود اللَّه تعالى؟ ثم قام فاختطب فقال: أيها الناس: إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم اللَّه لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها.
وفي رواية لمسلم إنما هلك الذين من قبلكم.
ولم يقل البخاري وأبو داود والنسائي: أيها الناس.
وخرجه البخاري في كتاب الحدود بهذا الإسناد ونحوه وقال فيه: ثم قام فخطب فقال: أيها الناس إنما ضل من كان قبلكم. وقال في آخره: لقطع محمد يدها.
وخرج مسلم [ (1) ] من حديث ابن وهب قال: أخبرنى يونس بن يزيد عن ابن شهاب قال: أخبرنى عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عنها: أن قريشا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح، فقالوا: ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأتى بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكلمه فيها أسامة بن زيد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فتلوّن وجه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: أتشفع في حد من حدود اللَّه تعالى؟ فقال له أسامة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: استغفر لي يا رسول اللَّه، فلما كان العشي قام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فاختطب فأثنى على اللَّه بما هو أهله، ثم قال: أما بعد، فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وإني والّذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها، ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها.
قال يونس: قال ابن شهاب: قال عروة: قالت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: فحسنت توبتها بعد وتزوجت وكانت تأتى بعد ذلك فأرفع حاجتها
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 11/ 199- 200، كتاب الحدود باب (2) قطع السارق الشريف وغيره والنهى عن الشفاعة في الحدود، حديث رقم (9) .
إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ذكره في غزوة الفتح من حديث يونس عن الزهري بنحو حديث مسلم أو قريبا منه.
وخرج مسلم [ (1) ] من حديث عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: كانت امرأة
[ (1) ] ن (مسلم بشرح النووي) : 11/ 200، كتاب الحدود، باب (2) قطع السارق الشريف وغيره والنهى عن الشفاعة في الحدود، حديث رقم (10) ، ذكر مسلم رضى اللَّه عنه في الباب أحاديث النهى عن الشفاعة في الحدود، وأن ذلك هو سبب هلاك بنى إسرائيل وقد أجمع العلماء على تحريم الشفاعة في الحد بعد بلوغه إلى الإمام لهذه الأحاديث، وعلى أنه يحرم التشفيع فيه، فأما قبل بلوغه إلى الإمام فقد أجاز الشفاعة فيه أكثر العلماء، إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب شر وأذى للناس، فإن كان، لم يشفع فيه، وأما المعاصي التي لا حد فيها وواجبها التعزير فتجوز الشفاعة والتشفيع فيها، سواء بلغت الإمام أم لا، لأنها أهون، ثم الشفاعة فيها مستحبة إذا لم يكن المشفوع فيه صاحب أذى ونحوه.
قوله «ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم» هو بكسر الحاء أي محبوبه، ومعنى يجترئ: يتجاسر عليه بطريق الإدلال، وفي هذا منقبة ظاهرة لأسامة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
قوله صلى الله عليه وسلم: «وأيم اللَّه لو أن فاطمة»
فيه دليل لجواز الحلف من غير استحلاف وهو مستحب إذا كان فيه تفخيم لأمر مطلوب كما في الحديث وقد كثرت نظائره.
قوله: «كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة فكلموه» قال العلماء: المراد أنها قطعت بسرقة، وإنما ذكرت العارية تعريفا لها ووصفا لها، لا أنها سبب القطع. وقد ذكر مسلم هذا الحديث في سائر الطرق المصرحة بأنها سرقت وقطعت بسبب السرقة، فيتعين حمل هذه الرواية على ذلك جمعا بين الروايات، فإنّها قضية واحدة، مع أن جماعة من الأئمة قالوا: هذه الرواية شاذة، فإنّها مخالفة لجماهير الرواة والشاذة لا يعمل بها، قال العلماء: وإنما لم يذكر السرقة في هذه الرواية لأن المقصود منها عند الراويّ ذكر منع الشفاعة في الحدود، لا الإخبار عن السرقة.
قال جماهير العلماء وفقهاء الأمصار: لا قطع على من جحد العارية، وتأولوا هذا الحديث بنحو ما ذكرته، وقال أحمد وإسحاق: يجب القطع في ذلك. (شرح النووي) .
مخزومية تستعير المتاع وتجحده، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، أن تقطع يدها، فأتى أهلها أسامة بن زيد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فكلموه فكلم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيها. ثم ذكر نحو حديث الليث ويونس.
قال المؤلف، هذه المرأة التي سرقت وقطعت يدها التي كانت تستعير المتاع وتجحده، وهي فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد اللَّه بن عمرو ابن مخزوم، وهي بنت أخى أبى سلمة بن عبد الأسد الصحابي الجليل كان زوج أم سلمة قبل النبي صلى الله عليه وسلم، قتل أبوها كافرا يوم بدر، قتله حمزة بن عبد المطلب، ووهم من زعم أن له صحبة.
وقيل: هي أم عمرو بنت سفيان بن عبد الأسد، وهي بنت عمر المذكورة، أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرنى بشر بن تيم أنها أم عمرو بن سفيان بن عبد الأسد.
وخرج أبو داود [ (1) ] من حديث عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن نافع رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: إن امرأة مخزومية كانت تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بها فقطعت يدها، [وقص نحو حديث الليث، قال:
فقطع النبي صلى الله عليه وسلم يدها] .
