الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
515 - عمرو بن عثمان بن قنبر المعروف بسيبويه [1]
عمرو بن عثمان بن قنبر،»
مولى بنى الحارث بن كعب بن عمرو بن علة بن جلد بن مالك بن أدد- ويكنى أبا بشر وأبا الحسن. ومعنى سيبويه «2» بالفارسية رائحة التفاح.
أخذ النحو عن الخليل بن أحمد الفرهودىّ الأزدىّ، ولازمه، وتتلمذ له.
وقد كان أخذ شيئا من النحو عن عيسى بن عمر الثقفىّ وعن يونس، وأخذ عن غيرهما. وأخذ اللغة عن أبى الخطاب الأخفش الكبير وغيره، وعمل كتابه المنسوب
[1] ترجمته فى أخبار النحويين البصريين 48 - 50، وإشارة التعيين الورقة 38 - 39، وبغية الوغاة 366 - 367، وتاج العروس 1: 305، وتاريخ ابن الأثير 5: 142، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 180)، وتاريخ بغداد 12: 195 - 199، وتاريخ أبى الفدا 2: 15، وتاريخ ابن كثير 10 - 176 - 177، وتلخيص ابن مكتوم 168 - 173، وتهذيب اللغة للأزهرى 1: 9، وابن خلكان 1: 385 - 386، وروضات الجنات 503 - 503، وشذرات الذهب 1: 252 - 255، وطبقات الزبيدىّ 38 - 45، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 206 - 211، وطبقات القراء لابن الجزرى 1: 602، والفلاكة والمفلوكين 83، والفهرست لابن النديم 51 - 52، وكشف الظنون 1426 - 1428، ومراتب النحويين 105 - 17، ومرآة الجنان 1: 348، والمزهر للسيوطى 2: 405، 426، 454، 462، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 277 - 280، والمعارف لابن قتيبة 237، ومعجم الأدباء 16: 114 - 127، والنجوم الزاهرة 2: 99 - 100، ونزهة الألباء 71 - 81، والوافى بالوفيات ج 5 مجلد 3: 530 - 537.
إليه فى النحو، وهو مما لم يسبقه إليه أحد. وقد قيل إنه أخذ كتاب عيسى بن عمر المسمى بالجامع، وبسطه وحشّى عليه من كلام الخليل وغيره، وأنه كان كتابه الذى اشتغل به، فلما استكمل بالبحث والتّحشية نسب إليه.
ويستدلّ القائل بهذه المقالة بما نقل أن سيبويه لمّا فارق عيسى بن عمر ولازم الخليل سأله الخليل عن مصنّفات عيسى بن عمر، فقال له سيبويه: قد صنف نيّفا وسبعين مصنفا فى النحو، وأن بعض أهل اليسار جمعها وأتت عليها عنده آفة فذهبت، ولم يبق منها فى الوجود سوى تصنيفين؛ أحدهما اسمه الكامل وهو بأرض فارس عند فلان، والجامع، وهو هذا الكتاب الذى أشتغل فيه عليك، وأسألك عن غوامضه. فأطرق الخليل ساعة ثم رفع رأسه، وقال: رحم الله عيسى! ثم أنشد ارتجالا:
ذهب النحو جميعا كلّه
…
غير ما أحدث عيسى بن عمر
ذاك إكمال وهذا جامع
…
فهما للناس شمس وقمر
فأشار إلى الإكمال بالإشارة إلى الغائب فى قوله: «ذاك» ، وأشار [إلى الجامع] بالإشارة إلى الحاضر بقوله:«وهذا» .
