الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فأما بدؤ الأذان
فخرج البخاري [ (1) ] ، ومسلم [ (2) ] ، والنسائي [ (3) ] ، والترمذي [ (4) ] ، وقاسم بن أصبغ من حديث ابن جريج، قال: أخبرنى نافع مولى ابن عمر عن عبد اللَّه
[ () ] وأخرج له الطبراني من هذا الوجه حديثا آخر. وذكر ابن الأثير أنه شهد فتح مصر، ولم أر ذلك في أصوله، وإنما قال ابن عبد البر: يعدّ فيمن نزل مصر. (الإصابة) : 2/ 12- 13 ترجمة رقم (1557) .
[ (2) ] هو زياد بن الحارث الصدائى: بضم المهملة، وقيل زياد بن حارثة. قال البخاري: أصح.
له حديث طويل في قصة إسلامه، وفيه من أذن فهو يقيم.
أخرجه أحمد بطولة. وأخرجه أصحاب السنن، وفي إسناده الإفريقي.
قال ابن السكن: في إسناده نظر.
قلت: وله طريق أخرى، من طريق المبارك بن فضالة، عن عبد الغفار بن ميسرة، عن الصدائى، ولم يسمه.
وروى البارودي، من طريق عبد اللَّه بن سليمان، عن عمرو بن الحارث، عن بكر بن سوادة، عن زياد بن نعيم، عن زياد الصدائى، فذكر طرفا من الحديث الطويل. وقال ابن يونس: هو رجل معروف نزل مصر. (الإصابة) : 2/ 582 ترجمة رقم (2852) .
[ (1) ](فتح الباري) : 2/ 99 (كتاب الأذان) باب (1) حديث رقم (604) .
(فائدتان) : (الأولى) وردت أحاديث تدل على أن الأذان شرع بمكة قبل الهجرة، منها للطبراني من طريق سالم بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه قال: لما أسرى بالنبيّ صلى الله عليه وسلم أوحى اللَّه إليه الأذان فنزل به فعلمه به فعلمه بلالا وفي إسناده طلحة بن زيد وهو متروك وقطنى في (الأطراق) من حديث أنس أن جبريل أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالأذان حين فرضت الصلاة، وإسناده ضعيف أيضا.
ولابن مردويه من حديث عائشة مرفوعا: لما أسرى بى أذن جبريل فظنت الملائكة أنه يصلى بهم فقد منى فصليت،
وفيه من لا يعرف.
وللبزار وغيره من حديث على قال: لما أراد اللَّه أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق فركبها فذكر الحديث وفيه: إذ خرج ملك من وراء الحجاب فقال: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، وفي آخره: ثم أخذ الملك بيده فأم بأهل السماء
وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود وهو متروك أيضا ويمكن على
_________
[ () ] تقدير الصحة أن يحمل على تعدد الإسراء فيكون ذلك وقع بالمدينة. وأما قول القرطبي: لا يلزم من كونه سمعه ليلة الإسراء أن يكون مشروعا في حقه، ففيه نظر لقوله في أوله: لما أراد اللَّه أن يعلم رسوله الأذان، وكذا قول المحب الطبري يحمل الأذان ليلة الإسراء على معنى اللغوي وهو الإعلام ففيه نظر أيضا. والحق أنه لا يصلح شيء من هذه الأحاديث.
وقد جزم ابن المنذر بأنه صلى الله عليه وسلم كان يصلى بغير أذان منذ فرضت الصلاة بمكة إلى أن هاجر إلى المدينة وإلى أن وقع التشاور في ذلك على ما في حديث عبد اللَّه بن عمر ثم حديث عبد اللَّه ابن زيد انتهى. وقد حاول السهيليّ الجمع بينهما فتكلف وتعسف، والأخذ بما صح أولى، فقال بانيا على صحة الحكمة في مجيء الأذان على لسان الصحابي أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعه فوق سبع سماوات وهو أقوى من الوحي، فلما تأخر الأمر بالأذان عن فرض الصلاة وأراد إعلامهم بالوقت
فرأى الصحابي المنام فقصها فوافقت ما كان النبي صلى الله عليه وسلم سمعه فقال: «إنها لرؤيا حق»
وعلم حينئذ أن مراد اللَّه بما أراه في السماء أن يكون سنة في الأرض، وتقوى ذلك بموافقة عمر لأن السكينة تنطلق على لسانه، والحكمة أيضا في إعلام الناس به على غير لسانه صلى الله عليه وسلم التنوية بقدره والرفع لذكره بلسان غيره ليكون أقوى لأمره وأفخم لشأنه. انتهى ملخصا.
