الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
270 - أخبار أبى الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط [1]
هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة المجاشعىّ، مولى مجاشع «1» . أخذ النحو عن سيبويه- وكان أكبر منه- وصحب الخليل أولا، وكان معلّما لولد الكسائىّ.
وسبب ذلك أنه لما جرى بين الكسائىّ وسيبويه ما جرى من المناظرة «2» رحل سيبويه إلى الأهواز. «3»
[1] ترجمته فى أخبار النحويين البصريين للسيرافى 50 - 51، وإشارة التعيين الورقة 20، وبغية الوعاة 258، وتاريخ أبى الفدا 2: 29، وتلخيص ابن مكتوم 77، وابن خلكان 1: 208، وشذرات الذهب 2: 36، وطبقات الزبيدىّ 45 - 46، وطبقات ابن قاضى شهبة 1: 355، وعيون التواريخ (وفيات سنة 210)، والفهرست 52، وكشف الظنون 201، 1391، 1438، 1451، 1463، 1670، 1729، 1730، ومراتب النحويين 109، ومرآة الجنان 2: 61، والمزهر 2: 405، 419، 444، 463، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 283 - 284، والمعارف 227 - 228، ومعجم الأدباء 11: 224 - 230، ونزهة الألباء 184 - 188.
والأخفش فى اللغة: الصغير العينين مع سوء بصرهما. قال السيوطى فى بغية الوعاة ص 436:
وقال ابن خلكان: «كان يطلق على سعيد بن مسعدة الأخفش الأصغر، فلما ظهر على بن سليمان المعروف بالأخفش أيضا صار هذا وسطا» .
قال الأخفش «1» : فلما دخل إلى شاطئ البصرة وجّه إلىّ فجئته، فعرّفنى خبره مع البغداذىّ، وودّعنى ومضى إلى الأهواز، فتزوّدت وجلست فى سمارية «2» حتى وردت بغداذ، فوافيت مسجد الكسائىّ، فصلّيت خلفه الغداة، فلما انفتل من صلاته، وقعد فى محرابه- وبين يديه الفرّاء والأحمر وهشام وابن سعدان- سلّمت عليه، وسألته عن مائة مسألة، فأجاب بجوابات خطّأته فى جميعها.
فأراد أصحابه الوثوب علىّ، فمنعهم من ذلك، ولم يقطعنى ما رأيتهم عليه ممّا كنت فيه.
فلما فرغت من المسائل قال لى الكسائىّ: بالله أنت أبو الحسن سعيد ابن مسعدة الأخفش؟ قلت: نعم، فقام إلىّ، وعانقنى وأجلسنى إلى جانبه، ثم قال لى: أولادى أحبّ أن يتأدّبوا بك، ويخرّجوا «3» على يديك، وتكون معى غير مفارق لى. وسألنى ذلك فأجبته، إليه.
فلما اتصلت الأيام بالاجتماع، سألنى أن أؤلف له كتابا فى معانى القرآن، فألفت كتابى فى المعانى، فجعله إماما، وعمل عليه كتابا فى المعانى، وعمل الفرّاء كتابه فى المعانى عليهما. وقرأ عليه الكسائىّ كتاب سيبويه، ووهب له سبعين دينارا.
قال أبو حاتم سهل بن محمد السّجستانىّ- رحمه الله: وأخذ الأخفش كتاب أبى عبيدة فى القرآن، فأسقط منه شيئا، وزاد شيئا، وأبدل منه شيئا، قال: فقلت له:
اىّ شىء هذا الذى تصنع من هذا؟ من أعرف بالعربية؟ أنت أو أبو عبيدة؟
فقال: الكتاب لمن أصلحه، وليس لمن أفسده. قال: فلم يلتفت إلى كتابه، وصار مطّرحا.
