الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والثاني: غفلة القلب، وقلبه صلى الله عليه وسلم متيقظ إذا نام، سليم من الأحلام في شغل، يتلقى الوحي، والتفكير في المصالح، على مثل حال غيره إذا كان منتبها، فما يتعطل قلبه بالنوم عما وضع له، كما يتعطل قلب غيره.
ألا ترى إلى حاله صلى الله عليه وسلم في نزول الوحي عليه كيف كان يغشى عليه؟
وهي حالة لو أصابت غيره لانتقض وضوؤه، وهو صلى الله عليه وسلم في تلك الحال حافظ محفوظ من غلبة الطبع البشرى عليه، واسترخاء مخارج الحدث، فهو غائب عنا بحال، واللَّه سبحانه ييسر إليه حينئذ ما يشاء.
وأما نومه صلى الله عليه وسلم حتى طلعت الشمس
فإنه يحتمل أمرين:
أحدهما: أنه أريد بذلك التشريع لنا، لنعلم ما حكم اللَّه تعالى فيمن سها، وغفل عن الصلاة، كما بين اللَّه تعالى لنا حكمه عند عدم الماء، فأعدمه نبيه صلى الله عليه وسلم حتى أنزل عليه [آية حكم] التيمم [ (1) ] .
قال ابن عبد البر: ونومه صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس، أمر خارج عن عادته وطباعه، وطباع الأنبياء قبله، وإنما كان نومه ذلك ليكون سنة، وليعلم المؤمنون كيف حكم من نام عن الصلاة أو نسيها، حتى يخرج وقتها، وهو من باب
قوله صلى الله عليه وسلم: إني لأنس أو لأنسي أسني.
والّذي كانت جبلته وعادته صلى الله عليه وسلم أن لا يخامر النوم قلبه، ولا يخالط نفسه وإنما كانت تنام عينه.
وقد ثبت عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: إن عيني تنامان ولا ينام
[ (1) ] وهي قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ، وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [المائدة: 6] .
قلبي.
وهذا على العموم، لأنه
قد جاء عنه: إنا معشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا [ (1) ] .
ولا يجوز أن يكون مخصوصا بذلك، لأنها خصلة لم بعدها في الست التي أوتيها، ولم يؤتها أحد قبله من الأنبياء، فلما أراد اللَّه تعالى منه ما أراد [....] قبض روحه وروح من معهم في نومهم ذلك، وصرفها إليهم بعد طلوع الشمس ليتبين لهم مراده، على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا التأويل جماعة أهل الفقه والأثر، وهو واضح، والمخالف فيه مبتدع.
الثاني: أنه وقع له ذلك لينكشف له علوم تخصه من المعارف، فعطلته عن القيام بحقوق الظواهر، لاشتغال باطنه المقدس بأداة التلقي.
فقد عبر بلسان قاله
…
عن حاله من ذكر محبوبه
حتى أذهله عن مطلوبة
فقال:
فو اللَّه ما أدرى إذا ما ذكرتها
…
أثنتين صليت العشاء أم ثمانيا؟
وقد عد القضاعي هذه الخصوصية مما خص به دون الأنبياء، وخفي عليه ما خرجه البخاري [ (2) ] من حديث أنس رضى اللَّه تبارك وتعالى عنه في قصة الإسراء: وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم. فل يبق إلا اختصاصه صلى الله عليه وسلم بذلك دون أمته وكان في قوله أن نوم العين بمجرده لا ينقض الوضوء.
***
[ (1) ] سبق تخريجه.
[ (2) ] سبق تخريجه.