الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ مَنْ لَعَنَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَوْ سَبَّهُ، أَوْ دَعَا عَلَيْهِ- وَلَيْسَ هُوَ أَهْلًا لِذَلِكَ- كَانَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا وَرَحْمَةً
[2600]
حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلَانِ، فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ لَا أَدْرِي مَا هُوَ، فَأَغْضَبَاهُ فَلَعَنَهُمَا وَسَبَّهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَا، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا مَا أَصَابَهُ هَذَانِ قَالَ:((وَمَا ذَاكِ؟ ))، قَالَتْ: قُلْتُ: لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا قَالَ: ((أَوَ مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي))، قُلْتُ:((اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا)).
حَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح، وَحَدَّثَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ السَّعْدِيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَلِيُّ بْنُ خَشْرَمٍ، جَمِيعًا عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَ حَدِيثِ جَرِيرٍ، وقَالَ فِي حَدِيثِ عِيسَى: فَخَلَوَا بِهِ، فَسَبَّهُمَا، وَلَعَنَهُمَا، وَأَخْرَجَهُمَا.
[2601]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ((اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ، أَوْ لَعَنْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً)).
[خ: 6361]
[2602]
وَحَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ، إِلَّا أَنَّ فِيهِ: زَكَاةً وَأَجْرًا.
حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَأَبُو كُرَيْبٍ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ. ح، وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، كِلَاهُمَا عَنِ الْأَعْمَشِ بِإِسْنَادِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ مِثْلَ حَدِيثِهِ، غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ عِيسَى جَعَلَ: وَأَجْرًا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَعَلَ: وَرَحْمَةً فِي حَدِيثِ جَابِرٍ.
في هذه الأحاديث: جواز اللعن والسب لبعض الأشخاص لمن يستحق اللعن، وهذا مستثنى من الأحاديث السابقة التي فيها النهي عن اللعن والسب.
وفيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لعن هذين الرجلين، كما لعن رِعلًا وعصيَّة وذكوان الذين قتلوا القراء، فقنت شهرًا يدعو عليهم ويلعنهم
(1)
، وكما لعن النبي صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية، وشيبة بن ربيعة، والحارث بن هشام
(2)
، فهذا مستثنى من النهي عن اللعن.
وفيها: دليل على أن من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم وسبه أو جلده- وهو ليس لذلك بأهل- فإن اللعن يكون زكاة له ورحمة وقربة تقربه من الله، كما اشترط النبي صلى الله عليه وسلم على ربه، وهذا من فضل الله تعالى وإحسانه.
وفيها: شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته، والاعتناء بمصالحهم والاحتياط لهم والرغبة في كل ما ينفعهم، بحيث إنه اشترط على ربه عز وجل أن من لعنه أو جلده- وهو ليس لذلك بأهل- أن يجعله الله له زكاة ورحمة وقُربة.
لكن هذا مقيد بأن يكون ليس أهلا للسب واللعن مع كونه مسلما، أما إذا دعا عليه وسبه وهو أهل لذلك فلا يكون له رحمة، كما لعن النبي صلى الله عليه وسلم السارق، والزاني، وشارب الخمر، ولعن آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه، ودعا على الكفار والمنافقين.
(1)
أخرجه البخاري (4091)، ومسلم (677).
(2)
أخرجه البخاري (4070).
[2601]
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ- يَعْنِي: ابْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِزَامِيَّ- عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَّخِذُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ آذَيْتُهُ شَتَمْتُهُ لَعَنْتُهُ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً، وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
حَدَّثَنَاه ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: أَوْ جَلَدُّهُ، قَالَ أَبُو الزِّنَادِ: وَهِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَإِنَّمَا هِيَ: جَلَدْتُهُ.
حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ مَعْبَدٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِنَحْوِهِ.
قوله: ((فَاجْعَلْهَا لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً، وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)): صلاة أي: ثناء عليه، وزكاة أي: طهارة له من المعاصي، وقربة أي: تقربه إلى الله.
