الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السادسة: هل كان يجب عليه صلى الله عليه وسلم أن يقسم بين نسائه رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهنّ
؟
على وجهين:
أحدهما: لا يجب عليه. وقال أبو سعيد الاصطخرى، والماوردي، وطائفه، وصححه الغزالي في (الخلاصة) ، وعليه القسم في الوجهين.
والثاني: أنه يجب، وصححه الشيخ أبو حامد، والعراقيون، وتابعهم البغوي، وهو في ظاهر نصه في (الأم) .
ومأخذ الخلاف في هذه المسائل وأخواتها، أن الزوجات في حقه صلى الله عليه وسلم كالسرارى في حق غيره، أو كالزوجات، وفيه وجهان: فإن جعلناهن كالسرارى لم يشترط الولي ولا الشهود، وانعقد نكاحه في الإحرام، وبلفظ الهبة، ولم ينحصر عدد منكوحاته ولا طلاقه، ولا يجب عليه القسم، وإن جعلناهن كالزوجات انعكس الحكم.
واحتج من لم ير القسم واجبا، وإنما كان يتطوع به، لأن في وجوبه عليه صلى الله عليه وسلم شغلا عن لوازم الرسالة، ولقوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ [ (1) ]
…
الآية، أي تبعد من تشاء فلا تقسم لها، وتقرب من تشاء وتقسم لها.
ولما خرجه مسلم [ (2) ] من حديث شعبة، عن هشام بن زيد، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في غسل واحد.
[ (1) ] الأحزاب: 51.
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 3/ 224، كتاب الحيض، باب (6) جواز نوم الجنب، واستحباب الوضوء له وغسل الفرج إذا أراد أن يأكل، أو يشرب، أو ينام، أو يجامع، حديث رقم (28)، قال الإمام النووي: وأما طوافه صلى الله عليه وسلم على نسائه بغسل واحد فيحتمل أنه صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ بينهما أو يكون المراد بيان جواز ترك الوضوء
وقد جاء في (سنن أبى داود) أنه صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه ذات ليلة يغتسل عند هذه وعند هذه! فقيل يا رسول اللَّه: ألا تجعله غسلا واحدا
وخرجه الترمذي [ (1) ] من حديث سفيان عن معمر، عن قتادة، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله، وقال: حديث أنس حديث
[ () ] فقال: هذا أذكى وأطيب وأطهر.
قال أبو داود والحديث الأول أصح. قلت: وعلى تقدير صحته يكون هذا في وقت وذاك في وقت واللَّه أعلم.
واختلف العلماء في حكمة هذا الوضوء فقال أصحابنا لأنه يخفف الحدث فإنه يرفع الحديث عن أعضاء الوضوء. وقال أبو عبد اللَّه المازري رضى اللَّه عنه اختلف في تعليله فقيل:
ليبيت على إحدى الطهارتين خشية أن يموت في منامه وقيل: بل لعله أن ينشط إلى الغسل إذا نال الماء أعضاءه. قال المازري: ويجرى هذا الخلاف في وضوء الحائض قبل أن تنام فمن علل بالمبيت على طهارة استحبه لها. هذا كلام المازري.
وأما أصحابنا فإنّهم متفقون على أنه لا يستحب الوضوء للحائض والنفساء لأن الوضوء لا يأثر في حدثهم فإن كانت الحائض قد انقطعت حيضتها صارت كالجنب واللَّه أعلم.
وأما طواف النبي صلى الله عليه وسلم على نسائه فهو محمول على أنه كان برضاهن أو برضى صاحبة النوبة إن كانت نوبة واحدة فهذا التأويل يحتاج إليه من يقول كان القسم واجبا على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في الدوام كما يجب علينا.
وأما من لا يوجبه فلا يحتاج إلى تأويل فإن له أن يفعل ما يشاء وهذا الخلاف في وجوب القسم هو وجهان لأصحابنا واللَّه أعلم.
وفي هذه الأحاديث المذكورة في الباب أن غسل الجنابة ليس على الفور وإنما يتضيق على الإنسان عند القيام إلى الصلاة وهذا بإجماع المسلمين وقد اختلف أصحابنا في الموجب لغسل الجنابة، هل هو حصول الجنابة بالتقاء الختانين أو إنزال المنى أم هو القيام إلى الصلاة أم هو حصول الجنابة مع القيام إلى الصلاة؟ في ثلاثة أوجه لأصحابنا ومن قال: يجب بالجنابة قال:
هو وجوب موسع، وكذا اختلفوا في موجب الوضوء هل هو الحدث أم القيام إلى الصلاة أم المجموع؟ وكذا اختلفوا في الموجب لغسل الحيض هل هو خروج الدم أم انقطاعه؟ واللَّه أعلم.
