الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السادسة والسبعون: البلد الّذي ولد فيه صلى الله عليه وسلم أشرف بقاع الأرض ثم مهاجره وقيل: إن مهاجره أفضل البقاع
كما هو مأثور عن الإمام مالك وجمهور أصحابه ونقله القاضي، عن عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، ونقل الاتفاق على أن قبره صلى الله عليه وسلم الّذي ضم جسده المقدس بعد موته أشرف بقاع الأرض وقد سبقه إلى حكاية هذا الإجماع القاضي أبو الوليد الباجي وابن بطال.
وأصل ذلك ما روى أنه صلى الله عليه وسلم لما مات اختلفوا في موضع دفنه فقيل:
بالبقيع وقيل: بمكة وقيل: ببيت المقدس فقال: أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: إن اللَّه لم يقبضه إلا في أحب البقاع إليه ذكره. عبد الصمد بن عساكر في كتابه (تحفة الزائر) بغير إسناد.
وقال غيره: لما كان صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل، وكتابه أفضل الكتب، ودينه أشرف الأديان، وشريعته أشرف الشرائع، وهو أفضل الخلق، فوضع قبره له في أشرف المواضع.
ويشهد له ما
رواه الحاكم عن أبى سعيد الخدريّ قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة عند قبر فقال: قبر من هذا فقالوا: فلان الحبشىّ فقال: لا إله إلا اللَّه! سيق من أرضه وسمائه إلى التربة التي خلق منها.
ومسألة المفاضلة بين مكة والمدينة كثر المقال وطال النزاع فيها، فاستدل من قال بتفضيل مكة على المدينة بأن اللَّه تعالى حبس الفيل عن مكة وأهلها وأهلك جيش راكبه لما قصد غزو مكة كما تقدم ذكره وقال تعالى وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً.
قيل: آمنا من النار وقيل: كان يأمن من الطلب من أحدث حدثا ولجأ إليه في الجاهلية، وهذا مثل قوله وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً على قول بعضهم، وقال: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبارَكاً
وقال: إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ وقال ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ وقال وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ثم جعل اللَّه تعالى الكعبة لتمام الصلاة والحج والعمرة في القبلة التي لا تقبل صلاة إلا بالقصد نحوها، إليها الحج والعمرة المفروضات، وإنما فرضت الهجرة إلى المدينة قبل فتح مكة، فلما فتحت مكة بطلت الهجرة، وهذه فضيلة لمكة ثم للمدينة وقد أمر صلى الله عليه وسلم أن لا يسفك بمكة دم وأخبر أن اللَّه تعالى حرمها يوم خلق السموات والأرض، ولم يحرمها الناس، ونهى عن أن يستقبلها أحد أو يستدبرها ببول أو غائط.
وخرج البخاري من حديث عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: ألا أي شهر تعلمون أعظم حرمة قالوا: شهرنا هذا. قال: أي بلد تعلمون أعظم حرمة قالوا: ألا بلدنا هذا، قال: فإن اللَّه حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا من شهركم هذا، ألا قد بلغت ثلاثة كل ذلك يجيبونه: ألا نعم.
وخرجه أبو بكر بن أبى شيبة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه من طريق أبى معاوية عن الأعمش عن أبى صالح السمان عن جابر بن عبد اللَّه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: في حجته أتدرون أي يوم أعظم حرمة فقلنا: يومنا هذا، قال: في أي بلد أعظم حرمة فقلنا: بلدنا هذا،
ثم ذكر مثل حديث ابن عمر.
قال الحافظ الفقيه أبو محمد على بن حزم: وقد ذكر هذه الأدلة: وهذا جابر وابن عمر يشهدان أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قرر الناس على أي بلد أعظم حرمة فأجابوه بأنه مكة فصدقهم في ذلك وهذا إجماع من جميع الصحابة في إجابتهم له صلى الله عليه وسلم بأنه بلدهم ذلك وهم بمكة فمن خالف هذا فقد خالف الإجماع، فصح بالنص والإجماع أن مكة أعظم حرمة من المدينة وإذا كانت أعظم حرمة فهي أفضل بلا شك لأن عظم الحرمة لا يكون إلا للأفضل [ولا بد ولا يكون للأقل] .
وخرج من طريق حماد بن سلمة عن محمد بن عمر عن أبى سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان بالحجون فقال: واللَّه إنك لخير أرض اللَّه، وأحب أرض اللَّه إلى، ولو لم أخرج منك ما خرجت، لم تحل لأحد قبلي ولا لأحد بعدي.
وذكر باقي الحديث من طريق سعيد بن منصور قال: حدثنا عبد العزيز ابن محمد الدراوَرْديّ عن محمد بن عمرو بن علقمة عن أبى سلمة عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وقف على الحجون فقال: إنك خير أرض اللَّه وأحب أرض اللَّه إلى اللَّه ولو تركت فيك ما خرجت منك
وذكر باقي الحديث.
ومن طريق النسائي من حديث معمر عن الزهري عن أبى سلمة عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في سوق الحزورة واللَّه إنك لخير أرض اللَّه وأحب البلاد إلى اللَّه ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت.
وقال قتيبة: حدثنا الليث عن عقيل بن خالد وقال إسحاق حدثنا: يعقوب هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال: حدثني أبى عن صالح بن كيسان ثم اتفق عقيل وصالح كلاهما عن الزهري قال: أخبرنى أبو سلمة أن عبد اللَّه بن عدي بن الحمراء أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وهو واقف على راحلته بالحزورة من مكة يقول: واللَّه إنك لخير أرض اللَّه وأحب أرض اللَّه إلى اللَّه ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت.
قال البكري وجماعة المحدثين: يقولون: الحزورة بفتح الزاى وتشديد الراء وإنما هو حزورة بالتخفيف لا يجوز غيره قال الغنوي: يوم ابن جدعان يوم الحزورة.
لم يختلف عقيل مع صالح في شيء من لفظه إلا أن عقيل قال: عن الزبيري عن أبى سلمة عن عبد اللَّه بن عدي أن ابن الحمراء، وعبد اللَّه هذا مشهور من الصحابة زبيري النسب.
ومن طريق أبى ذر الهروي من حديث أبى اليمان الحكم بن نافع أنبأنا شعيب عن الزهري أخبرنى أبو سلمة أن عبد اللَّه بن عدي بن الحمراء أخبره أنه سمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: وهو ما واقف بالحزورة من سوق مكة: واللَّه إنك لخير ارض اللَّه وأحب أرض اللَّه إلى اللَّه ولولا أنى أخرجت منك ما خرجت قال: فارتفع الإشكال جملة وللَّه الحمد.
