الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المسألة الثالثة: تفضيل زوجاته صلى الله عليه وسلم [ (1) ]
هذا قال القاضي حسين في تعليقه أفضل نساء العالمين أزواجه.
ولفظ البغوي خير نساء هذه الأمة وغيرها، وهذا خلاف في مواضع.
أحدها: المفاضلة بينهن وبين مريم ابنة عمران.
والثاني: المفاضلة بين خديجة وعائشة رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها.
والثالث: المفاضلة بين فاطمة وأمها خديجة عليها السلام.
والرابع: المفاضلة بين فاطمة وعائشة.
أما مريم
فخرج البخاري [ (2) ] في المناقب من حديث عبدة عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: سمعت عبد اللَّه بن جعفر قال: سمعت عليا يقول:
[ (1) ] في (الأصل) بعد العنوان مباشرة سطر كامل مطموس معظمه، وما بعده يغنى عنه إن شاء اللَّه تعالى، حيث مضمونه رأى ابن سيده في ذلك.
[ (2) ](فتح الباري) : 7/ 166، كتاب مناقب الأنصار، باب (20) تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة وفضلها رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، حديث رقم (3815) .
قوله: (خديجة) : هي أول من تزوجها صلى الله عليه وسلم، وهي بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى ابن قصي، تجتمع مع النبي صلى الله عليه وسلم في قصي، وهي من أقرب نسائه إليه في النسب، ولم يتزوج من ذرية قصي غيرها إلا أم حبيبة، وتزوجها سنة خمس وعشرين من مولده في قول الجمهور، زوجه إياها أبوها خويلد، ذكره البيهقي من حديث الزهري بإسناده عن عمار بن ياسر، وقيل:
عمها عمرو بن أسد ذكره الكلبي، وقيل: أخوها عمرو بن خويلد ذكره ابن إسحاق، وكانت قبله عند أبى هالة بن النباش بن زرارة التميمي حليف بنى عبد الدار، واختلف في اسم هالة فقيل مالك قاله الزبير، وقيل: زرارة حكاه ابن مندة، وقيل: هند جزم به العسكري، وقيل: اسمه النباش جزم به أبو عبيد، وكانت خديجة قبله عند عتيق بن عائذ المخزومي. وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يتزوج خديجة قد سافر في مالها إلى الشام، فرأى منه ميسرة غلامها ما رغبها في تزويجه، قال الزبير: وكانت تدعى في الجاهلية الطاهرة، وماتت على الصحيح بعد المبعث بعشر سنين في شهر رمضان، وقيل: بثمان، وقيل: بسبع، فأقامت معه صلى الله عليه وسلم خمسا وعشرين سنة على الصحيح، وقال ابن عبد البر: أربعا وعشرين سنة وأربعة أشهر، وذلك بعد
سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول خير نسائها مريم ابنة عمران، وخير نسائها خديجة وذكره في كتاب الأنبياء أيضا [ (1) ] .
[ () ] مبعث لي الصواب بعشر سنين لا جرم كانت أفضل نسائه على الراجح. وروى الفاكهي في (كتاب مكة) عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند أبى طالب، فاستأذنه أن يتوجه إلى خديجة فأذن له، وبعث بعده جارية له يقال لها نبعة فقال لها: انظري ما تقول له خديجة؟ قالت نبعة:
فرأيت عجبا، وما هو إلا سمعت به خديجة فخرجت إلى الباب فأخذت بيدها فضمتها إلى صدرها ونحرها ثم قالت: بأبي وأمى، واللَّه ما أفعل هذا لشيء، ولكنى أرجو أن تكون أنت النبي الّذي ستبعث، فإن تكن هو فاعرف حقي ومنزلتي وادع الإله الّذي يبعثك لي. قالت لها:
واللَّه لئن كنت أنا هو قد اصطنعت عندي ما لا أضيعه أبدا، وإن يكن غيري فإن الإله الّذي تصنعين هذا لأجله لا يضيعك أبدا.
[ (1) ](المرجع السابق) : 6/ 582، كتاب أحاديث الأنبياء، باب (45) وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ* يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ* ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ. [آل عمران: 42- 44] ، يقال (يكفل) :
بضم. كفلها: ضمها، مخففة، ليس من كفالة الديون وشيبها، حديث رقم (3432) .
قوله: (خير نسائها مريم) :
أي نساء أهل الدنيا في زمانها وليس المراد أن مريم خير نسائها لأنه يصير كقولهم زيد أفضل إخوانه، وقد صرحوا بمنعه، فهو كما لو قيل فلان أفضل الدنيا. وقد رواه النسائي من حديث ابن عباس بلفظ «أفضل نساء أهل الجنة» فعلى هذا فالمعنى خير نساء أهل الجنة مريم، وفي رواية «خير نساء العالمين» وهو كقوله تعالى: وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ وظاهره أن مريم أفضل من جميع النساء وهذا لا يمنع عند من يقول إنها نبيه.
وأما من قال ليست بنبية فيحمله على عالمي زمانها، وبالأول جوم الزجاج وجماعة واختاره القرطبي، ويحتمل أيضا أن يراد نساء بنى إسرائيل أو نساء تلك الأمة أو فيه مضمرة والمعنى أنها من جملة النساء الفاضلات، ويدفع ذلك حديث أبى موسى المتقدم بصبغة الحصر أنه يكمل من النساء غيرها وغير آسية.