[ (1) ](سنن الترمذي) : 1/ 259، أبواب الطهارة، باب (106) ما جاء في الرجل يطوف على نسائه بغسل واحد، حديث رقم (140)، قال أبو عيسى: حديث أنس حديث حسن صحيح، ثم قال في هامشه: الحديث نسبه المجد بن تيمية في المنتقى للجماعة إلا البخاري، وتعقبه الشوكانى في (نيل الأوطار)، فقال: الحديث أخرجه البخاري أيضا من حديث قتادة عن
حسن صحيح، [أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه بغسل واحد وهو قول غير واحد من أهل العلم، منهم الحسن البصري: أن لا بأس أن يعود قبل أن يتوضأ][ (1) ]، وقد روى محمد بن يوسف هذا عن سفيان فقال: عن أبى عروة، عن أبى الخطاب عن أنس، وأبو عروة وهو: معمر بن راشد، وأبو الخطاب:
قتادة بن دعامة. [قال أبو عيسى: ورواه بعضهم عن محمد بن يوسف عن سفيان عن ابن أبى عروة، عن أبى الخطاب، وهو خطأ، والصحيح: عن أبى عروة] .
وخرجه أبو داود [ (2) ] من حديث إسماعيل، قال: أنبأنا حميد الطويل، عن أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طاف على نسائه في غسل واحد قال أبو داود: هكذا رواه هشام بن زيد، عن أنس ومعمر، عن قتادة.
وخرج البخاري [ (3) ] والنسائي [ (4) ] من حديث عبد الأعلى بن حماد، قال:
حدثنا يزيد بن زريع، قال: حدثنا سعيد عن قتادة، أن أنس بن مالك حدثهم أن
[ () ] أنس بلفظ: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل أو النهار، وهن أحدى عشر، قال: قلت لأنس بن مالك: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه صلى الله عليه وسلم أعطى قوة ثلاثين.
[ (1) ] ما بين الحاصرتين زيادة للسياق من (سنن الترمذي) .
[ (2) ](سنن أبى داود) : 1/ 148- 149، كتاب الطهارة، باب (85) في الجنب يعود، حديث رقم (218) .
[ (3) ](فتح الباري) : 1/ 497، كتاب الغسل، باب (12) إذا جامع ثم عاد، حديث رقم (268) ، وذكره في كتاب النكاح باب (4) كثرة النساء، حديث رقم (5068) .
[ (4) ](سنن النسائي) : 6/ 361، كتاب النكاح، باب (1) ، ذكر أمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في النكاح وأزواجه وما أباح اللَّه عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم وحظره على خلقه زيادة في كراماته وتنبيها لفضيلته، حديث رقم (3198) ، أخرجه النسائي أيضا في عشرة النساء من (الكبرى) ، باب طواف الرجل في الليلة الواحدة، حديث رقم (148) ، وذكره في كتاب عشرة النساء من (المجتبى) ، باب (1) حب النساء، حديث رقم (3949) .
نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة، وله يومئذ تسع نسوة.
ذكره البخاري في كتاب الغسل، وفي كتاب النكاح. وذكره النسائي في أول كتاب النكاح، وفي كتاب العشرة.
وللبخاريّ [ (1) ] من حديث هشام عن قتادة، قال: أنبأنا أنس بن مالك قال:
كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار، وهن
[ (1) ](فتح الباري) : 1/ 497، كتاب الغسل، باب (12) إذا جامع ثم عاد. ومن دار على نسائه في غسل واحد، حديث رقم (268) وقد جمع ابن حبان في (صحيحه) بين الروايتين بأن حمل ذلك على حالتين، لكنه وهم في قوله:«إن الأولى كانت في أول قدومه المدينة حيث كان تحته تسع نسوة، والحالة الثانية في آخر الأمر حيث اجتمع عنده إحدى عشرة امرأة» وموضع الوهم منه أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن تحته امرأة سوى سودة، ثم دخل على عائشة بالمدينة، ثم تزوج أم سلمة، وحفصة، وزينب بنت خزيمة في السنة الثالثة والرابعة، ثم تزوج زينب بنت جحش في الخامسة، ثم جويرية في السادسة، ثم صفية وأم حبيبة وميمونة في السابعة، وهؤلاء جميع من دخل بهن من الزوجات بعد الهجرة على المشهور.
واختلف في ريحانة وكانت من سبى بنى قريظة فجزم ابن إسحاق بأنه عرض عليها أن يتزوجها ويضرب عليها الحجاب فاختارت البقاء في ملكه، والأكثر على أنها ماتت قبله في سنة عشر، وكذا ماتت زينب بنت خزيمة بعد دخولها عليه بقليل، قال ابن عبد البر: مكثت عنده شهرين أو ثلاثة.
فعلى هذا لم يجتمع عنده من الزوجات أكثر من تسع، مع أن سودة كانت وهبت يومها لعائشة، فرجحت رواية سعيد.
