الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في ذكر بناء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مسجده وبيوته
اعلم أن لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالمدينة مسجدين بناهما، أحدهما مسجد قباء، والآخر مسجده، الّذي بنى حجر نسائه بجواره، وهو المعروف المشهور، الّذي تشد إليه الرحال، ومثابة الناس، عربهم وعجمهم، من أقطار الأرض في كل عام، حيث قبره المقدس صلى الله عليه وسلم وكانت في المدينة فيما ذكر البلاذري تسعه مساجد، وكانوا يصلون فيها ويجتمعون مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
أما مسجد قباء
فقال البلاذري: وكان من يقدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، بعد أبى سلمة بن عبد الأسد، ومن نزلوا عليه بقباء [ (1) ] ، بنوا مسجدا يصلون فيه،
[ (1) ] قباء: بالضم: وأصله أسم بئر هناك، عرفت القرية بها، وهي مساكن بنى عمرو بن عوف من الأنصار وألفه واو يمد ويقصر ويصرف ولا يصرف، وقال عياض: وأنكر البكري فيه القصر قال أبو حنيفة، رحمه الله في اشتقاق قبا: إنه مأخوذ من القبو وهو بالضم والجمع ولم يذكر أهو جمع أو مفرد، ولا يصح أن يكون على قوله جمعا لأن فعل لا يجمع على فعل يجمع فيما علمت.
وهي قرية على ميلين من المدينة على يسار القاصد إلى مكة بها أثر بنيان كثير وهناك مسجد التقوى عامر قدّامة رصيف وفضاء حسن وآبار ومياه عذبة وبها مسجد الضرار يتطوع العوامّ بهدمه، كذا قال البشاري، قال أحمد بن يحى بن جابر: كان المتقدمون في الهجرة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ومن نزلوا عليه من الأنصار بنوا بقباء مسجدا يصلون فيه الصلاة سنة إلى البيت المقدس، فلما هاجر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وورد قباء صلى بهم فيه، وأهل قباء يقولون هو المسجد الّذي أسس عل التقوى من أول يوم، وقيل: إنه مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وقد وسع مسجد قباء وكبر بعد، وكان عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، إذا دخله صلّى إلى الأسطوانة المحلقة، وكان ذلك مصلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وأقام لما هاجر بقباء يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس وركب يوم الجمعة يريد المدينة فجمّع في مسجد بنى سالم بن
والصلاة يومئذ إلى بيت المقدس، فجعلوا قبلته إلى ناحية بيت المقدس، فلما قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلى بهم فيه.
وقال [الوزير الفقيه أبى عبيد، عبد اللَّه بن عبد العزيز البكري الأندلسى [ (1) ]] في (معجم ما استعجم [من أسماء البلاد والمواضع] ) : من العرب من يذكره ويصرفه، ومنهم من يؤنثه ولا يصرفه.
وذكر ابن زبالة: أنها إنما سميت قباء ببئر كانت تسمى قباء، يتطيرون منها فسموها قباء.
وقال ابن إسحاق [ (2) ] فأقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقباء في بنى عمرو بن عوف يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، ويوم الخميس.
وقيل: أقام اثنين وعشرين ليله حكاه يحى. وفي (صحيحه) : أقام فيهم أربعة عشرة ليلة.
قال ابن إسحاق [ (3) ] : وأسس مسجده، ثم أخرجه اللَّه تعالى من بين أظهرهم يوم الجمعة، وبنو عمرو بن عوف يزعمون أنه مكث فيهم أكثر من ذلك، فيقال: أقام ثلاثا وعشرين ليلة، ويقال: بضع عشرة ليلة.
وقال موسى بن عقبة: ومكث رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بنى عمرو بن عوف ثلاث ليال. ويقول بعض الناس: بل مكث أكثر من ذلك، وأخذ فيهم مسجدا وأسسه، وهو الّذي ذكر في القرآن الكريم أنه أسس على التقوى [ (4) ] .
وقال أبو القاسم السهيليّ: وذكر ابن أبى خيثمة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أسسه كان هو أول من وضع حجرا في قبلته، ثم جاء أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بحجر فوضعه، ثم جاء عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بحجر
[ () ] عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج فكانت أول جمعة جمعت في الإسلام، وقد جاء في فضائل مسجد قباء أحاديث كثيرة.
[ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق والبيان، (معجم ما استعجم) : 3/ 1045.
[ (2) ](سيرة ابن هشام) : 3/ 22.
[ (3) ](سيرة ابن هشام) : 3/ 22.
