الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشعر. قال عباس: ثم أتممت الشعر، فقال: هذا أشعر العرب، ثم نقلنى إلى نفسه فى ضيافته عاما. ثم قدم عبّاس الأندلسى، فتكرر على الحكم بن هشام بالمدح، ثم تعرض للخدمة فاستقضاه على بلده.
521 - العباس بن الفرج أبو الفضل الرياشىّ [1]
مولى محمد بن سليمان بن على بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب. من أهل البصرة. سمع الأصمعىّ وأبا معمر المقعد «1» وعمرو بن مرزوق، «2» وروى عنه أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق الحربىّ وأبو بكر بن أبى الدنيا وأبو بكر محمد بن أبى الأزهر النحوىّ وأبو بكر بن دريد وأبو روق الهزانىّ «3» وغيرهم.
[1] ترجمته فى أخبار النحويين البصريين للسيرافى 89 - 93، وإشارة التعيين الورقة 23، والأنساب 264 ب، وبغية الوعاة 275 - 276، وتاريخ ابن الأثير 5: 364، وتاريخ بغداد 12: 138 - 140، وتاريخ أبى الفدا 2: 48، وتاريخ ابن كثير 11: 29 - 30، وتلخيص ابن مكتوم 178، وابن خلكان 1: 246، وشذرات الذهب 2: 136، وطبقات الزبيدىّ 67 - 69، وطبقات ابن قاضى شهبة 2: 14 - 15، والفلاكة والمفلوكين 116، والفهرست 58، واللباب فى الأنساب 1: 484، ومعجم الأدباء 12: 44 - 46، والمنتظم (وفيات سنة 257)، والنجوم الزاهرة 3: 27 - 28، ونزهة الألباء 262 - 264. والرياشىّ بكسر الراء وفتح الياء: منسوب إلى رياش: وهو اسم رجل من جذام، كان والد المنتسب إليه عبدا له فنسب اليه.
وكان من أهل الأدب وعلم النحو بمحل عال. وكان يحفظ كتب أبى زيد والأصمعىّ كلها، وقرأ على أبى عثمان المازنىّ كتاب سيبويه. وكان المازنىّ يقول: قرأ علىّ الرياشىّ الكتاب وهو أعلم به منى. وقدم بغداذ، وحدّث بها، وكان ثقة.
جاء أبو شراعة»
إلى الرّياشىّ فقال له: إن أبا العباس الأعرج قد هجاك، فقال:
إن الرياشىّ عباسا تعلّم بى
…
حوك القصيد وهذا أعجب العجب
يهدى لى الشّعر جبنا من سفاهته
…
كالتمر يهدى لذات الليف والكرب «2»
فقال الرياشىّ: هلا ردد ثم عنى، أما سمعتم قول أبى نواس «3»:
لا أعير الدهر سمعى
…
أن يعيبوا لى حبيبا
لا ولا أحفظ عندى
…
للأخلّاء العيوبا
فإذا ما كان كون
…
قمت بالغيب خطيبا
احفظ الإخوان يوما
…
يحفظوا منك المغيبا «4»
قال أبو سعيد السيرافىّ: «الرّياشىّ أبو الفضل عبّاس بن الفرج، مولى محمد بن سليمان بن على الهاشمىّ. ورياش رجل من جذام؛ كان أبو العباس عبدا له فبقى عليه نسبه إلى رياش. وكان عالما باللّغة والشعر، كثير الرواية عن الأصمعىّ. وروى أيضا عن غيره، وقد أخذ عنه أبو العباس محمد بن يزيد- يعنى المبرّد- وأبو بكر ابن دريد» «5» . وقال «6» أبو بكر بن أبى الأزهر- وكان عنده أخبار الرياشىّ- كنا
نراه يجيء إلى [أبى] العباس المبرّد فى قدمة قدمها من البصرة، وقد لقيه أبو العباس ثعلب، وكان يقدّمه ويفضّله.
قال أبو سعيد: «ومات الرّياشىّ- فيما حدّثنى به أبو بكر بن دريد- سنة سبع وخمسين ومائتين بالبصرة، قتلته الزّنج «1» ». دخلوا عليه المسجد بأسيافهم والرّياشىّ قائم يصلى الضّحا، فضربوه بأسيافهم، وقالوا: هات المال، فجعل يقول: أىّ مال، أىّ مال! حتى مات. فلما خرج الزّنج عن البصرة، ودخلها من فرّ عنها، فمرّ منهم من مرّ ببنى مازن الطحّانين- وهناك كان ينزل الرّياشىّ- فدخلوا مسجده، فإذا به ملقى وهو مستقبل القبلة، كأنما وجّه إليها وإذا شملته تحرّكها الريح قد مزّقت، وإذا جميع خلقه صحيح سوىّ، لم تنشقّ له بطن، ولم يتغير له حال، إلّا أن جلده قد لصق بعظمه ويبس. وذلك بعد مقتله بسنين- يرحمنا الله وإياه.