والثاني حسن بديع، يؤخذ منه عدم الاكتفاء برؤيا عبد اللَّه بن زيد حتى أضيف عمر للتقوية التي ذكرها، لكن قد يقال: فلم لا اقتصر على عمر؟ فيمكن أن يجاب ليصير في معنى الشهادة، وقد جاءني رواية ضعيفة سبقت ما ظاهره أن بلالا أيضا رأى لكنها مؤولة فإن لفظة «سبقك بها بلال» فيحمل المراد بالسبق على مباشرة التأذين برؤيا عبد اللَّه زيد.
ومما كثر السؤال عنه باشر النبي صلى الله عليه وسلم الأذان بنفسه، وقد وقع عند الهيلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في سفر وصلى بأصحابه وهم على رواحلهم السماء من فوقهم والبلة من أسفلهم أخرجه الترمذي من طريق تدور على عمر بن الرماح برفعه إلى أبى هريرة وليس هو من حديث أبى هريرة وإنما هو من حديث يعلى بن مرة، وكذا جزم النووي بأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن مرة في السفر وعزاه للترمذي وقواه، ولكن وجدناه في مسند أحمد من الوجه الّذي أخرجه الترمذي ولفظه «فأمر بلالا فأذن» فعرف أن في رواية الترمذي اختصارا وأن معنى قوله:«أذن» أمر بلالا به كما يقال أعطى الخليفة العالم الفلاني ألفا، وإنما باشر العطاء غيره ونسب للخليفة لكونه آمرا به.
ومن أغرب ما وقع في بدء الأذان ما رواه أبو الشيخ بسند فيه مجهول عن عبد اللَّه بن الزبير قال: أخذ الأذان من أذان إبراهيم وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ الآية قال: فأذن رسول
_________
[ () ] اللَّه صلى الله عليه وسلم وما رواه أبو نعيم في الحلية بسند فيه مجاهيل أن جبريل [أمر] بالأذان لآدم: أهبط من الجنة.
(الفائدة الثانية) قال الزبير بن المنبر: أعرض البخاري عن التصريح يحكم الأذان لعدم إفصاح الآثار الواردة فيه عن حكم معين، فأثبت مشروعيته، وسلم من الاعتراض. وقد اختلف في ذلك ومنشأ الخلاف أن مبدأ الأذان لما كان عن مشورة أوقعها النبي صلى الله عليه وسلم بين أصحابه حتى استقر برؤيا كان ذلك بالمندوبات أشبه، ثم لما واظب على تقريره ولم ينقل أنه تركه ولا أمر بتركه ولا رخص في تركه كان ذلك بالواجبات أشبه انتهى. وسيأتي بقية الكلام على ذلك قريبا إن شاء اللَّه تعالى.
قوله: (حدثنا عبد الوارث) هو ابن سعيد، وخالد هو الحذاء كما ثبت في رواية كريمة، والإسناد كله يصربون.
قوله: (ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى) كذا ساقه عبد الوارث مختصرا، ورواية عبد الوهاب الآتية في الباب الّذي بعده أوضح قليلا حيث قال:«لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه، فذكروا أن يوروا نارا أو يضربوا ناقوسا» وأوضح من ذلك رواية روح بن عطاء عن خالد عند أبى الشيخ ولفظه «فقالوا لو أتتخذنا ناقوسا. فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذلك للنصارى. فقالوا: لو اتخذنا بوقا، فقال: ذلك لليهود.
فقال: لو رفعنا نارا، فقال: ذاك للمجوس «فعلى هذا ففي رواية عبد الوارث اختصار كأنه كان فيه: ذكروا النار والناقوس والبوق فذكروا اليهود والنصارى والمجوس، واللف والنشر فيه معكوس، فالنار للمجوس والناقوس للنصارى والبوق لليهود. وسيأتي في حديث ابن عمر التنصيصى على أن البوق لليهود. وقال الكرماني: يحتمل أن تكون النار والبوق جميعا لليهود جمعا بين حديثي أنس وابن عمر انتهى، ورواية روح تغني عن هذا الاحتمال.