وذكر ابن إسحاق النديم فى كتابه قال:
وقدم سيبويه أيام الرشيد إلى العراق، وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة، وتوفى وله نيّف وأربعون سنة بفارس. وكان وروده العراق لقصده يحيى بن خالد «1» البرمكىّ. ولما قيل ليحيى بن خالد: هذا فاضل نحاة البصرة اشتاقت نفسه إلى سماع كلامه. فقيل له: اجمع بينه وبين نحوىّ الكوفة الكسائى. فجمع بينهما، وحضر نحاة الكوفة، وحضر الأخفش الأوسط سعيد، وحضر الفرّاء والأحمر صاحبا الكسائىّ، وسألاه عن مسائل تلجلج فى جوابها. فقال يحيى بن خالد: من يحكم بين هؤلاء؟ فتراضوا بالأعراب، فأحضر من فصحائهم من قدم على باب السلطان، وهم أبو فقعس وأبو دماذ وأبو الجراح وأبو ثروان، فحكموا بما قاله الكسائىّ، فقال الكسائى ليحيى بن خالد: هذا رجل قدم عليك يريد من دنياك. فأجازه بعشرة آلاف درهم، فأخذها وعاد إلى البصرة، وخرج منها إلى فارس، فمات هناك فى سنة تسع وسبعين ومائة.
وكان المبرّد إذا أراد أحد أن يقرأ عليه كتاب سيبويه يقول له: هل ركبت البحر! تعظيما له، واستعظاما لما فيه.
وكان المدينىّ يقول: من أراد أن يعمل كتابا كبيرا فى النحو بعد كتاب سيبويه فليستحى.
أخبرنى الشريف النقيب النّسابة محمد بن أبى البركات الحسين بن أسعد الحسينى الجوانىّ إجازة شافهنى بها بداره؛ بقرافة «1» مصر فى شهور سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة، قال أخبرنى عبد السلام بن مختار اللغوى قال أخبرنى ابن بركات السعيدىّ قال أخبرنى أبو سهل محمد بن علىّ بن محمد الهروىّ قال أخبرنى أبو عبد الله محمد ابن الحسين اليمنىّ فى كتابه، قال:
وقال أبو حاتم: هو عمرو بن عثمان. وسيبويه بالفارسية «رائحة التفّاح» .
وهو لقب. وكان فى لسانه حبسة، وقلمه أبلغ من لسانه. وهو أثبت من أخذ عن الخليل بن أحمد، وهو أستاذه، وأخذ أيضا عن يونس بن حبيب، وعيسى بن عمر وغيرهم. وأخذ اللغة عن أبى الخطاب الأخفش وغيره. وسمع الحديث، وكان شديد الأخذ، وكان يستملى على حماد بن سلمة.
كتبت من خط محمد بن عبد الملك «2» : حدّثنى محمد بن موسى بن حماد قال:
حدّثنا محمد بن منصور الطوسىّ قال: سمعت عفان بن مسلم يقول: قال سيبويه
لشعبة- ورادّه فى حديث- فقال شعبة: لأن أخرّ من السماء أحبّ إلى من أن أدلّس.
قال نصر بن علىّ: كان سيبويه يستملى من حماد بن سلمة يوما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحد من أصحابى إلا وقد أخذت عليه، ليس أبا الدرداء.
فقال سيبويه: «ليس أبو الدرداء» ، فقال: لحنت يا سيبويه، فقال سيبويه:
لا جرم! لأطلبنّ علما لا تلحّننى فيه أبدا، فطلب النحو ولم يزل يلازم الخليل.
كتبت من خط محمد بن عبد الملك: حدّثنا إبراهيم بن مهدىّ قال حدّثنا سهل بن محمد قال سمعت أبا زيد الأنصارىّ يقول: كان سيبويه غلاما يأتى مجلسى وله ذؤابتان. قال: وإذا سمعته يقول: حدّثنى من أثق بعربيّته- فإنّما يعنينى.
وكتبت من خط محمد بن عبد الملك: حدّثنى محمد بن على بن حمزة قال حدّثنا الرياشىّ قال سمعت الأخفش يقول: كان سيبويه إذا وضع شيئا من كتابه عرضه علىّ وهو يرى أنى أعلم منه- وكان أعلم منى- وأنا اليوم أعلم منه.