وذكر محمد بن موسى الحمّادى قال: رأيت الرياشىّ فى مسجده هذا، فرأيت رجلا طوالا آدم اللون، عليه قلنسوة، وحين قدم بغداذ نزل على يعقوب بن شيبة، فأقام على ابن السرىّ صاحب الكلبىّ شهرا، حتى كتب عنه ما أراد، ثم رجع إلى البصرة.
قال المازنىّ: قرأ الرياشىّ علىّ كتاب سيبويه فما بلغ النصف منه حتى كان أعلم به منى.
قال مروان بن عبد الملك: سمعت العباس بن الفرج الرياشىّ يقول:
حفظت كتب أبى زيد ودرستها إلا أنى لم أجالسه مجالستى للأصمعىّ، وأما كتب الأصمعىّ فإنى حفظتها لكثرة ما كانت تتردّد على سمعى لطول مجالستى له. قال:
وكنت أقرأ على أبى زيد، ولعلّ حفظى قريب من حفظه. قال: وقال لى يوما:
عمن تأخذ؟ قلت له: عن فلان، فاجتمعنا عنده يوما أنا وذلك، فتناظرنا، فقال لى: تقول لى إنك تأخذ عن هذا وأنت أعلم منه!.
وقال الخشنىّ: كان المازنىّ فى الإعراب، وأبو حاتم فى الشعر والرواية، وكان الرياشىّ فى الجميع. وكان أهل البصرة إذا اختلفوا فى شىء قالوا ما قال فيه أبو الفضل الرياشىّ، انقيادا لفضله وروايته. وكان من أهل الفضل، لا تخرج البصرة مثل الرياشىّ.
وحمل الرياشىّ إلى سرّ من رأى فى أيام المتوكل، لتولّى قضاء البصرة فاستعفى، وقال شعرا مدح به المتوكل، وذكر فيه خلوّ مسجده منه، فأعفاه وأعطاه ووسع له وأعاده. وقرأ عليه الفتح بن خاقان الوزير، وأعطاه مالا جسيما، وعاد إلى البصرة.
وقال يحيى: رأيت أبا حاتم يعظم الرّياشىّ تعظيما كثيرا، وأبو حاتم أسنّ منه.
وسئل الرّياشىّ فى عقيب ذى الحجة سنة أربع وخمسين ومائتين: كم تعد؟ قال:
أظنّ سبعا وسبعين. وكانت قتلته فى شوّال سنة سبع وخمسين ومائتين- رحمه الله.
قال أبو الفتح محمد بن جعفر النحوى: قرأ الرّياشىّ النصف الأوّل من كتاب سيبويه على المازنى. وقال أبو بكر بن دريد: رأيت رجلا من الورّاقين بالبصرة يقرأ كتاب إصلاح المنطق لابن السكّيت، ويقدّم الكوفيين، فقلت للرّياشىّ-
وكان قاعدا فى الوراقين- بما قال، فقال: إنما أخذنا اللغة من حرشة «1» الضّباب وأكلة اليرابيع «2» ، وأخذوا اللغة من أهل السواد، وأكلة الكواميخ «3» والشواريز. «4»
وله من الكتب: كتاب الخيل. كتاب الإبل. كتاب ما اختلفت أسماؤه من كلام العرب.
قال أحمد بن يحيى ثعلب: كنت أصير إلى الرّياشىّ لأسمع ما كان يرويه، فقال لى يوما: كيف تروى هذا البيت: «بازل عامين» ، «أو بازل» ، أو [بازل]؟
يعنى قول الشاعر «5» :
ما تنقم الحرب العوان «6» منّى
…
بازل «7» عامين حديث سنّى
لمثل هذا ولدتنى أمّى
قال ثعلب: تقول لى هذا فى العربيّة؛ إنما أصير إليك لهذه المقطّعات والخرافات! وقلت له: يروى «بازل عامين» ، «وبازل عامين» ، [وبازل عامين]، فأمسك.
الرفع على الاستئناف، والخفض على الإتباع، والنصب على الحال.
