الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القرآن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم إلا سورة أو سورتين، فأمره رضى اللَّه تبارك وتعالى عنهم فصلى بهم.
وأما مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم
فإنه وما يليه من جهة المشرق، دار بنى غنم بن مالك بن النجار، ويقال:
كان جدارا محددا بلا سقف، بناه أسعد، وكان يصلى فيه. وجمع الجمعة بأصحابه. وقيل: إن مصعب بن عمير كان يصلى فيه.
خرج البخاري [ (1) ] ومسلم [ (2) ] وأبو داود [ (3) ] ، من حديث عبد الوارث، عن أبى التياح، عن أنس بن مالك رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. قال: قدم رسول
[ (1) ](فتح الباري) : 1/ 689- 690 كتاب الصلاة، باب (48) هل تنبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها؟، حديث رقم (428) ، قوله، باب هل تنبش قبور الجاهلية، أي دون غيرهما من قبور الأنبياء وأتباعهم لما في ذلك من الإهانة لهم، بخلاف المشركين فإنّهم لا حرمة لهم.
وأما قوله: «لقول النبي صلى الله عليه وسلم إلخ» فوجه التعليل أن الوعيد على ذلك يتناول من اتخذ قبورهم مساجد تعظيما ومغالاة كما صنع أهل الجاهلية وجرهم ذلك إلى عبادتهم، ويتناول من اتخذ أمكنة قبورهم مساجد بأن تنبش وترمى عظامهم، فهذا يختص الأنبياء ويلتحق بهم أتباعهم، وأما الكفرة فإنه لا حرج في نبش قبورهم، إذ لا حرج في إهانتهم. ولا يلزم من اتخاذ المساجد في أمكنتها تعظيم، فعرف بذلك أن لا تعارض بين فعله صلى الله عليه وسلم في نبش قبور المشركين واتخاذ مسجده مكانها وبين لعنه صلى الله عليه وسلم من اتخذ قبور الأنبياء مساجد لما تبين من الفرق، (المرجع السابق) : 4/ 100، كتاب فضائل المدينة، باب (9) حرم المدينة رقم (1868)، (المرجع السابق) : 5/ 500، كتاب الوصايا، باب (27) إذ وقف جماعة أرضا مشاعا فهو جائز، حديث رقم (2771) ، قوله، باب إذا وقف جماعة أرضا مشاعا فهو جائز قال ابن المنير:
احتز عما إذا وقف الواحد المشاع فإن مالكا لا يجيزه لئلا يدخل الضرر على الشريك، وفي هذا نظر، لأن الّذي يظهر أن البخاري أراد الرد على من ينكر وقف المشاع مطلقا، وقد تقدم قبل أبواب أنه ترجم (إذا تصدق أو وقف بعض ماله فهو جائز) وهو وقف الواحد المشاع، وقد تقدم البحث فيه هناك. وأوراد المصنف في الباب حديث أنس في قصة بناء المسجد، وقد تقدم
_________
[ () ] بهذا الإسناد مطولا في أبواب المساجد من أوائل كتاب الصلاة، والغرض منه هنا ما اقتصر عليه من قولهم لا نطلب ثمنه إلا إلى اللَّه عز وجل فإن ظاهره أنهم تصدقوا بالأرض للَّه عز وجل، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، ففيه دليل لما ترجم له، وأما ما ذكره الواقدي أن أبا بكر دفع ثمن الأرض لمالكها منهم وقدره عشرة دنانير فإن ثبت ذلك كانت الحجة للترجمة من جهة تقرير النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم ينكر قولهم ذلك، فلو كان وقف المشاع لا يجوز لأنكر عليهم وبين لهم الحكم، واستدل بهذه القصة على أن الحكم المسجد يثبت للبناء إذا وقع بصورة المسجد ولو لم يصرح الباني بذلك، ومن بعض المالكية إن أذن فيه ثبت له حكم المسجد، ومن الحنفية إن أذن للجماعة بالصلاة فيه ثبت والمسألة مشهورة، ولا يثبت عند الجمهور إلا إن صرح الباني بالوقفية أو ذكر صيغة محتملة ونوى معها. وجزم بعض الشافعية بمثل ما نقل عن الحنفية لكن في الموات خاصة، والحق أنه ليس في حديث الباب ما يدل لإثبات ذلك ولا نفيه واللَّه أعلم.