وهذا خبر في غاية الصحة رواه عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أبو هريرة وعبد اللَّه بن عدي ورواه عنهما أبو سلمة بن عبد الرحمن وعن أبى سلمة محمد ابن عمرو بن علقمة وعن محمد بن عمر وحماد بن سلمة والدراوَرْديّ ورواه عن الزهري أصحابه الثقات معمر وشعيب بن أبى حمزة وعقيل وصالح بن كيسان ورواه أيضا عنه يونس بن يزيد وعبد الرحمن بن خالد ورواه عن هؤلاء الجم الغفير،
ولا مقال لأحد بعد هذا.
وخرج من طريق قاسم بن أصبغ من حديث أحمد بن زهير وأبى بحر ابن أبى ميسرة قالوا جميعا: حدثنا سلمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم قال حدثنا: عطاء بن أبى رباح عن عبد اللَّه بن الزبير رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وإلا صلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجده هذا بمائة صلاة
قال: أحد بن زهير سالت يحيى بن معين قال: ثقة وقال أحمد بن حنبل حبيب المعلم: ما أصح حديثه هذا لفظ أحمد ابن زهير.
قال بن أبى ميسرة في روايته صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائه صلاة في مسجدي قال: ورويناه أيضا من طريق محمد بن عبيد عن حماد بن زيد باسناده ولفظه، ورويناه أيضا من طريق أبى معاوية عن موسى الجهنيّ عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم [ (1) ] .
[ (1) ] يراجع في ذلك (إعلام الساجد في أحكام المساجد) لبدر الدين الزركشي.
خرج مالك في (الموطإ) عن زيد بن رباح وعبد اللَّه بن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: صلاة في مسجدي خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد حرام.
قال ابن عبد البر: وقد روى عن أبى هريرة من طرق ثابتة صحاح متواترة.
وقال أبو محمد بن حزم: فروى القدح بفضل مكة على المدينة كما أوردوا عن النبي صلى الله عليه وسلم جابر وأبو هريرة وابن عمرو بن الوبير، وعبد اللَّه بن عدي خمسة من الصحابة منهم ثلاثة مدنيون بأسانيد في غاية الصحة ورواها عن هؤلاء أبو صالح السمان ومحمد بن زيد بن عبد اللَّه بن عمر وأبو سلمة بن عبد الرحمن بن عوف وعطاء بن أبى رباح منهم ثلاثة مدنيون ورواه عن هؤلاء عاصم بن محمد والأعمش ومحمد بن عمرو بن علقمة والزهري وحبيب المعلم منهم ثلاثة مدنيون ورواه عن هؤلاء واقد بن محمد وأبو معاوية محمد بن حازم وحماد بن سلمة وحماد بن زيد وعبد العزيز بن محمد الدراوَرْديّ ومعمر وشعيب ابن أبى حمزة وعقيل بن خالد وصالح بن كيسان وعبد الرحمن بن خالد ويونس ابن يزيد منهم ثلاثة مدنيون ورواه عن هؤلاء من لا يحصى كثرة وقد ذكرنا أنه قول جميع الصحابة وقول عمر بن الخطاب مرويا عنه.
وروينا من طريق يحى بن سعيد القطان عن سفيان الثوري عن أسلم المنقري قلت: لعطاء: آتى مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فأصلى فيه؟ قال: فقال عطاء:
طواف واحد أحب إلى من سفرك إلى المدينة وهو قول أبى حنيفة وسفيان وأحمد وداود والشافعيّ وغيرهم.
وقال ابن عبد البر: وذكر أبو يحى الساجي قال: اختلف العلماء في تفضيل مكة على المدينة فقال الشافعيّ: مكة خير البقاع كلها وهو قول عطاء والمكيين والكوفيين.
وقال مالك: والمدنيون المدينة أفضل من مكة واختلف أهل البصرة والبغداديون في ذلك، فطائفة تقول مكة أفضل وطائفة تقول: المدينة أفضل
وقال عامة أهل الأثر: أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بمائة صلاة.
وقال القاضي عياض: إن تفضيل المدينة على مكة هو قول عمر بن الخطاب ومالك وأكثر المدنيين وذهب أهل مكة والكوفة إلى تفضيل مكة وهو قول عطاء وابن وهب وابن حيت من أصحاب مالك وحكاه الباجي عن الشافعيّ قال القاضي: ولا خلاف أن موضع قبره صلى الله عليه وسلم أفضل بقاع الأرض.
قال أبو الوليد الباجي: الّذي يقتضيه الحديث مخالف حكم مكة لسائر المساجد ولا يعلم منه حكمها مع المدينة وذهب الطحاوي إلى أن هذا التفضيل إنما هو تفضيل صلاة الفرض. وذهب مطرف من أصحابنا إلى أن ذلك في النافلة قال: وجمعته خير من جمعته ورمضانه خير من رمضانه.
واستدل المالكيون على تفضيل المدينة على مكة
بقوله صلى الله عليه وسلم: إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها
والنبي صلى الله عليه وسلم حرّم المدينة كما حرم إبراهيم مكة وإني دعوت في صاعها ومدها بمثل ما دعا به إبراهيم لأهل مكة وليس فيه إلا أنه صلى الله عليه وسلم حرمها كما حرم إبراهيم مكة ودعا لها كما دعا غير إبراهيم لمكة وليس في ذلك ما يقتضي تفضيلها على مكة.
وقد حرم صلى الله عليه وسلم الدماء والأعراض والأموال فما دل ذلك على فضل واحتجوا
بقوله صلى الله عليه وسلم اللَّهمّ بارك لنا في مدينتنا وبارك لنا في صاعنا ومدنا، اللَّهمّ إن إبراهيم عبدك وخليلك ونبيك وإنه دعاك لمكة وإني أدعوك للمدينة بمثل ما دعاك لمكة ومثله معه ويقول اللَّهمّ اجعل بالمدينة ضعفي ما جعلت بمكة من البركة،
وهذا أيضا إنما في الدعاء للمدينة بزيادة البركة وهي واللَّه مباركة.
وقد دعا إبراهيم عليه السلام لمكة بما أخبر به اللَّه تعالى إذ يقول:
فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ ولم يدع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للمدينة بأن تهوى أفئدة الناس إليها أكثر من هويها إلى مكة لأن الحج إلى مكة لا إلى المدينة فصح أن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للمدينة بمثل ما دعا إبراهيم
لمكة ومثله معه إنما هو مما في الثمرات وأن الثمار بالمدينة الآن أكثر مما بمكة وليس هذا من باب الفضل في شيء.