قال أبو حاتم: وكان الأخفش رجل سوء، قدريّا شمريا. وهم صنف من القدرية «1» ، نسبوا إلى [أبى] شمر «2» ، ولم يكن يغلو فيه.
وقال أيضا: كتابه فى المعانى صو يلح؛ إلا أن فيه مذاهب سوء فى القدر.
وكان أبو حاتم يعيب كتابه فى القرآن فى جمع الواحد.
وقال أبو حاتم فى كتابه فى القراءات؛ حيث ذكر القرّاء والعلماء: «كان فى المدينة علىّ الملقّب بالجمل وضع كتابا فى النحو لم يخلّ شيئا «3» ، فذهب. وأظن الأخفش هذا وضع كتابه فى النحو منه، ولذلك قال فيه: الزيت رطلان بدرهم.
والزيت لا يذكر بالبصرة؛ لأنه ليس بإدام لهم».
وقال الأخفش: لما دخلت بغداذ أتانى هشام الضرير، فسألنى عن مسائل عملها، وفروع فرّعها، فلما رأيت أن اعتماده واعتماد غيره من الكوفيين على المسائل عملت كتاب المسائل الكبير، فلم يعرفوا أكثر ما أوردته فيه.
وقال أبو العباس أحمد بن يحيى: أوّل من أملى غريب كل بيت من الشعر تحته الأخفش- وكان ببغداذ- والطوسىّ مستمليه. قال: ولم أدركه؛ لأنه قبل عصرنا. وكان يقال له: الأخفش الراوية. وتوفى سنة خمس عشرة ومائتين.
أنبأنى الشريف النقيب محمد بن أسعد النحوىّ الجوّانىّ «1» ، أخبرنا عبد السلام ابن مختار اللغوىّ عن ابن بركات السعيدىّ، أخبرنا محمد بن سهل الهروىّ، أخبرنا محمد بن الحسين اليمنىّ «2» من كتابه قال:«أخبرنى أبو العباس أحمد بن محمد بن الوليد قال: أخبرنا أبو إسحاق الزّجّاج عن المبرّد قال: سعيد بن مسعدة مولى بنى مجاشع؛ وهو من أهل بلخ- وكان أجلع فيما أخبرنا به عن أبى حاتم- والأجلع: الذى لم تنطبق شفتاه. وكان يقول بالعدل» .
قال أبو العباس المبرّد: أخبرنى المازنى قال: كان الأخفش أعلم الناس بالكلام وأحذقهم بالجدل، وكان غلام أبى شمر، وكان على مذهبه.
قال أبو العباس أحمد بن يحيى: حدّثنى سعيد بن سلم قال: دخل الفرّاء على سعيد بن سلم، فقال: قد جاءكم سيد أهل اللغة، وسيد أهل العربية. فقال الفرّاء:
أما مادام الأخفش- يعنى سعيد بن مسعدة- يعيش فلا.
والأخفش أحذق أصحاب سيبويه، وهو أسنّ منه، ولقى من لقيه من العلماء إلا الخليل. والطريق إلى كتاب سيبويه الأخفش؛ وذلك أن كتاب سيبويه لا يعلم أحد قرأه على سيبويه، ولا قرأه عليه سيبويه؛ ولكنه لما مات قرئ على الأخفش فشرحه وبينه. ولم يكن أيضا ناقصا فى اللغة. وله كتب مستحسنة.
وكان أخذ عن أبى مالك النّميرىّ. وذكر المبرّد عن المازنىّ قال: قال الأخفش: سألت أبا مالك عن قول أمية بن [أبى] الصلت «1» :
سلامك ربّنا فى كلّ فجر
…
بريئا ما تغنّثك الذّموم «2»
فقلت: ما «تغنّثك» ؟ فقال: ما تتعلّق بك.
وكان فيمن قرأ كتاب سيبويه أبو عمر الجرمىّ وأبو عثمان المازنىّ.