قوله «لا نطلب ثمنه إلا إلى اللَّه» أي لا نطلب ثمنه من أحد لكن هو مصروف إلى اللَّه، فالاستثناء على هذا التقدير منقطع، أو التقدير لا نطلب ثمنه إلا مصروفا إلى اللَّه، فهو متصل (المرجع السابق) : 7/ 337- 338، كتاب مناقب الأنصار، باب (46) مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه المدينة حديث رقم (3932) قوله:(بحائطكم) أي بستانكم وقد تقدم في الباب قبله أنه كان مربدا، فعله كان أولا حائطا ثم خرب فصار مربدا، ويؤيده قوله:«إنه كان فيه نخل وخرب» وقيل: كان بعضه بستانا وبعضه مربدا، وقد تقدم في الباب الّذي قبله تسمية صاحبي المكان المذكور ووقع عند موسى بن عقبة عن الزهري أنه اشتراه منهما بعشرة دنانير، وزاد الواقدي أن أبا بكر دفعها لهما عنه، قوله «خرب» بكسر المعجمة وفتح الراء والموحدة، وتقدم توجيه آخر في أوائل الصلاة بفتح أوله وكسر ثانيه، قال الخطابي: أكثر الرواة بالفتح ثم الكسر، حدثناه الخيام بالكسر ثم الفتح، ثم حكى احتمالات: منها الخرب بضم أوله وسكون ثانيه قال: هي الخروق المستديرة في الأرض، والجرف بكسر الجيم وفتح الراء بعدها فاء ما تجرفه السيول تأكله من الأرض، والحدب بالمهملة وبالدال المهملة أيضا المرتفع من الأرض، قال وهذا لائق بقوله:«فسويت» لأنه إنما يسوى المكان المحدوب، وكذا الّذي جرفته السيول، وأما الخراب فيبني ويعمر دون أن يصلح ويسوى. قلت: وما المانع من تسوية الخراب بأنه ما يزال ما بقي منه ويسوى أرضه، ولا ينبغي الا لنفاث إلى هذه الاحتمالات مع توجيه الرواية الصحيحة.
_________
[ () ] قوله. فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت، قال ابن بطال: لم أجد في نبش قبور المشركين لتتخذ مسجدا نصا عن أحد من العلماء نعم اختلفوا هل تنبش بطلب المال؟
فأجازه الجمهور ومنعه الأوزاعي وهذا الحديث حجة للجواز، لأن المشرك لا حرمة له حيا ولا ميتا، وقد تقدم في المساجد البحث فيما يتعلق بها.
قوله: «وبالنخل فقطع» هو محمول على أنه لم يكن يثمر لكن دعت الحاجة إليه لذلك.
قوله: «فصفوا النخل» أي موضع النخل وقوله: «عضادتيه» بكسر المهملة وتخفيف المعجمة تثنية عضادة، وهي الخشبة التي على كتف الباب، ولكل باب عضادتان، وأعضاء كل شيء ما يشد حوانيه.
قوله: «يرتجزون» أي يقولون رجزا، وهو ضرب من الشعر على الصحيح.
وقوله: «فانصر الأنصار والمهاجرة» كذا رواه أبو داود بهذا اللفظ، وسبق ما فيه في أبواب المساجد، واحتج من أجاز بيع المالك بهذه القصة لأن المساومة وقعت مع غير الغلامين وأجيب باحتمال أنهما كان من بنى النجار فساومهما وأشرك معهما في المساومة عمها الّذي كانا في حجرة كما تقدم في الحديث الثاني عشر (فتح الباري) .