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 4/ 317- 319، كتاب الصلاة، باب (1) بدء الأذان، حديث رقم (377) قال الإمام النووي: قال أهل اللغة: الأذان الإعلام قال اللَّه تعالى: وَأَذانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وقال تعالى: فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ ويقال الأذان والتأذين والأذان. وقوله (كان المسلمون يجتمعون فيتحينون الصلاة) قال القاضي عياض رحمه اللَّه تعالى: معنى يتحينون يقدرون حينها ليأتوا إليها فيه والحين الوقت من الزمان. قوله (فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا)
ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، أنه قال: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون، فيتحينون الصلوات، وليس ينادى بها أحد، فتكلموا يوما في ذلك، فقال بعضهم: اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى، وقال بعضهم: قرنا مثل قرن اليهود، فقال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أولا تبعثون رجلا ينادى بالصلاة قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: يا بلال، قم فناد بالصلاة.
وقال البخاري: ليس ينادى لها. وقال: بل بوقا مثل قرن اليهود ترجم عليه باب بدء الأذان.
وخرج في باب الأذان مثنى مثنى [ (1) ] ، من حديث خالد الحذاء، عن أبى قلابة، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: لما كثر الناس قال: ذكروا أن يعلموا وقت الصلاة بشيء يعرفونه فذكروا أن ينوروا نارا أو
[ () ] قال أهل اللغة هو الّذي يضرب به النصارى لأوقات صلواتهم وجمعه نواقيس والنقس ضرب الناقوس.
قوله (كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلاة وليس ينادى بها أحد فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا وقال بعضهم قرنا فقال عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أولا تبعثون رجلا ينادى بالصلاة
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قم يا بلال فناد بالصلاة،
في هذا الحديث فوائد منها منقبة عظيمة لعمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وذكر ابن جريح أخبرنى نافع مولى ابن عمر عن عبد اللَّه بن عمر أنه قال كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلوات وليس ينادى أحد فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم اتخذوا ناقوسا مثل النصارى وقال بعضهم قرنا مثل قرن اليهود فقال عمر أولا تبعثون رجلا ينادى بالصلاة قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يا بلال قم فناد بالصلاة.
(شرح النووي) .
[ (3) ](سنن النسائي) : 2/ 329، كتاب الأذان، باب (1) بدء الأذان، حديث رقم (625) .
[ (4) ](سنن الترمذي) : 1/ 362- 363، أبواب الصلاة، باب (25) ما جاء في بدء الأذان، حديث رقم (190) ، وقال هذا حديث حسن صحيح، غريب من حديث ابن عمر.
[ (1) ](فتح الباري) : 2/ 105، كتاب الأذان، باب (2) - الأذان مثنى مثنى، حديث رقم (606) .
يضربوا ناقوسا، فأمر بلال رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن يشفع الأذان، وأن يوتر الإقامة.
وخرجه مسلم من حديث خالد أيضا بمثله، غير أنه قال: فذكروا أن يوروا نارا [ (1) ] .
وفي لفظ: لما كثر الناس ذكروا أن يعلموا بمثل ما تقدم، غير أنه قال:
أن يوروا نارا [ (2) ] .
وفي لفظ البخاري: عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والناقوس والنصارى فأمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ذكره في باب بدء الأذان [ (3) ] وفي باب ما ذكر عن بنى إسرائيل [ (4) ] والإسناد واحد.
وقال ابن إسحاق: فلما اطمأن [ (5) ] رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالمدينة، واجتمع إليه إخوانه من المهاجرين، واجتمع أمراء الأنصار، استحكم أمر الإسلام، فقامت الصلاة، وفرضت الزكاة، والصيام، وقامت الحدود، وفرض الحلال والحرام وبنو الإسلام بين أظهرهم، وكان هذا الحي من الأنصار هم الذين تبوءوا الدار والإيمان، وقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين قدمها، إنما يجتمع الناس إليه للصلاة لحين مواقيتها لغير دعوة، فهم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يجعل بوقا كبوق اليهود الذين يدعون به لصلاتهم، ثم كرهه، ثم أمر بالناقوس فنحت ليضرب للمسلمين الصلاة.
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 4/ 320، كتاب الصلاة، باب (2) الأمر بشفع الأذان وإيتار الإقامة، حديث رقم (3) .
