الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
* * *
باب أبي بكر
727 -
أبو بكر الصديق، رضى الله عنه (1) :
متكرر فى هذه الكُتب، واسمه عبد الله بن أبى قحافة عثمان بن عامر بن عمير بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤى بن غالب القريشى التيمى. يلتقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى مرة بن كعب. وأم أبى بكر أم الخير بنت صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة. أسلم أبو بكر وأمه وصحبا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال العلماء: لا يُعرف أربعة متناسلون بعضهم من بعض صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا آل أبى بكر الصديق، وهم: عبد الله بن أسماء بنت أبى بكر بن أبى قحافة، فهؤلاء الأربعة صحابة متناسلون، وأيضًا أبو عتيق بن عبد الرحمن بن أبى بكر بن أبى قحافة، رضى الله عنهم، وهذا الذى ذكرناه من أن اسم أبى بكر الصديق عبد الله هو الصحيح والمشهور، وقيل: اسمه عتيق، والصواب الذى عليه العلماء كافة أن عتيقًا لقب له لا اسم، ولقب عتيقًا لعتقه من النار، وقيل لحسن وجهه وجماله، قاله الليث بن سعد وجماعة.
وروى الترمذى بإسناده، عن عائشة، رضى الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “أبو بكر عتيق الله من النار” (2)، فمن يومئذ سُمى عتيقًا. وقال مصعب بن الزبير وغيره: قيل له: عتيق؛ لأنه لم يكن فى نسبه شىء يُعاب به، وأجمعت الأئمة على تسميته صديقًا. قال على بن أبى طالب، رضى الله عنه: إن الله تعالى هو الذى سمى أبا بكر على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم صديقًا، وسبب تسميته أنه بادر إلى تصديق رسول الله صلى الله عليه وسلم ولازم الصدق، فلم يقع منهم هناة ولا وقفة فى حال من الأحوال.
وكانت له فى الإسلام مواقف رفيعة، منها قصته يوم ليلة الإسراء وثباته، وجوابه للكفار فى ذلك، وهجرته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك عياله وأطفاله، وملازمته فى الغار وسائر الطريق، ثم كلامه يوم بدر، ويوم الحديبية حتى اشتبه الأمر على غيره فى تأخر دخول مكة، ثم بكاؤه حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن عبدًا خيره الله بين الدنيا وبين ما عند الله
…
”.
ثم ثباته فى وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخطبته الناس وتسكينهم،
(1) انظر: طبقات ابن سعد (3/170) وما بعدها، وتاريخ الطبرى (3/418) وما بعدها، والإصابة (2/ت 4817) ، وأسد الغابة (3/205) ، والاستيعاب (3/963) ، والتاريخ الكبير (5/ت 1) ، وحلية الأولياء (1/28) ، والوفيات (3/64) ، وتهذيب التهذيب (5/315) ، وتهذيب الكمال (15/282) ، ومصادر ترجمة الصديق، رضى الله عنه، لا تعد ولا تحصى، ومناقبه أجل من أن يستوعبها كتاب..
(2)
أخرجه الحاكم (2/450، رقم 3557) وقال: صحيح الإسناد. وابن عساكر (25/83) .
ثم قيامه فى قصة البيعة بمصلحة المسلمين، ثم اهتمامه وثباته فى بعض جيش أسامة بن زيد إلى الشام وتصميمه فى ذلك، ثم قيامه فى قتال أهل الردة، ومناظرته للصحابة حتى حجهم بالدلائل، وشرح الله صدورهم لما شرح الله صدره من الحق، وهو قتال أهل الردة، ثم تجهيزه الجيوش إلى الشام لفتوحه وإمدادهم بالأمداد، ثم ختم ذلك بمهم من أحسن مناقبه وأجل فضائله، وهو استخلافه على المسلمين عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، وتفرسه فيه، ووصيته له، واستيداعه الله الأمة، فخلفه الله عز وجل فيهم أحسن الخلافة، وظهر لعمر الذى هو حسنة من حسناته، وواحدة من فعلاته تمهيد الإسلام، وإعزاز الدين، وتصديق وعد الله تعالى بأنه يُظهر على الدين كله.