[ (2) ] مسلم بشرح النووي: 5/ 10، كتاب المساجد ومواضع الصلاة باب (1) اقتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، حديث رقم (524) ، وفي هذا الحديث جواز الارتجاز وقول الأشعار، في حال الأعمال الثقال ونحوها لتثبيت النفوس وتسهيل الأعمال والمشي عليهما (شرح النووي) .
[ (3) ](سنن أبى داود) : 1/ 302، كتاب الصلاة، باب (12) في بناء المسجد، حديث رقم (453)، وقال الخطابي في (معالم السنن) : فيه من الفقه أن المقابر إذا نبشت ونقل ترابها ولم يبق هناك نجاسة تخالط أرضها فإن الصلاة فيها جائزة، وإنما نهى صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في المقبرة إذا كان قد خالط ترابها صديد الموتى ودمائهم فإذا نقلت عنها، زال ذلك الاسم وعاد حكم الأرض إلى الطهارة.
وفيه من العلم أنه أباح نبش قبور الكفار عند الحاجة إليه. وقد روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه بنبش قبر أبى رغال في طريقه إلى الطائف، وذكر لهم أنه دفن معه غصن من ذهب فابتدروه فأخرجوه. وفي أمره بنبش قبور المشركين بعد ما جعل أربابها تلك البقعة لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، دليل على أن الأرض التي يدفن فيها الميت باقية على ملك أوليائه. وكذلك ثيابه التي يكفن فيها، وان النباش سارق من حرز في ملك ولو كان موضع القبر وكفن الميت مبقّى على
اللَّه صلى الله عليه وسلم المدينة، فنزل في علو المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشر ليلة، ثم أرسل إلى بنى النجار، فجاءوا متقلدين سيوفهم.
قال أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: وكأنى انظر إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على راحلته، وأبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ردفه. وملأ بنى النجار حوله، حتى ألقى بفناء بنى أيوب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وذكر ابن إسحاق في (التهذيب) أن [أبا] أيوب كان يتبع بناء النبي صلى الله عليه وسلم، وتبع هذا اسمه بناء.
حدثنا سعد قال: قال أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يصلى حيث أدركته الصلاة، ويصلى في مرابض الغنم ثم أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى بنى النجار، فجاءوا، فقال: يا بنى النجار، ثامنونى بحائطكم هذا، قالوا: لا واللَّه، لا نطلب ثمنه إلا إلى اللَّه.
وظاهر هذا أنهم لم يأخذوا ثمنه.
وفي (طبقات ابن سعد)، عن الواقدي: أنه صلى الله عليه وسلم اشتراه من ابني عفراء بعشرة دنانير ذهبا، دفعها أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه. ونقل ابن عقبة أن أسعد مات قبل أن يبنى المسجد، فابتاعه النبي صلى الله عليه وسلم من وليهما.
وعن أبى معشر: اشتراه أبو أيوب منهما، فأعطاه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فبناه مسجدا.
قال أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: كان فيه ما أقول لكم: كان فيه نخل، وقبور المشركين، خرب، فأمر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بالنخل فقطع وبقبور المشركين فنبشت، وبالخرب فسويت [قد صنعوا] النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادته حجارة، وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون. ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم معهم ويقولون:
[ () ] ملك الميت حتى ينقطع ملك الحىّ عنه من جميع الوجوه لم يكن يجوز بنبشها واستباحتها بغير إذن مالكها.
وفيه دليل على أن من لا حرمه لدمه في حياته فلا حرمة لعظامه بعد مماتة،
وقد قال صلى الله عليه وسلم: كسر عظام المسلم ميتا ككسره حيا
فكان دلالته أن عظام الكفار بخلافه (خطابي) .
اللَّهمّ لا خير إلا خير الآخرة
…
فارحم الأنصار والمهاجرة
ذكره البخاري في باب نبش قبور مشركي الجاهلية ويتخذ مكانها مساجد، وذكره في كتاب الهجرة بهذا السند، إلا أنه قال: فانصر الأنصار والمهاجرة. وذكره في آخر كتاب الحج، في باب حرم المدينة، وفي باب بنيان المسجد [ (1) ] .
