الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ فَضَائِلِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رضي الله عنهما
.
[2425]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْقَارِيُّ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا كُنَّا نَدْعُ زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَّا زَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ، حَتَّى نَزَلَ فِي الْقُرْآنِ:{ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ} .
قَالَ الشَّيْخُ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى: أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ الدُّوَيْرِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ.
[خ: 4782]
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ، حَدَّثَنَا حَبَّانُ، حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، بِمِثْلِهِ.
في هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد تبنى أسامة رضي الله عنه، يعني: جعله ابنًا له، فصار الناس يدعونه زيد بن محمد، وكان هذا جائزًا في أول الإسلام، وكانوا يفعلونه في الجاهلية، فكان الرجل يتبنى الرجل، يعني: ينسبه إلى نفسه، ويقول: إنه ابني، وكان يرثه بعد ذلك، حتى أبطل الله تعالى التبني وهدمه قولًا: بأن أنزل في ذلك قوله: {ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله} فدعي بعد ذلك زيد لأبيه، وهدمه فعلًا: بأن أمر اللهُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أن يتزوج زينب بنت جحش رضي الله عنها بعد أن طلقها زيد بن حارثة رضي الله عنه، وكانوا في الجاهلية لا يتزوجون زوجة الابن المتبنَّى، فزوجه الله تعالى إياها من فوق سبع سماوات، فدخل عليها من دون ولي، ومن دون مهر، فكانت تفخر على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، وتقول:((زَوَّجَكُنَّ أَهَالِيكُنَّ، وَزَوَّجَنِي اللَّهُ تَعَالَى مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ))
(1)
.
(1)
أخرجه البخاري (7420).
وقد أنزل الله تعالى في ذلك آياتٍ تتلى إلى قيام الساعة، فقال تعالى:{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} وهو زيد بن حارثة رضي الله عنه، أنعم الله عليه بالإسلام، وأنعمتَ عليه بالعتق {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} ، وهي زينب رضي الله عنها لما جاء يشكوها إليه، وكانت زوجته، {وَاتَّقِ اللَّهَ} في أمورك عامة، وفي أمر زوجك خاصة، {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} والذي أخفاه، أنه لو طلقها زيد لتزوجها صلى الله عليه وسلم، {وَتَخْشَى النَّاسَ} في عدم إبداء ما في نفسك {وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} ، وأن لا تباليهم شيئًا، ثم أخبره أنه سيتزوجها، فقال تعالى:{فلما قضى زيد منها وطرًا زوجناكها} ، وبين الله تعالى الحكمة في ذلك، فقال:{لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم} وهو الابن الْمُدَّعى {إذا قضوا منهن وطرًا} ، أي: طابت نفوسهم، ورغبوا عنهن، وفارقوهن، فأمر الله تعالى أن يتزوج زوجة ابنه الدعي؛ حتى يهدم التبني، فهدم الله تعالى التبني وأبطله، وأبطل الأحكام المترتبة عليه.
[2426]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَقُتَيْبَةُ، وَابْنُ حُجْرٍ، قَالَ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا، وقَالَ الْآخَرُونَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ- يَعْنُونَ: ابْنَ جَعْفَرٍ- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْثًا، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمْرَتِهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:((إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمْرَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمْرَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ)).
[خ: 3730]
حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عُمَرَ- يَعْنِي: ابْنَ حَمْزَةَ- عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ-: ((إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمَارَتِهِ- يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ- فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لَهَا، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَأَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَايْمُ اللَّهِ إِنَّ هَذَا لَهَا لَخَلِيقٌ- يُرِيدُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ- وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَأَحَبَّهُمْ إِلَيَّ مِنْ بَعْدِهِ، فَأُوصِيكُمْ بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ صَالِحِيكُمْ)).
في هذين الحديثين: منقبة لأسامة بن زيد وأبيه زيد بن حارثة رضي الله عنهما؛ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بعثًا، يعني: سرية، وأمَّر عليهم أسامة رضي الله عنه، فطعن الناس فيه، يعني: عابوه وانتقصوه، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم عليهم ذلك، وخطب الناسَ، وقال:((إِنْ تَطْعَنُوا فِي إِمْرَتِهِ فَقَدْ كُنْتُمْ تَطْعَنُونَ فِي إِمْرَةِ أَبِيهِ، مِنْ قَبْلُ))، يعني: إن كان بعض الناس عاب عليه الإمارة فقد عيب على أبيه من قبل، ثم قال:((وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمْرَةِ))، يعني: كان جديرًا وأهلًا لها، فهذه منقبة لأسامة وزيد رضي الله عنهما؛ لشهادة النبي صلى الله عليه وسلم لهما بذلك.
وفيهما: دليل على تولية الصغير على الجيش ولو كان تحت إمرته من هم أكبر منه سنًّا؛ لأنه كان صغيرًا ابن سبعة عشر عامًا.
وفيهما: دليل على جواز إمارة العتيق، وتولية المفضول مع وجود الفاضل؛ لأنه كان في الجيش أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وأنه لا يشترط في الإمارة أن يكون فاضلًا، أو أن يكون كبير السن، إنما ينظر في هذا لمن يصلح للإمارة.
وفيهما: الدفاع عن عرض المسلم إذا طُعن فيه، وتكلم فيه الناس واغتابوه.
وفيهما: جواز الثناء على الإنسان في وجهه والتزكية له، إذا كان الثناء قليلًا وكان الممدوح لا يُخشى عليه فتنة الإعجاب بالنفس؛ ولهذا أثنى النبي صلى الله عليه وسلم على أسامة، وأثنى على الزبير، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم أمامهم، وجمع لهم بين أبويه.
وهذه هي كيفية الجمع بين هذه النصوص، وبين ما ثبت من أنه صلى الله عليه وسلم لما مدح رجل رجلًا أمامه قال له:((وَيْلَكَ! قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ، قَطَعْتَ عُنُقَ صَاحِبِكَ- مِرَارًا))
(1)
، وقال:((إِذَا رَأَيْتُمُ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمِ التُّرَابَ))
(2)
.
وفيهما: أن الذين طعنوا في إمارته رضي الله عنه لعلهم كانوا من المنافقين، والمدينة كان فيها منافقون بين المسلمين.
(1)
أخرجه البخاري (2662)، ومسلم (3000).
(2)
أخرجه مسلم (3002).