وكم للصديق من مواقف وأثر، ومن يحصى مناقبه ويحيط بفضائله غير الله عز وجل، ولكن لابد من التذكر بنُبذ من ذلك، تبركًا للكتاب بها، ولعله يقف عليها من قد يخفى عليه بعضها.
رُوى للصديق، رضى الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث واثنان وأربعون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم منها على ستة، وانفرد البخارى بأحد عشر، ومسلم بحديث، وسبب قلة رواياته مع تقدم صحبته وملازمته النبى صلى الله عليه وسلم أنه تقدمت وفاته قبل انتشار اللأحاديث، واعتناء التابعين بسماعها وتحصيلها وحفظها.
روى عنه عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلى، وعبد الرحمن بن عوف، وابن مسعود، وحذيفة، وابن عمر، وابن عباس، وابن عمرو بن العاص، وزيد بن ثابت، والبراء بن عازب، وأبو هريرة، وعقبة بن الحارث، وابنته عائشة، وطارق بن شهاب. روى عنه جماعات من التابعين، منهم قيس بن أبى حازم، وأبو عبد الله الصنابحى، وخلق غيرهم.
وهو أول مَن آمن بالنبى صلى الله عليه وسلم فى أحد الأقوال، وهو مذهب ابن عباس، وعمرو بن عنبسة، وحسان بن ثابت الصحابيين، وإبراهيم النخعى، وغيرهم. وقيل: أولهم على، وقيل: خديجة، وادع الثعلبى الإجماع فيه، وأن الخلاف إنما هو فى أولهم بعدها.
وأسلم على يده خلائق من الصحابة، منهم خمسة من العشرة سبق بيانهم فى ترجمتهم، وهم عثمان، والزبير، وطلحة، وعبد الرحمن، وسعد بن أبى وقاص. وأعتق
سبعة كانوا يعذبون فى الله تعالى، منهم بلال، وعمار. وكان من رؤساء قريش فى الجاهلية، وأهل مشاورتهم، ومحببًا فيهم، ومألفاهم، فلما جاء الإسلام آثره على ما سواه، ودخل فيه أكمل دخول، ولم يزل مترقيًا فى معارفه متزايدًا فى محاسنه حتى توفى. وصحب النبى صلى الله عليه وسلم من حين أسلم إلى أن توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يفارقه فى حضر ولا سفر.
وثبت فى الصحيحين عن عائشة، قالت: لم أعقل أبوى إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفى النهار بكرة وعشيا، فلما ابتلى المسلمون خرج أبو بكر مهاجرًا نحو الحبشة.
وذكرت الحديث ورجوعه من الطريق إلى النبى صلى الله عليه وسلم، إلى أن قالت: فبينما نحن يومًا جلوس فى بيت أبى بكر بحر الظهيرة، قال قاتئل لأبى بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعًا فى ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبو بكر: فداك أبى وأمى، ما جاء به فى هذه الساعة إلا أمر، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل، فقال النبى صلى الله عليه وسلم لأبى بكر: “أخرج مَنْ عندك”، فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبى أنت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: “فإنى قد أُذِنَ لى فى الخروج”، فقال أبو بكر: الصحابة، أى أسألك الصُّحْبَة، بأبى أنت يا رسول الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نعم”، قال أبو بكر: فخذ بأبى أنت يا رسول الله إحدى راحلتى هاتين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بالثمن”.
قالت عائشة، فجهزناهما أحب الجهاز، ووضعنا لهما سفرة فى جراب، فقطعت أسماء بنت أبى بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاق، وفى رواية: ذات النطاقين. قالت: ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار فى جبل ثور، فمكثا فيه ثلاث ليال يبيت عندهما عبد الله بن أبى بكر وهو غلام شابق ثقف، ثم ذكرت تمام الحديث فى خروجهما إلى المدينة، ولحاق سراقة بن مالك بهما، وارتطام فرسه به فى جلد من الأرض.
وهاجر، رضى الله عنه، مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك عياله، وأولاده وماله، رغبة فى طاعة الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فأقام مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام، وخبر الغار مشهور. قال الله تعالى:{ثَانِىَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} [التوبة: 40] . وكان النبى صلى الله عليه وسلم يكرمه ويجله، ويعرف