[ (2) ](المرجع السابق) : حديث رقم (4) .
[ (3) ](فتح الباري) : 2/ 98، كتاب الأذان، باب (1) بدء الأذان، قوله عز وجل: وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً، ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ [المائدة 58] .
[ (4) ](فتح الباري) : 6/ 613، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (50) ما ذكر عن بنى إسرائيل، حديث رقم (3450) .
[ (5) ](سيرة ابن هشام) : 3/ 40، خير الأذان، التفكير في اتخاذ علامة لحلول وقت الصلاة.
فبينا هم على ذلك رأى عبد اللَّه بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه أخو بلحارث بن الخزرج النداء، فأتى رسول اللَّه فقال: يا رسول اللَّه، إنه طاف هذه الليلة طائف، مرّ بى رجل عليه ثوبان أخضران، يحمل ناقوسا في يده، فقلت يا عبد اللَّه أتبيع هذا الناقوس؟ قال: وما تصنع به؟
قال: قلت: [ندعو به إلى الصلاة، قال: أفلا أدلك على خير من ذلك؟][ (1) ] قال: قلت: وما هو؟ قال: تقول: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن لا إله إلا اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، أشهد أن محمدا رسول اللَّه، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح.
حي على الفلاح اللَّه أكبر اللَّه أكبر لا إله إلا اللَّه [ (2) ] .
فلما أخبر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، قال: إنها لرؤيا حق، إن شاء اللَّه تعالى فقم مع بلال فألقها عليه «فليؤذن بها» فإنه أندى [ (3) ] صوتا منك، فلما أذن بها بلال، سمعها عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وهو في بيته، فخرج إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو يجر رداءه، وهو يقول: يا بنى اللَّه! والّذي بعث بالحق، لقد رأيت مثل الّذي رأى، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فلله الحمد [ (4) ][على ذلك [ (5) ]] .
[ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المرجع السابق) .
[ (2) ](المرجع السابق) .
[ (3) ] أندى: أحسن وأبدع (المرجع السابق)[هامش]، وقال في هامشه: فبينما هم في ذلك- أرى عبد اللَّه بن زيد الرؤيا التي ذكر ابن إسحاق، فلما أخبر بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وأمره أن يلقيها على بلال، قال: يا رسول اللَّه أنا رأيتها، وأنا كنت أحبها لنفسي، فقال: ليؤذن بلال، ولتقم أنت الصلاة، ففي هذا من الفقه جواز أن يؤذن الرجل يقيم غيره.
[ (4) ](المرجع السابق) .
[ (5) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق في (المرجع السابق) .
قال ابن إسحاق: حدثني بهذا الحديث محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن محمد بن عبد اللَّه بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه عن أبيه [ (1) ] .
قال ابن هشام: وذكر ابن جريح، قال: لي عطاء: سمعت عبيد بن عمير الليثي يقول: ائتمر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالناقوس للاجتماع للصلاة، فبينما عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يريد أن يشترى خشبتين للناقوس إذ رأى عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في المنام لا تجعلوا الناقوس، بل أذنوا للصلاة، فذهب عمر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليخبره بالذي رأى، وقد جاء النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بذلك، فما راع عمر إلا بلال يؤذن، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:
حين أخبره بذلك: قد سبقك بذلك الوحي [ (2) ] .
وقد خرجه أبو داود [ (3) ] ، وابن الجارود، والترمذي [ (4) ]، وقال: حديث عبد اللَّه بن زيد حديث حسن صحيح [ (5) ] .
[ (1) ](المرجع السابق) ، وبعد هذه الفقرة في (الأصل) سطران من النسب بسياق مضطرب لا يخدمان المعنى ولا الموضوع فأثرنا حذفهما.