وكتبت من خطه: حدّثنى أحمد بن محمد النحوىّ قال حدّثنى محمد بن سلام قال حدّثنى الأخفش: أنه قرأ كتاب سيبويه على الكسائىّ فى جمعة، فوهب له سبعين دينارا. قال: وكان الكسائىّ يقول لى: هذا الحرف لم أسمعه فاكتبه لى، فأفعل.
قال أبو العباس: وكان الأخفش يؤدّب ولد الكسائى، وكان الجاحظ قد سمع هذا الخبر فقال فيما يعدّده من فخر أهل البصرة على أهل الكوفة:
هؤلاء يأتونكم بفلان وفلان، وسيبويه الذى اعتمدتم على كتبه وجحدتم فضله-
وذكر الجاحظ كتاب سيبويه- لم يكتب الناس فى النحو كتابا مثله، وجميع كتب الناس عليه عيال. وكان سيبويه لشهرته وفضله علما عند النحويّين، وكان يقال بالبصرة: قرأ فلان الكتاب؛ فيعلم أنه كتاب سيبويه، ولا يشك أنه كتاب سيبويه.
كتبت من خط محمد بن عبد الملك: حدّثنى المروزىّ عن الجاحظ قال:
وشاهدت بخط السلالى النحوىّ القرشىّ الكوفىّ الورّاق أن الجاحظ لما قدم من البصرة فى بعض قدماته أهدى إلى محمد بن عبد الملك الزيات فى وزارته نسخة من كتاب سيبويه، وأعلم بإحضارها صحبته قبل أن يحضرها مجلسه، فقال له ابن الزيات: أو ظننت أن خزائننا خالية من هذا الكتاب؟ فقال: ما ظننت ذاك؛ ولكنها بخط الفرّاء ومقابلة الكسائىّ وتهذيب عمرو بن بحر الجاحظ. فقال له ابن الزيات: هذه أجلّ نسخة توجد وأغربها. فأحضرها إليه، فسرّ بها، ووقعت منه أجمل موقع.
وكتبت من خط محمد بن عبد الملك التاريخىّ: حدّثنى ابن الأعلم قال حدّثنا محمد بن سلّام قال: كان سيبويه النحوىّ جالسا فى حلقته بالبصرة، فتذاكرنا شيئا من حديث قتادة، فذكر حديثا غريبا فقال: لم يرو هذا إلا سعيد بن
أبى العروبة، فقال بعض ولد جعفر بن سليمان: ما هاتان الزائدتان يا أبا بشر؟
فقال: هكذا يقال؛ لأن العروبة هى الجمعة، ومن قال: عروبة فقد أخطأ. قال ابن سلام: فذكرت ذلك ليونس فقال: أصاب، لله درّه!. «1»
وكتبت من خط محمد بن عبد الملك: حدّثنى إبراهيم بن إسحاق الحربىّ قال:
سمعت ابن عائشة يقول: كنا نجلس مع سيبويه النحوىّ فى المسجد- وكان شابّا جميلا نظيفا قد تعلّق من كل علم بسبب، وضرب فى كل أدب بسهم، مع حداثة سنه وبراعته فى النحو- فبينا نحن عنده ذات يوم إذ هبّت ريح أطارت الورق، فقال لبعض أهل الحلقة: انظر أىّ ريح هذه؟ وكان على منارة، تمثال فرس «2» من صفر، فنظر ثم عاد فقال ما يثبت الفرس على شىء. فقال سيبويه: العرب تقول فى مثل هذا: قد [تذاءبت الريح و «3»] تدأّبت الريح؛ أى فعلت فعل الذئب، وذلك أنه يجىء من هاهنا وهاهنا ليختل، فيتخيل للناظر أنه عدّة ذئاب.