وقول أبي هريرة رضي الله عنه: ((أو جَلَدُّهُ)): هذه لغة دوس قبيلة أبي هريرة رضي الله عنه، فإنهم يبدلون التاء دالًا، ويدغمون الدال الأولى فيها، فأصلها:((جَلَدْتُهُ))، فصارت بعد الإبدال والإدغام:((جلدُّه)).
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ سَالِمٍ- مَوْلَى النَّصْرِيِّينَ- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ، أَوْ سَبَبْتُهُ، أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:((اللَّهُمَّ فَأَيُّمَا عَبْدٍ مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ، فَاجْعَلْ ذَلِكَ لَهُ قُرْبَةً إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ زُهَيْرٌ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((اللَّهُمَّ إِنِّي اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ، فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ، فَاجْعَلْ ذَلِكَ كَفَّارَةً لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
[2602]
حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ قَالَا: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ((إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي عز وجل أَيُّ عَبْدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا)).
حَدَّثَنِيهِ ابْنُ أَبِي خَلَفٍ، حَدَّثَنَا رَوْحٌ. ح وَحَدَّثَنَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، بِهَذَا الْإِسْنَادِ مِثْلَهُ.
قوله: ((إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي عز وجل أَيُّ عَبْدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ شَتَمْتُهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا)): فيه: اشتراط أن يكون مسلمًا، أما الكافر فلا يكون له السبُّ واللعنُ والجلدُ زكاةً ولا طهارةً ولا كفارةً؛ لأنه لا بد من
الإيمان، فهنا شرطان حتى يكون له ما ذُكر رحمةً وصلاةً وقربةً:
الشرط الأول: أن يكون مسلمًا.
الشرط الثاني: أن يكون ليس بأهل للسب، ولا للجلد، ولا للعن.
[2603]
حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، وَأَبُو مَعْنٍ الرَّقَاشِيُّ- وَاللَّفْظُ لِزُهَيْرٍ- قَالَا: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ، فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَتِيمَةَ، فَقَالَ: آنْتِ هِيَهْ؟ ! لَقَدْ كَبِرْتِ، لَا كَبِرَ سِنُّكِ، فَرَجَعَتِ الْيَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيْمٍ تَبْكِي، فَقَالَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ: مَا لَكِ يَا بُنَيَّةُ؟ قَالَتْ الْجَارِيَةُ: دَعَا عَلَيَّ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنِّي، فَالْآنَ لَا يَكْبَرُ سِنِّي أَبَدًا، أَوْ قَالَتْ: قَرْنِي، فَخَرَجَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ مُسْتَعْجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا حَتَّى لَقِيَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:((مَا لَكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ؟ ))، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَدَعَوْتَ عَلَى يَتِيمَتِي؟ قَالَ:((وَمَا ذَاكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ))، قَالَتْ: زَعَمَتْ أَنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنُّهَا وَلَا يَكْبَرَ قَرْنُهَا قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ:((يَا أُمَّ سُلَيْمٍ أَمَا تَعْلَمِينَ أَنَّ شَرْطِي عَلَى رَبِّي أَنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي، فَقُلْتُ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا، وَزَكَاةً، وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
وقَالَ أَبُو مَعْنٍ: يُتَيِّمَةٌ بِالتَّصْغِيرِ فِي الْمَوَاضِعِ الثَّلَاثَةِ مِنَ الْحَدِيثِ.
قوله: ((آنْتِ هِيَهْ؟ ! )): بكسر الهاء الأولى وفتح المثناة، وسكون الهاء الأخيرة، قال الأُبِّي رحمه الله:((الهاء في ((هِيَهْ)): للوقف وتسقط في الدرج، وهو استفهام على معنى التعجب، وكأنه رآها صغيرة ثم غابت عنه مدة فرآها قد
طالت، فتعجب من سرعة ذلك، وقال ذلك متعجبا، ووصل كلامه بـ ((لَا كَبِرَ سِنُّكِ)): على ما قلناه من الدعاء الجاري على غير قصد))
(1)
.
قولها: ((قرني)): القرن أهل كل زمان
(2)
، والسن والقرن سواء، يقال: هو سنه وقرنه، أى مماثله فى المولد، فكأن قال لها: لا طال عمرك؛ لأنه إذا طال عمرها طال عمر قرنها.