لكن تحمل رواية هشام على أنه ضم مارية وريحانة إليهن وأطلق عليهنّ لفظ «نسائه تغليبا. وقد سرد الدمياطيّ- في (السيرة) التي جمعها- من اطلع عليه من أزواجه ممن دخل بها أو عقد عليها فقط أو طلقها قبل الدخول أو خطبها ولم يعقد عليها فبلغت ثلاثين، وفي (المختارة) من وجه آخر عن أنس «تزوج خمس عشرة: دخل منهم بإحدى عشرة ومات عن تسع» وسرد أسماءهن أيضا أبو الفتح اليعمري ثم مغلطاى فزدن على العدد الّذي ذكره الدمياطيّ، وأنكر ابن القيم ذلك.
إحدى عشرة، قلت لأنس: وكان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه أعطى قوة ثلاثين. وقال سعيد: عن قتادة، أن أنس حدثهم: تسع نسوة. ذكره في باب إذا جامع ثم عاود. ومن دار على نسائه في غسل واحد.
وقال القاضي أبو بكر بن العربيّ: إن اللَّه تعالى خصّ نبيه صلى الله عليه وسلم بأشياء في النكاح، منها أنه أعطاه ساعة لا يكون لأزواجه فيها حقّ يدخل فيها على جميع أزواجه، فيحصل ما يريد منهن، وفي كتاب مسلم أن تلك الساعة بعد العصر، فلو اشتغل كانت بعد المغرب أو غيره، فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الليل والنهار، وهذا كله بناء على وجوب القسم عليه.
والّذي يظهر من أحاديث الوجوب، منها ما خرجه مسلم [ (1) ] من حديث سليمان بن المغيرة قال: «كان للنّبيّ صلى الله عليه وسلم تسع نسوة، فكان إذا قسم بينهن لا ينهى إلى المرأة الأولى [إلا] في تسع فكن يجتمعن كل ليله في بيت التي يأتيها، فكان في بيت عائشة، فجاءت زينب، فمد يده إليها، فقالت: هذه زينب، فكف النبي صلى الله عليه وسلم يده، فتقاولتا حتى استحثتا، وأقيمت الصلاة، فمر أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه على ذلك، فسمع أصواتهما، فقال: اخرج يا رسول اللَّه إلى الصلاة، واحث في أفواههنّ التراب، فخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فقالت عائشة: الآن
[ () ] والحق ان الكثرة المذكورة محمولة على اختلاف في بعض الأسماء، وبمقتضى ذلك تنقص العدة. واللَّه أعلم.
قوله: (أو كان) بفتح الواو هو مقول قتادة والهمزة للاستفهام ومميز ثلاثين محذوف أي ثلاثين رجلا، ووقع في رواية الإسماعيلي من طريق أبى موسى عن معاذ بن هشام «أربعين» بدل ثلاثين، وهي شاذة من هذا الوجه لكن في مراسيل طاوس مثل ذلك، وزاد «في الجماع» وفي (صفة الجنة) لأبى نعيم من طريق مجاهد مثله وزاد «من رجال أهل الجنة» ، ومن حديث عبد اللَّه بن عمرو رفعه «أعطيت قوة أربعين في البطش والجماع» وعند أحمد والنسائي وصححه الحاكم من حديث زيد بن أرقم رفعه «إن الرجل من أهل الجنة ليعطي قوة مائة في الأكل والشرب والجماع والشهوة» فعلى هذا يكون حساب قوة نبينا أربعة آلاف.
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 10/ 299، كتاب الرضاع، باب (13) القسمة بين الزوجات، حديث رقم (1462) .
يقضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلاته فيجيء أبو بكر فيفعل بى ويفعل، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته أتاها أبو بكر فقال لها قولا شديدا وقال: أتصنعين هذا؟.
وفيها ما أخرجه البخاري [ (1) ] من طريق زهير عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة.
وخرجه مسلم [ (2) ] من حديث جرير عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: يا رسول اللَّه قد جعلت يومى منك لعائشة فكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة يومين يومها ويوم سودة.
[ومنها ما خرجه البخاري [ (3) ] ومسلم [ (4) ]] [ (5) ] من حديث ابن جريح، أخبرنى عطاء قال حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بسرف
[ (1) ](فتح الباري) : 9/ 390، كتاب النكاح، باب (99) المرأة تهب يومها من زوجها لضرتها، وكيف يقسم ذلك، حديث رقم (5212)، قال العلماء: إذا وهبت يومها لضرتها قسم الزوج لها يوم ضرتها، فإن كان تاليا ليومها، وإلا لم يقدمه عن رتبته في القسم إلا برضا من بقي.
وقالوا: إذا وهبت المرأة يومها لضرتها، فإن قبل الزوج لم يكن للموهوبة أن تتمتع، وإن لم يقبل لم يكره على ذلك، وإذا وهبت يومها لزوجها ولم تتعرض للضرة، فهل له أن يخص واحدة إن كان عنده أكثر من اثنتين، أو يوزعه بين من بقي؟.