ومنها قوله: صلى الله عليه وسلم المدينة كالكير تنفى خبثها وتنصع طيبها وإنما تنفى الناس كما ينفى الكير خبث الحديث.
وهذا الحديث لا يقتضي أفضليته على مكة وليس هو على عمومه فقد قال تعالى وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ. وقال تعالى إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ فصح أنهم أخبث الخلق وقد كانوا بالمدينة وخرجوا منها، وطلحة والزبير وأبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وعبد اللَّه بن مسعود في عدة أخر، وهم أطيب الخلق فصح بيقين أنه صلى الله عليه وسلم لم يعن بأن المدينة تنفى الخبث إلا في خاص من الناس وفي خاص من الزمان لا عاما.
وقد نص على هذا صلى الله عليه وسلم كما
رجحه مسلم من طريق عبد العزيز الدراوَرْديّ عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبى هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال:
في حديث: ألا إن المدينة كالكير يخرج الخبث لا تقوم الساعة حتى تنفى المدينة شرارها كما ينفى الكير خبث الحديد.
وخرج النسائي حديث الأوزاعي عن إسحاق بن عبد اللَّه بن أبى طلحة عن أنس بن مالك عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ليس بلد إلا سيطؤه الدجال إلا المدينة ومكة على كل نقب من أنقاب المدينة صافين يحرسونها فينزل، فترجف المدينة ثلاث رجفات يخرج اللَّه منها كل منافق وكافر.
وهذا نص فيما قلنا وليس في جميع ذلك أنها أفضل من مكة إلا ما يقام عليه بدليل.
ومنها
قوله صلى الله عليه وسلم يفتح اليمن فيأتى قوم يسبون بأهليهم ومن أطاعهم والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون.
وذكر مثل هذا سواء في فتح الشام أو العراق
وقوله صلى الله عليه وسلم يأتى على الناس زمان يأتى الرجل ابن عمه هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء والمدينة خير
له لو كانوا يعلمون والّذي نفسي بيده لا يخرج أحد منهم رغبة عنها إلا أخلف اللَّه من هو خير منه
وهذا إنما في أن المدينة هي لهم من اليمن والشام والعراق وبلاد الرخاء ولا شك في هذا وليس في فضلها على مكة وهذا أيضا خاص بمن خرج منها طلب رخاء أو لغرض دنيا وأما من يخرج عنها لجهاد أو شيء من الخير فلا، بل كان خروج الذين خرجوا منها بجهاد ونحوه أفضل من إقامتهم بها بدليل أنه صلى الله عليه وسلم خرج عنها للجهاد وأمر الناس بالخروج معه وتوعد من تخلف بالمدينة لغير عذر وبعث أصحابه إلى اليمن والبحرين وعمان يدعون إلى الإسلام ويعلمون الناس القرآن والسنن فبطل التعلق بهذا الحديث على فضل المدينة على مكة.
وأما قوله لا يخرج منهم رغبة عنها إلى أخرى فإنه حق فإن من رغب عن المدينة أثم لرغبته عنها وكذلك من رغب عن مكة وليس في هذا فضل بها على مكة.
ومنها
قوله صلى الله عليه وسلم إن الإيمان يأزر إلى المدينة، كما تأرز الحية إلى جحرها
وليس في هذا فضلها على مكة وهو أيضا إخبار عن وقت دون وقت فإنّها اليوم من سنين مضت على خلاف ذلك.
فقد جاء هذا الخبر بزيادة كما
خرجه مسلم من طريق عاصم بن محمد ابن زيد بن عبد اللَّه بن عمر عن أبيه عن جده عبد اللَّه بن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهما قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ وهو يأزر بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها
ففي هذا أن الإيمان بين مسجد مكة ومسجد المدينة.
ومنها حديث أنس أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدر المدينة أوضع راحلته مرجعها وهذا إنما في حب النبي صلى الله عليه وسلم له، أو نعم كان يحبها لكن ليس فيه أنه كان يحبها أكثر من مكة ولا أنها أفضل من مكة.
ومنها
قوله صلى الله عليه وسلم: لا يكيد أحد أهل المدينة إلا انماع كما ينماع الملح في الماء، وقوله: لا يريد أحد أهل المدينة بشر إلا أذابه في النار ذوب الرصاص
وذوب الملح في الماء ومن أخاف أهل المدينة أخافه اللَّه وعليه لعنة اللَّه والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل اللَّه منه صرفا ولا عدلا.
وقوله: مثل هذا فيما أحدث فيها أو أوى محدثا وهذا كله إنما في الوعيد لمن كاد أهلها ولا يحل كيد مسلم وليس فيه أنها أفضل من مكة، وقد قال تعالى وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ وهذا نص صريح بوعيد من ظلم بمكة كوعيده صلى الله عليه وسلم من كاد أهل المدينة.
ومنها
قوله: لا يثبت أحد على لأوائها وشدتها إلا كنت له شيعا أو شهيدا يوم القيامة
وهذا إنما في الحض على الثبات على شدتها وأنه يكون لهم شفيعا وليس في هذا دليل على فضلها على مكة وقد صح أيضا أنه يشفع لجميع أمته
وقال صلى الله عليه وسلم: العمرة إلى العمرة كفارة لما بينها والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة
وهذه فضيلة لا تكون إلا لمكة والشفاعة يدخل فيها من برّ من المسلمين ومن فجر فتأمل ذلك يظهر لك منه تفضيل مكة.
ومنها
قوله: اللَّهمّ حبب إلينا المدينة كحبنا مكة وأشد
وهذا إنما في الدعاء في وقوع أحد الأمرين، إما أن يحببه تعالى المدينة كحبنا مكة أو أشد وهذا إنما فيه الدعاء في وقوع أحد الأمرين إما أن يحسبه تعالى المدينة كحبه صلى الله عليه وسلم مكة أو يحببه المدينة أكثر من حبه لمكة ولم يبين لنا أي الأمرين أجيب به دعاؤه وحب البلد يكون للموافقه وللألفه وليس في هذا فضل على مكة.
ومنها
قوله صلى الله عليه وسلم: لقاب قوس أحدكم من الجنة وموضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها.
وقوله: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة وقبري ومنبري على حوضي.
قال القاضي عياض، عن الطبري: فيه معنيان أحدهما أن المراد بالبيت بيت سكناه على الظاهر مع أنه روى ما يثبته بين حجرتي ومنبري والثاني أن البيت هنا القبر وهو قول يزيد بن أسلم في هذا الحديث كما روى بين قبري ومنبري.
