الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ تَصْرِيفِ اللَّهِ تَعَالَى الْقُلُوبَ كَيْفَ شَاءَ
[2654]
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَابْنُ نُمَيْرٍ، كِلَاهُمَا عَنِ الْمُقْرِئِ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَيْوَةُ، أَخْبَرَنِي أَبُو هَانِئٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحُبُلِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ: إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ))، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ)).
في هذا الحديث: إثبات الأصابع لله عز وجل، وهي صفة من صفاته، كما يليق بجلاله، وجاء في الحديث الآخر: أنها خمسة أصابع لله عز وجل، ((يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ وَالأَرَضِينَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُولُ: أَنَا المَلِكُ))
(1)
.
وما جاء في بعض الأحاديث من الإشارة إلى الأصابع فالمراد به: تحقيق الصفة، وأنها صفة حقيقية، وليس المراد التمثيل، مثل ما جاء في الحديث الآخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ: {إن الله كان سميعًا بصيرًا} ((يَضَعُ إِبْهَامَهُ عَلَى أُذُنِهِ، وَالَّتِي تَلِيهَا عَلَى عَيْنِهِ))
(2)
.
وقوله: ((بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ)): البينية هنا استشكلها بعض المؤولين، وقالوا: كيف لا نجد في صدورنا أصابع الرحمن؛ لأن هذا يلزم منه أن تكون أصابع الرحمن داخل صدورنا، وأن تكون القلوب مماسة للأصابع، وهذا من الجهل بالأحاديث وباللغة، فإن البينية لا تقتضي
(1)
أخرجه البخاري (4811)، ومسلم (2786).
(2)
أخرجه أبو داود (4728).
المماسة، ولا تقتضي المقاربة، والبينية أمرها واسع، قال تعالى:{والسحاب المسخر بين السماء والأرض} ، فالسحاب بين السماء والأرض، وبينهما مسافة، وليس السحاب مماسًّا للسماء، ولا للأرض.
قال النووي رحمه الله: ((هذا من أحاديث الصفات، وفيها القولان السابقان قريبًا، أحدهما: الإيمان بها من غير تعرض لتأويل، ولا لمعرفة المعنى، بل يؤمن بأنها حق، وأن ظاهرها غير مراد))
(1)
.
قلت: وهذا قول المفوضة، والصواب: أن ظاهرها مراد، وأن إثبات الأصابع حقيقة.
ثم قال: ((والثاني: يتأول بحسب ما يليق بها، فعلى هذا فالمراد: المجاز، كما يقال: فلان في قبضتي، وفي كفي، لا يراد به: أنه حالٌّ في كفه، بل المراد: تحت قدرتي))
(2)
.
قلت: وهذا قول المؤولة المعطلة الذين عطلوا الله من صفاته، وهو قول باطل، ما هو الداعي إلى القول بالمجاز؟ والله تعالى يقول:{قل أأنتم أعلم أم الله} ، وهل أنتم أعلم من رسول الله صلى الله عليه وسلم بربه؟ والرسول صلى الله عليه وسلم أثبت الأصابع لله، فقال:((بَيْنَ إِصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ)).
والمجاز خلاف الحقيقة، واللغة العربية لا مجاز فيها، كما بين ذلك المحققون من أهل العلم كشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله
(3)
.
والنووي رحمه الله لم يذكر قول السلف؛ لأن الأول: قول المفوضة، والثاني: قول المؤولة.
أما قول السلف فهو: إثبات الأصابع لله، والمعنى معروف، وأما الكيفية فالله أعلم بها، كما قال الإمام مالك رحمه الله: ((الاستواء غير مجهول، والكيف
(1)
شرح مسلم، للنووي (16/ 204).
(2)
شرح مسلم، للنووي (16/ 204).
(3)
الإيمان، لابن تيمية (ص 73).
غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة))
(1)
.
وفيه: فضل هذا الدعاء: ((اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ))، وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من هذا الدعاء يقول:((يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك وطاعتك))، فقلت: يا رسول الله. إِنَّكَ تُكْثِرُ تَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ؟ فَقَالَ: ((إِنَّ قَلْبَ الْآدَمِيِّ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللهِ عز وجل، فَإِذَا شَاءَ أَزَاغَهُ، وَإِذَا شَاءَ أَقَامَهُ))
(2)
- نسأل الله أن يثبت قلوبنا على طاعته.
(1)
أخرجه الصابوني في عقيدة السلف وأصحاب الحديث (ص 17 - 18)، والبيهقي في الأسماء والصفات (ص 408)، وقد صححه الذهبي في العلو (ص 103)، قال الحافظ ابن حجر- في فتح الباري (13/ 406 - 407) -:((إسناده جيد)).
(2)
أخرجه أحمد (25243).