وللواهبة في جميع الأحوال الرجوع عن ذلك متى أحبت، لكن فيما يستقبل، لا فيما مضى، وأطلق ابن بطال أنه لم يكن لسودة الرجوع في يومها الّذي وهبته لعائشة. (فتح الباري) .
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 10/ 302، كتاب الرضاع، باب (14) جواز هبتها نوبتها لضرتها، حديث رقم (47) .
[ (3) ](فتح الباري) : 9/ 139، كتاب النكاح، باب (4) كثرة النساء، حديث رقم (5067) ، ويستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته، وفيه حديث كسر عظم المؤمن ميتا ككسره حيا، أخرجه أبو داود، وابن ماجة، وصححه ابن حبان. (فتح الباري) .
[ (4) ](مسلم بشرح النووي) : 10/ 304، كتاب الرضاع، باب (14) جواز هبتها نوبتها لضرتها، حديث رقم (51) . قال الإمام النووي: وأما قول عطاء: التي لم يقسم لها صفية، فقال
فقال ابن عباس: هذه زوج النبي صلى الله عليه وسلم فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوا ولا تزلزلوا وأرفقوا فإنه كان عند رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم تسع نسوة فكان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة. قال عطاء: التي لا يقسم لها صفية بنت حيي بن أخطب، وقال البخاري: فلا تزعزعوها ولا تزلزلوها.
ومنها ما خرجه مسلم [ (1) ] ، أبو داود [ (2) ] من حديث سفيان، عن محمد ابن أبى بكر عن عبد الملك بن أبى بكر بن عبد الرحمن أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين
[ () ] العلماء: هو وهم من ابن جريح الراويّ عن عطاء، وإنما الصواب: فقال الزهري: هي ميمونة، وقيل: أم شريك، وقيل: زينب بنت خزيمة.
[ (5) ] زيادة يقتضيها السياق.
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 10/ 296، كتاب الرضاع، باب (12) قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف، حديث رقم (42) .
[ (2) ](سنن أبى داود) : 2/ 594- 595، كتاب النكاح، باب (35) ، حديث رقم (2122) .
قال الخطابي في (معالم السنن) : اختلف العلماء في تأويل ذلك، فقال بعضهم: الثلاث تخصص للثيب لا يحتسب بها عليها، ويستأنف القسم فيما يستقبل، وكذلك السبع للبكر، وإلى هذا ذهب مالك والشافعيّ وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وقد روى ذلك عن الشعبي.
وقال أصحاب الرأى: البكر والثيب في القسم سواء، وهو قول الحكم وحماد.
وقال الأوزاعي: إذا تزوج البكر على الثيب مكث ثلاثا، وإذا تزوج الثيب على البكر يمكث يومين.
قال الشيخ: السبع في البكر والثلاث في الثيب حق العقد خصوصا لا يحاسبان على ذلك ولكن يكون لهما عفوا بلا قصاص.
وقوله «إن شئت سبعت لك، سبعت لنسائي» ليس فيه دليل على سقوط حقها الواجب لها إذا لم يسبع لها وهو الثلاث التي هي بمعنى التسويغ لها، ولو كان ذلك بمعنى التبدئة ثم يحاسب عليها لم يكن للتخيير معنى، لأن الإنسان لا يخير بين جميع الحق وبين بعضه فدل على أنه بمعنى التخصيص.
قال الشيخ: ويشبه أن يكون هذا من المعروف الّذي أمر اللَّه تعالى به في قوله وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ [النساء: 19] وذلك أن البكر لما فيها من الخفر والحياء تحتاج إلى
تزوج أم سلمة وأصبحت عنده قال لها: ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبعت وأن شئت ثلثت ثم درت، قالت: ثلث.
وخرجه مسلم [ (1) ] أيضا من حديث عبد الملك بن أبى بكر عن أبى بكر ابن عبد الرحمن أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة، أقام عندها ثلاثة، وقال: إنه ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي.
وله من حديث سليمان بن بلال، عن عبد الرحمن بن حميد، عن عبد الملك بن أبى بكر عن أبى بكر بن عبد الرحمن أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين تزوج أم سلمة فدخل عليها فأراد أن يخرج أخذت بثوبه، فقال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن شئت زدتك وحاسبتك به للبكر سبع وللثيب ثلاث. [ (2) ]
ومنها ما
أخرجه البخاري [ (3) ] من حديث هشام بن عروة، أخبرنى أبى عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الّذي مات فيه: أين أنا غدا؟ أين أنا غدا؟ يريد يوم عائشة: فأذن له أزواجه يكون حيث شاء، فكان حتى مات عندها. قالت: عائشة: فمات في اليوم
[ () ] فصل إمهال وصبر وحسن تأن ورفق ليتوصل الزوج إلى الارب منها، والثيب قد جربت الأزواج وارتاضت بصحبة الرجال فالحاجة إلى ذلك في أمرها أقل، إلا انها تخص بالثلاث تكرمة لها وتأسيا للألفة فيما بينه وبينها واللَّه أعلم. (خطابي) .
