الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ فَضْلِ مَنْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ، وَبِأَيِّ شَيْءٍ يَذْهَبُ الْغَضَبُ
؟
[2608]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ- واللفظ لقتيبة- قَالَا: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنِ الْحَارِثِ بْنِ سُوَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ؟ ))، قَالَ: قُلْنَا: الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ قَالَ: ((لَيْسَ ذَاكَ بِالرَّقُوبِ، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئًا))، قَالَ:((فَمَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ؟ ))، قَالَ: قُلْنَا: الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ قَالَ: ((لَيْسَ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)).
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح، وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَ مَعْنَاهُ.
[2609]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَعَبْدُ الْأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَا كِلَاهُمَا: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)).
حَدَّثَنَا حَاجِبُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ))، قَالُوا: فَالشَّدِيدُ أَيُّمَ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: ((الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ)).
وَحَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، جَمِيعًا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ بِهْرَامَ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْيَمَانِ،
أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ، كِلَاهُمَا عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
قوله: ((مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُمْ؟ قَالَ: قُلْنَا: الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ قَالَ: لَيْسَ ذَاكَ بِالرَّقُوبِ، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئًا)): قال النووي رحمه الله: ((أصل الرقوب في كلام العرب الذي لا يعيش له ولد، ومعنى الحديث: أنكم تعتقدون أن الرقوب المحزون هو المصاب بموت أولاده وليس هو كذلك شرعا، بل هو من لم يمت أحد من أولاده في حياته فيحتسبه، ويكتب له ثواب مصيبته به وثواب صبره عليه ويكون له فرطا وسلفا))
(1)
.
وقوله: ((لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ)): الصُّرَعة بضم الصاد المهملة وفتح الراء على وزن هُمَزَة: هو الذي يطرح الرجال أرضا ويصرعهم، قال النووي رحمه الله:((إنكم تعتقدون أن الصرعةَ الممدوحَ القويَّ الفاضلَ هو القويُّ الذي لا يصرعه الرجال بل يصرعهم، وليس هو كذلك شرعا، بل هو من يملك نفسه عند الغضب، فهذا هو الفاضل الممدوح الذي قل مَن يقدر على التخلق بخلقه ومشاركته في فضيلته، بخلاف الأول))
(2)
.
وفي هذه الأحاديث: نفي الصفة عن غير الأكمل وإن كانت ثابتة فيه؛ لإثباتها للأكمل، فالنبي صلى الله عليه وسلم نفى الصفة- وهي القوة- عن الصرعة وإن كانت ثابتة فيه؛ ليثبتها للأكمل، وهو الذي يملك نفسه عند الغضب، وكذلك يقال في معنى الرقوب.
(1)
شرح مسلم، للنووي (16/ 162).
(2)
شرح مسلم، للنووي (16/ 162).
[2610]
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، قَالَ يَحْيَى: أَخْبَرَنَا، وقَالَ ابْنُ الْعَلَاءِ: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا تَحْمَرُّ عَيْنَاهُ وَتَنْتَفِخُ أَوْدَاجُهُ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((إِنِّي لَأَعْرِفُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ))، فَقَالَ الرَّجُلُ: وَهَلْ تَرَى بِي مِنْ جُنُونٍ؟ قَالَ ابْنُ الْعَلَاءِ: فَقَالَ: وَهَلْ تَرَى، وَلَمْ يَذْكُرِ الرَّجُلَ.
حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ الْجَهْضَمِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، سَمِعْتُ الْأَعْمَشَ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ ثَابِتٍ يَقُولُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ قَالَ: اسْتَبَّ رَجُلَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا يَغْضَبُ وَيَحْمَرُّ وَجْهُهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:((إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ ذَا عَنْهُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ))، فَقَامَ إِلَى الرَّجُلِ رَجُلٌ مِمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَتَدْرِي مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آنِفًا؟ قَالَ: ((إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ ذَا عَنْهُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ))، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَمَجْنُونًا تَرَانِي؟
وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنِ الْأَعْمَشِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
في هذين الحديثين: أنه استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب أحدهما وانتفخت أوداجه واحمر وجهه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ ذَا عَنْهُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)): فقيل للرجل الغضبان: ((أَتَدْرِي مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آنِفًا؟ قَالَ: ((إِنِّي لَأَعْلَمُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ ذَا عَنْهُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ))، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَمَجْنُونًا تَرَانِي؟ )): وهذا يدل على تملك الغضب منه؛ ولهذا لم يفهم هذه الكلمة، ولا يدل على أنه منافق، أو أنه من
جفاة الأعراب كما قال النووي رحمه الله
(1)
، مع أنه محتمل.
وفيهما: أنه ينبغي للإنسان ألا يغضب ما استطاع إلى ذلك سبيلا، عملا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا جاءه رجل وقال: أوصني، فقال:((لَا تَغْضَبْ))، فردد مرارًا قال:((لَا تَغْضَبْ))
(2)
.
فإذا غضب فإن عليه أن يعمل بالأسباب التي تخفف عنه الغضب، أو تزيله، ومن ذلك:
أولًا: ما جاء في هذا الحديث أن يقول: ((أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ)).
ثانيًا: أن يتوضأ، فقد جاء في سنن أبي داود مرفوعًا:((إِنَّ الْغَضَبَ مِنَ الشَّيْطَانِ، وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنَ النَّارِ، وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ، فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ))
(3)
، فيستحب للإنسان أن يتوضأ ويصلي ركعتين، فقد جاء في الحديث- وإن كان ضعيفًا-:((تَكْفِيرُ كُلِّ لِحَاءٍ رَكْعَتَانِ))
(4)
، واللحاء: المخاصمة والمسابة.
ثالثًا: أن يغير حاله التي كان عليها، كأن يخرج من البيت إذا كان في البيت وغضب من زوجته أو أولاده، أو يجلس إذا كان قائمًا، أو يضطجع إن كان جالسا، امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء في حديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:((إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ، فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلَّا فَلْيَضْطَجِعْ))
(5)
.
فإذا فعل هذه الأمور الثلاثة أو أحدها فإن الغضب يخف عنه أو يزول بإذن الله تعالى.
(1)
شرح مسلم، للنووي (16/ 163).
(2)
أخرجه البخاري (6116).
(3)
أخرجه أحمد (17985)، وأبو داود (4784).
(4)
أخرجه البيهقي في الشعب (2990)، والطبراني في الكبير (7651).
(5)
أخرجه أحمد (21348)، وأبو داود (4782).