وذكر ابن مجاهد قال: حدّثنا ثعلب عن سلمة عن الأخفش قال: جاءنا الكسائىّ إلى البصرة، فسألنى أن أقرأ عليه كتاب سيبويه ففعلت، فوجه إلىّ خمسين دينارا. قال: وكان الأخفش يعلّم ولد الكسائىّ.
وقال المبرّد: الأخفش أكبر سنا من سيبويه؛ إلا أنه لم يأخذ عن الخليل، وكانا جميعا يطلبان، فجاءه الأخفش، فناظره بعد أن برع، فقال له الأخفش:
إنما أناظرك لأستفيد لاغير. قال: أترانى أشكّ فى هذا! وكان أبو العباس ثعلب يفضّل الأخفش ويقول: كان أوسع الناس علما.
وله كتب كثيرة فى العروض والنحو والقوافى.
قال ثعلب: ومات الأخفش بعد الفرّاء، ومات الفرّاء سنة سبع ومائتين، بعد دخول المأمون العراق بثلاث سنين.
وذكر ابن عبد الملك التاريخى فى كتابه: «حدّثنى الحسين بن إسماعيل البصرىّ، قال: سمعت العباس بن الفرج الرياشىّ يقول: أخبرنى الأخفش قال:
يهمز الحرف إذا كان فيه ألف وقبلها فتحة، وأنشد للعجاج «3»:
وخندف «1» هامة هذا العألم
فى قصيدته التى يقول فيها:
يا دار سلمى يا سلمى ثم اسلمى
فلما همز «العألم» للفتحة التى قبلها لم يكن مؤسّسا «2» ؛ لأنهم يجعلون الهمزة بمنزلة سائر الحروف [مثل] العين والقاف».
قال: «وكان أبو حية النميرىّ ممّن يهمز مثل هذا. قال: والواو إذا كانت قبلها ضمة همزوها، مثل «يؤقن» . قال: فقلت له: فالياء إذا كانت قبلها كسرة؟
قال: لا أدرى».
وذكر الجاحظ أن أبا الحسن الأخفش كان يعلم ابنا للمعذّل بن غيلان يقال له: عبد الله، فكتب إلى المعذّل، وقد استجفى الغلام:
أبلغ أبا عمر إذا جئته
…
بأنّ عبد الله لى جاف
قد أحكم الآداب طرّا فما
…
يجهل شيئا غير إنصافى
فكتب إليه المعذّل:
إن يك عبد الله يجفوكم
…
يكفيك إلطافى وإتحافى
وذكر محمد بن إسحاق النديم فى «3» كتابه قال: «مات الأخفش سنة إحدى عشرة ومائتين، بعد الفراء» . قال: «وقال البلخى فى كتاب فضائل خراسان: أصله من خوارزم، ويقال: توفّى فى سنة خمس عشرة ومائتين. وروى الأخفش عن حمّاد بن الزبرقان- وكان بصريا» .
وله من الكتب المصنفة: كتاب الأوسط فى النحو. كتاب تفسير معانى القرآن. كتاب المقاييس، فى النحو. كتاب الاشتقاق.
كتاب الأربعة. كتاب العروض. كتاب المسائل الكبير. كتاب القوافى. كتاب الملوك، كتاب معانى الشعر. كتاب وقف التمام. كتاب المسائل الصغير. كتاب الأصوات. كتاب صفات الغنم وعلاجها وأسنانها. [كتاب التّصريف «1»]».