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 10/ 296، كتاب الرضاع، باب (12) قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف، حديث رقم (41) .
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 10/ 297، كتاب الرضاع، باب (12) قدر ما تستحقه البكر والثيب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف، الحديث الّذي يلي رقم (42) بدون رقم.
[ (3) ](فتح الباري) : 9/ 395، كتاب النكاح، باب (105) إذا استأذن الرجل نساءه أن يمرض في بيت بعضهن فأذن له، حديث رقم (5217) ، والغرض من هذا الحديث أن القسم لهن يسقط بإذنهن في ذلك، فكأنهن وهبن أيامهن تلك للتي هو في بيتها. (فتح الباري) .
الّذي كان يدور عليّ فيه في بيتي، فقبضه اللَّه وإن رأسه لبين نحري وسحري [ (1) ] ، وخالط ريقي ريقه.
وخرجه مسلم [ (2) ]، ولفظه: عن عائشة قالت: إن كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليتفقد يقول: أين أنا اليوم؟ أين أنا غدا؟ استبطاء ليوم عائشة، قالت: فلما كان يومى قبضه اللَّه بين سحري ونحري.
وفيها ما أخرجه البخاري [ (3) ] من حديث الزهري، عن عروة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه، فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه، وكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها، غير أن سودة بنت زمعة وهبت يومها وليلتها لعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تبتغي بذلك رضا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وخرج البخاري [ (4) ] ومسلم [ (5) ] من حديث ابن أبى ملكية، عن القاسم، عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفرا
[ (1) ] في (الأصل) : «وسحري الحديث» .
[ (2) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 216، كتاب فضائل الصحابة، باب (13) فضل عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، حديث رقم (84) .
[ (3) ](فتح الباري) : 5/ 272، كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها، باب (15) هبة المرأة لغير زوجها وعتقها إذا كان لها زوج فهو جائز، إذا لم تكن سفيهة. فإذا كانت سفيهة لم يجز، قال اللَّه تعالى: وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ [النساء: 5] ، حديث رقم (2593) .
[ (4) ](فتح الباري) : 9/ 387، كتاب النكاح، باب (98) القرعة بين النساء إذا أراد سفرا، حديث رقم (5211)، قال الحافظ: مفهومه اختصاص القرعة بحالة السفر، وليس على عمومها بل لتعين القرعة من يسافر بها، وتجرى القرعة أيضا فيما إذا أراد أن يقسم بين زوجاته فلا يبدأ بأيهن نساء بل يقرع بينهن فيبدأ بالتي تخرج لها القرعة، إلا أن يرضين بشيء فيجوز بلا قرعة، وقوله:(أقرع بين نسائه) زاد ابن سعد من وجه آخر، عن القاسم، عن عائشة «فكان إذا خرج سهم غيري عرف فيه الكراهية» ، واستدل به على مشروعيته القرعة في القسمة بين الشركاء وغير ذلك كما تقدم في أواخر الشهادات، والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة، قال عياض: هو مشهور عن مالك وأصحابه لأنه من باب الخطر والقمار، وحكى
أقرع بين نسائه، فطارت القرعة لعائشة وحفصة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث معها، فقالت حفصة: إلا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك تنظرين وانظر، فقالت: بلى، فركبت، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه حفصة، فسلم عليها، ثم سار حتى نزلوا وافتقدته عائشة، فلما نزلوا جعلت رجليها بين الإذخر، وتقول: رب سلط عليّ عقربا أو حية تلدغني، ولا أستطيع أن أقول له شيئا.
ومنها ما
خرجه أبو داود [ (1) ] والترمذي [ (2) ] والنسائي [ (3) ] ، وقاسم بن أصبغ، من طريق حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبى قلابة، عن عبد اللَّه بن زيد،
[ () ] عن الحنفية إجازتها، وقد قالوا به في مسألة الباب. واحتج من منع من المالكية بأن بعض النسوة قد تكون أنفع في السفر من غيرها فلو خرجت القرعة للتي لا يقع بها السفر لأضر بحال الرجل، وكذا بالعكس قد يكون بعض النساء أقوم ببيت الرجل من الأخرى، وقال القرطبي:
ينبغي أن يختلف ذلك باختلاف أحوال النساء وتختص مشروعية القرعة بما اتفقت أحوالهن لئلا تخرج واحدة معه فيكون ترجيحا بغير مرجح، وفيه مراعاة للمذهب مع الأمن من رد الحديث أصلا لحملة على التخصيص، فكأنه خصص العموم بالمعنى.