وكتبت من خطّه: حدّثنا بشر بن موسى، حدثنا ابن النّطّاح قال: كنت عند الخليل بن أحمد فأقبل سيبويه، فقال: مرحبا مرحبا بزائر لا يملّ. فقال أبو عمر المخزومى- وكان كثير المجالسة للخليل: ما سمعت الخليل يقولها لأحد إلا لسيبويه.
كتبت من خط ابن عبد الملك: سمعت أبا العباس أحمد بن يحيى يقول: كان سيبويه يخطئ فى اسمه؛ يقول: سيبويه وسيبويه آخر؛ والكسائى يقول سيبويه وسيبويه آخر؛ لأنه أعجمىّ فلا يجرى، وزيلويه وزيلويه آخر، ويثنى زيلويهان
و [يجمع] زيلوهات، لأن الجمع بالواو والنون للحيوان الذى يعقل من الذّكران، والألف والتاء لما يعقل من الإناث ولما لا يعقل، ولا يعرف باللام. وقد قيل زيلويه وذو زيلويه وذوات زيلويه ورأيت زيلويه وذوى زيلويه وذوات زيلويه.
ومن خطه: حدثنى أبو أحمد التّبريزىّ قال: حدثنا الفضل بن الحسن قال حدثنا عبيد الله بن معاذ العنبرىّ قال: جاء سيبويه إلى حمّاد بن سلمة فقال له:
أحدّثك هشام بن عروة عن أبيه فى رجل رعف فى الصلاة؟ فقال: أخطأت يا سيبويه! إنما هو رعف. «1» قال: فانصرف إلى الخليل فشكا إليه ما لقيه به حمّاد، فقال: صدق، ومثل حماد يقول هذا. ورعف يجوز إلا أنها ضعيفة، والكلام رعف.
قال أبو العباس المبرّد: كان الأخفش أكبر سنا من سيبويه؛ وكانا جميعا يطلبان، فجاءه الأخفش يناظره بعد أن برع، فقال له الأخفش: إنما ناظرتك لأستفيد لا غير، قال: أترانى أشك فى هذا! ومات سيبويه قبل جماعة قد كان أخذ عنهم كيونس وغيره؛ فأما يونس فمات فى سنة ثلاث وثمانين ومائة، ومات أبو زيد بعد موت سيبويه بنيّف وثلاثين سنة.
وكانت وفاة سيبويه- على ما ذكر محمد بن عمرو الجماز- فى سنة ثمانين ومائة «2» بفارس، فى أيام الرشيد، وقبره بشيراز قصبة فارس. وكان قدم بغداذ، وجمع له النحويون فناظروه، فاستزلّ، فعاد إلى فارس ومات هناك.
ونجم من أصحاب سيبويه أبو الحسن الأخفش سعيد بن مسعدة، وأبو علىّ محمد بن المستنير قطرب.
أنبأنا زيد بن الحسن بن زيد النحوىّ فيما كتب به إلى: أخبرنا أبو منصور عبد الرحمن القزاز، حدثنا أحمد بن علىّ من كتابه قال:«عمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر المعروف بسيبويه النحوىّ من أهل البصرة. كان يطلب الآثار والفقه، ثم صحب الخليل بن أحمد، فبرع فى النحو، وورد بغداذ، وجرت بينه وبين الكسائىّ وأصحابه مناظرة» . «1»
أنبأنى الكندىّ أخبرنا القزاز حدثنا أحمد بن على فى كتابه: «أخبرنا محمد ابن عبد الواحد بن على البزاز، أنبأنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزبانىّ، أخبرنى الصّولىّ وعبد الله بن جعفر قالا: حدثنا محمد بن يزيد النحوىّ قال: أبو بشر عمرو بن عثمان بن قنبر مولى بنى الحارث بن كعب بن عمرو بن جلد بن مالك بن أدد بن علة. قال المرزبانىّ: وحدثنا محمد بن يحيى، حدثنا محمد بن يزيد المبرّد قال: سيبويه يكنى أبا بشر وأبا الحسن، وهو من مولى بنى الحارث بن كعب.