[ (2) ](المرجع السابق) : 42، ثم قال في هامشه فأما الحكمة في تخصيص الآذان برؤيا رجل من المسلمين ولم يكن عن وحي فلأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قد أريه ليلة الإسراء، وأسمعه مشاهدة فوق سبع سماوات وهذا أقوى من الوحي، فلما تأخر فرض الأذان إلى المدينة، وأرادوا إعلام الناس بوقت الصلاة تلبث الوحي حتى رأى عبد اللَّه الرؤيا، فوافقت ما رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فلذلك قال: إنها لرؤيا حق إن شاء اللَّه، وعلم حينئذ أن مراد الحق بما رآه في السماء، أن يكون سنة في الأرض وقوى ذلك عنده موافقة رؤيا عمر للأنصاريّ، مع أن السكينة تنطق على لسان عمر واقتضت الحكمة الإلهية أن يكون الأذان على لسان غير النبي صلى الله عليه وسلم من المؤمنين، لما فيه من التنويه من اللَّه لعبده، والرفع لذكره، فلأن يكون ذلك على غير لسانه أنوه به وأفخم لشأنه، وهذا معنى بين فإن اللَّه سبحانه يقول وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ فمن رفع ذكره أن أشاد به على لسان غيره، عن (الروض الأنف) .
[ (3) ](سنن أبى داود) : 1/ 337- 338، كتاب الصلاة، باب (28) كيف الأذان، حديث رقم (499)، قال أبو داود: هكذا رواية الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد اللَّه بن زيد، وقال فيه ابن إسحاق عن الزهري: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، لم يثنيا.
_________
[ () ] قال الإمام الخطابي في (معالم السنن) : قلت روى هذا الحديث والقصة بأسانيد مختلفة وهذا الإسناد أصحها.
وفيه أنه ثنى الأذان وأفرد الإقامة، وهو مذهب أكثر علماء الأمصار، وجرى به العمل في الحرمين والحجاز وبلاد الشام واليمن وديار مصر ونواحي المغرب إلى أقصى حجر من بلاد الإسلام.
وهو قول الحسن البصري ومكحول والزهري ومالك والأوزاعي والشافعيّ وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم.
وكذلك حكاه سعد القرظ وقد كان أذن لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حياته بقباء، ثم استخلفه بلال بن رباح زمان عمر رضى اللَّه عنه، فكان يفرد الاقامة ولم يزل ولد أبى محذورة وهم الذين يلون الأذان بمكة يفردون الاقامة ويحكون عن جدهم، إلا أنه قد روى في قصة أبى محذورة الّذي علمه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منصرفه من حنين أن الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة، وقد رواه أبو داود في هذا الباب، إلا أنه قد روى من غير هذا الطريق أنه أفرد الإقامة، غير أن التثنية عنه أشهر، إلا أن فيه إثبات الترجيع فيشبه أن يكون العمل من أبى محذورة ومن ولده بعده إنما استمر على إفراد الإقامة إما لأن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمره بذلك بعد الأمر الأول بالتثنية وإما لأنه استمر قد بلغه أنه أمر بلالا بافراد الاقامة فاتبعه وكان أمر الأذان ينقل من حال إلى حال ويدخله الزيادة والنقصان وليس كل أمور الشرع ينقلها رجل واحد ولا كان وقع بيانها كلها ضربة واحدة.
وقيل لأحمد: وكان يأخذ في هذا بأذان بلال أليس أذان أبى محذورة بعد أذان بلال؟ فإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال: أليس لما عاد إلى المدينة أقر بلالا على أذانه.
وكان سفيان الثوري وأصحاب الرأى يرون الأذان والإقامة مثنى مثنى على حديث عبد اللَّه بن زيد من الوجه الّذي روى فيه تثنية الإقامة.
وقوله: طاف بى رجل: يريد الطيف وهو الخيال الّذي يلم بالنائم. يقال منه طاف يطيف، ومن الطواف يطوف، ومن الإحاطة بالشيء أطاف يطيف.
وفي قوله: «ألقها على بلال فأنه أندى صوتا منك» دليل على أن من كان ارفع صوتا كان أولى بالأذان. لأن الأذان إعلام فكل من كان الإعلام بصوته أوقع كان به أحق وأجدر.
وخرج أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار من حديث محمد ابن عثمان بن مجالد، حدثنا أبى عن زياد بن المنذر، عن محمد بن على بن الحسين، عن أبيه عن جده، عن على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، قال: لما أراد اللَّه تعالى أن يعلّم رسول اللَّه الأذان، أتاه جبريل عليه الصلاة والسلام بداية يقال لها البراق، فذهب يركبها، فاستعصت، فقال لها جبريل: اسكني، فو اللَّه ما ركبك عبد أكرم على اللَّه من محمد قال: فركبها حتى انتهى إلى الحجاب الّذي يلي الرحمن تبارك وتعالى، قال: فبينا هو كذلك،
[ () ] وقوله: ثم استأخر غير بعيد يدل على أن المستحب أن تكون الإقامة في غير موقف الأذان. (سنن أبى داود) : 1/ 338- 339.