قال الطبري: وإذا كان قبره في بيته فاتفقنا معا في الروايات ولم يكن فيها خلاف لأن قبره في حجرته وهو بيته.
قال: وقوله: ومنبري على حوضي يحتمل أنه منبره بعينه الّذي كان في المدينة وهو أظهر. والثاني أن يكون هناك له منبر والثالث أن قصه منبره والحوض عنده لملازمة الأعمال لصالحه يورد الحوض ويوجب الشرب منه.
قال القاضي: وقوله: روضة من رياض الجنة يحتمل معنيين أحدهما أنه موجب لذلك وأن الدعاء والصلاة فيه يستحق ذلك من الثواب كما قيل الجنة تحت ظلال السيوف.
والثاني أن تلك البقعة قد ينقلها اللَّه فتكون في الجنة بعينها قاله الداوديّ.
قال ابن حزم: وأرادوا أن يثبتوا من هذا أن مكة من الدنيا كموضع قاب قوسين من تلك الروضة وتلك الروضة خير من مكة وليس هذا كما ظنوه ولو كان ذلك لكانت مصر والكوفة خير من مكة والمدينة.
روينا عن مسلم حدثنا محمد بن عبد اللَّه بن نمير حدثنا محمد بن أنبأنا عبيد اللَّه هو ابن عمرو عن حبيب بن عبد الرحمن عن حفص بن عاصم عن أبى هريرة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم سيحان وحيجان والفرات والنيل كل من أنهار الجنة
وهذا ما لا يقوله مسلم: أن هذه البلاد من أجل ما فيها من أنهار الجنة خير من المدينة ومكة.
قال: وهذا أن الحديثين ليسا على ما يظنه أهل الجهل من أن تلك الروضة قطعه منقطعة من الجنة أو أن هذه الأنهار مهبطه من الجنة لأن اللَّه تعالى يقول: في الجنة: إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيها وَلا تَعْرى وَأَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَلا تَضْحى فهذه صفة الجنة وليست هذه الأنهار ولا تلك الروضة بهذه الصفة فصح كون تلك الروضة من الجنة إنما هو لفضلها وأن الصلاة فيها تؤدى إلى الجنة وأن تلك الأنهار لبركتها أضيفت إلى الجنة كما تقول: في اليوم الطيب هذا يوم من أيام الجنة، وكما قيل في العنان: إنها من دواب الجنة وكما
قال صلى الله عليه وسلم: الجنة تحت ظلال السيوف
وهذا في أرض الكفر بلا شك وليس في هذا فضل لها على مكة.
ثم لو صح ما ادعوه لما كان الفضل إلا لتلك الروضة خاصة لا لسائر المدينة وهذا خلاف قولهم.
فإن قالوا: ما قرب فيها أفضل مما بعد قلنا فليلزمكم على هذا أن تكون الجحفة ووادي القرى أفضل من مكة لأنهما أقرب إلى الروضة من مكة وهذا لا يقولونه، فبطل تعلقهم بهذا الخبر.
وقال أبو عمر بن عبد البر: اختلف الناس في تأويل قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
ما بين قبري ومنبري، وروى ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة فقال قوم: معناه أن البقعة ترفع يوم القيامة فتجعل في رياض الجنة. وقال آخرون: قال: فإنّهم يعنون أنه لما كان جلوسه صلى الله عليه وسلم وجلوس الناس إليه يتعلمون القرآن والدين هناك شبه ذلك الموضع بالروضة لكريم [يحصل فيه] في وأضافها إلى الجنة كما
قال صلى الله عليه وسلم: الجنة تحت ظلال السيوف
يعنى أنه عمل يوصل به إلى الجنة وهذا جائز شائع في لسان العرب واللَّه أعلم بما أراد من ذلك.
وقد استدل أصحابنا على أن المدينة أفضل من مكة بهذا الحديث وركبوا عليه
قوله صلى الله عليه وسلم: موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها
وهذا لا دليل فيه على ما ذهبوا إليه إلا أن قوله هذا أراد به ذم الدنيا والزهد فيها والترغيب في الآخرة فأخبر أن السير من الجنة خير من الدنيا كلها وأراد بذلك السوط التقليل لا أنه أراد موضع السوط بعينه بل موضع نصف سوط وربع سوط من الجنة الباقية خير من الدنيا الفانية وهذا مثل قوله تعالى: وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ لم يرد القنطار بعينه وإنما أراد الكثير وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لم يرد الدينار يعينه وانما أراد القليل أي أن منهم من يؤتمن على بيت مال فلا يخون ومنهم من يؤتمن على فلس أو نحوه فيخون على أن قوله:
روضة من رياض الجنة
يحتمل ما قال العلماء في ما قدمنا ذكره فلا حجة لهم في شيء مما ذهبوا إليه والمواضع كلها البقاع أرض اللَّه فلا يجوز أن يفضل منها شيء على شيء إلا بما يجب التسليم له وإني لا أعجب لمن يترك
قول:
رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذ وقف بمكة على الحجون وقيل: على الحزورة فقال: واللَّه إني لأعلم أنك خير أرض اللَّه وأحبها إلى اللَّه ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت، وهذا حديث صحيح.
رواه أبو سلمة بن عبد الرحمن عن أبى هريرة وعبد اللَّه بن عدي بن الحمراء جميعا عن النبي صلى الله عليه وسلم
فكيف يترك مثل هذا النص الثابت وبمال إلى أقوال لا تجامع مقاولة عليه؟
قال: وقد روى عن مالك ما يدل على أن مكة أفضل الأرض كلها ولكن المشهور عن أصحابه في مذهبه تفضيل المدينة ثم ذكر
من طريق أحمد بن داود حدثنا سحنون حدثنا عبد اللَّه بن وهب قال: حدثني مالك بن أنس أن آدم لما أهبط إلى الأرض بالهند أو بالسند قال: يا رب هذه أحب الأرض إليك أن تعبد فيها قال: بل مكة فسار آدم حتى أتى مكة فوجد عندها ملائكة يطوفون بالبيت ويعبدون اللَّه تعالى فقالوا: مرحبا يا آدم يا أبا البشر، إنا منتظروك هاهنا منذ ألفى سنة
قال: وكان مالك يقول: من فضل المدينة على مكة أنى لا أعلم فيها قبر نبي معروف غيرها وهذا واللَّه أعلم وجهه عندي من قول مالك، كأنه ما لا يشك فيه وما يقطع العذر خبره وإلا فإن الناس يزعم منهم الكثير أن قبر إبراهيم عليه السلام ببيت المقدس وإن قبر موسى عليه السلام هناك أيضا.