[ (4) ](المرجع السابق) .
فوضعه إلى حجر أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ثم أخذ الناس في البنيان.
وعن الشموس بنت النعمان [ (1) ] قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين بنى مسجد قباء، أتى بالحجر قد صهره إلى بطنه فيضعه، فيأتى الرجل يريد أن يقله فلا يستطيع، حتى يأمره أن يدعه ويأخذ غيره صهره وأصهره إذا ألصقه بالشيء، ومنه اشتقاق الصهر في القرابة [ (2) ] .
[ (1) ] هي الشموس بنت النعمان بن عامر بن مجمع الأنصارية، مدنية، روى عنها عبيد بن وديعة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين بنى مسجده كان جبرائيل يؤم الكعبة ويقيم له قبلة المسجد، ذكرها أبو عمر مختصرا. ووصله ابن أبى عاصم، والحديث المذكور من طريق يعقوب بن محمد [الزهري، عن عاصم بن سويد، عن عتبة، وأخرجه الزبير بن بكار في (أخبار المدينة) ، عن محمد بن الحسن] المخزومي، عن عاصم مطولا. وكذلك
أخرجه الحسن بن سفيان وابن مندة، من طريق سلمة، عن عاصم بن سويد، لكن خالف في شيخ عاصم، فقال: عن أبيه، عن الشموس بنت النعمان، قالت: كأنى انظر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين قدم وأسس هذا المسجد مسجد قباء، فرأيته يأخذ الصخرة أو الحجر حتى بصهرة الحجر، وأنا انظر إلى بياض التراب على بطنه، فيأتى الرجل فيقول: يا رسول اللَّه، أعطنى أكفلة، فيقول: لا، خذ حجرا مثله.
حتى أسسه، ويقول: إن جبريل يؤم الكعبة.
فكان يقال: إنه أقوم مسجد قبلة وفي رواية محمد ابن الحسن بالسند المذكور إلى عتبة- أن الشموس بنت النعمان أخبرته، وكانت من المبايعات، فذكره، وفيه: فيأتى الرجل من قريش أو الأنصار. وفيه: فيقولون تراءى له جبريل حتى أم له القبلة، قال عتبة: فنحن نقول: ليس قبلة أعدل منها وقد استشكل ابن الأثير قوله في رواية شبابة يؤم الكعبة بعد ذلك، وخطر لي في جوابه أنه أطلق الكعبة وأراد القبلة أو الكعبة على الحقيقة، وإذا بين له جهتها كان إذا أسند برها استقبل بيت المقدس، وتكون النكتة فيه أنه سيحول إلى الكعبة، فلا يحتاج إلى تقويم آخر، فلما وقع لي سياق محمد بن الحسن رجح الاحتمال الأول. (الإصابة) : 7/ 731- 732. ترجمة رقم (11381) .
[ (2) ](لسان العرب) : 4/ 472.
قال: وهذا المسجد في الإسلام، وفي أهله نزلت: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا [ (1) ] : فهو على هذا هو المسجد الّذي أسس على التقوى، وإن كان
قد روى أبو سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سئل عن المسجد الّذي أسس على التقوى فقال: مسجدي هذا. وفي رواية أخرى قال: وفي الآخر خير كثير.
وقد قال لبني عمرو بن عوف حين نزلت: لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى [ (2) ] : ما الطهور الّذي من اللَّه به عليكم؟ فذكروا له الاستنجاء بالماء بعد الاستجمار بالحجارة، فقال: هو ذاكم فعليكموه. وليس بين الحديثين تعارض، كلاهما أسس على التقوى، غير أنه قوله سبحانه: مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ [ (3) ] يقتضي مسجد قباء، لأن تأسيسه كان من أول يوم من حلول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم دار هجرته، والبلد الّذي هو مهاجره. قلت: حديث أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. الّذي أشار إليه أبو القاسم السهيليّ خرجه مسلم [ (4) ] من طريق يحيى بن سعيد عن حميد الخراط قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن قال: مر بى عبد الرحمن بن أبى سعيد الخدريّ، قال: فقلت:
كيف سمعت أباك يذكر في المسجد الّذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفا من حصباء، فضرب به الأرض، ثم قال: هو مسجدكم هذا، لمسجد المدينة قال:
فقلت: اشهد أنى سمعت أباك هكذا ذكره.
وذكره من طريق حاتم بن إسماعيل، عن حميد، عن أبى سلمة عن أبى سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله. ولم يذكر عبد الرحمن بن أبى سعيد في الإسناد [ (5) ] ذكره في كتاب الحج.