وقال أبو سعيد الخدريّ رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه: كان سقف المسجد من جريد النخل، وأمر عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه ببناء مسجد فقال: اكفوا الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس.
وأورد حديث صالح بن كيسان: أنبأنا نافع أن عبد اللَّه أخبره أن المسجد كان على عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مبينا باللبن، وسقفه الجريد، وعمده عسب النخل.
قال موسى بن عقبة: والمسجد يومئذ سقفه من جريد النخل، وخوص لبن على السقف، كثير الطين، إذا كان المطر يملأ المسجد طينا، وإنما هو كهيئة العريش، فلم يزد فيه أبو بكر شيئا وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، باللبن والجريد، وأعاد عمده خشبا، ثم عمره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة، وبنى جدره بالحجارة المنقوشة والقصة، وجعل عمده من حجارة منقوشة، وسقفه بالساج. وأخرجه أبو داود.
وخرج أبو داود [ (2) ] أيضا من حديث عمر بن سليم الباهلي، عن أبى الوليد، قال: سألت ابن عمر عن الحصا الّذي في المسجد فقال: مطرنا ذات ليلة فأصبحت الأرض مبتلة، فجعل الرجل يجيء بالحصى في ثوبه فيبسطه تحته، فلما قضى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الصلاة قال: أحسن هذا.
وخرجه قاسم بن أصبغ بهذا السند، ولفظه: حدثني أبو الوليد، قال: قلت لابن عمر: بدؤ هذا الحصا في المسجد؟ قال: نعم، مطرنا من الليل،
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ](سنن أبى داود) : 1/ 315- 316 كتاب الصلاة باب (15) في حصى المسجد، حديث رقم (458) .
فخرجت لصلاة الغداة، وكان الرجل يمر على البطحاء فيجعل في ثوبه من الحصباء، فيصلي عليه، فلما رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ذلك قال: ما أحسن هذا البساط!
وكان ذلك بدؤه.
قلت: عمر بن سليم الباهلي، البصري، يروى عن الحسن، وأبى غالب صاحب أبى أمامة، وقتادة، وغيرهم. ويروى عنه: زيد بن الخطاب، وكثير بن هشام، ومسلم بن إبراهيم، وسهل بن عامر، وآخرون. خرج له أبو داود، وابن ماجة، وقال ابن أبى حاتم: صدوق، وأبو الوليد هذا مجهول.
قال أبو حاتم: هو مولى عبد اللَّه بن رواحة [ (1) ] .
ويقال: أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أمر يخضب المسجد، فمات قبل ذلك، فخضبه عمر بن الخطاب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، وزاد فيه، دار العباس، رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وقال ابن إسحاق [ (2) ] : فحدثني محمد بن جعفر بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عويم بن ساعدة، قال: حدثني رجال من قومي، من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قالوا: سمعنا بمخرج رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم من مكة، وتوكفنا [ (3) ] قدومه، كنا نخرج إذا صلينا الصبح إلى ظاهر حرّتنا، ننتظر رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فو اللَّه ما نبرح حتى تغلبنا الشمس على الظلال، فإذا لم نجد ظلا دخلنا، وذلك في أيام حارة.
حتى إذا كان اليوم الّذي قدم فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، جلسنا كما كنا نجلس، حتى إذا لم يبق ظل دخلنا بيوتنا، وقدم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حين دخلنا البيوت، فكان أول من رآه رجل من اليهود، وقد رأى ما كنا نصنع، وأنا ننتظر قدوم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم علينا، فصرح بأعلى صوته: يا بنى قيلة! هذا جدكم قد جاء!.
[ (1) ] له ترجمة في: (تهذيب التهذيب) : 7/ 402، ترجمة رقم (762)، (الثقات) : 7/ 176.
[ (2) ](سيرة ابن هشام) : 3/ 19- 20 قدومه صلى الله عليه وسلم قباء.
[ (3) ] توكفنا: انتظرنا، هامش (المرجع السابق) .