قال المرزبانىّ: ويقال: وهو مولى آل الربيع بن زياد الحارثى. وتفسير سيبويه بالفارسية رائحة التفاح». «2»
أنبأ الكندىّ إجازة قال: أخبرنا عبد الرحمن القزاز سماعا عليه قال حدثنا أحمد بن علىّ من كتابه: «أخبرنا العتيقىّ، حدثنا محمد بن العباس، أخبرنا سليمان ابن إسحاق الجلاب قال: وسمعته- يعنى إبراهيم الحربىّ- يقول: سمى سيبويه لأن وجنتيه كانتا كأنهما تفاح «3» ».
وبالإسناد قال أحمد بن على: «أخبرنا القاضى أبو العلاء الواسطىّ قال: قال:
محمد بن جعفر بن هارون التميمىّ: كان سيبويه فى أول أيامه صحب الفقهاء وأهل الحديث، وكان يستملى على حمّاد بن سلمة، فلحن فى حرف، فعاتبه حمّاد، فأنف من ذلك، ولزم الخليل. وكان من أهل فارس، من البيضاء «1» ومنشؤه بالبصرة، واسمه عمرو بن عثمان بن قنبر، وكنيته أبو بشر، ولقبه سيبويه، وتفسيره ريح التفاح لأن «سيب»: التفاحة، و «ويه»: الريح. وكانت والدته ترقّصه وهو صغير بذلك». «2»
وبالإسناد قال أحمد بن علىّ فى كتابه: «أخبرنى التّنوخىّ، حدثنا أبو الحسن أحمد بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن البهلول التّنوخىّ، حدثنا أبو سعد داود ابن الهيثم بن إسحاق بن البهلول، حدثنا حماد بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد عن نصر بن على قال: برز من أصحاب الخليل أربعة: عمرو بن عثمان أبو بشر المعروف بسيبويه، والنّضر بن شميل، وعلى بن نصر، ومؤرّج السدوسىّ «3» ».
وبالإسناد قال أحمد بن على: «أخبرنا محمد بن عبد الواحد بن على، أخبرنا المرزبانىّ، أخبرنا أبو بكر الجرجانىّ، حدثنا محمد بن يزيد قال: كان سيبويه وحماد بن سلمة فى النحو أكثر من النّضر بن شميل والأخفش، وكان النّضر أعلم الأربعة باللغة والحديث «4» ».
وبالإسناد قال أحمد بن علىّ: «قرأت بخط القاضى أبى بكر بن الجعابىّ، وأخبرناه الصيمرىّ، حدثنا أحمد بن علىّ الصيرفىّ، حدثنا ابن الجعابىّ، حدثنا الفضل (هو ابن الحباب) عن ابن سلّام قال: كان سيبويه النحوىّ مولى بنى الحارث
ابن كعب غاية الخلق فى النحو، وكتابه هو الإمام فيه، وكان الأخفش أخذ عنه، وكان أفهم الناس فى النحو». «1»
وبالإسناد قال أحمد بن علىّ فى كتابه: «أنبأنى القاضى أبو عبد الله محمد بن سلامة بن جعفر القضاعىّ المصرىّ؛ أخبرنا أبو يعقوب يوسف بن يعقوب بن إسماعيل ابن خرّوزاد النّجيرمىّ، أخبرنا أبو الحسين على بن أحمد المهلبىّ، أخبرنا أبو الحسين محمد بن عبد الرحمن الروذبارىّ قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الملك التاريخىّ قال: حدّثنى المروزىّ (يعنى محمد بن يحيى بن سلمة) «2» ، وذكر حكاية الجاحظ التى تقدّمت فى إهداء الكتاب إلى محمد بن عبد الملك الزيات «3» .