ووقف أعرابى على مجلس الأخفش، فسمع كلامهم فى النحو، فحار وعجب وأطرق ووسوس «2» ، فقال له الأخفش: ما تسمع يا أخا العرب؟ قال: أراكم تتكلمون بكلامنا فى كلامنا بما ليس فى كلامنا، فأنشد الأخفش لبعض العرب:
ماذا لقيت من المستعربين ومن
…
تأسيس نحوهم هذا الذى ابتدعوا
إن قلت قافية فيما يكون لها
…
معنى يخالف ما قاسوا وما صنعوا
قالوا: لحنت وهذا الحرف منخفض
…
وذاك نصب وهذا ليس يرتفع
وحرّشوا بين عبد الله واجتهدوا
…
وبين زيد فطال الضّرب والوجع
إنى نشأت بأرض لا تشبّ بها
…
نار المجوس ولا تبنى بها البيع «3»
ولا يطا القرد والخنزير ساحتها
…
لكن بها العين والذّيال والصّدع «4»
ما كل قولى معروف لكم فحذوا
…
ما تعرفون وما لا تعرفون دعوا
كم بين قوم قد احتالوا لمنطقهم
…
وآخرين على إعرابهم طبعوا
وبين قوم رأوا شيئا معاينة
…
وبين قوم رأوا بعض الذى سمعوا
قال الأخفش سعيد بن مسعدة: كان أمير البصرة يقرأ: (إنّ الله وملائكته يصلّون)«1» بالرفع، فيلحن، فمضيت إليه ناصحا له، فزبرنى «2» وتوعّدنى، وقال:
تلحّنون أمراءكم!.
ثم عزل وولى محمد بن سليمان، فكأنه تلّقاها من فم المعزول. فقلت فى نفسى: هذا هاشمىّ، ونصيحته واجبة، فخشيت أن يلقانى بما لقينى به الأوّل، ثم حملت نفسى على نصيحته، فصرت إليه وهو فى غرفة، ومعه أخوه والغلمان على رأسه؛ فقلت: أيها الأمير، جئت لنصيحة، قال: قل، قلت:
هذا- وأومأت إلى أخيه- فلما سمع ذلك قام أخوه، وفرّق الغلمان عن رأسه- وأخلانى- فقلت: أيها الأمير، أنتم بيت الشرف وأصل الفصاحة، وتقرأ:
(إنّ الله وملائكته) بالرفع، وهذا غير جائز، فقال: قد نصحت ونبهت، فجزيت خيرا، فانصرف مشكورا. فلما صرت فى نصف الدّرجة إذا الغلام يقول لى:
قف مكانك، فقعدت مروّعا، وقلت: أحسب أن أخاه أغراه بى؛ فإذا بغلة سفواء «3» وغلام وبدرة وتخت «4» ثياب وقائل يقول: البغلة والغلام والمال لك، أمر به الأمير. فانصرفت مغتبطا بذلك «5» .
هشام «1» للمظفر «2» بن أبى عامر. قال: فقال لى ابن القزاز: إن هشاما لضعيف.
هذه الجنة المذكورة هى أوّل أصل اتخذه عبد الرحمن «3» بن معاوية، وكان فيها نخلة أدركتها بنفسى، ومنها ولدت كل نخلة بالأندلس. وفى ذلك يقول عبد الرحمن- وقد تنزه إليها، فرأى تلك النخلة فحنّ:
يا نخل أنت غريبة مثلى
…
فى الغرب نائية عن الأصل
فابكى وهل تبكى ملثّمة
…
عجماء لم تطبع على خبل
لو أنها مثلى إذا لبكت
…
ماء الفرات ومنبت «4» النخل
لكنّها ذهلت وأذهلنى
…
بغضى بنى العباس عن أهلى
وكان أبو عثمان هذا حافظا للغة والعربية، حسن القيام بهما، ضابطا لكتبه، متفنّنا فى نقله. وله كتاب فى الردّ على صاعد بن الحسن اللغوىّ البغداذىّ ضيف محمد ابن أبى عامر، فى مناكير كتابه فى النوادر والغريب؛ المسمى بالفصوص، وأكثر التحامل عليه فيه.
وكان ثقة من أجلّ أصحاب أبى على القالى، ومن طريقته صحّت اللغة بالأندلس بعد أبى علىّ، ومن طريق أبى على بن أبى الحباب وأبى بكر الزّبيدىّ.