قال: فخرجنا إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وهو في ظل نخلة، ومعه أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في مثل سنه، وأكثر [الناس] لم يكن رأى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قبل ذلك..
وركبه الناس ولا يعرفونه من أبى بكر حتى زال الظل عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فقام أبو بكر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه فأظله بردائه، فعرفناه عند ذلك [ (1) ] .
قال ابن إسحاق: فنزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما يذكرون على كلثوم بن هدم، أخى بنى عمرو بن عوف، ثم أحد بنى عبيد، ويقال: بل نزل على سعد بن خيثمة.
ويقول من تذكر: انه نزل على كلثوم بن هدم، وإنما كان رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إذا خرج من منزل كلثوم بن هدم، جلس للناس في بيت سعد بن خيثمة.
قال ابن إسحاق [ (2) ] : فأقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بقباء في بنى عمرو بن عوف يوم الاثنين، ويوم الثلاثاء، ويوم الأربعاء، ويوم الخميس. وأسس مسجده، ثم أخرجه اللَّه تعالى من بين أظهرهم يوم الجمعة، فأدركت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم الجمعة في بنى سالم بن عوف، فصلاها، فكانت أول جمعة بالمدينة صلاها بالمدينة.
فأتاه عتبان بن مالك، وعباس بن عبادة بن نضلة، في رجال من بنى سالم بن عوف، فقالوا: يا رسول اللَّه! أقسم عندنا في العدد والعدة والمنعة، قال: خلوا سبيلها فإنّها مأمورة لنا فيه، فخلوا سبيلها.
فذكره إلى أن قال: فانطلقت حتى جاءت دار بنى مالك بن النجار، وبركت على باب مسجده صلى الله عليه وسلم، وهو يومئذ مربد لغلامين يتيمين من بنى النجار، ثم من بنى مالك، في حجر معاذ بن عفراء سهل وسهيل ابني عمرو.
[ (1) ](المرجع السابق) : 3/ 20.
[ (2) ](المرجع السابق) : 3/ 21- 22.
فلما بركت [ (1) ] ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم عليها لم ينزل وثبت، فسارت غير بعيد ورسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، واضع لها زمامها لا يثنيها به ثم التفتت إلى خلفها، فرجعت إلى مبركها أول مرة فبركت فيه، ثم تحلحلت وزمت، وألقت بجرانها فنزل نها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فاحتمل أبو أيوب خالد بن زيد رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه رحله فوضعه في بيته، فنزل عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم [ (2) ] .
وسأل عن المربد، لمن هو؟ فقال له معاذ ابن عفراء: هو يا رسول اللَّه لسهل وسهيل ابني عمرو، وهما يتيمان لي، وسأرضيهما منه، فاتخذه مسجدا، فأمر به رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أن يبنى [ (3) ] .
ونزل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم على أبى أيوب حتى بنى مسجده ومساكنه، فعمل فيه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ليرغب المسلمين في العمل فيه، فيعمل فيه المهاجرون والأنصار، ودأبوا فيه. فقال قائل من المسلمين:
لئن قعدنا والنبي يعمل
…
لذاك منا العمل المضلل
وارتجز المسلمون وهم بينونة، يقولون:
لا عيش إلا عيش الآخرة
…
اللَّهمّ ارحم الأنصار والمهاجرة
فدخل عمار بن ياسر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه وقد أثقلوه باللبن، فقال: يا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم! قتلوني، يحملون عليّ ما لا يحملون، قالت أم سلمة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها: فرأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ينفض وفرته بيده، وكان رجلا جعدا وهو يقول: ويح ابن سمية! ليسوا بالذين يقتلونك، إنما تقتلك الفئة الباغية [ (4) ] .
وارتجز عليّ بن أبى طالب رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه يومئذ:
[ (1) ](المرجع السابق) : 3/ 23- 24.
[ (2) ](سيرة ابن هشام) : 3/ 23-، مبرك الناقة.
[ (3) ](المرجع السابق) : 3/ 24، بناء مسجد المدينة.