ومن حديث يونس عن ابن شهاب قال: كان عروة يحدث أن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: استعارت امرأة- تعنى حليا- على ألسنة أناس يعرفون ولا تعرف هي، حليا فباعته، فأخذت ثمنه، فأتي بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأمر بقطع يدها، وهي التي شفع فيها أسامة بن زيد، وقال فيها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما قال [ (2) ] .
[ (1) ](سنن أبى داود) : 4/ 538- 539، كتاب الحدود باب (4) في الحد يشفع فيه حديث رقم (4374) ، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق منه.
[ (2) ](المرجع السابق) : حديث رقم (4396) .
وخرج النسائي [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن المبارك عن حماد بن سلمة عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة عن أبى المنذر مولى أبى ذر، عن أبى أمية المخزوميّ قال: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتى بلص اعترف اعترافا ولم يوجد معه متاع، فقال له رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: ما إخالك سرقت؟ قال: بلى، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: اذهبوا به فاقطعوه ثم جيئوا به، فقطعوه ثم جاءوا به فقال له: قل أستغفر اللَّه وأتوب إليه، فقال: استغفر اللَّه وأتوب إليه، قال: اللَّهمّ تب عليه.
ترجم عليه باب تلقين السارق.
وخرجه أبو داود [ (2) ] من حديث مصعب بن ثابت بن عبد اللَّه بن الزبير عن محمد بن المنكدر، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: جيء بسارق إلى رسول
[ (1) ](سنن النسائي) : 8/ 438، كتاب قطع السارق، باب (3) تلقين السارق، حديث رقم (4892)، قال الحافظ السندي: قوله: «ما إخالك» بكسر الهمزة هو الشائع المشهور بين الجمهور، والفتح لغة بعض، وإن كان القياس لكونه صيغة المتكلم من خاله كخاف بمعنى ظن.
قيل: أراد صلى الله عليه وسلم تلقين الرجوع من الاعتراف، وللإمام ذلك في السارق إذا اعترف، ومن لا يقول به لعله ظن بالمعترف غفلة عن معنى السرقة وأحكامها، أو لأنه استبعد اعترافه بذلك، لأنه ما وجد معه متاع. (حاشية السندي على سنن النسائي) .
[ (2) ]
(سنن أبى داود) : 4/ 565- 567، كتاب الحدود باب (20) في السارق يسرق مرارا حديث رقم (4410)، قال الخطابي: هذا في بعض إسناده مقال: وقد عارض الحديث الصحيح الّذي بإسناده، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ولا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنى بعد إحصان، أو قتل نفس بغير نفس،
والسارق ليس بواحد من الثلاثة فالوقوف عن دمه واجب.
ولا يعلم أحدا من الفقهاء يبيح دم السارق- وإن تكررت منه السرقة مرة بعد أخرى- إلا أنه قد يخرج على مذاهب بعض الفقهاء أن يباح دمه، وهو أن يكون هذا من المفسدين في الأرض، في أن للإمام أن يجتهد في تعزير المفسدين، ويبلغ به ما رأى من العقوبة، وإن زاد على مقدار الحد وجوازه وإن رأى القتل قتل ويعزى هذا الرأى إلى الإمام مالك بن أنس.
وهذا الحديث- إن كان له أصل- فهو يؤيد هذا الرأى.
اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول اللَّه! إنما سرق، فقال: اقطعوه، قال: فقطع، ثم جيء به الثانية فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول اللَّه! إنما سرق فقال: اقطعوه قال: فقطع، ثم جاء به الثالثة فقال: اقتلوه، فقالوا يا رسول اللَّه إنما سرق فقال: اقطعوه ثم أتى به الرابعة فقال: اقتلوه، فقالوا: يا رسول اللَّه إنما سرق، فقال: اقطعوه، فأتى به الخامسة فقال: اقتلوه، قال جابر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: فانطلقنا به فقتلناه، ثم اجتررناه فألقيناه في بئر ورمينا عليه الحجارة.
وخرج أبو داود [ (1) ] من حديث عبد الرزاق قال: أنبأنا ابن جريح قال:
أخبرنى إسماعيل بن أمية أن نافعا مولى عبد اللَّه بن عمر حدثة أن عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما حدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد رجل سرق ترسا من صفّة النساء ثمنه ثلاثة دراهم.
وخرج من حديث محمد بن إسحاق، عن أيوب بن موسى، عن عطاء، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: قطع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يد رجل في مجن قيمته دينار أو عشرة دراهم [ (2) ] .
[ () ] وقد يدل على ذلك من نفس الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم قد أمر بقتله لما جيء به أول مرة، ثم كذا في الثانية والثالثة والرابعة، إلى أن قتل في الخامسة.
فقد يحتمل أن يكون هذا رجل مشهورا بالفساد، ومخبورا بالشر، معلوما من أمره أنه سيعود إلى سوء فعله، ولا ينتهى عنه حتى ينتهى خبره.
[ (1) ](سنن أبى داود) : 4/ 548، كتاب الحدود، باب (11) ما يقطع فيه السارق، حديث رقم (4368) .
[ (2) ](المرجع السابق) حديث رقم (4387)، قال الخطابي: وإلى هذا ذهب أبو حنيفة وأصحابه وجعلوه حدا فيما يقطع فيه اليد، وهو قول سفيان الثوري، وقد روى ذلك عن ابن مسعود رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
قال: وهكذا تنفيذ، وليس في موضع التحديد، لأنه إذا كان السارق مقطوعا في ربع دينار فلأن يكون مقطوعا في دينار أولى، وكذلك إذا قطع في ثلاثة دراهم يبلغ قيمتها ربع دينار، فهو بأن يقطع في عشرة دراهم أولى.