الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجوزى فجعلها مطلقة، وكم له من مثل هذا التصرف فى كلام العلماء. أما نقله الجرح فى الراوى وإغفال التعديل فلا يكاد يحصى كثرة، بل هو سمة عامة فى جميع كتبه ففى " الميزان " (1/16) للذهبىّ؛ فى ترجمة (أبان بن يزيد العطار) . قال الذهبىّ:" وقد أورده العلامة أبو الفرج ابن الجوزى فى " الضعفاء " ولم يذكر فيه أقوال من وثقه، وهذا من عيوب كتابه، يسرد الجرح ويسكت عن التوثيق"
247
- وأخرج أيضاً (578) حديثا فى نضح الماء على الرجلين فى الوضوء إسناده: محمد بن إسحاق بن يسار وأعلَّه قائلا: " محمد بن اسحاق مجروح قد كذبه مالك وهشام ".
وكرر هذا القول مرارا فى كتابه هذا، وانظر (726) .
وكرره فى " كتاب التحقيق " فقال فى (1 /642) : " قد كذبه مالك ".
وقال (2 / 851) : " وابن إسحاق قد قال مالك وهشام بن عروة وغيرهما: ابن إسحاق كذاب. وقال يحيى بن معين ليس بحجة. وقال ابن المدينى: يحدث عن المجهولين بأحاديث باطلة ". وقال فى (2 / 932) : " ابن إسحاق مجروح، كذبه مالك وهشام بن عروة ".
وقال فى (2 / 1044) : " وابن إسحاق كذبه مالك ".
وقال أيضا فى "الموضوعات "(3 / 277) : " أما محمد بن إسحاق فمجروح شهد بأنه كذاب: مالك وسليمان التيمى، ووهب بن خالد،
وهشام بن عروة ويحيى بن سعيد وقال بن المدينى: " يحدث عن المجهولين بأحاديث باطلة ".
قُلْتُ: رضى الله عنك!
فإنك لم تجر على حالٍ واحدة فى الحكم على محمد بن إسحاق ولم تنصفه، وكلما ذكر فى حديث يحتج به خصمك بادرت ونقلت فيه كلام مالك وهشام، وإن وقع في إسناد حديث تحتاج إليه زكيته ودفعت عنه تهمة الكذب، وما هذا بالنَّصف! فقد ذكرت فى " كتاب التحقيق "(1 / 451) حديثا فى نقض الوضوء بمس الذكر فى سنده ابن إسحاق، فذكرت أن الخصم قال لك:" إن مالك قدح فى ابن إسحاق " فأجبته قائلاً: " وأما ابن إسحاق فقد وثقه يحيى. وقال شعبة: صدوق " ولما ذكرت جواز أن يغسِّل الزوج زوجته، رددت على الأحناف الذين يقولون: لا يجوز بحديث رواه أحمد (6 / 228) فى إسناده ابن إسحاق ثم قلت: " فإن قيل:. . . محمد ابن إسحاق كذبه مالك؟ قلنا: إنما كذبه مالك بقول هشام بن عروة أنه حدث عن امرأتي وما رآها رجل قط. وقد تأول هذا أحمد بن حنبل، فقال: يمكن أن تكون خرجت إلى المسجد فسمع منها.
وقال يحيى بن معين: محمد بن إسحاق ثقة. وقال شعبة: صدوق " اهـ.
وأيضا: لما احتججت بحديث: " من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة " نقلت عن خصمك انه قال: " فى جابر الجعفى. قال يحيى بن معين: لا يكتب حديثه، ليس بشيء. وقال أبو حنيفة: " ما لقيت أكذب منه " فرددت على خصمك قائلا فى " التحقيق " (2 / 847) : " والجواب: أن جابر الجعفى فقد وثقه الثورى وشعبة، وناهيك بهما. وقال أحمد بن حنبل: لم يتكلم في جابر لحديثه، بل لرأيه ".