[ (4) ] قال ابن هشام: هذا كلام وليس برجز،
وقال ابن إسحاق: فيقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: لا عيش إلا عيش الآخرة، اللَّهمّ ارحم الأنصار والمهاجرة، (المرجع السابق) 3/ 25.
لا يستوي من يعمر المساجدا
…
يدأب فيها [ (1) ] قائما وقاعدا
ومن بريء عن العباد مكائدا [ (2) ]
فأخذهما عمار وجعل يرتجزهما.
قال ابن إسحاق: وأقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في بيت أبى أيوب حتى بنى له مسجده ومساكنه، ثم انتقل إلى مساكنه من بيت أبى أيوب [ (3) ] .
قال فأقام بالمدينة إذ قدمها شهر ربيع الأول إلى صفر من السنة الداخلة، حتى بنى له فيها مسجده ومساكنه.
وقال موسى بن عقبة: عن ابن شهاب: وكان المسجد مربدا للتمر لغلامين يتيمين من بنى النجار، في حجر أسعد بن زرارة لسهل وسهيل ابني عمرو. وزعموا أنه كان رجال من المسلمين يصلون في ذلك المربد، قبل قدوم رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ويقال: بل اشتراه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم منهما، فابتناه مسجدا، فطفق هو وأصحابه ينقلون اللبن ويقولون- وهو ينقل اللبن مع أصحابه-:
هذا الحمال لا حمال خيبر
…
هذا أبرّ ربّنا وأطهر
ويقول:
اللَّهمّ لا خير إلا خير الآخرة
…
فارحم الأنصار والمهاجرة
وقال البلاذري: وكان مربدا ليتيمين في حجر أسعد بن زرارة [ (4) ] وفيه جدار كان أسعد بناه تجاه بيت المقدس، وكان يصلى إليه بمن أسلم قبل قدوم مصعب بن عمير، ثم صلى بهم إليه مصعب.
[ (1) ] كذا في (الأصل)، وفي (ابن هشام) :«فيه» .
[ (2) ] هذه الشطرة من (الأصل) فقط.
[ (3) ](سيرة ابن هشام) : 3/ 26- 27.
[ (4) ] هو أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك من النجار، أبو أمامة الأنصاري الخزرجي. قديم الإسلام، شهد العقبتين، وكان نقيبا على قبيلته، ولم يكن في النقباء أصغر سنا منه. ويقال: انه أول من بايع ليلة العقبة.
وقال الواقدي- عن عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن حبيب، عن عبد الرحمن، قال:
خرج أسعد بن زرارة، وذكوان بن عبد القيس إلى مكة يتنافران إلى عقبة بن ربيعة، فسمعا
ويقال: إن أسعد صلى بهم قبل قدوم مصعب وبعده، إلى قدوم المهاجرين والأنصار، لأن مصعب لم يزد على تعليمهم القرآن.
وذكر محمد بن سعد عن الواقدي، أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراه من ابني عفراء بعشرة دنانير ذهبا، دفعها أبو بكر الصديق رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه.
وروى أبو بكر بن أبى الدنيا، من حديث الحسين بن حماد، والصبى، قال: أنبأنا عبد الرحيم بن سليمان، عن إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، قال: لما بنى رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم المسجد، وأعانه عليه أصحابه، وهو معهم يتناول اللبن حتى اغبر صدره، فقال: ابنوا عريشا كعريش موسى، فقلت للحسن: ما عريش موسى؟ قال: إذا رفع يده بلغ العريش، يعنى السقف.
وقال ملازم بن عمرو [ (1) ] : أنبأنا عبد اللَّه بن زيد، عن قيس بن طلق.
عن أبيه طلق بن على قال: بنيت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مسجد المدينة، فكان يقول: الثمامي من الطين، فإنه من أحسنكم له بناء.
[ () ] رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، فأتياه، فعرض عليهما الإسلام، وتلى عليهما القرآن، فأسلما ولم يقربا عتبة، ورجعا إلى المدينة، فكانا أول من قدم بالإسلام المدينة.