[ (1) ] التوبة: 108.
[ (2) ] التوبة: 108.
[ (3) ] التوبة: 108.
[ (4) ] مسلم بشرح النووي: 9/ 178، كتاب الحج، باب (96) بيان أن المسجد الّذي أسس على التقوى هو مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة، حديث رقم (514) .
[ (5) ](المرجع السابق) . الحديث الّذي يلي رقم (514) ، بدون رقم.
وخرجه الترمذي [ (1) ] من طريق قتيبة بن حاتم بن إسماعيل، عن أنيس ابن أبى نجيح، عن أبيه، عن أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. قال الترمذي: من بنى حدده، ورجل من بنى عمرو بن عوف، في المسجد الّذي أسس على التقوى: فقال الخدريّ: هو مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في ذلك، فقال: هذا هو، يعنى مسجده وفي ذلك خير كثير
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وأخرجه النسائي [ (2) ] من حديث قتيبة بن سعيد قال: انبأنا الليث عن عمران بن أبى أنس، عن ابن أبى سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: تمارى رجلان في المسجد الّذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هو مسجدي هذا.
[ () ] قوله صلى الله عليه وسلم: «وقد سئل عن المسجد الّذي أسس على التقوى، فأخذ كفا من حصباء، فضرب به الأرض، ثم قال: هو مسجدكم، هذا لمسجد المدينة
«هذا نص بأنه المسجد الّذي أسس على التقوى المذكور في القرآن، ورد لما يقول بعض المفسرين: أنه مسجد قباء. وأما أخذه الحصباء، وضربه في الأرض. فالمراد به المبالغة في الإيضاح، لبيان أنه مسجد المدينة. والحصباء بالمد: الحصى الصغار. (مسلم بشرح النووي) .
[ (1) ]
(سنن الترمذي) : 5/ 261- 262، كتاب تفسير القرآن، باب (10) من تفسير سورة التوبة. حديث رقم (3099)، ولفظه: تمارى رجلان في المسجد الّذي أسس على التقوى من أول يوم، فقال رجل: هو مسجد قباء، وقال الآخر: هو مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: هو مسجدي هذا.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح غريب، من حديث عمران بن أبى أنس، وقد روى هذا عن أبى سعيد من غير هذا الوجه، ورواه أنيس بن أبى يحيى، عن أبيه عن أبى سعيد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
[ (2) ] أخرجه النسائي في كتاب التفسير من (السنن الكبرى) .
وخرجه الترمذي [ (1) ] من هذا الطريق وقال: حديث حسن صحيح غريب من حديث عمران بن أبى أنس. ذكره في التفسير.
وقال القاضي عياض: وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي مسجد هو قال:
مسجدي هذا. وهو قول ابن المسيب، وزيد بن ثابت وابن عمر، ومالك بن أنس، وغيرهم.
وعن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما أنه مسجد قباء.
وخرج الدارقطنيّ [ (2) ] من حديث عتبة بن أبى حكيم، عن طلحة بن نافع رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أنه حدثه قال: حدثني أبو أيوب، وجابر بن عبد اللَّه، وأنس بن مالك، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم، عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في هذا، الآية: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ فقال: يا معشر الأنصار، إن اللَّه قد أثنى عليكم خيرا في الطهور، فما طهوركم؟ قالوا: يا رسول اللَّه، نتوضأ للصلاة، ونغتسل من الجنابة، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: فهل مع ذلك غير؟ قالوا: لا، غير أن أحدنا إذا خرج من الغائط، أحب أن يستنجى بالماء، قال: هو ذاك فعليكموه.
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ](سنن الدار قطنى) : 1/ 61- 62، كتاب الطهارة، باب في الاستنجاء، حديث رقم (1)، قال في (التعليق المغنى على الدار قطنى) : قوله عتبة بن أبى حكيم ليس بقوى، أخرج ابن ماجة أيضا من طريقه، قال الزيلعى: سنده حسن، لكن فيه عتبة بن أبى عدي: أرجو أنه لا بأس به، وضعفه النسائي. وعن ابن معين فيه روايتان، وأخرجه الحاكم في (مستدركه) وصححه، ورواه البيهقي في (سننه) .
وأخرجه الترمذي من حديث محمد بن العلاء، أبو كريب، حدثنا معاوية بن هشام، حدثنا يونس بن الحارث، عن إبراهيم بن أبى ميمون عن أبى صلح، عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نزلت هذه الآية في أهل قباء فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت هذه الآية فيهم.