[ (5) ](مسلم بشرح النووي) : 16/ 218- 219، كتاب فضائل الصحابة، باب (13) في فضل عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، حديث رقم (88)، قال الإمام النووي: وهذا الإقراع عندنا واجب في حق غير النبي صلى الله عليه وسلم وأما النبي صلى الله عليه وسلم ففي وجوب القسم في حقه خلاف فمن قال بوجوب القسم يجعل إقراعه واجبا ومن لم يوجبه يقول: إقراعه صلى الله عليه وسلم من حسن عشرته ومكارم أخلاقه.
[ (1) ](سنن أبى داود) : 2/ 601، كتاب النكاح، باب (39) في القسم بين النساء، حديث رقم (2134) .
[ (2) ](سنن الترمذي) : 3/ 446، كتاب النكاح، باب (41) ما جاء في التسوية بين الضرائر، حديث رقم (1140)، قال أبو عيسى: حديث عائشة هكذا رواه غير واحد عن حماد بن سلمة، عن أيوب، عن أبى قلابة، عن عبد اللَّه بن يزيد، عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم. ورواه حماد بن زيد وغير واحد عن أيوب عن أبى قلابة مرسلا، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقسم، وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة.
عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، قالت: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول: اللَّهمّ هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك.
قال أبو داود: يعنى القلب.
ومنها ما
أخرجه مسلم [ (1) ] من حديث عبد اللَّه بن وهب، قال ابن جريج، عن عبد اللَّه بن كثير بن المطلب أنه سمع محمد بن قيس يقول سمعت عائشة
[ () ](3)(سنن النسائي) : 7/ 75، كتاب النساء، باب (3) ميل الرجل إلى بعض نسائه دون بعض، حديث رقم (3953)، قال الإمام السندي: قوله: «فلا تلمني فيما لا أملك وتملك» أي المحبة بالقلب فإن قلت: لمثله لا يؤاخذ ولا يلام غيره صلى الله عليه وسلم فضلا عن أن يلام هو إذ لا تكليف بمثله فما معنى هذا الدعاء قلت لعله مبنى على جواز التكليف بمثله وإن رفع التكليف تفضل منه تعالى فينبغي للإنسان أن يتضرع في حضرته تعالى ليديم هذا الإحسان أو المقصود إظهار إفتقار العبوديّة وفي مثله لا التفات إلى مثل هذه الأبحاث واللَّه تعالى أعلم.
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 7/ 45- 48، كتاب الجنائز، باب (35) ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها، حديث رقم (103) .
قوله صلى الله عليه وسلم: (السلام عليكم دار قوم المؤمنين)
دار منصوب على النداء أي يا أهل دار فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه وقيل منصوب على الاختصاص، قال صاحب (المطالع) ويجوز جره على البدل من الضمير في عليكم، قال الخطابي: وفيه أن اسم الدار يقع على المقابر قال: وهو صحيح فان الدار في اللغة يقع على الربع المسكون وعلى الخراب غير المأهول.
قوله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهمّ أغفر لأهل بقيع الغرقد)
البقيع هنا بالباء بلا خلاف وهو مدفن أهل المدينة سمى بقيع الغرقد لغرقد كان فيه وهو ما عظم من العوسج وفيه إطلاق لفظ الأهل على ساكن المكان من حي وميت.
وفيه جواز ترخيم الاسم إذا لم يكن فيه إيذاء المرخم، وحشيا بفتح الحاء المهملة وإسكان الشين المعجمة مقصور معناه وقد وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الّذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلام من ارتفاع النفس وتواتره يقال امرأة حشياء وحشية ورجل حشيان وحشش قيل أصله من أصاب الربو حشاه وقوله رابية أي مرتفعة البطن.
تحدث فقالت: ألا أحدثكم عن النبي صلى الله عليه وسلم وسلم وعنى قلنا بلى وحدثني من سمع حجاجا الأعور واللفظ له قال: حدثنا حجاج بن محمد حدثنا ابن جريج أخبرنى عبد اللَّه رجل من قريش عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يوما: ألا أحدثكم عنى وعن أمى قال: فظننا أنه يريد أمه التي ولدته. قال:
قالت عائشة: ألا أحدثكم عنى وعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قلنا بلى قال: قالت: لما كانت ليلتي التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي انقلب فوضع ردائه وخلع نعليه فوضعهما عند رجليه وبسط طرف إزاره على فراشه فاضطجع فلم يلبث إلا ريثما ظن أن قد رقدت، فأخذ ردائه رويدا، وابتعد رويدا، وفتح الباب، فخرج ثم أجأثه رويدا فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت إزاري ثم انطلقت على إثره حتى جاء البقيع، فقام فأطال القيام، ثم رفع يديه ثلاث مرات، ثم انحرف فانحرفت، وأسرع فأسرعت، فهرول فهرولت، فأحضر فأحضرت، فسبقته فليس لا أن اضطجعت فدخل فقال مالك: يا عائش حشيا رابية، قالت:
قلت لا شيء: قال: لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير؟ قالت: قلت يا
[ () ] قولها: (قلت كيف أقول يا رسول اللَّه؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين المسلمين ويرحم اللَّه المستقدمين منكم ومنا والمستأخرين وإنا إن شاء اللَّه تعالى بكم للاحقون)
فيه استحباب هذا القول لزائر القبور وفيه ترجيح لقول من قال في قوله سلام عليكم دار قوم مؤمنين أن معناه أهل دار قوم مؤمنين وفيه أن المسلم والمؤمن قد يكونان بمعنى واحد وعطف أحدهم على الآخر لاختلاف اللفظ وهو بمعنى قوله تعالى فَأَخْرَجْنا مَنْ كانَ فِيها مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ولا يجوز أن يكون المراد بالمسلم في هذا الحديث غير المؤمن لأن المؤمن إن كان منافقا لا يجوز السلام عليه والترحم وفيه دليل لمن جوز للنساء زيارة القبور وفيها خلاف للعلماء وهي ثلاثة أوجه لأصحابنا:
أحدها: تحريمها عليهنّ لحديث لعن اللَّه زوارات القبور.