وبالإسناد قال أحمد بن على فى كتابه: «أخبرنا القاضى أبو الطيب الطبرى وأحمد ابن عمر بن روح قالا: أخبرنا المعافى بن زكريا، حدّثنا محمد بن عبد الواحد، أخبرنا أبو الحسن بن كيسان قال: سهرت ليلة أدرس، قال: ثم نمت فرأيت جماعة من الجن يتذاكرون بالفقه والحديث والحساب والنحو والشعر، قلت:
أفيكم علماء؟ قالوا: نعم، قال: فقلت- من همّى بالنحو-: إلى من تميلون من النحويين؟ قالوا: إلى سيبويه. قال أبو عمر: فحدّثت بها أبا موسى- وكان يغيظه لحسد كان بينهما- فقال لى أبو موسى: إنما مالوا إليه لأن سيبويه من الجن» «4» ».
وبالإسناد قال أحمد بن على: «أخبرنا القاضى أبو العلاء الواسطى، أخبرنا محمد بن جعفر التميمى حدّثنا أبو العباس محمد بن الحسن، حدّثنا ثعلب عن سلمة قال: لما دخل من البصرة إلى مدينة السّلام أتى «5» حلقة الكسائىّ وفيها غلمانه:
الفرّاء وهشام ونحوهما، فقال الفراء للكسائى: لا تكلّمه ودعنا وإياه، فلما جلس سيبويه سأل عن مسائل والفرّاء يجيب، ثم قال له الفراء: ما تقول فى قول الشاعر:
نمتّ بقربى الزينبين كلاهما
…
إليك وقربى خالد وسعيد
فلحق سيبويه حيرة «1» السؤال وقال: أريد أمضى لحاجة وأدخل. فلما خرج قال الفراء لأهل الحلقة: قد جاء وقت الانصراف فقوموا بنا، فقاموا. فخرج سيبويه فذكر علة «2» البيت فرجع، فوجدهم قد انصرفوا «3» .
أنبأنا زيد بن الحسن أخبرنا عبد الرحمن، حدّثنا الخطيب من كتابه:«أخبرنا هلال بن المحسّن الكاتب، أخبرنا أحمد بن محمد بن الجراح الخزاز، وأخبرنا محمد ابن محمد بن على الوراق؛ حدّثنا المعافى بن زكريا، حدّثنا أبو بكر محمد بن القاسم الأنبارىّ، أخبرنا أبو بكر مؤدّب ولد الكيّس بن المتوكل، حدّثنا أبو بكر العبدىّ النحوىّ قال: لما قدم سيبويه إلى بغداد فناظر الكسائى وأصحابه فلم يظهر عليهم سأل: من يبذل [من] «4» الملوك ويرغب فى النحو؟ فقيل له طلحة بن طاهر، فشخص إليه إلى خراسان، فلما انتهى إلى ساوة «5» مرض مرضه الذى مات فيه، فتمثل عند الموت:
يؤمل دنيا لتبقى له
…
فوافى المنية دون الأمل
حثيثا يروّى أصول الفسيل
…
فعاش الفسيل ومات الرجل
وبالإسناد قال أحمد بن علىّ «أخبرنا «6» عبد الله بن يحيى السكرىّ، أخبرنا جعفر ابن محمد بن أحمد بن الحكم الواسطىّ، حدّثنا أبو محمد الحسن بن على بن المتوكّل،
أخبرنا أبو الحسن المدائنىّ قال: قال أبو عمرو بن يزيد: احتضر سيبويه النحوىّ فوضع رأسه فى حجر أخيه فأغمى عليه. قال: فدمعت عين أخيه، فأفاق، فرآه يبكى فقال:
وكنّا جميعا فرّق الدهر بيننا
…
إلى الأمد الأقصى فمن يأمن الدهرا!
قال أبو إسحاق إبراهيم بن السرىّ الزجاج: إذا تأملت الأمثلة من كتاب سيبويه تبينت أنه أعلم الناس باللغة.
وقال أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش والمبرّد وثعلب: إن سيبويه لما قدم العراق على أبى على يحيى بن خالد البرمكىّ سأله عن خبره والحال التى ورد لها.
