الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
461 - على بن سعيد بن عثمان بن جار الخير بن دبابا [1] السّنجارىّ
بسم الله الرحمن الرحيم. كتبت فى هذه الكراسة ما وجدته من شعر الشيخ أبى الحسن علىّ بن سعيد بن عثمان بن جار الخير- رضى الله عنهم أجمعين- وحصل لى ذلك من أوراق من كتاب العين فى اللغة، وجدتها بخطه منذ زمان قديم.
فمن ذلك أبيات دالية، وهى:
لمن طلل أضحت قفارا معاهده
…
أكاتمه برح «1» الهوى وأناشده
وقفت به صحبى طويلا أبثّه
…
لفرط الأسى والشوق ما أنا واجده
فأعيا جوابا واحتملت وللهوى
…
بقلبى ولوع ما يزال يعاوده
ولست بناس يا أميمة عهدكم
…
ولا خائنا إن خان عهدا معاهده
ولا هائبا صرف الزّمان إذا سطت
…
بأحداثه أحداثه وشدائده
وكيف أخاف الدهر من بعد ما غدا
…
كفيلا بنجح السّعى والقصد ماجده
هو السّيّد المرجوّ والمورد الذى
…
بوادره محمودة وموارده
جواد إذا حدّثت عنه بمدحة
…
تضافرنى فيما أقول حواسده
سحاب على الأعداء فيه صواعق
…
وبحر نوال ما تغبّ «2» عوائده
فتى شرفت همّاته وسما به
…
إلى ذروة المجد الأصيل محامده
تعالى علوّا إن يساجل فما يرى
…
له فى الّذى يأتيه ندّ يعانده
أنار سبيل العرف بعد ظلامه
…
وقام به بعد التّثاقل قاعده
وأضحى به شمل الرّعية بعد ما
…
تشعّب «3» مجموعا وأرست «4» قواعده
[1] ترجمته فى تلخيص ابن مكتوم 141.
جرىء على الخصم الجرىء مساعد
…
إذا قصرت عن نصرة الكفّ ساعده
بصير بوجه القصد والأمر مظلم
…
إذا خفيت يوما عليك مقاصده
له شيمة تعلو على كلّ شيمة
…
ومورد جود لا يخيّب وارده
إليك ابن منصور زجرت ركائبى
…
وقد شردت بى عن مسيرى شوارده
وما خاب مسعى من غدوت رجاءه
…
ولا ضلّ ركب أمّ بابك قاصده
وله رحمة الله عليه:
نمّت دموعى بما أكاتمه
…
وعاد جسمى لبينهم سقم
وظلت فى الدّار بعد بعدهم
…
ذا لوعة فى الفؤاد تضطرم
وعاذل بات فيك يعذلنى
…
وبى عن العذل فى الهوى صمم
أذقته حرّ لومه فغدا
…
ذا كبد ما تكاد تلتئم
يا جائرا فى هواه محتكما
…
أسرفت فى الحكم أيّها الحكم
أطعت قول الواشى ولم أك فى
…
حبّك ممن يطيع قولهم
فلا سقوا حيث حلّ سربهم
…
ولا استهلّت «1» عليهم الدّيم»
ولا غدا بالنجاح طائرهم
…
ولا سعى بالعلا لهم قدم
وله رضى الله عنه ورحمه:
أمغنى «3» الهوى أصبحت مغنى النّوائب
…
وقد كنت مغنى للحسان الكواعب
وأمسيت من بعد الأحبّة موحشا
…
وكنت أنيسا فيك مسرى الحبائب
أبعد مشيب الرأس يعتادنى الصّبا
…
وأمسى زميلا للخليع المصاحب!
وبعد خليلىّ اللذين تحمّلا
…
أبيت قرير العين عذب المشارب!
من مدحها:
وكنت قبيل الإلتقاء معظّما
…
لما سار عنكم من جزيل المناقب
فلما تلاقينا رأيت مخبّرى
…
لتقصيره فى الوصف فى زىّ كاذب
وله رحمة الله عليه:
روحى الفداء لزائر متفضّل
…
شفعت مكارمه إليه فأنعما
سمحت به نفس الزّمان وطالما
…
بخلت علىّ بأن أراه مسلّما
فطفقت أحمده وأشكر سعيه
…
وأعدّ زورته الحميدة مغنما
وعلمت أن الدهر يعقب شهده
…
فى الكأس من بعد الحلاوة علقما
أين الّذين علوا على أحداثه
…
وتوقّلوا «1» خوف المنيّة سلّما
أخنى بكلكله فأفنى جمعهم
…
وغدا مشيد بنائهم متهدّما
فاعمل لنفسك إن قدرت ولا تكن
…
فرقا وكن حيث الأمور مسلّما
سمعت من أخوال الشيخ أبى الحسن على بن سعيد بن دبابا- رحمه الله أنه كان رجلا متدينا كثير العقل. فمن دينه أنه سمع إنسانا يفضله على بعض نحاة سنجار «2» ، وهو عبد الصمد بن عيسون، فلما حضر للقراءة عليه أقسم أنه لا يقرئه وهو على هذه الحالة فى تفضيله والمغالاة فيه.
وأيضا فإنه كان يتّجر ويختلف إلى دمشق، فباع فى بعض سفراته على نوّاب أسد الدين شيركوه «3» متاعا، غلط أصحابه بمائتى دينار صوريّة. فعمل حسابه فوجد الغلط، فحمل الذهب إليهم، فجزوه خيرا وشكروه.
وطلبه عماد الدين صاحب سنجار- رحمه الله وألحّ فى طلبه، فلم يمض إليه، وقال: هو يرانى بعين، وأخشى أن أنقص من عينه إذا اجتمعنا.
وتحيّل مجاهد الدين النائب بسنجار عليه فى الاجتماع به؛ حتى كان يقدم فى الوقت يوم الجمعة لأجل الاجتماع به.
وروى أنه اجتاز بسوق سنجار، فرآه بعض البغداذيين، وقال: من هذا الرجل؟ فقيل: هذا يقال له علىّ بن دبابا، فقال: يحتاج هذا الرجل إلى قلّة عقل.
وذكر أن رجلا من أهل سنجار يقال له ابن جبلة، خرج من مقصورة من مقاصير جامع سنجار يوم جمعة إلى صحن الجامع، فقال: سبحان الله! ما فى هذا الجمع مسلم! ثم نظر فإذا الشيخ أبو الحسن، فقال: ما كان لى أن أقول هذا والشيخ أبو الحسن حىّ.
وكان يناظر مع الفقهاء فيجيد بقوته فى علوم الفقه على وجه التسلّط. وكانت استراحته فى كلامه مثلا. وعلى الجملة، لأهل سنجار فيه من العقيدة ما لم يسمع لها مثال. وكان رجلا طويلا ضخما آدم اللون جهورىّ الصوت حسن التسميع، [ذا] نفس «1» كبيرة- رحمه الله.
وحكى أنّ مماته كان بريح الخمرة، فقال يوما: اليوم أشتمّ شيئا وأموت، فجاء الطبيب فقال: قوّوه، فشويت عنده شريحة لحم، فشمّها. وتوفى- رحمه الله فى حدود سنة ستين وخمسمائة تقريبا.