قال أبو عمر: إنما يحج بقبر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وبفضائل المدينة وما جاء فيها عنه صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه على من أنكر فضلها وجعلها كسائر بقاع الأرض لأن تلك الآثار أثبتت فضلها وأوضحت موضعها وكرامتها.
وأما من أقر بفضلها وعرف موضعها وأقر أنه ليس على وجه الأرض بعد مكة أفضل منه فقد أنزلها منزلها وخرج بها وعرف لها حقها واستعمل القول بما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في مكة لأن فضائل البلدان لا تدرك بالقياس والاستنباط وإنما سبيلها التوقيف، وكل يقول بما بلغه وصح عنده والآثار في فضل مكة عن السلف أكثر وفيها بيت اللَّه الّذي رضى من عباده على الحط لأوزارهم بقصده مرة في العمر
وقوله صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي أفضل من ألف
صلاة في ما سواه إلا المسجد الحرام
قال أبو محمد بن حزم تأويلهم أن الصلاة في مسجد المدينة أفضل من الصلاد في مسجد مكة بدون ألف وقلنا نحن: بل هذا الاستثناء لأن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد المدينة وكلا التأويلين محتمل، نعم.
وتأويل ثالث أيضا وهو إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في كليهما سواء فلا يجوز المصير إلى أحد هذه التأويلات إلا بنص آخر وبطل أن يكون في هذا الخبر بيان في فضل المدينة على مكة وقال: أبو عمر بن عبد البر اختلفوا في تأويله ومعناه فتأوله قوم منهم أبو بكر عبد اللَّه بن نافع الزبيري صاحب مالك على أن الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بدون ألف درجة، وأفضل من الصلاة في سائر المساجد بألف صلاة، وقال: بذلك جماعة من المالكيين ورواه بعضهم عن مالك.
وتأويل ابن نافع بعيد عند أهل المعرفة باللسان ويلزمه أن يقول: إن الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بتسعمائة ضعف وتسعة وتسعين ضعفا وإذا كان هذا كهذا لم يكن للمسجد الحرام فضل على سائر المساجد إلا بالجزء اللطيف على تأويل ابن نافع هذا.
وحسبك ضعفا بقوله: يؤول إلى هذا وقد زعم بعض المتأخرين من أصحابنا أن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة في المسجد الحرام بمائة صلاة ومن غيره بألف صلاة واحتج لذلك بما رواه سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد عن ابن عتيق قال: سمعت عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: صلاة في المسجد الحرام خير من مائة صلاة فيما سواه فتأول بعضهم هذا الحديث أيضا عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على أن الصلاة في مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خير من تسعمائة صلاة في المسجد الحرام، وهذا كله تأويل لا يعضده أصل ولا يقوم عليه دليل، وحديث سليمان بن عتيق هذا حجة فيه لأنه مختلف في إسناده وفي لفظه وقد خالفه فيه من هو أثبت منه. فمن الاختلاف عليه في ذلك ما ذكر من طريق قاسم بن أصبغ محمد بن وضاح حدثنا حامد بن يحيى حدثنا سفيان بن عيينة عن زياد بن سعد الخراساني أبى
عبد الرحمن قال: أخبرنا سليمان بن عتيق قال: سمعت عبد اللَّه بن الزبير يقول:
سمعت عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يقول: صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن طريق أبى عبد اللَّه سعيد بن عبد الرحمن المخزومي قال: حدثنا سفيان عن زياد بن سعد عن ابن عتيق قال سمعت ابن الزبير على المنبر يقول:
سمعت عمر بن الخطاب يقول: صلاة في المسجد الحرام أفضل من ألف صلاة.
فيما سواه من المساجد إلا مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فإنما فضله عليه بمائة صلاة.
فهذا خلاف ما ذكروه في حديث ابن عتيق عن ابن الزبير عن عمر فكيف يحتجون بحديث قد روى فيه ضد ما ذكروه أيضا في رواية الثقات إلى ما في إسناده من الاختلاف أيضا.
وقد ذكر عبد الرزاق عن ابن جريج قال: أخبرنى سليمان بن عتيق وعطاء عن ابن الزبير أنهما سمعاه يقول: صلاة في المسجد الحرام خير من مائتي صلاة فيه ويشير إلى مسجد المدينة.
وذكر من طريق قاسم بن أصبغ قال: حدثنا أبو يحيى بن أبى مرة ومحمد بن عبد السلام الخشنيّ قالا: حدثنا محمد بن أبى عمر حدثنا سفيان بن زياد بن سعد حدثنا سليمان بن عتيق قال: سمعت ابن الزبير يقول: سمعت عمر بن الخطاب يقول: صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فإنما فضله عليه بمائة صلاة.
فهذا حديث سليمان بن عتيق محتمل للتأويل لأن قوله: فضله عليه يحتمل الوجهين إلا أنه قد جاء عن عبد اللَّه بن الزبير أيضا من نقل الثقات خلاف ما تأوله عليه على أنه لم يتابع فيه سليمان بن عتيق على ذكره عمر وهو مما أخطأ فيه عندهم سليمان بن عتيق وانفرد به، وما انفرد به فلا حجة فيه وإنما الحديث محفوظ عن ابن الزبير على وجهين: طائفه توقفه عليه فتجعله من
قوله، وطائفة ترفعه عند النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى واحد أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بمائة ضعف.
هكذا رواه عطاء بن أبى رباح عن عبد اللَّه بن الزبير واختلف في رفعه عن عطاء على حسب ما ذكرنا وما رفعه منه عن النبي صلى الله عليه وسلم أحفظ وأثبت من جهة النقل وهو أيضا صحيح في النظر لأن مثله لا يدرك بالرأي ولا بدّ فيه من التوفيق فلهذا قلنا من رفعه أولى مع شهادة أئمة أهل الحديث الّذي رفعه عن ابن الزبير من رواية عطاء بن أبى رباح الحجاج بن أرطاة وابن جريح على أن ابن جريح رواه عن سليمان بن عتيق أيضا بمثل روايته عن عطاء سواء، فحديث الحجاج بن أرطاة حدثناه عبد الوارث بن سفيان حدثنا قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد ابن زهير حدثنا أبى حدثنا هشيم أخبرنا الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن عبد اللَّه ابن الزبير قال: الصلاة في المسجد الحرام تفضل على مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بمائة ضعف قال عطاء: فنظرنا في ذلك فإذا هي تفضل على سائر المساجد بمائة ألف ضعف.