قال الترمذي: هذا حديث غريب من هذا الوجه. قال: وفي الباب عن أبى أيوب وأنس ابن مالك، ومحمد بن عبد اللَّه بن سلام، ومن تفسير سورة التوبة، حديث رقم (3100) .
وذكر السهيليّ: أن عمار بن ياسر هو الّذي أشار على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ببناء مسجد قباء، وهو الّذي جمع الحجارة له، فلما أسسه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [اعتنى] ببنائه عمار.
وكذلك ذكره ابن إسحاق، في رواية يونس بن بكير عنه.
وقال الحاكم [ (1) ] : قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أول من قدمها ضحى، فقال عمار ابن ياسر: ما لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يريد أن نجعل له مكانا إذا استيقظ من قائلتنا استظل فيه، فجمع عمار بن ياسر حجارة فبنى مسجد قباء، فهو أول ما بنى.
وقال عمر بن شبة عن الواقدي، عن أفلح بن سعيد عن ابن كعب القرظي قال: قدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قباء وقد بنى أصحابه مسجدا يصلون فيه الى بيت المقدس، فلما قدم صلى بهم إليه، ولم يحدث في المسجد شيئا.
وعن مسلم بن حماد، عن ابن ونيس، قال: بنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مسجد قباء، وقدم القبلة إلى موضعها اليوم. وقال عمار الذهبي: قال لي أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن ما بين الصومعة الى القبلة زاده عثمان بن عفان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وقال حماد بن سلمة عن أبى جعفر الخطميّ، أن عبد اللَّه بن رواحة كان يقول وهم بينون مسجد قباء:
أفلح من يعالج المساجدا
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: المساجدا، فقال عبد اللَّه:
ويقرأ القرآن قائما وقاعدا
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قاعدا، فقال عبد اللَّه:
ولا يبيت عنه الليل راقدا
فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: راقدا.
وقال عمر بن شبة أنبأنا عفان قال: أنبأنا حماد بن زيد، قال: انبأنا أيوب عن سعيد بن جبير، أن بنى عمرو بن عوف ابتنوا مسجدا، وأرسلوا إلى
[ (1) ](المستدرك) 3/ 434، كتاب معرفة الصحابة، حديث رقم (5655) ، وقد حذفه الذهبي من (التلخيص) .
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم. فدعوه ليصلي فيهم، ففعل، وأتاهم فصلى فيه، فحسدتهم اخوتهم بنو عوف فقالوا: لنبنى مسجدا، وندعو النبي صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه كما يصلى في مسجد إخوتنا، ولعل أبا عامر يصلى فيه. وكان بالشام، فابتنوا مسجدا، وأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي فيه فقام ليأتيهم. فأنزل اللَّه تبارك وتعالى القرآن:
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ* لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ* أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ* لا يَزالُ بُنْيانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ إِلَّا أَنْ تَقَطَّعَ قُلُوبُهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [ (1) ] حدثنا موسى بن إسماعيل قال: أنبأنا حماد بن سلمة، عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: كان موضع مسجد قباء لامرأة يقال لها لبة. كانت تربط حمارا لها فيه، فابتنى سعد بن خيثمة مسجدا، فقال أهل مسجد الضرار: نحن نصلي في مربط حمار لبة؟ لا، لعمرو اللَّه، لكنا نبنى مسجد الضرار نحن نصلي فيه حتى يجيء أبو عامر فيؤمنا فيه، وكان أبو عامر فر من اللَّه ورسوله ولحق بمكة، ثم لحق بعد ذلك بالشام، فتنصر، فمات بها فأنزل اللَّه:
وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلَّا الْحُسْنى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ [ (2) ] .
[ (1) ] التوبة: 107- 110، وفي (الأصل) : إلى قوله الْمُطَّهِّرِينَ.
[ (2) ] التوبة: 107- 110.
وفي الصحيحين [ (1) ] عن ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يزور قباء راكبا وماشيا.
وفي صحيح مسلم من حديث ابن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يأتي قباء كل سبت، ولم تزل الصحابة تزوره وتعظمه. ولما بنى عمر بن عبد العزيز المسجد النبوي، بنى مسجد قباء ووسعه، فذكر خبر ذلك هنا إن شاء اللَّه تعالى.
قال أبو غسان: طول مسجد قباء وعرضه سواء، وهو ست وستون ذراعا، وطول ذرعه في السماء تسعة عشر ذراعا، وطول رحبته التي في جوفه خمسون ذراعا، وعرضها سبعة أذرع وشبر في تسعة أذرع، وفيه ثلاثة أبواب، وثلاثة وثلاثون أسطوانة، ومواضع القناديل أربعة عشر قنديلا.