وقال ثعلب أيضا: قدم الرياشى بغداذ فى سنة ثلاثين ومائتين، فأتيته لأكتب عنه، فقال: أسألك عن مسألة؟ فقلت: قل، قال:«نعم الرجل يقوم» ؛ قلت:
الكسائىّ يضمر «رجلا يقوم» والفرّاء لا يضمر، لأن «نعم» عنده اسم، وعند الكسائىّ فعل، و «يقوم» من صلة الرجل، وسيبويه يقول: إنه ترجمة. قال:
صدقت، قلت: فتقول: «يقوم نعم الرجل» ؟ قال: نعم، قلت: هذا مخالف لقول صاحبك «1» ، والكسائىّ والفراء يجيزانه؛ لأن الترجمة إذا تقدّمت فسد «2» الكلام؛ لأنه إنما أتى بها فى آخره، ليظهر معنى الكلام؛ فاقصد لما أتيت له.
ثم قال: إنى أسألك عن مسألة سألنا عنها الأخفش: لم قالت العرب:
«نعم الرجلان أخواك» ، فثنّوا «الرجل» وهو جنس من الرجال على «أخواك» ؟
والمعبّر «3» عن الجنس لا يثنّى ولا يجمع؟ فقلت له: لمّا صرف الفعل إلى الرجل جرى مجرى الفاعل، فثنّى وجمع لذلك. فقال: هكذا قال الأخفش. قلت له: وجالست الأخفش؟ قال: نعم، وأنا أرى أنّى أعلم منه. فما أعجبتنى هذه الكلمة من الرّياشىّ؛ لأنى وجدته أفرط فيها. فجاريته الأخبار والأشعار وأيام الناس، ففجّرت به ثبج بحر.
وجرت مناظرة فى مجلس فيه الأخفش سعيد والعبّاس بن الفرج الرّياشىّ، فقال الأخفش: إن «منذ» إذا رفعت بها كان اسما مبتدأ وما بعده خبره، وإذا جررت بها كان حرفا جاء لمعنى. فقال له الرياشى: فلم لا تكون فى حال ما يرفع ويجر جميعا اسما؛ كما تقول: «ضارب زيدا، [وضارب زيد]» ، فقد رأينا الاسم ينصب الاسم ويجره. فلم يأت الأخفش بمقنع. فلما سمع المازنىّ هذا الكلام [قال:]
أقول أنا: إنه لا يشبه الأسماء، وذلك لأنى لم أر الأسماء على هذه الهيئة، فقد رأينا الأسماء المبتدأة تزول عمّا هى عليه، ولا تلزم موضعا واحدا، لا يغيّر عن مكانه الذى هو فيه؛ وإنما هو الحرف الذى جاء لمعنى؛ فهو حرف جاء لمعنى؛ مثل: أين، وكيف ألزم شيئا واحدا.
قال أبو يعلى بن أبى زرعة: فقلت لأبى عثمان: حرف جاء لمعنى، هل رأيته قط يعمل عملين: جرّا ورفعا؟ فقال: قد رأيته يعمل عملين؛ ينصب ويجر؛ مثل قولك: «أتانى القوم خلا زيد، وخلا زيدا» .
قال أبو عثمان: أقول العوامل [و] هى الأفعال؛ إنما ترفع الشىء الواحد؛ ولم أرها رفعت شيئين إلا بحرف عطف؛ مثل: «قام زيد وعمرو» ؛ ولا يجوز أن ترفع بالابتداء المبتدأ وخبره. قلنا له: فإنّ الصّفة هى مرتفعة أيضا إذا قلت:
«قام زيد العاقل» ، فقد رفعت شيئا بغير حرف عطف، فقال: الموصوف قد اشتمل على الصفة. قال أبو عثمان: ألا [ترى] أنك لو حملت كوزا فيه ماء كنت قد حملت الماء؟ وأهل بغداذ يقولون: «إن زيدا منطلق» إنّ ناصب «زيد» «إنّ» و «منطلق» لم تعمل فيه «إن» ، والحجة عليهم فى ذلك أن تقول:«إن زيدا لمنطلق» ، وهذه اللام لا تدخل إلا على ما تعمل فيه «إن» .
قال أبو عثمان المازنىّ: سألنى الرياشىّ: «الله» . ما أنكرت أن تكون «الإله» فخفف فقيل: «أللاه» ، ثم أدغمت اللام فى اللام الساكنة؛ كما أجزت فى «الناس» أن يكون تخفيفا من «الأناس» ، ثم أدغمت؟ فقلت له: من قبل أن «الناس» على معنى «الأناس» ، وكذلك كل شىء خففت من الهمزة فهو على معناه مخففا، وأنت إذا قلت «اللاه» ، فليس يعلم الله عز وجل، فلو كان «الله» هو «الإله» مخففا لبقى على معناه، فلما جاء «الله» على غير معنى «إلاه» علمنا أن هذا ليس مخففا.