ذكر عبد الرزاق وغيره عن أبى جريج قال: أخبرنى عطاء أنه سمع ابن الزبير يقول: على المنبر: صلاة في المسجد الحرام خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد قال: قلت: لم يسم مسجد المدينة قال: ليخيل إلى أنه إنما أراد مسجد المدينة.
قال ابن جريج: أخبرنى سليمان بن عتيق بمثل خبر عطاء هذا قال:
حدثني بشير بن الزبير إلى المدينة هكذا قال ابن جريج: بألف على ما أشار عليه وتأوله ابن جريج في حديثه هكذا تكون الصلاة في المسجد الحرام تفضل على الصلاة في كل المساجد غير مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بألف ألف ولكن الحديث لم يقمه ولا رواه إلا حبيب المعلم عن عطاء اقام إسناده وجود لفظه فأتى بالمعروف في الصلاة في المسجد الحرام بأنها بمائة ألف صلاة وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بألف صلاة
فذكر من طريق قاسم بن أصبغ حدثنا أبو يحيى عبد اللَّه ابن أبى مرة فقيه مكة حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن حبيب
المعلم عن عطاء بن أبى رباح عن عبد اللَّه بن الزبير قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجدي.
ومن طريقه أيضا حدثنا أحمد بن زهير حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن حبيب المعلم عن عطاء عن عبد اللَّه بن الزبير قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام، وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي هذا بمائة صلاة،
ما شبه حبيب المعلم هذا الحديث جودة ولم يخلط في لفظه ولا في معناه وكان ثقة وليس في هذا الباب عن ابن الزبير ما يحتج به عند أهل العلم بالحديث إلا حديث حبيب هذا، قال ابن أبى خيثمة: سمعت يحيى بن معين يقول: حبيب المعلم ثقة ما أصح حديثه وسأل أبو زرعه الرازيّ عن حبيب المعلم فقال: بصرى ثقة، وقد روى في هذا الباب عن عطاء عن جابر حديث نقلته ثقات كلهم بمثل حديث حبيب المعلم سواء وجائز أن يكون عند عطاء في ذلك عن جابر وعبد اللَّه بن الزبير فيكونان حديثين وعلى هذا يحمله أهل العلم بالحديث
فذكر من طريق قاسم حديث حكيم بن شعبه حدثنا عبيد اللَّه بن عمرو عن عبد الكريم الجزري عن عطاء بن أبى رابح عن جابر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه،
وحكيم بن سفيان هذا شيخ من أهل الرقة قد روى عنه أبو زرعة الرازيّ وغيره وأخذ عنه ابن وضاح وهو عندهم شيخ صدوق لا بأس به فإن كان حفظ فهما حديثان وإلا فالقول قول: حبيب المعلم على ما ذكرنا.
وقد روى في هذا الباب أيضا حديث بهذا المعنى عن عطاء عن ابن عمر مفردا وهو عندهم حديث آخر لا شك فيه لأنه
روى عن ابن عمر من وجوه، فذكر من طريق إسماعيل بن علية حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق حدثنا عبد الملك، عن عطاء عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صلاة في مسجدي هذا
أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فإن الصلاة فيه أفضل.
ومن طريق عمر بن عبيد عن عبد الملك عن عطاء ابن عمر قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام فهو أفضل.
ومن طريق أبى معاوية عن موسى الجهنيّ عن نافع عن ابن عمر قال:
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة في غيره إلا المسجد الحرام فإنه أفضل منه بمائة صلاة.
قال: وقد روى عن أبى الدرداء وجابر مثل هذا المعنى سواء فذكره من طريق أحمد بن عمر والرازيّ حديث سالم القداح حدثنا سعيد بن بشير عن إسماعيل بن عبيد اللَّه عن أم الدرداء عن أبى الدرداء قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فضل الصلاة في المسجد الحرام على غيره مائه ألف صلاة وفي مسجد بيت المقدس خمسمائة صلاة، قال البزار: هذا إسناد حسن وقد روى من حديث عثمان بن الأسود عن مجاهد عن جابر مثله سواء.
وروى عبد الحميد عن ابن عيينة قال: حدثني عمر بن سعيد عن أبيه عن أبى عمر والشيباني قال: قال عبد اللَّه بن مسعود: المرأة أفضل صلاتها في بيتها إلا في المسجد الحرام، وهذا تفضيل منه للصلاة فيه على الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لأن
النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: صلاة أحدكم في بيته أفضل من صلاته في مسجدي إلا المكتوبة
وقد اتفق مالك وسائر العلماء على أن صلاة العيدين يبرز لها في كل بلد إلا بمكة فإنّها تصلى في المسجد الحرام.