والثاني: يكره والثالث: يباح ويستدل له بهذا الحديث وبحديث كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ويجاب عن هذا بأن نهيتكم ضمير ذكور فلا يدخل فيه النساء على المذهب الصحيح المختار في الأصول، واللَّه أعلم.
رسول اللَّه بأبي أنت وأمى فأخبرته قال: فأنت السواد الّذي رأيت أمامى قلت:
نعم فلهدنى في صدري لهده أوجعتني ثم قال أظننت أن يحيف اللَّه عليك ورسوله؟ قالت: مهما يكتم الناس يعلمه اللَّه، نعم قال: فإن جبريل عليه السلام أتانى حين رأيت فناداني فأخفاه منك فأجبته فأخفيته منك، ولم يكن يدخل عليك، وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت فكرهت أن أوقظك وخشيت أن تستوحشى فقال إن ربك يأمرك أن تأتى أهل البقيع فتستغفر لهم قالت: قلت:
كيف أقول لهم يا رسول اللَّه؟ قال: قولي: السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ويرحم اللَّه المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء اللَّه بكم للاحقون.
وأخرجه النسائي [ (1) ] أيضا من طريق حجاج الأعور، عن ابن جريج، قال: أخبرنى عبد اللَّه بن أبى مليكة، أنه سمع محمد بن قيس بن مخرمة يقول:
سمعت عائشة
تحدث قلت: ألا أحدثكم عنى وعن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ قلنا: بلى الحديث بطوله.
هذا الحديث لعائشة، أظننت أن يحيف اللَّه عليك ورسوله، واضح في الدلالة وضوحا أكثر من غيره. وأما الآية، فقد اختلف في تأويل قوله تعالى:
تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ فقال قوم: عنى بقوله:
تُرْجِي: تؤخر، وبقوله: تُؤْوِي: تضم. فعن ابن عباس: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ يقول: تؤخر. وعن مجاهد: تعزل بغير طلاق من أزواجك من تشاء وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ تردها إليك.
وعن قتادة قال: فجعله من ذلك في حل أن يدع من يشاء منهن ويأتى من يشاء بغير قسم. وكان نبي اللَّه صلى الله عليه وسلم يقسم.
وعن ابن زيد قال: لما أشفقن أن يطلقهن قلن: يا نبي اللَّه: اجعل لنا من مالك ونفسك ما شئت، فكان ممن أرجأ منهن سودة بنت زمعة، وجويرية،
[ (1) ](سنن النسائي) : 4/ 396- 398، كتاب الجنائز باب (103) ، الأمر بالاستغفار للمؤمنين، حديث رقم (2036) ، وأخرجه النسائي أيضا في كتاب النساء، باب (4) الغيرة، حديث رقم (3973) .
وصفية، وأم حبيبة، وميمونة، وكان ممن أوى إليه عائشة، وأم سلمة، وحفصة، وزينب.
وعن الضحاك: فما شاء صنع في القسمة بين النساء، أحل اللَّه ذلك.
وعن أبى رزين: وكان ممن أوى، عن عائشة، وحفصة، وزينب، وأم سلمة، فكان قسمه من ماله ونفسه سواء.
وكان ممن أرجأ: سودة، وجويرية، وصفية، وأم حبيبة، وميمونة، وكان يقسم لهن ما شاء، وكان إذا أراد أن يفارقهن فقلن: اقسم لنا من نفسك ما شئت، ودعنا على حالنا.
وقال آخرون: معنى ذلك تطلق، وتخلى سبيل من شئت من نسائك، وتمسك منهن من شئت فلا تطلق.
فعن ابن عباس أيضا، قوله: ترجى من تشاء منهن أمهات المؤمنين وتؤوي إليك من تشاء، يعنى نساء النبي صلى الله عليه وسلم. ويعنى بالإرجاء، يقول: من شئت خليت سبيله منهن، ويعنى بالإيواء: من اجتبيت أمسك.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: تترك نكاح من شئت، وتنكح من شئت من نساء أمتك.