وكذلك رأيتك احتججت على وجوب المضمضة والاستنشاق بحديث ابن عباس مرفوعا: " المضمضة والاستنشاق من الوضوء الذي لا يتم الوضوء إلا بهما " وفى إسناده جابر الجعفى، فقلت:" قال الخصم: جابر هو الجعفى وقد كذبه أيوب السختياني وزائدة. قلنا: وثقه سفيان الثورى وشعبه وكفا بهما "
وقد نكت عليك ابن عبد الهادي فى " التنقيح " بسبب ذلك، فقال (1 / 365) :" جابر الجعفى ضعفه الجمهور، والمؤلف يحتج به فى موضع إذا كان الحديث حجة له، ويضعفه فى موضع آخر إذا كان الحديث حجة عليه ".
وقال أيضا: " هذا الذي أجاب به المؤلف ليس بقوي، وهو يحتج بجابر الجعفى فى موضع ويضعفه فى آخر، بل قد قال فى موضع: جابر الجعفى اتفقوا على تكذيبه " اهـ.
وأيضا فقد ذكرت فى " التحقيق "(2 / 847) ليث بن أبى سليم واحتجت إلى روايته فرددت على خصمك لم ضعفه وقلت له: " وأما ليث فقال أحمد: حدث عنه الناس " مع أنك بعد ذلك لما ذكرت كراهية التنفل يوم الجمعة عند الزوال (2 / 1011) وقلت: " لنا عموم النهى فى الأحاديث المتقدمة وللشافعي حديث رواه أبو داود ثم ذكره وفى إسناده ليث بن أبى سليم فعقبت قائلا: " قلت: وليس ضعيف بمرة "!! فالله المستعان.
وأيضا: لما أردت أنت تستدل على التفريق بين الدم الكثير والقليل الذي ينقض الوضوء، احتججت (1 / 481) بحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص فى دم الحبوب – يعنى: الدمامل – ونقلت قول الدارقطنى: " هذا باطل عن ابن جريج، ولعل بقيَّة دلسه عن رجل ضعيف. فرددت على
الدارقطنى بقولك: " قلنا: بقية قد أخرج له مسلم "!! .
لكنك لم تستمر على ذلك، فذكرت فى " التحقيق " (1 / 504) حديث ابن عباس مرفوعا:" الحدث حدثان: حدث اللسان وحديث الفرج، وحديث اللسان أشد من حدث الفرج وفيهما الوضوء " عقبت بقولك: " وهذا حديث لا يصح، وبقية مدلس، ولعله سمعه من بعض الضعفاء واسقطه، إذ هذه كانت عادته.
ولما احتج خصمك بحديث أبى هريرة مرفوعا: " الصلاة واجبه عليكم مع كل مسلم بر كان أو فاجر. . . " قلت له (2 / 1114) : " فى طرقه بقية مدلس لا يعول على رواية ".
وأيضا: لما أردت أن تستدل على أن فى سورة الحج سجدتين، ذكرت حديث عقبة بن عامر، وفى سنده ابن لهيعة، ثم قلت (2/ 958) :" فإن قالوا: ابن لهيعة ضعيف. قلنا: قال ابن وهب: هو صادق ".
ولما احتج خصمك بحديث أبى تميم على وجوب الوتر، وسنده ابن لهيعة، رددت عليه قائلا (2/ 1044) :" فيه ابن لهيعة وهو متروك ".
ولما ذكرت الأحاديث فى تكبيرات العيدين قلت (2/ 1231) : " وأما حديث أبى هريرة وعائشة ففيهما ابن لهيعة، وهو ضعيف جدا ".
ثم ذكرت حديثا لعائشة يحتج به الشافعية وعقبت قائلا (2 /1232) : " يرويه ابن لهيعة، وهو ذاهب الحديث ".
وأيضا: فقد ذكرت (2 / 1134) أنه يكره للإمام أن يكون موضعه أعلى من المأموم ثم ذكرت حديث أبى مسعود البدري: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون الإمام فوق شيء، والناس خلفه. يعنى: أسفل منه ".
ثم قلت: " فإن قالوا: قد قال الدار قطنى: لم يروه غيز زياد بن عبد الله، ولم يروه غير همام فيما أعلم، وقد ضعَّف ابن المديني ويحيى زياداً.