ومن طريق قاسم من حديث سفيان حدثنا الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبى هريرة قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام
قال سفيان: فيرون أن الصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائه ألف صلاة فيما سواه من المساجد، من طريق ابن وضاح قال: حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: سمعت ابن
وهب يقول: ما رأيت اعلم بتفسير الحديث من ابن عيينة قال: ابن عبد البر وحسبك في هذا الحديث
بقوله صلى الله عليه وسلم لمكة واللَّه إني لأعلم أنك خير أرض وأحبها إلى اللَّه ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت
وهذا من أصح الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وذكر من طريق عبد اللَّه بن عدي بن الحمراء ثم قال: وهذا قاطع في موضع الخلاف ثم ذكر
من طريق ابن سنجر حدثنا محمد بن عبيدة عن طلحة ابن مر عن عطاء عن ابن عباس قال: لما خرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من مكة قال:
أما واللَّه أنى لأخرج منك وإني لأعلم أنك أحب بلاد اللَّه إلى اللَّه وأكرمه على اللَّه ولولا أن أهلك أخرجونى منك ما خرجت
ومن طريق قاسم بن أصبغ حدثنا أحمد بن زهير حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد بن سلمة عن على بن زيد عن يوسف ابن مهران عن ابن عباس قال: قال على بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه إني لأعلم أحب بقعة إلى اللَّه في الأرض، وأفضل بئر في الأرض، وأطيب أرض في الأرض
فأما أحب بقعة في الأرض إلى اللَّه فالمسجد الحرام وما حوله وأفضل بئر في الأرض زمزم وأطيب أرض في الأرض ريحا الهند هبط بها آدم عليه السلام من الجنة فعلق شجرها من ريح الجنة فهذا عمر وعلى وابن مسعود وأبو الدرداء وابن عمر وجابر يفضلون مكة ومجدها وهم أولى بالتقليد ممن بعدهم وذكر عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: صلاة في المسجد الحرام خير من مائه صلاة في مسجد المدينة قال معمر: وسمعت أيوب يحدث عن أبى العالية عن عبد اللَّه بن الزبير مثل قول قتادة: وذكر عبد الملك بن حبيب عن مطرف عن أصبغ وعن ابن وهب أنهما كانا يذهبان إلى تفضيل الصلاة في المسجد الحرام على الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم على ما في أحاديث هذا الباب
قال ابن عبد البر: أصحابنا يقولون: أن قول ابن عيينة حجه حين حدث بحديث أبى الزبير عن أبى صالح عن ابى هريرة أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: يوشك أن يضرب الناس أكباد الإبل فلا يجدون عالما أعلم من عالم المدينة
قال: ابن
عيينة حجه لأنه إذا قال كانوا يرون غنما حكى عن التابعين فيلزمهم مثل ذلك في قول ذلك في قول ابن عيينة في تعبير حديث هذا الباب لأنه قال: إذ حدث به وكانوا يرون الصلاة في المسجد أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه ولا يشك عالم منصف في أن ابن عتيينة فوق ابن نافع في الفهم والفضل والعلم وأنه إذا لم يكن منهم بد من التقليد فتقليده أولى من تقليد ابن نافع وفيما ذكرنا من هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم عن ما سواهم، هذا ملخص ما ذكره في كتاب (التمهيد) وقال: في كتاب الاستذكار وقد ذكر حديث مالك عن أبى هريرة يرفعه صلاة في مسجدي هذا خير من ألف: صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وأجمعوا على صحته، واختلفوا في تأويله وكان عبد اللَّه بن نافع الزبيري صاحب مالك فيما روى يحيى بن يحيى عنه أنه سأله عن معنى هذا الحديث فقال: معناه أن الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلوات في سائر المساجد بألف صلاة إلا المسجد الحرام فإن الصلاة في مسجد لنبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الصلاة فيه دون الالف صلاة وهذا التأويل على بعده ومخالفة أكثر أهل العلم لما فيه فإنه لا حظ له في اللسان العربيّ لانه لا يقوم في اللسان الا بقرينه وبيان، لا بيان ولا دليل لمن تأول تأويل ابن نافع يشهد له وأهل العربية يقولون: إذا قلت اليمن أفضل من جميع البلاد بألف درجه إلا العراق جاز أن يكون العراق مساويا وفاضلا مفضولا إذا كان مساويا فقد علم مقدار فضله وإذا كان فاضلا أو مفضولا فمعلن في الفضل لا يعلم كم مقدار المفاضلة بينهما الا بقرينه ودليل على عدة درجات إما زائدة أو ناقصة فيحتاج إلى الإتيان وقد علمنا أنه لم يحتمل ابن نافع ما تأوله في الحديث إلا ما كان يذهب إليه هو وشيخه مالك من تفضيل المدينة على مكة وتفضيل مسجد النبي صلى الله عليه وسلم على صلى الله عليه وسلم على المسجد الحرام ثمّ ذكر على ما تقدم انتهى.
ومنها
قوله صلى الله عليه وسلم على أبواب المدينة ملائكة لا يدخلها الطاعون ولا الدجال
وهذا ليس فيه تفضيلها على مكة لأنه أخبر صلى الله عليه وسلم أن المدينة لا يدخلها الدجال.
خرج البخاري ومسلم من طريق الوليد بن مسلم حدثنا عمر حدثنا إسحاق قال: حدثني أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال: ليس بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة وليس نقب من أنقابها إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها فترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج اليه كل كافر ومنافق وقد صح أن الملائكة تنزل على المصلين في كل بلد كما
أخبر صلى الله عليه وسلم أنهم يتعاقبون فينا ملائكة بالليل والنهار
فشارك المدينة غيرها من البلاد في حلول الملائكة بها، ومنها
قوله صلى الله عليه وسلم هي طيبه
وصدق رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أنها واللَّه طيبة لكن ليس في هذا فضل لها على مكة واحتجوا بأن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال:
لعبد اللَّه بن عياش بن أبى ربيعة أنت القائل لمكة خير من المدينة فقال له عبد اللَّه: هي حرم اللَّه وأمنه وفيها قبلته، فقال له عمر إني لا أقول في حرم للَّه ولا في بيت اللَّه شيئا أنت القائل لمكة خير من المدينة ثم انصرف، وهذا ليس فيه إلا أن عبد اللَّه بن عياش وهو أحد الصحابة كان يقول: مكة أفضل من المدينة وليس في هذا الخبر عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه تفضيل المدينة على مكة ولا تفضيل مكة على المدينة وإنما فيه تقرير عبد اللَّه على هذا القول فقط وقد صح عن عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن مكة أفضل من المدينة كما تقدم من طريق قاسم بن أصبغ يقول: صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فهذان صاحبان لا يعرف لهما من الصحابة مخالف ومثل هذا حجة عندهم.
