الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
314 - عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن الخشاب أبو محمد النحوىّ البغداذىّ [1]
كان أديبا فاضلا عالما، له معرفة جيدة بالنحو واللغة والعربية والشعر والفرائض والحساب والحديث، حافظا لكتاب الله عز وجل، قد قرأه بالقراءات الكثيرة.
أخذ النحو عن أبى بكر بن جوامرد القطّان، ثم عن أبى الحسن على بن أبى زيد الفصيحىّ الأستراباذىّ، ثم عن الشريف أبى السعادات الشّجرىّ، وقاطعه وردّ عليه فى أماليه. وقرأ اللغة على أبى على الحسن بن على المحوّلىّ، وعلى أبى منصور الجواليقىّ وغيرهما.
وسمع الحديث من مشايخ وقته وأكثر، وكان حريصا على السماع، مداوما بالقراءة على المشايخ فى علوّ سنه. أقرأ الناس مدة، وتخرّج به جماعة فى علم النحو، وحدّث الكثير، ووصف بالفضل والعلم والمعرفة، وكان مطّرحا للتكلف فى مأكله وملبسه وحركاته، فيه بذاذة «1» ، وكان يكثر لعب الشّطرنج، ويقعد لذلك أين وجده، ولا يراعى خسّة اللاعب والموضع، ويقف على حلق الطرق والمشعوذين وغير ذلك، وكان كلامه فى حلق الإفادة أجود من قلمه.
[1] ترجمته فى إشارة التعيين الورقة 23، وبغية الوعاة 276 - 277، وتاريخ ابن الأثير 9: 114، وتاريخ الإسلام للذهبى (وفيات سنة 567)، وتاريخ أبى الفدا 3: 52، وتلخيص ابن مكتوم 88 - 89، وخريدة القصر 1: 82، وابن خلكان 1: 267 - 268، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 17 - 20، والفلاكة والمفلوكين 78 - 79، وكشف الظنون 108، 602، 1563، 1791، 1795، ومرآة الجنان 3: 381 - 382، ومسالك الأبصار ج 4 مجلد 2: 311 - 316، والمستفاد من ذيل تاريخ بغداد الورقة 40، ومعجم الأدباء 12: 47 - 53، والمنتظم (وفيات سنة 567)، والنجوم الزاهرة 6:65.
وكان ضيّق العطن ضجورا؛ ما صنّف تصنيفا فكمله. شرح كتاب الجمل لعبد القاهر الجرجانىّ، وترك أبوابا من وسط الكتاب ما تكلّم عليها، وقرئ عليه المصنّف، وكتب بخطه عليه وهو على هذه الصورة، غير معتذر من ذلك بعذر.
وشرح المقدّمة التى صنّفها الوزير ابن هبيرة «1» ، وقطعها قبيل الإتمام، ووصل منها إلى باب النونين: الثقيلة والخفيفة، وعمل فى شرح اللمع «2» مثل ذلك «3» .
وكانت له دار عتيقة ولأخ له ومن شاركهما فى ورثة أبيه، وله منها صفّة «4» كبيرة منفردة، وبها بوارىّ «5» قصب مفروشة، وفى صدرها ألواح من الخشب، مرصوص عليها كتب له، أقامت عدّة سنين ما أزيل عنها الغبار، وكانت تلك البوارىّ قد استترت بما عليها من التراب، يقعد فى جانب منها، والباقى على تلك الحالة. وقيل إن الطيور عششت فوق الكتب وفى أثنائها، وكان إذا تكلم على
مسألة فى النحو منفردة ربما أجاد فى بعض الأوقات إذا خلا من ضجره، وكان لا يقتنى من الكتب إلا أردأها صورة، وأرخصها ثمنا. وله وظيفة فى بعض الأماكن ببغداذ. وتدل كتبه على صحّة ما ذكرته. وله شعر كشعر النحاة، فمنه ما قال ملغزا فى الكتاب:
وذى أوجه لكنّه غير بائح
…
بسرّ وذو الوجهين للمرء يظهر
تناجيك بالأسرار أسرار «1» وجهه
…
فتفهمها ما دمت بالعين تنظر
وله فى الشمعة:
صفراء لا من سقم مسّها
…
كيف وكانت أمها «2» الشافيه
عريانة باطنها مكتس
…
فاعجب لها كاسية عاريه
توفى- رحمه الله وتجاوز عنه- فى عشية الجمعة، ثالث شهر رمضان سنة سبع وستين وخمسمائة بباب الأزج بدار أبى القاسم بن الفرّاء، وصلّى عليه يوم السبت بجامع السلطان، وتقدّم فى الصلاة عليه أبو النجم بن القابلة، ودفن بمقبرة أحمد، بباب حرب.
قال عبد الكريم بن محمد المروزىّ «3» : عبد الله بن أحمد بن أحمد بن الخشاب أبو محمد، من ساكنى باب المراتب الشريفة، شاب «4» كامل فاضل، له معرفة تامّة
بالأدب واللغة والنحو والحديث، ويقرأ الحديث قراءة «1» حسنة صحيحة مفهومة.
سمع الكثير بنفسه، وجمع الأصول الحسان.
قال الإمام أبو شجاع عمر بن أبى الحسن البسطامىّ ببخارى: لما دخلت بغداذ قرأ علىّ أبو محمد الخشاب كتاب غريب الحديث لأبى محمد القتيبىّ قراءة ما سمعت قبلها مثلها فى الصحة والسرعة، وحضر جماعة من الفضلاء سماعها، وكانوا يريدون أن يأخذوا عليه فلتة لسانه، فلم يقدروا على ذلك.
أنبأنا محمد بن محمد بن حامد فى كتابه «2» قال: «عبد الله بن أحمد بن أحمد بن أحمد بن عبد الله الخشاب. من أهل بغداذ. شيخنا فى علم الأدب، أعلم الناس بكلام العرب، وأعرفهم بعلوم شتى من النحو واللغة والتفسير والحديث والنسب، الطود السامى، والبحر الطامى. كان فضله على أفاضل الزمان، كفضل الشمس على النجوم، والبحر على الغدران. وله المؤلفات العزيزة، والمصنفات الحريزة، والكتب المفيدة، والفكر المجيدة. وإذا كتب كتابا بخطه يشترى بالمئين، وتتنافس عليه بواعث المستفيدين. وهو ألين سجيّة من الماء العذب، وأخشن حميّة من الغرار «3» العضب. وما أظن أن الزمان يسمح بمثله، وأنّ الدهر العقيم ينتج أحدا فى فضله. كان كثير الإفادة، غزير الإجادة؛ غير أنه ينبو عن جواب سؤال الممتحنين، نبوة المستحقر المهين، ويعزّ على المتكبّر، ويذلّ للمتكّرم، متواضع عند العامة، مرتفع عند الملوك والخاصة. توفى ببغداذ سنة ثمان وستين وخمسمائة «4» ، فرأيته