ولكنك لم تستمر على ذلك فلما احتج عليك خصمك بحديث أبى جحيفة فى تثنية الإقامة وقد أخرجه الدار قطنى (1 / 242) بسندٍ فيه زياد ابن عبد الله البكائى قلت تردُّ عليه: (1 / 865) : " قال يحيى بن معين: زياد ليس بشيء. وقال ابن المديني: لا أروي عنه. فإن قيل: قد وثقه أحمد فى رواية. وقال أبو زرعة: صدوق؟ قلنا: الجرح مقدَّم "!!
وأيضا: فقد ذكرت (1 / 727) حديث عمر بن الخطاب مرفوعاً: " سبعة مواطن لا تجوز فيها الصلاة. . . " وهو عند ابن ماجة (747) قلت: نقلا على لسان خصمك: " وأما حديث عمر ففيه كاتب الليث أبو صالح، وكلهم طعن فيه ".
ثم أجبت قائلا: " وأما أبو صالح، فقال أبو حاتم الرازي: كان رجلاً صالحا لم يكن ممن يكذب، ومثل هذه الأشياء لا توجب إطراح الحديث ".
ثم قال (2 / 729) : " وأما أبو صالح كاتب الليث وقد وثقه جماعة وتكلم فيه آخرون، والصحيح أن البخاري روي عنه فى "الصحيح".
ولما احتج عليك خصمك بحديث أبى جهيم فى التيمم ضربتين رددت عليه قائلا (1/567) : " قد روي من حديث كاتب الليث، وهو مطعون فيه ".
قلت: فهذه نماذج رأيتها فى " كتاب التحقيق " ولم أتتبع باقيها فإن تقصِّى ذلك من العناء المعنَّى لكثرته. وما أظن هذا التناقض الصريح إلَاّ
بسبب العصبية للمذهب، والانتصار له بكل سبيل، ومن المفارقات أن ابن الجوزي قرَّع الخطيب البغدادى، ونكل به لأنه صنف كتابا فى القنوت والجهر بالبسملة فأورد الأحاديث بأسانيدها ولم يتكلم عليها جرحا وتعديلا، وتضعيفا وتصحيحا، واتهمه بالعصبية للمذهب.
فقال فى " كتاب التحقيق "(2 / 1078) : " وأما حديث دينار، فإيراد الخطيب له محتجا به مع السكوت عن القدح فيه، وقاحة عند علماء النقل، وعصبية باردة، وقلة دين! ، لأنه يعلم أنه باطل
…
فواعجبا للخطيب، أما سمع فى الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:" من حدَّث عنى حديثا يرى أنه كذب، فهو أحد الكذابين " هل مَثَلُهُ إلا كمثل من أنفق بهرجاً ودلَّسه، فإن أكثر الناس لا يعرفون الكذب من الصحيح، وإذا أورد الحديث محدثٌ حافظٌ، وقع فى النفوس أنه ما احتج به إلا وهو صحيحٌ، ولكن عصبيتُهُ معروفة، ومن نظر من علماء النقل فى كتابه الذى صنفه فى " القنوت "، وكتابه الذى صنفه فى " الجهر " و" مسألة الغيم "، واحتجاجه بالأحاديث التى يعلم وهاءها، علم فرط عصبيته.. ثم قال بعد كلام: والبهارج لا تخفى على النقاد " اهـ.
كذا قال ابن الجوزى رحمه الله! ولستُ أردُّ عليه، بل يرد عليه ما ذكرته آنفاً من صنيعه، ولم ينج من العصبية إلا قلائل من الخلق، ممن غلب عليهم الإنصاف ومحبة ظهور الحق ولو على لسان الخصم، وكان هذا كثيراً فى القرون الثلاثة الأول، ثم بدأ يتناقص حتى لا تكاد ترى رجلا منصفا، بل يُقوِّلُونك ما لم تقله، بل وما لم يخطر لك على بال ثم يلزمونك بما افتروه، ويشيعونه بين الخلق، حتى لقد مرَّ علىَّ زمان هممت أن لا أخرج من بيتى إلا لصلاة الجماعة وقضاء حوائجى لولا ما يؤرقنى من ترك الناس هملاً بعد