قال قتادة، عن الحسن: وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب امرأة لم يكن لرجل أن يخطبها حتى يتزوجها أو يتركها. قال الطبري: وقيل: إن ذلك إنما جعله اللَّه تعالى لنبيه، حين غار بعضهن على النبي صلى الله عليه وسلم، وطلبت بعضهن من النفقة زيادة على الّذي كان يعطيها، فأمره اللَّه تعالى أن يخيرهن بين الدنيا والآخرة، ويخلى سبيل من اختارت الحياة الدنيا وزينتها، ويمسك من [اختارت] اللَّه ورسوله، فلما اخترن اللَّه ورسوله، قيل لهن: أقررن الآن على الرضا باللَّه وبرسوله، قسم لكنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أو لم يقسم، أو قسم لبعضكن، ولم يقسم لبعضكن، وفضل بعضكن على بعضكن في النفقة، أو لم يفضل، سوى بينكن أو لم يسو، فإن الأمر في ذلك إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليس لكن في ذلك شيء.
وكان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما ذكر، مع ما جعل اللَّه تعالى له من ذلك، يسوى بينهن في القسم، إلا امرأة منهن أراد طلاقها، فرضيت بترك القسم لها.
قال: وبنحو الّذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل: فذكر عن منصور، عن أبى رزين، قال: لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يطلق أزواجه، قلن له: افرض لنا من نفسك ومالك ما شئت، فأمره اللَّه تعالى، فأوى أربعا وأرجأ خمسا.
وذكر حديث هشام بن عروة عن عائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها أنها قالت: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للرجل، حتى أنزل اللَّه تعالى:
تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ [ (1) ]، فقالت: إن ربك ليسارع في هواك.
وذكر من طريق ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ [ (2) ] قال: كان أزواجه تغايرن على النبي صلى الله عليه وسلم، فهجرهن شهرا، ثم نزل التخيير من اللَّه تعالى فيهن: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا* وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً* يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً* وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً* يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفاً* وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً [ (3) ] .
فخيرهن أن يخلى سبيلهن ويسرحهن، وبين إن يقمن أن أردن اللَّه ورسوله، على أنهن أمهات المؤمنين، لا ينكحن أبدا، وعلى أنه يؤوى إليه من يشاء منهن ممن وهبت نفسها له، حتى يكون هو يرفع رأسه إليها، ويرجى من يشاء، حتى يكون هو يرفع رأسه إليها، ومن ابتغى ممن هي عنده وعزل، فلا
[ (1) ] الأحزاب: 51.
[ (2) ] الأحزاب: 51.
[ (3) ] الأحزاب: 28- 33.
جناح عليه، ذلك أدنى أن تقر أعينهن، ولا يحزن، ويرضين، إذا علمن أنه من قضائي عليهنّ إيثار بعضهن على بعض، ذلك أدنى أن يرضين.
قال: ومن ابتغيت ممن عزلت من ابتغى أصابه، ومن عزله لم يصبه فخيرهن بين أن يرضين بهذا أو يفارقهن، فاخترن اللَّه ورسوله، إلا امرأة واحدة بدوية ذهبت، وكان على ذلك صلى الله عليه وسلم، وقد شرط اللَّه هذا الشرط، ما زال يعدل بينهن حتى لقي اللَّه تعالى.
واختار الطبري أن اللَّه تعالى جعل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يرجئ من النساء اللاتي أحللن له من يشاء، ويؤوى منهن من يشاء، وأن الإرجاء والإيواء غير مقصور على من هن في نسائه يوم نزلت هذه الآية دون غيرهن ممن يستحدث إيواءها، وأرجاءها منهن.
وأن معنى الكلام: تؤخر من يشاء ممن وهبت نفسها لك، وأحلت لك نكاحها، فلا تقبلها، ولا تنكحها، وممن هي في حيالك، فلا تقربها، وتضم إليك من تشاء ممن وهبت نفسها لك، أو أردت من النساء اللاتي أحللن لك نكاحهن، فتقبلها أو تنكحها، وهي ممن في حيالك، فتجامعها إذا شئت، وتتركها إذا شئت بغير قسم.
وقال ابن القشيري في (تفسيره) : إن القسم كان واجبا ثم نسخ بهذه الآية، وتفسير الماوردي في الآية قولين:
أحدهما: عن مجاهد، أن معناها، تعزل ما شئت من أزواجك، فلا تأتيها، وتأتى من شئت.
والثاني: تؤخر من شئت من أزواجك، وتضم إليك من تشاء منهن، وهو قول قتادة، ونقله البخاري عن بن عباس. قال: الماوردي: واختلفوا، هل أرجأ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه الآية من نسائه أحدا أم لا؟ فالذي عليه