وخرجه مسلم [ (1) ] في المناقب من حديث أبى أسامة وابن نمير ووكيع وأبى معاوية وعبد بن سليمان كلهم عن هشام بن عروة، عن أبيه قال: سمعت عبد اللَّه بن جعفر يقول سمعت عليا رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه بالكوفة يقول:
[ () ] قوله: (وخير نسائها خديجة)
أي نساء هذه الأمة قال القاضي أبو بكر بن العربيّ:
خديجة أفضل نساء الأمة مطلقا لهذا الحديث، وقد تقدم في آخر قصة موسى أبى موسى في ذكر مريم وآسية وهو يقتضي فضلهما على غيرهما من النساء، ودل هذا الحديث على أن مريم أفضل من آسية وأن خديجة أفضل نساء هذه الأمة حيث قال: ولم يكمل من النساء، أي من نساء الأمم الماضية، إلا أن حملنا الكمال على النبوة فيكون على إطلاقه.
وعند النسائي بإسناد صحيح عن ابن عباس «أفضل نساء أهل الجنة خديجة وفاطمة ومريم وآسية» وعند الترمذي بإسناد صحيح عن أنس «حسبك من نساء العالمين» فذكرهن.
وللحاكم من حديث حذيفة «إن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أتاه ملك فبشره أن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة» .
[ (1) ](مسلم بشرح النووي) : 15/ 207- 208، كتاب فضائل الصحابة، باب (12) فضائل خديجة أم المؤمنين رضى اللَّه تبارك وتعالى عنها، حديث رقم (69)، قال الإمام النووي:
قوله صلى الله عليه وسلم: (خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد وأشار وكيع إلى السماء والأرض)
أراد وكيع بهذه الإشارة تفسير الضمير في نسائها وأن المراد به جميع نساء الأرض أي كل من بين السماء والأرض من النساء والأظهر أن معناه أن كل واحدة منهما خير نساء الأرض في عصرها وأما التفضيل بينهما فمسكوت عنه قال: القاضي ويحتمل أن المراد أنهما من خير نساء الأرض والصحيح الأول.
قوله صلى الله عليه وسلم (كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء غير مريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون)
يقال كمل بفتح الميم وضمها وكسرها ثلاث لغات مشهورات الكسر ضعيف قال القاضي: هذا الحديث يستدل به من يقول بنبوة النساء ونبوة آسية ومريم والجمهور على أنهما ليستا نبيتين بل هما صديقتان ووليتان من أولياء اللَّه تعالى ولفظة الكمال تطلق على تمام الشيء وتناهيه في بابه والمراد هنا التناهي في جميع الفضائل وخصال البر والتقوى قال. القاضي فإن قلنا هما نبيتان فلا شك أن غيرهما لا يلحق بهما وإن قلنا وليتان لم يمتنع أن يشاركهما من هذه الأمة غيرهما. هذا كلام القاضي، وهذا الّذي نقله من القول بنبوتهما غريب ضعيف وقد نقل جماعة الإجماع على عدمها واللَّه أعلم.
سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول خير نسائها مريم ابنه عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد، قال أبو كريب وأشار وكيع إلى السماء والأرض.
وخرج الحاكم [ (1) ] من طريق علياء بن أحمر، عن عكرمة، عن ابن عباس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أفضل نساء العالمين خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون.
قال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذا اللفظ.
وخرج البخاري [ (2) ] في المناقب، وفي كتاب الأنبياء، وفي الأطعمة، من حديث شعبة، عن عمرو بن مرة الجملي بسنده عن أبى موسى الأشعري قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا اثنين:
امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام، وفي بعض طرقه: كفضل عائشة بغير «إن» .
وخرجه مسلم في المناقب
وقد اختلف في نبوة مريم فإن قلنا بنبوتها فتعين تفضيلها على أمهات المؤمنين وإن قلنا: إنها لم تكن نبية فقد ثبت مما تقدم تفضيلها على من عاداها الأمر ذكر فلم يبق إلا المفاضلة بينها وبين خديجة.
قال القاضي عياض في
قوله: خير نسائها مريم خير نسائها خديجة
وأشار وكيع إلى السماء والأرض كأنه تفسير ضمير الهاء في نسائها أنه يريد الدنيا والأرض وذكره لهم يحتمل أن يريد أن كل واحدة خير نساء الأرض في وقتها أو أنهما من خير نسائهم أفضلهن وإن كانت المزايا تعد بينهما وبين غيرهما ممن هو خير النساء متفاضلة.
[ (1) ](المستدرك) : 2/ 650، كتاب تاريخ المتقدمين من الأنبياء والمرسلين، حديث رقم (4160)، وقال عنه الحافظ الذهبي في (التلخيص) : صحيح.
[ (2) ](فتح الباري) : 9/ 687- 688، كتاب الأطعمة، باب (25) الثريد، حديث رقم (5418)، وأخرجه في كتاب (أحاديث الأنبياء) : باب (46) قوله تعالى: وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إلى قوله: فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران: 45- 48] ، حديث رقم (3433) .