وقوله: ((لَا كَبِرَ سِنُّكِ)): هذه دعوة ليست لها بأهل، وهذه من الكلمات التي تجري على اللسان بدون قصد، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يمازحها بقوله:((لَا كَبِرَ سِنُّكِ))، فذهبت اليتيمة إلى أم سليم رضي الله عنها، وقالت: دعا عليَّ النبي صلى الله عليه وسلم، والآن لا يكبر سني، فاستعجلت أم سليم رضي الله عنها تلوث خمارها، يعني: تديره على رأسها؛ لتدرك النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت:((يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَدَعَوْتَ عَلَى يَتِيمَتِي؟ قَالَ: وَمَا ذَاكِ يَا أُمَّ سُلَيْمٍ، قَالَتْ: زَعَمَتْ أَنَّكَ دَعَوْتَ أَنْ لَا يَكْبَرَ سِنُّهَا وَلَا يَكْبَرَ قَرْنُهَا))، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، وبيَّن لها أن هذا من الدعاء الذي يجري على الألسنة بغير قصد، وقال:((إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا، وَزَكَاةً، وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ)).
(1)
إكمال إكمال المعلم، للأُبّي (7/ 45).
(2)
الصحاح، للجوهري (6/ 2180)، النهاية، لابن الأثير (4/ 51).
[2604]
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى الْعَنَزِيُّ. ح، وَحَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ- وَاللَّفْظُ لِابْنِ الْمُثَنَّى- قَالَا: حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الْقَصَّابِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَوَارَيْتُ خَلْفَ بَابٍ قَالَ: فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً، وَقَالَ:((اذْهَبْ، وَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ))، قَالَ: فَجِئْتُ، فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ، قَالَ، ثُمَّ قَالَ لِيَ:((اذْهَبْ، فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ))، قَالَ: فَجِئْتُ، فَقُلْتُ: هُوَ يَأْكُلُ، فَقَالَ:((لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بَطْنَهُ))، قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: قُلْتُ لِأُمَيَّةَ: مَا حَطَأَنِي؟ قَالَ: قَفَدَنِي قَفْدَةً.
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، أَخْبَرَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ، سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاخْتَبَأْتُ مِنْهُ، فَذَكَرَ بِمِثْلِهِ.
قوله: ((فَحَطَأَنِي حَطْأَةً)): فسَّرها الراوي بـ ((قَفَدَنِي قَفْدَةً)): بقاف ثم فاء ثم دال مهملة، وهو: الضرب باليد مبسوطة بين الكتفين، وإنما فعل هذا بابن عباس رضي الله عنهما ملاطفة وتأنيسا.
وفي هذا الحديث: ممازحته صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما، فقد دعا ابن عباس رضي الله عنهما وكان غلامًا صغيرًا لم يناهز الاحتلام، كان ابن عشر سنين أو أقل- دعاه فتوارى خلف الباب، فضربه بيده بين كتفيه من باب المزاح، وقال له:((اذْهَبْ، وَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ))، فذهب ودعا معاوية رضي الله عنه، فلم يأت، ثم أرسله مرة ثانية، وقال:((اذْهَبْ، فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ))، فلم يأت، وتأخر عليه، وقال: إنه يأكل يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((لَا أَشْبَعَ اللهُ بَطنَهُ))، وقد اختلف العلماء في هذا الدعاء، فقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم دعا عليه بأن يأكل كثيرًا، وهذا فيه منقبة له؛ لأنه يتلذذ بالأكل، ولا يزال يأكل، والملوك يتلذذون بالأكل لكثرة المشتهيات، ولا يشبع لكونه لا يتعب فيترك الأكل، وهذه منقبة له.
وقيل: إنه دعا عليه، وليس أهلًا لذلك، فتكون له زكاة ورحمة وقربة، وهذا هو الذي فهمه الإمام مسلم رحمه الله؛ ولهذا أدخل هذا الحديث في هذا الباب.
وقيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقصد حقيقة الدعاء، وإنما جرى على لسانه بدون قصد، كقوله:((عَقْرَى حَلْقَى))
(1)
، فهذه ثلاثة أجوبة عن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما.
(1)
أخرجه البخاري (1561)، ومسلم (1211).