وأخرجه أيضا ابن ماجة في (السنن) : 1/ 232- 233، كتاب الأذان والسنة فيه باب (1) بدء الأذان، حديث رقم (706) وزاد في أخره، قال أبو عبيد: فأخبرني أبو بكر الحكمىّ، أن عبد اللَّه بن زيد الأنصاري قال في ذلك:
أحمد اللَّه ذا الجلال وذا الإكرام
…
حمد على الأذان كثيرا
إذا أتانى به البشير من الله
…
فأكرم به لدى بشيرا
في ليال وإلى بهن ثلاث
…
كلما جاء زادني توقيرا
[ (4) ](سنن الترمذي) : 1/ 358- 363، باب (25) ما جاء في بدء الأذان، حديث رقم (189) ، وقال في آخره وفي الباب ابن عمر، قال أبو عيسى: حديث عبد اللَّه بن زيد حديث صحيح، وقد روى هذا الحديث إبراهيم بن سعد بن محمد بن إسحاق أتم من هذا الحديث وأطول، وذكر فيه قصة الأذان مثنى مثنى والإقامة مرة [مرة] . وعبد اللَّه بن زيد هو ابن عبد ربه، [ويقال ابن عبد رب] . ولا نعرف له عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا يصح إلا هذا الحديث الواحد في الأذان.
وعبد اللَّه بن زيد بن عاصم المازني له أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو عم عباد بن تميم.
[ (5) ] قال في هامش (المرجع السابق) : والظاهر أن هذه الرواية رواية فيها شيء من التصرف من ابن إسحاق، ليناسب سياق السيرة، وأن أول الحديث قوله «وقد كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين قدمها» .
وقال ابن إسحاق بعد روايته: «حدثني بهذا الحديث محمد بن إبراهيم بن الحرث عن محمد بن عبد اللَّه بن زيد بن ثعلبة بن عبد ربه عن أبيه.
إذ خرج ملك من الحجاب، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يا جبريل من هذا؟ قال: والّذي بعثك بالحق أنى لأقرب الخلق مكانا، وإن هذا الملك ما رأيته منذ خلقت قبل ساعتي هذه.
فقال الملك: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، فقيل له من وراء الحجاب: صدق عبدي، أنا أكبر، أنا أكبر.
ثم قال الملك: أشهد أن لا إله إلا اللَّه، فقيل له من وراء الحجاب:
صدقت، أنا لا إله إلا أنا.
فقال الملك: أشهد أن محمد رسول اللَّه، فقيل له من وراء الحجاب:
صدق عبدي أنا أرسلت محمدا.
قال الملك: حي على الصلاة، حي على الفلاح، ثم قال الملك: اللَّه أكبر، اللَّه أكبر، فقيل من وراء الحجاب: أنا أكبر، أنا أكبر، ثم قال: لا إله إلا اللَّه، فقيل من وراء الحجاب: صدق عبدي أنا لا إله إلا أنا ثم أخذ الملك بيد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقدمه، فأم أهل السماء، فيهم آدم ونوح.
قال أبو جعفر، محمد بن على، عليهما السلام، يومئذ أكمل اللَّه عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم الشرف على أهل السموات والأرض.
وخرج الحاكم [ (1) ] من حديث نوح بن دراج، عن الأجلح، عن البهي عن سفيان بن الليل، قال: لما كان من أمر الحسن بن على رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما ومعاوية رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ما كان، قدمت عليه المدينة، فذكر الحديث، قال: فتذاكرنا عنده الآذان فقال [بعضنا إنما] كان بدؤ [الأذان] رؤيا عبد اللَّه بن زيد [بن عاصم] فقال [له] الحسن رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه إن شأن الأذان أعظم من ذاك أذن جبريل عليه السلام في السماء مثنى مثنى وعلمه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مرة مرة، فعلمه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأذن به الحسن رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه حين ولى.
[ (1) ](المستدرك) : 3/ 187، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (4798)، وقال الحافظ الذهبي في (التلخيص) : قال أبو داود: نوح بن دراج كذاب، وما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (المستدرك) .