فقال: جئت لتجمع بينى وبين الكسائىّ، فقال له: لا تفعل، فإنه شيخ مدينة السّلام وقارئها ومؤدّب أمير المؤمنين، وكلّ من فى المصر له ومعه. فأبى إلا الجمع بينهما. فعرف الرشيد خبره، فأمره بالجمع بينهما، فوعده بيوم. فلما كان ذلك اليوم غدا سيبويه وحده إلى دار الرشيد، فوجد الفرّاء وهشاما والأحمر ومحمد بن سعدان قد سبقوه، فسأله الأحمر عن مائة مسألة، فأجابه عنها، فما أجابه بجواب إلا قال: أخطأت يا بصرىّ: فوجم [لذلك]«1» سيبويه وقال:
هذا سوء أدب. ووافى الكسائىّ- وقد شق أمره عليه- ومعه خلق كثير من العرب، فلما جلس قال له: يا بصرىّ، كيف تقول: خرجت فإذا زيد قائم؟
فقال: خرجت فإذا زيد قائم، فقال الكسائىّ: أيجوز: فإذا زيد قائما؟ قال:
لا. قال الكسائىّ: كيف تقول: قد كنت أظن أن العقرب أشدّ لسعة من الزنبور، فإذا هو هى، أو فإذا هو إياها؟. فقال سيبويه: فإذا هو هى؛ ولا يجوز النصب. فقال الكسائىّ: لحنت! وخطّأه الجميع. وقال الكسائىّ: العرب
نرفع ذلك كلّه وتنصبه. فدفع سيبويه قوله. فقال يحيى بن خالد: قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما، فمن يحكم بينكما وهذا موضع مشكل؟ فقال الكسائىّ: هذه العرب ببابك؛ قد جمعتهم من كل أوب، ووفدت عليك من كل صقع، وهم فصحاء العرب، وقد قنع بهم أهل المصريين، وسمع منهم أهل الكوفة والبصرة، فيحضرون ويسألون. فقال يحيى وجعفر: قد أنصفت، وأمر بإحضارهم، فدخلوا، وفيهم أبو فقعس، وأبو ثروان، وأبو دثار، فسئلوا عن المسائل التى جرت، فتابعوا الكسائى. فأقبل يحيى على سيبويه فقال: قد تسمع أيها الرجل. فانصرف المجلس عن سيبويه، وأعطاه يحيى عشرة آلاف درهم وصرفه. فخرج وصرف وجهه إلى فارس، ولم يعد إلى البصرة، وأقام هناك إلى أن مات غما بالذّرب «1» ، ولم يلبث إلا يسيرا.
قال أبو الحسن على بن سليمان الأخفش: وأصحاب سيبويه إلى هذه الغاية لا اختلاف بينهم أن الجواب كما قال سيبويه، وهو:«فإذا هو هى» ؛ أى فإذا هو مثلها، وهذا موضع رفع، وليس هو موضع نصب. فإن قال قائل: فأنت تقول:
خرجت فإذا زيد قائم، وقائما، فتنصب «قائما» ، فلم لم يجز: فإذا هو إياها؛ لأن «إيّا» للمنصوب و «هو» للمرفوع؟ والجواب فى هذا أن «قائما» انتصب على الحال وهو نكرة، و «إيّا» مع ما بعدها مما أضيفت إليه معرفة؛ والحال لا يكون إلا نكرة، فبطل «إيّاها» والحال لا يكون إلا نكرة، فكيف تقع «إياها» وهى معرفة فى موضع ما لا يكون إلا نكرة، وهذا موضع الرفع! وقال أصحاب سيبويه: الأعراب الذين شهدوا من أعراب الحطمة الذين كان الكسائى يقوم بهم ويأخذ عنهم. وقد حكى أبو زيد الأنصارىّ: قد كنت أظنّ أن العقرب أشدّ لسعة من الزنبور فإذا هو إيّاها.