وأما ابن إسحاق فقال: إن أسعد إنما أسلم في العقبة الأولى مع النفر والستة فاللَّه أعلم.
وقال ابن إسحاق: شهد العقبة الأولى والثانية والثالثة، وروى أبو داود والحاكم من طريق عبد الرحمن بن مالك، قال: كنت قائد أبى حين كف بصره، فإذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الأذان استغفر لأسعد بن زرارة الحديث. وفيه: كان أسعد أول من جمع بنا بالمدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم وسم في حرة بنى بياضة في نقيع الخضمات. وذكر الواقدي أنه مات على رأس تسعة أشهر من الهجرة،
ورواه الحاكم في (المستدرك) من طريق الواقدي عن ابن أبى الرجال، فيه: فجاء بنو النجار فقالوا: يا رسول اللَّه: مات نقيبا فنقب علينا، فقال: أنا نقيبكم.
وقد اتفق أهل المغازي والتواريخ على أنه مات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم قبل بدر.
[ (1) ] هو ملازم بن عمرو بن عبد اللَّه بن بدر السحيمى أبو عمرو اليمامي يلقب بلزيم.
روى عن عبد اللَّه بن بدر وعبد اللَّه بن النعمان وموسى بن نجده وهوذة بن قيس بن طلق وسراج بن عقبة وعجيبة بن الحميد ومحمد بن جابر وزفر بن أبى كثير الحنفيين. وعنه عمر بن يونس وسليمان بن حرب وعلى بن المديني ومسدد ومحمد بن عيسى بن الطباع وعارم وأبو
وقد ذكر أبو عبد اللَّه محمد بن الحسين بن أبى إسحاق بن زبالة، أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى مسجده مرتين: بناه حين قدم أقل من مائة في مائة، فلما فتح اللَّه تعالى عليه خيبر، بناه وزاد عليه مثله في الدور، وضرب الحجرات، ما بينه وبين القبلة والمشرق إلى الشام، ولم يضربها في غربية.
وقد ذكر غير واحد أن المسجد النبوي بنى باللبن، وجعل له ثلاثة أبواب: باب في مؤخره، وباب يقال له باب الرحمة، وباب يدخل منه عليه السلام، وجعل طوله مما يلي القبلة إلى مؤخره مائتي ذراع.
وقال السهيليّ: وبنى مسجد رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، وسقف بالجريد، وجعلت قبلته من اللبن إلى بيت المقدس، ويقال: بل من حجارة منضودة بعضها على بعض، وجعلت عمده من جريد النخل، فتخرب في خلافة عمر رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه، فجدده، فلما كانت [خلافة] عثمان رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بناه بالحجارة المنقوشة بالقصة، وسقفه بالساج، وجعل قبلته من الحجارة إلى بيت المقدس، فلما كانت أيام بنى العباس، بناه محمد بن أبى جعفر المهدي، وزاد فيه، وذلك في سنة ستين ومائة، ثم زاد فيه المأمون بن الرشيد في سنة ثنتين ومائتين، وأتقن بنيانه.
***
[ () ] بكر بن أبى شيبة وعمرو بن على وهناد بن السري وأبو الأشعث العجليّ وآخرون. قال أبو طالب عن أحمد: من الثقات. وقال صالح بن أحمد عن أبيه حاله مقارب، وقال عبد اللَّه بن أحمد عن أبيه: كان يحيى بن سعيد يختاره على عكرمة بن عمار ويقول هو أتيت حديثا منه.
قال عبد اللَّه: قال أبى: ملازم ثقة.
وقال عثمان الدارميّ عن أبى معين: ثقة وكذا قال أبو زرعة والنسائي وقال أبو حاتم صدوق لا بأس به وقال أبو داود: ليس به بأس وذكره ابن حبان في (الثقات) وقال عمرو بن على كان فصيحا. قلت: وقال أبو بكر الضبعي شيخ الحاكم: فيه نظر وقال الدارقطنيّ:
يمامى ثقة يخرج حديثه. (تهذيب التهذيب) : 10/ 343- 344، ترجمة رقم (689) .