قال الحمامي: بين مسجد قباء ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم ميلان ونصف.
[و] وذكر ابن زبالة أن مسجد قباء على سبع أساطين، وكانت لها درجة فيه يؤذن فيها، يقال لها النعامة، حتى زاد فيه الوليد بن عبد الملك بن مروان بعد ذلك.
وإن سعد بن عبيد [ (2) ] بن قيس بن النعمان بن عمرو بن زيد بن أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف، كان يصلى في مسجد قباء في عهد
[ (1) ] رواه البخاري في التطوع، باب من أتى مسجد قباء كل سبت، وباب إتيان مسجد قباء ماشيا وراكبا، وفي الاعتصام، باب ما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وحض على اتفاق أهل العلم، ومسلم في الحج، باب فضل مسجد قباء، وفضل الصلاة فيه، حديث رقم (1399) .
وأخرجه الإمام مالك في (الموطأ) : 1/ 167، في الصلاة في السفر، باب العمل في جامع الصلاة، والنسائي 2/ 37 في المساجد، باب فضل مسجد قباء والصلاة فيه.
وأخرجه أبو داود في المناسك، باب في تحريم المدينة، حديث رقم (2040) .
[ (2) ] هو سعد بن عبيد بن النعمان بن قيس بن عمرو بن زيد بن أمنه بن زيد الأنصاري الأوسي.
ذكره موسى بن عقبة وغيره فيمن شهد بدرا. وقال ابن نمير في (تاريخه) : مات سعد ابن عبيد الفارس بالقادسية شهيدا سنة ست عشرة، وهو أبو زيد الّذي جمع القرآن.
وروى الزبير بن بكار في (أخبار المدينة) ، عن عتبة بن عويم بن ساعدة أن سعد بن
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وفي زمان أبى بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حتى توفى زمان عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فأمر عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه مجمع بن جارية [ (1) ] أن يصلى بهم بعد أن رده وقال له: كنت إمام مسجد الضرار، فقال: يا أمير المؤمنين، كنت غلاما حدثا، وكنت أرى أن أمرهم على أحسن ذلك، وقدمونى لما معى من القرآن، وكان قد جمع
[ () ] عبيد- وساق نسبة- كان يؤم في مسجد قباء في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبى بكر وعمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما، وتوفى في زمنه، فأمر عمر فجمع ابن جارية أن يصلى بهم.
وروى البخاري في (تاريخه) من طريق قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب، قال:
شهد سعد بن عبيد القادسية، فقام خطيبا، فقال: إنا مستشهدون غدا فلا تكفنونا إلا في ثيابنا التي أصبنا فيها
…
الحديث.
وروى ابن جرير، من طريق قيس بن مسلم، عن عبد الرحمن بن أبى ليلى، قال: قال عمر لسعد بن عبيد- وكان انهزم يوم أصيب أبو عبيد، وكان يسمى القارئ، ولم يكن أحد يسمى القارئ غيره- فذكر قصته.
قلت: اختلف في أبى زيد الّذي جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقيل هذا اسمه: وقيل:
بل اسمه سعيد. وقيل غير ذلك. (الإصابة) : 3/ 68، ترجمة رقم (3178) .
[ (1) ] هو مجمع بن جارية بن عامر بن مجمع بن العطاف بن ضبيعة ابن زيد بن مالك بن عمرو بن عوف الأنصاري الأوسي.
له في ترجمة سعيد بن عبيد بن قيس ذكر، وأخرج له في السنن ثلاثة أحاديث صحح الترمذي بعضها.
وقال ابن إسحاق في (المغازي) : كان مجمع بن جارية بن العطاف حدثا قد جمع القرآن، وكان أبوه جارية ممن اتخذ مسجد الضرار، وكان مجمع يصلى بهم فيه: ثم إنه أحرق فلما كان زمن عمرو بن الخطاب كلم في مجمع أن يؤم قومه، فقال: لا أو ليس بإمام المنافقين في مسجد الضرار، فقال: واللَّه الّذي لا إله إلا هو، ما عملت بشيء من أمرهم، فزعموا أن عمر أذن له أن يصلى بهم، ويقال: إن عمر بعثه إلى أهل الكوفة يعلمهم القرآن فتكلم ابن مسعود فعلمه القرآن. (الإصابة) : 5/ 776- 777 ترجمة رقم (7739) .