الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل ذكر أمناء رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
اعلم أنه كان لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عدة أمناء،
فخرج البخاري ومسلم من حديث أبى سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع حسان بن ثابت الأنصاري يستشهد أبا هريرة: أنشدك اللَّه هل سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: يا حسان أجب عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، اللَّهمّ أيده بروح القدس؟ قال أبو هريرة: نعم.
ذكره البخاري في كتاب الصلاة، في باب الشعر في المسجد. وذكره في كتاب الأدب في باب هجاء المشركين [ (1) ] .
وخرج البخاري ومسلم من حديث شعبة عن عدي بن ثابت قال سمعت:
البراء بن عازب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت اهجهم أو هاجهم وجبريل معك.
ذكره البخاري في كتاب الأدب، باب هجاء المشركين، وفي كتاب المغازي، في آخر باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بنى قريظة ومحاصرته إياهم، من حديث عدي بن ثابت عن البراء بن عازب رضى اللَّه
[ () ] مات بين الخمسين والستين، وساق بإسناد له أن مروان لما كان واليا على المدينة من قبل معاوية أرسل إلى أبى قتادة ليريه مواقف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فانطلق معه فأراه.
ويدل على تأخره أيضا ما أخرجه عبد الرزاق عن معمر، عن عبد اللَّه بن محمد بن عقيل- أن معاوية لما قدم المدينة تلقاه الناس، فقال لأبى قتادة: تلقاني الناس كلهم غيركم يا معشر الأنصار، (الإصابة) : 7/ 327- 329، ترجمة رقم (10405) .
[ (1) ](فتح الباري) : 1/ 720، كتاب الصلاة باب (68) الشعر في المسجد، حديث رقم (453)، (فتح الباري) : 6/ 374، كتاب بدء الخلق باب (6) ذكر الملائكة، حديث رقم (3212) (فتح الباري) : 10/ 669، كتاب الأدب باب (91) هجاء المشركين حديث رقم (6152) .
تبارك وتعالى عنه قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يوم قريظة لحسان من ثابت: اهج المشركين، فإن جبريل معك [ (1) ] .
وخرج مسلم [ (2) ] من حديث عمارة بن غزية عن محمد بن إبراهيم عن سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أن رسول
[ (1) ](فتح الباري) : 7/ 529، كتاب المغازي، باب (31) مرجع النبي صلى الله عليه وسلم من الأحزاب ومخرجه إلى بنى قريظة، ومحاصرته إياهم، حديث رقم (4142)، (فتح الباري) : 10/ 669، كتاب الأدب باب (91) هجاء المشركين، حديث رقم (6153) .
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 16/ 282- 284، كتاب فضائل الصحابة باب (34) فضائل حسان ابن ثابت رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، حديث رقم (157)، وتمامه: قال حسان:
هجوت محمدا فأجبت عنه
…
وعند اللَّه في ذاك الجزاء
هجوت محمدا برا حنيفا
…
رسول اللَّه شيمته الوفاء
فإن أبى ووالده وعرضي
…
لعرض محمد منكم وفاء
ثكلت بنيتي إن لم تروها
…
تثير النقع من كنفى كداء
يبارين الأعنة مصعدات
…
على أكتافها الأسل الظماء
تظل جيادنا متمطرات
…
تلطمهن بالخمر النساء
فإن أعرضتموا عنا اعتمرنا
…
وكان الفتح وانكشف الغطاء
وإلا فاصبروا لضراب يوم
…
يعز اللَّه فيه من يشاء
وقال اللَّه قد أرسلت عبدا
…
يقول الحق ليس به خفاء
وقال اللَّه قد يسرت جندا
…
هم الأنصار عرضتها اللقاء
يلاقى كل يوم من معدّ
…
سباب أو قتال أو هجاء
فمن يهجو رسول اللَّه منكم
…
ويمدحه وينصره سواء
وجبريل رسول اللَّه فينا
…
وروح القدس ليس له كفاء
قوله «لأفرينهم بلساني فرى الأديم» أي لأمزقن أعراضهم تمزيق الجلد.