وخرج عبد الرزاق عن معمر عن عبد الكريم الجزري عن سعيد بن المسيب قال: من يعتكف في مسجد إيليا فاعتكف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أجزأ عنه ومن نذر أن يعتكف في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم فاعتكف في المسجد الحرام اجرأ عنه فهذا سعيد بن المسيب فقيه أهل المدينة يصرح بفضل مكة على المدينة كفضل
المدينة على بيت المقدس واحتجوا ونحوا فيه
بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ميتا فقال: دفن في التربة التي خلق منها
قالوا: والنبي صلى الله عليه وسلم دفن بالمدينة فمن تربتها خلق وهو أفضل الخلق فهي أفضل البقاع وهذا حديث روى من طريقين إحداهما فيها محمد بن الحسن بن زبالة عن أنيس بن يحيى مرسل والأخرى من رواية أبى خالد عن يحيى البكاء فأما محمد بن الحسن بن زبالة القرشي المخزومي المدني أحد المكثرين الضعفاء روى عن أسامة بن زيد وسعيد بن أبى سعيد المقبري ومالك بن أنس ومحمد بن جعفر بن أبى كثير وخلائف، وحدث عنه أبو خيثمة وأحمد بن صالح، والزبير بن بكار وجماعة اسقطوه لحديثه عن مالك عن هشام عن أبيه عن عائشة حديث فتحت البلاد بالسيف، وفتحت المدينة بالقرآن وبغير هذا من الحديث قال: أبو داود كذاب وقال ابن معين: واللَّه ما هو ثقة وقال البخاري: عنده مناكير قال أنب معين: كان يسرق الحديث، وقال النسائي:
وغيره متروك وقال أبو حاتم: وهي الحديث وليس بمتروك وما أبه حديثه بحديث عمر بن أبى بكر الموصلي والواقدي ويعقوب بن محمد الزهري وعبد العزيز بن عمران، وقال ابن حزم: هو ساقط بالجملة قال فيه يحيى:
ليس بالثقة وهو بالجملة متفق على اطراحه، وأما أنيس بن يحيى فقال ابن حزم: ولا ندري من أنيس بن يحيى، وأما أبو خالد فهو مجهول عن يحيى البكاء واختلف في أسم أبيه فقيل: مسلم وقيل: سليم وقيل: يحيى بن أبى خليد أبو مسلم وقيل: أبو سلم وقيل: أبو الحكم يروى عن أبى عمرو عن السعيد بن المسيب وأبى العالية وغيره ويروى عنه عبد الوارث بن سعيد وعلى بن عاصم، وجماعة قال أحمد: ليس بثقة وقال ابن معين: ليس بذاك وقال أبو زرعة ليس بقوى، وقال أبو حاتم: شيخ، وقال النسائي متروك الحديث وقال ابن عدي ويحيى البكاء هذا ليس بذاك المعروف وليس له كثير رواية فبهذا قد تبين ضعف الحديث بل قال فيه ابن حزم: وهذا خير موضوع ثم لو صح لما كانت فيه حجة لأنها قد دفن فيها المنافقون ودفن إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وهارون، وداود وسليمان في الشام ولا يقول: مسلم من آجل ذلك أن الشام أفضل من مكة
وفي حديث محمد بن الحسن ابن زبالة عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: فتحت البلاد بالسيف حديث: وفتحت المدينة بالقرآن
وقد اسقطوه لهذا ولغيره، وقال ابن عدي: وأنكر ما روى حدي هشام بن عروة حديث: فتحت القرى بالسيف وقال ابن حزم: وهذا أيضا من رواية محمد بن الحسن بن زبالة المذكور بوضع الحديث وهذا من وضعه بلا شك لأنه رواه عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا اسناد تفرد به ابن زبالة دون سائر من روى عن مالك من الثقات ثم لو صح ما كانت فيه حجه في فضلها لان البحرين وأكثر مدائن اليمن وصنعاء والجند لم تفتح بالسيف إلا بالقرآن فقط وليس ذلك بموجب فضلها على مكة عند كل أحد من المسلمين، ومنها
حديث ابن زبالة عن مالك عن يحيى بن سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: ما على الأرض بقعة أحب إلى اللَّه تعالى من أن يكون قبري فيها منها،
هكذا رواه مرسلا ولو صح لما كان فيه حجه في فضلها على مكة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كره للمهاجرين؟ وهو عندهم أن يرجعوا إلى مكة ليحشروا غرباء مطرودين عن وطنهم في اللَّه تعالى، حتى أنه صلى الله عليه وسلم رثى لسعد ابن خولة أن مات بمكة ولم يجعل للمهاجر معه تمام نسكه أن يبقى بمكة إلا ثلاث ليال فقط فإذا خرجت مكة بهذه العلة على أن يدفن فيها النبي صلى الله عليه وسلم فالمدينة أفضل البقاع بعدها بلا شك وقد.
خرج البزار من طريق أبى نعيم الفضل بن دكين حدثنا محمد بن قيس عن أبى برده بن أبى موسى الأشعري عن أبى موسى قال: مرض سعد بمكة فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقال له: يا رسول اللَّه أليس نكره أن يموت الرجل في الأرض التي هاجر منها قال: بلى
وذكر باقي الحديث هذا نص ما قلنا ومنها
حديث محمد بن زبالة عن محمد بن إسماعيل عن سليمان بن بريدة وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: في حين خروجه من مكة اللَّه إنك أخرجتني من أحب البقاع إلى فأسكني أحب البقاع إليك
هكذا ذكره مرسلا. قال ابن عبد البر: وقد ذكر حديث عبد اللَّه ابن عدي بن الحمراء الّذي تقدم هو حديث ثابت عند جماعة أهل العلم بالحديث ولم يأن عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجه صحيح شيء يعارضه الا ما رواه
محمد بن الحسن بو زبالة وهو متروك الحديث مجتمع على ترك الاحتجاج بحديثه وقد انفرد بهذا الحديث وهذا الحديث لا يصح عند أهل العلم بالحديث وقال ابن حزم: وهذا موضع من رواية محمد بن الحسن بن زبالة ومنها حديث محمد بن الحسن عن يحيى بن عبد الرحمن عن عمرة بنت عبد الرحمن قال رافع ابن خديج قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خير من مكة ورواه محمد بن عبد الرحمن ابن الرداد بن عبد اللَّه بن شريح بن مالك القرشي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عبيدة ابنه عبد الرحمن عن رافع بن خديج عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه عبد اللَّه بن رافع الصانع صاحب مالك عن محمد بن عبد الرحمن الرداد عن يحيى بن سعيد عن عمرة قال رافع: ومحمد بن زبالة هو صاحب هذه الفضائح كلها المتعود بوضعها ومحمد بن عبد الرحمن بن الرداد قال ابن عدي: مدينى من ولد ابن أم مكتوم رواياته ليست بمحفوظة وقال ابن حزم: مجهول لا يدريه أحد وعبد اللَّه بن نافع وفيه مقال.
وقد خرج مسلم [ (1) ] هذا الخبر من طريق عبد اللَّه بن مسلمة القصبي قال:
حدثنا سليمان بن بلال عن عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير بن مطعم أن مروان خطب الناس فذكر مكة وأهلها وحرمتها فناداه رافع بن خديج فقال: ما لي أسمعك ذكرت مكة وأهلها وحرمتها ولم تذكر المدينة وأهلها وحرمتها وقد حرم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ما بين لابتيها، وذلك عندنا في أديم خولانى وإن شئت أقرأتكه قال: فسكت مروان ثم قال قد سمعت بعض ذلك قال: وهكذا كله كان الحديث فبدله أهل الزيغ عصبية عجل اللَّه تعالى لهم بها الفضيحة في الكذب على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم واللَّه أعلم.
***
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 9/ 144، كتاب الحج، باب (85) فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة، وبيان تحريها، وتحريم صيدها، وشجرها، وبيان حدود حرمها، حديث رقم (457) .