الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النوع الرابع: ما اختص به صلى الله عليه وسلم من الفضائل والكرامات وهو قسمان:
القسم الأول: المتعلق بالنكاح وفيه المسائل
المسألة الأولى: أزواجه صلى الله عليه وسلم اللاتي توفى عنهن محرمات على غيره أبدا
قال اللَّه تعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً [ (1) ] .
يقول تعالى: وما ينبغي لكم أن تؤذوا رسول اللَّه. وما يصح لكم ذلك وما ينبغي لكم أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا، لأنهن أمهاتكم، ولا يحل للرجل أن يتزوج أمه.
قال ابن وهب، عن ابن زيد، قال: ربما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم، أن الرجل يقول: لو أن النبي توفى، تزوجت فلانة من بعده، قال: فكان ذلك يؤذى النبي صلى الله عليه وسلم فنزل القرآن: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً.
يقول: إن ذلكم رسول اللَّه، ونكاحكم أزواجه من بعده عند اللَّه عظيم الإثم.
وروى إسماعيل بن إسحاق، من طريق معمر، عن قتادة، أن رجلا قال: لو قبض رسول اللَّه، تزوجت عائشة! فأنزل اللَّه تعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ الآية. ونزلت: وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ [ (2) ] .
[ (1) ] الأحزاب: 53.
[ (2) ] الأحزاب: 6.
ونقل أبو نصر عبد الرحيم القشيري، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: قال رجل من سادات قريش، من العشرة الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم: على حرام نفسه لو توفى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لتزوجت عائشة، وهي بنت عمتي.
قال ابن عطية: روى أنها نزلت بسبب بعض الصحابة، قال: لو مات رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم لتزوجت عائشة، فبلغ ذلك رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فنادى به هكذا كنى عنه ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، ببعض الصحابة.
وحكى مكي عن معمر أنه قال: هو طلحة بن عبيد اللَّه، وكذا حكى النحاس عن معمر. قال ابن عطية: وهذا عندي لا يصح عن طلحة.
وروى أن رجلا من المنافقين قال حين تزوج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أم سلمة بعد أبى سلمة، وحفصة بعد خنيس بن حذافة: ما بال محمد يتزوج نساءنا؟
واللَّه لو مات لأحلنا السهام على نسائه، فنزلت الآية في هذا، فحرم اللَّه نكاح أزواجه من بعده، وجعل لهن حكم الأمهات، وهذا من خصائصه تمييزا لشرفه، وتنبيها على علو مرتبته.
قال القاضي: وأزواجه صلى الله عليه وسلم اللاتي مات عنهن- لا يحل لأحد نكاحهن ومن استحل ذلك كافرا، لقوله تعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً.
وقد قيل: إن اللَّه تعالى إنما منع من التزويج بأزواج نبيه، لأنهن أزواجه في الجنة، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها، كما تقدم عن حذيفة.
وذكر القضاعي أن ذلك مما خص به صلى الله عليه وسلم دون الأنبياء وأمته، فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها.
وقيل: إنما منع من نكاحهن، لأنه صلى الله عليه وسلم حي، ولهذا حكى الماوردي وجها: أنهن لا تجب عليهنّ عدة الوفاة، وفيمن فارقها في الحياة كالمستعيذة، والتي وجد بكشحها بياضا، ثلاثة أوجه:
أحدها: تحرمن أيضا، وهو المنصوص من الشافعيّ في (أحكام القرآن) لشمول الآية، والبعدية في قوله تعالى: من بعده عند هذا القائل لا تختص بما بعد الموت، بل هو أعم منه، فيكون التقدير: من بعد نكاحه.
قال بعضهم: وحرمن لوجوب محبة رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإن من العادة أن زوج المرأة يكره زوجها الأول، قال في (الروضة) : وهذا أرجح، وقال ابن الصلاح: إنه أشبه بظاهر القرآن، وهو ظاهر بنص الشافعيّ.
قال: وقيل: إن وجه التفضيل يعنى الثالث أصح، وعبارة القضاعي تقتضي هذا الوجه أيضا، فإنه أطلق أن تساءه صلى الله عليه وسلم حرمن على غيره، وجعل ذلك من خصائه دون غيره من الأنبياء.
وثانيها: لا يحرمن لإعراض النبي صلى الله عليه وسلم عنها، وانقطاع الاعتناء بها، لأن في ذلك إضرارا بها، والبعدية على هذا مخصوصة بما بعد الموت.
وثالثها: تحرم المدخول بها فقط، وبه قال القاضي أبو حامد، وذكر الشيخ أبو حامد أنه الصحيح، وقال الرافعي في (الشرح الصغير) : إنه الأظهر، وصححه الماوردي، والغزالي أيضا، وقال الإمام: إنه الأعدل، وجزم به صاحب (الحاوي الصغير) ، ودليله ما روى داود عن عامر الشعبي به، أن بنى اللَّه صلى الله عليه وسلم مات وقد ملك قتيلة ابنة الأشعث، ولم يجامعها، فتزوجها عكرمة بن أبى جهل بعد ذلك، فشق على أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه مشقة شديدة، فقال له عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: يا خليقة رسول اللَّه! إنها ليست من نسائه، إنه لم يخبرها رسول اللَّه، ولم يحجبها، وقد برأه اللَّه تعالى منها بالردة التي ارتدتها مع قومها. قال: فاطمأن أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وسكن.
وخرج الحاكم في (المستدرك)[ (1) ] ، عن أبى عبيدة، ومعمر بن المثنى، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تزوج حين قدم عليه وفد كندة، قتيلة بنت قيس، أخت الأشعث بن قيس، في سنة عشرة، ثم اشتكى في النصف من صفر، ثم قبض يوم الإثنين، ليومين مضيا من شهر ربيع الأول، ولم تكن قدمت عليه، ولا دخل بها، ووقت بعضهم وقت تزويجه إياها، فزعم أنه تزوجها قبل وفاته
[ (1) ](المستدرك) : 4/ 40، كتاب معرفة الصحابة، ذكر قتيلة بنت قيس أخت الأشعث بن قيس، حديث رقم (6817)، قال الذهبي في (التلخيص) : قتيلة أخت الأشعث بن قيس. قال أبو عبيدة: نزوجها بنى اللَّه صلى الله عليه وسلم، ثم ذكر الحديث.
بشهر، وزعم آخرون أنه تزوجها في مرضه، وزعم آخرون أنه أوصى أن تخير قتيلة، فإن شاءت [أن يضرب عليها الحجاب، فتحرم على المؤمنين، ويجرى عليها ما يجرى على [ (1) ] أمهات المؤمنين، وإن شاءت أن تنكح من شاءت] فاختارت النكاح، وتزجها عكرمة بن أبى جهل بحضرموت، فبلغ ذلك أبا بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فقال: لقد هممت أن أرحق عليها، فقال عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: ما هي من أمهات المؤمنين، ولا دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ضرب عليها الحجاب [وزعم بعضهم أنها ارتدت] ، فكف عنها.
وأورده أبو نعيم في كتاب (معرفة الصحابة) ، من طريق الشعبي مرسلا، واستدل به الماوردي في (الحاوي) ، فأورده كذلك.
وذكر الإمام الغزالي، والقاضي، أن الأشعث بن قيس نكح المستعيذة في زمن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فهم عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه برجمتها، فأخبر أنها لم تكن مدخولا بها، فكف عنها.
وذكر الماوردي أيضا وقال: فصار ذلك كالإجماع.
وقال القاضي أبو الطيب الطبري: أن الّذي تزوج المستعيذة المهاجر بن أبى أميه، ولم ينكر ذلك أحد، فدل ذلك على أنه إجماع.
وخرج الحاكم [ (2) ] أيضا من طريق هشام بن محمد الكلبي، قال: وحدثني أبى عن أبى صالح عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال خلف على أسماء بنت النعمان المهاجر بن أبى أميه، فأراد عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن يعاقبها فقالت: واللَّه ما ضرب على الحجاب ولا سميت بأم المؤمنين، فكف عنها.
قال مؤلفه رحمه الله إنما هذه هي أسماء ابنة النعمان الجوتية.
[ (1) ] ما بين الحاصرتين من (الأصل) ، وليس في (المستدرك) .
[ (2) ](المستدرك) : 4/ 40، آخر الحديث رقم (6816)، وقال عنه حافظ الذهبي في (التلخيص) : سنده واه، ويروى عن زهير بن معاوية أنها ماتت كمدا.
ذكر هشام بن محمد أنها هي المستعيذة في حديث ذكره، وفي الأمة التي يفارقها صلى الله عليه وسلم بالموت أو غيره بعد وطئها، وجهان في الرافعي وهما في (التهذيب) .
أحدهما: لا تحل لغيره، كالمنكوحه التي فارقها.
والثاني: لا تحرم، لأن مارية غير معدودة في أمهات المؤمنين والصواب أن محل الخلاف فيمن باعها صلى الله عليه وسلم لا من مات عنها.
قال الماوردي: أن من مات عنها كمارية أم ولده إبراهيم عليه السلام ثم حرم نكاحها وإن لم تسم أما للمؤمنين كالزوجات فنصفها بالرق وإن باعها فتحريمها على مشتريها وعلى سائر المسلمين وجهان كالمطلقة، ولزم في باب استبراء أم الولد بالتحريم وبالتعظيم من ذلك ثلاثة أوجه ثم الأوجه الثلاثة لغير المخيرات، وأما المخيرات فمن اختارت منهم الدنيا ففي حلها من أزواجه طريقان:
قال العراقيون يطرد الأوجه، وقطع أبو يعقوب الأبيوردي وآخرون بالحل لتحصل فائدة التخيير وهو التمكن من زينة الدنيا، وهذا ما اختاره الإمام، والغزالي وفعل الإيقاف عليه، ومن عهد ذلك فإن كانت لا تحل، ففي وجوه نفقتها من خمس الخمس وجهان:
أحدهما: يجب كما تحب نفقة اللواتي مات عنهن لتحريمهن.
والثاني: لا تجب لأنها غير واجبة في حياته فالأولى أن لا تجب بعد موته ولأنها مقطوعة العصمة بالطلاق.
***