قوله صلى الله عليه وسلم «هجاهم حسان فشفى واشتفى»
أي شفى المؤمنين واشتفى هو بما ناله من أعراض الكفار ومزقها ونافخ عن الإسلام والمسلمين قوله «هجوت محمدا برا تقيا» وفي كثير من النسخ حنيفا بدل تقيا فالبر بفتح الباء الواسع الخير وهو مأخوذ من البر بكسر الباء وهو الاتساع في
_________
[ () ] الإحسان وهو اسم جامع للخير وقيل البر هنا بمعنى المتنزه عن المآثم وأما الحنيف فقيل هو المستقيم والأصح أنه المائل إلى الخير وقيل الحنيف التابع إبراهيم صلى الله عليه وسلم. قوله: «شيمته الوفاء» أي خلقه. قوله:
«فان أبى ووالدتي وعرضي
…
لعرض محمد منكم وقاء»
هذا مما احتج به ابن قتيبة لمذهبه أن عرض الإنسان هو نفسه لا أسلافه لأنه ذكر عرضه وأسلافه بالعطف وقال غيره: عرض الرجل أموره كلها التي يحمد بها ويذم من نفسه وأسلافه وكان ما لحقه نقص يعيبه وأما قوله وقاء فبكسر الواو وبالمد وهو ما وقيت به الشيء. قوله «تثير النقع» أي ترفع الغبار وتهيجه. قوله: «من كنفى كداء» هو بفتح النون أي جانبي كداء بفتح الكاف وبالمد هي ثنية على باب مكة سبق بيانها في كتاب الحج وعلى هذه الرواية في هذا البيت أقواء مخالف لباقيها وفي بعض النسخ: غايتها كداء وفي بعضها: موعدها كداء. قوله «يبارين الأعنة» ويروى يسار عن الأعنة، قال القاضي: الأول هو رواية الأكثرين ومعناه أنها لصرامتها وقوة نفوسها تضاهي أعنتها بقوة جبذها لها وهي منازعتها لها أيضا قال القاضي وفي رواية ابن الحذاء يبارين الأسنة وهي الرماح قال فان صحت هذه الرواية فمعناها أنهن يضاهين قوامها واعتدالها.
قوله «مصعدات» أي مقبلات إليكم ومتوجهات يقال: أصعد في الأرض إذا ذهب فيها مبتدئا ولا يقال للراجع.
قوله: «على أكتافها الأسل الظماء» أما أكتافها فبالتاء المثناة فوق والأسل بفتح الهمزة والسين المهملة وبعدها لام هذه رواية الجمهور، والأسل الرماح والظماء الرقاق فكأنها لقلة مائها عطاش وقيل المراد بالظماء العطاش لدماء الأعداء وفي بعض الروايات الأسد الظماء بالدال أي الرجال المشبهون للأسد العطاش الى دمائكم.
قوله: «تظل جيادنا متمطرات» أي تظل خيولنا مسرعات يسبق بعضها بعضا. قوله «تلطمهن بالخمر النساء» أي تمسحهن النساء بخمرهن بضم الخاء والميم جمع خمار أي يزلن عندهم الغبار وهذا لعزتها وكرامتها عندهم وحكى القاضي أنه روى بالخمر بفتح الميم جمع خمرة وهو صحيح المعنى لكن الأول هو المعروف وهو الأبلغ في إكرامها.
اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: اهجوا قريشا فإنه أشدّ عليها من رشق النبل، فأرسل إلى ابن رواحة فقال: اهجهم فهجاهم، فلم يرض، فأرسل إلى كعب بن مالك، ثم أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه ثم أدلع لسانه فجعل يحركه فقال: والّذي بعثك بالحق لأفرينهم بلساني فرى الأديم، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا تعجل فإن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وإن لي فيهم نسبا حتى يلخص لك نسبي، فأتاه حسان ثم رجع فقال: يا رسول اللَّه قد لخص لي نسبك، والّذي بعثك بالحق لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين، قالت عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها:
فسمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول لحسان: إن روح القدس لا يزال يؤيدك ما نافحت عن اللَّه ورسوله، وقالت: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: هجاهم حسان فشفى واشتفى.
وقد تقدم التعريف بحسان بن ثابت الأنصاري، وكعب بن مالك، وأبى ابن كعب، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم. وعبد اللَّه بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس الأكبر بن مالك بن كعب بن الخزرج الأنصاريّ أبو محمد، أحد النقباء، شهد العقبة وبدرا وما بعدها، واستشهد بمؤتة في جمادى سنة ثمان، وهو أحد الأمينين، وأحد الشعراء، وفي حسان وكعب بن مالك نزل قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ [ (1) ] .
***
[ () ] قوله: «وقال اللَّه قد يسرت جندا» أي هيأتهم وأرصدتهم. قوله: «عرضتها اللقاء» هو بضم العين أي مقصودها ومطلوبها. قوله: «ليس له كفاء» أي مماثل ولا مقاوم. واللَّه تبارك وتعالى أعلم.
[ (1) ] الشعراء: 227، وفي (الأصل) : حتى وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً.